لا شك ان موضوع المرأة لا يزال من أخصب المواضيع التي يكثر بخصوصها وحولها الجدال والسجال والكلام الى حد التخمة الفكرية, فهو لم يعد موضوعا مرتبطا بيوم عالمي تخلد من خلاله نساء العالم يومهن , وينظمن تجمعا لتدارس قضاياهن وما يتصل بها , بل اصبح موضوع كل الساعات والمناسبات , وكأن المراة تعيش حالة مرضية تقتضي استنفار كل هذا الجهد الفكري والسياسي والثقافي لاعادة الاعتبار لكيانها وشخصيتها. نحن في هذا المقام لا نجهل ان ثمة واقعاً مريراً تعيشه المرأة في العالم المعاصر لاسباب ذاتية وخارجية نعلم جميعا العديد منها , ولكن الذي نعرفه معرفة جيدة هو أن تركيز الخطاب حول قضايا المرأة في المرحلة الراهنة بالذات ترتكز على خلفية أيديولوجية دولية تسعى من خلاله الى اخضاع كل نساء العالم , وخصوصا نساء العالم الاسلامي , الى نمط نسوي محدد المعالم لابد من اقتباسه والقبول بنموذجه وشكله المرفوض. ولكي ينجح المخطط لابد من عولمة المرأة , خطابا ونموذجا , وذلك بعقد المؤتمرات واللقاءات وتأسيس الجمعيات والمنتديات النسوية في مختلف بقاع العالم , ومنها على وجه الخصوص دول العالم الاسلامي الذي ترفض نسائه الحرائر , قبل رجالهن مبدأ المساومة من جل استنساخ نموذج نسوي غربي تكشف مجريات الواقع عن فشله في اقامة مجتمع سليم واسرة متكاملة قائمة على ارضية المساكنة بين الزوجين , فعاشت المرأة – وما تزال في هذا المجتمع – تعاسة لا حدود لها بعد مافقدت الصفات الاساسية المكونة لانوثتها في عالم اكرهها على دخول حلبة الصراع من اجل البقاء والحياة . المرأة والتحديات الحضارية : ان المتعاطي مع موضوع المراة لايخرج عن دائرة التعاطي مع مواضيع اخرى هي من نتاج العلاقة المشبوهة بالغرب , الذي قتل في الامة الكثيرمن العناصر الاسلامية للحصانة الثقافية , وملا فراغات ثقافاتنا بمرجعيات تعيش على اقتباس منهج ثقافي من خارج الذات لتقوم ما بالامة من اعوجاج يزيد حدة مع توالي تاريخ الانحطاط . فعولمة المراة مثله مثل عولمة الطفل , وعولمة الاسرة جزء من منظومة ترعاها منظمات الاستكبار العالمي التي لن تنجح في تمرير مخططاتها المدمرة للثقافة والعقائد ما لم توحد خطابها الموجه للشعوب المستضعفة , ويعتبر مشروع عولمة الخطاب حول المرأة أهم خطوة لتحقيق ما تصبو اليه تلك المنظمات التي تقتل في الانسان – يوميا – آدميته وشعوره بالاستقرار والسكينة . ان موضوع المرأة خاصة , والاسرة عامة , يشكل اكبر التحديات الحضارية الواجب التصدي لها بكل مسؤولية , كل بحسب تخصصه ومؤهلاته ومركزه , وامكاناته المادية والمعنوية , لان المعركة في النهاية معركة حضارية بين منظومتين في عالمنا الاسلامي : منظومة اسلامية تدعو الى اعادة الاشياء الى اصلها , والدعوة الى رد الانسان الى فطرته , ومنظومة تدعو الى التسيب في الفكر والسلوك , المؤدي الى موت الانسان بأسم الحرية . أكذوبة الدفاع عن المرأة : من هنا يكون الحديث عن موضوع المرأة والبحث في اشكالاتها العامة والخاصة , جزء