بعد غزوتي بدر و أحد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأمين أطراف الجزيرة العربية ، حتى تكمل السيطرة للمسلمين ، ويتم الاعتراف بدولة الإسلام ، فتفرغ لذلك ، ثم بلغه أن قبائل حول دومة الجندل تقطع الطريق وتنهب الناس ، وقد حشدت جمعها لمهاجمة المدينة ، فبادرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج إليهم في ألف من المسلمين بعد أن استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه ، فكانت هذه الغزوة في السنة الخامسة للهجرة . وكان الجيش يسير في الليل ، من أجل إخفاء الأمر ومباغتة العدو ، ويستريح في النهار ، فلما وصل جيش المسلمون ديار العدو ،هاجموا الماشية ورعاتها ، فأصابوا منها ما استطاعوا ، وهرب الباقي . ثم نزل المسلمون منازل أهل دومة الجندل فلم يجدوا فيها أحدا ؛ حيث فر القوم وانتشروا في النواحي خوفاً من المسلمين ، ولم يكتفِ المسلمون بذلك وإنما بقي الرسول وأصحابه أياماً لتتبع القوم ، وبعث السرايا ، ولكنهم لم يعثروا على أحد منهم . بعد ذلك عاد الجيش الإسلامي إلى المدينة منتصراً غانماً . يقول صاحب الرحيق المختوم : "بهذه الإقدامات السريعة الحاسمة ، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بسط الأمن ، وتنفيذ السلام في المنطقة والسيطرة على الموقف ، وتحويل مجرى الأيام لصالح المسلمين ، وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي كانت قد توالت عليهم ، وأحاطتهم من كل جانب" . وبذلك ظهرت قوة المسلمين ؛ فاستكان المنافقون والبدو الأعراب ، وحادت قريش عن المواجهة ، فكانت فرصة للمسلمين في نشر الإسلام وتبليغه ، ولله الحمد والمنّة .