من الجهد المبذول في مجال تصحيح الوعي الاسلامي من الزيف الثقافي الذي اصابه , والعمل على تبصير ابناء الامة , وخاصة منهم النساء , بحقيقة اكذوبة الدفاع عن المرأة وخطورة الانجراف وراء سراب تيار تحرير الوعي المسلم من قيم الدين الاسلامي ,, والجري وراء اطروحات وشعارات يتم استهلاكها يوميا على المستويات السياسية والثقافية والاعلامية لاخفاء حجم التبعية للغرب الامبريالي في نسخته الذي يجعل من التعامل في قضية المرأة وملحقاتها مهما اذا كان خارج اطار التوظيف النفعي والايديولوجي , الذي لن يحدث في نهاية المطاف سوى نتيجة واحدة هي مركزية المرأة التي تعطيها فرصة ابراز خطابها الاستعلائي تجاه الرجل , وهو خطاب لا يمس الرجل فقط , بقدر ما يمس – كذلك – مؤسسة الاسرة بشكل خطير بحيث سيصبح وجود المرأة , وفق خطاب العولمة والمركزية ,مجرد جسد هو رأس مالها في عالم يستهلك اكثر مما ينتج , فتتحول وظيفة المرأة من دائرة المشاركة في فعل العمران البشري الى دائرة التدمير والتخريب المدني , من خلال خطاب يعولم كل شئ , بعدما كانت تدافع عن حقها في الوجود . اننا لا ننكر ضرورة البحث في قضايا المرأة عامة , لان ذلك جزء لا يتجزأ من البحث عن مداخل التنمية والنهوض , ولكننا ننكر ان ينفصل هذا الموضوع عن موضوع الرجل اذا وضع هذا الاخير – في العالم الاسلامي – ليس بالوضع الصحيح , كما يتوجب عدم تغييب الذات والاقتصار فقط على ما عند الغير من مشاريع وتجارب , فلدى المسلمين الكثير من أمكانات البذل والعطاء والمبادرة , ان اقصاء المسلمين من منتديات الحوار حول المرأة دليل على عدم رغبة المنظمات النسوية التابعة لمنظمات الاستكبار العالمي في اشراكهم , وذلك دليل اخر على رفض العالم لكل ما له صلة بالثقافة الاسلامية التي يتهمونها بالرجعية والتخلف والقصور . لكن السؤال المهم في هذا الصدد الذي نوجهه لمتزعمي منهج عولمة المرأة من ابناء العالم الاسلامي هو : كيف تطلبون منا ان نطبق نموذجا غربيا يثبت الواقع اخفاقه في عقر داره ؟ لاريب انها ازدواجية نابعة من الانغماس في الحضارة الغربية الى حد الانبهار والذوبان , ولا خلاص من هذه الازدواجية سوى تطبيق المنهج الاسلامي في اعادة بناء شخصية الانسان المسلم الذي سوف يعيد النظر من منطلق الدينو الواقع . ان المجتمع الاسلامي – للأسف الشديد – ومنذ فترة طويلة يعيش هذه الازدواجية بحكم مجموعة من المستجدات والمتغيرات , لايمكن التخلص منها الا اذا تبنى رؤية صارمة تقوم على مبدأي الانتقائية والتوفيقية , اي انتقاء ما هو مفيد للمرأة والاسرة على وجه التحديد , وهو ما من شأنه ان يسير بالمجتمع نحو الامام بخطى ثابتة تكفل له الاستمرارية والتوفيق بين كل جديد , والمبادئ الراسخة في المجتمع , فليس كل ما هو صالح للغرب هو بالضرورة صالح لنا , وعليه فأن احترام الهوية والخصوصية هو السبيل الانجح للتخلص من هذه الازدواجية , وقبول الانسلاخ والرضوخ للغرب الذي لا يقبل بالتبعية المطلقة في اطار ما يسمى بالعولمة .