الحمد لله, وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد, فقد أثار دعاةُ السّفور عدداً من الشُبه تأييداً لرأيهم في السّفور وكشف الوجه وهي شُبه ضعيفة الحجة ، واهية الأساس ، لا يعسر على كلّ منصف دحضها بسهولة ، ودمغها بطرفة عين . الشبهة الأولى : - يقول بعضهم لو أنّ الدين الإسلامي أمر بستر وجه المرأة لما كان هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر ، فعن أي شيء يغضون أبصارهم ما دامت النساء يرخين الحجاب على الوجوه ؟! . يقول الشيخ محمد الغزالي [1] – سامحه الله - : (إذا كانت الوجوه مُغطاة فممّ يغض المؤمنون أبصارهم ؟ كما جاء في الآية الشريفة : ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبير ٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)). (النور:30) . أيغضون عن القفا والظهر ؟ الغضُّ يكون عند مطالعة الوجوه بداهة ، وربّما رأى الرجل ما يستحسنه من المرأة فعليه ألا يعاود النظر عندئذ كما جاء في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي – رضي الله عنه - : (( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة )) . الجواب من وجوه : 1- أنّ الدعوى والشبهة المذكورة حجة عقلية لا ينبغي أن تُقدم على الأدلة النقلية الشرعية الثابتة ، ولو كان الدين يؤخذ وفق هذه المسالك العقلانية ، لاضطرب نظامه وتهدّمت أركانه ، واختل توازنه ، وحار أتباعه ! ولكنّه تنزيلٌ من حكيم حميد ، نزل به الروح الأمين . 2- أنّ الأمر بغض البصر لا يبرر كشف النساء لوجوههن لأنّ العليم الخبير ، يعلم أنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من كافرات سافرات ، ومشركات عاهرات وكتابيات متبرجات ، ومسلمات فاسقات فلزم غض البصر عمن لم يلتزمن الحجاب من هؤلاء وأشباههن . 3- لا أحد يدّعي أنّ الأمر بغض البصر يكون عن المسلمات فقط بل هي عامة والنصوصُ المستفيضة في الكتاب والسُنّة لم تفرق بين مسلمة وكافرة . فكان غضّ البصر مقاماً راسخاً من مقامات السلوك الإسلامي الشريف . 4- إنّ الاحتجاج بآية غض البصر على جواز سفور الوجه منهج غير منضبط ، ومسلك غير محكم وإلا لأبحنا كشف الشعر والنحر بل واليدين والساقين والركبتين لأنّ الرجال ملزمون بغض الأبصار ؟! . 5- أنّ المرأة مهما بالغت في التستر فإنّه قد يحدث في بعض الأحيان أن ينكشف شي رغماً عنها ، كأن تعصف الريح فتكشف شيئاً من أعضائها أو يفاجأ الأجنبي برؤيتها أو تحتاج للكشف ( للخطبة ، أو العلاج أو الشهادة ) فيكون نظر الرجل إليها بقدر الحاجة وما زاد عن ذلك فيكون منهياً عنه . ( الشهب والحراب على من حرّم النقاب ص (111) . أقوال المفسرين في معنى الآية . قال ابن كثير (التفسير 6/ 43) : ( هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلا ما أباح الله لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحَرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً ) . الشبهة الثانية: قالوا في قوله تعالى : ((لَا مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)) . (الأحزاب: 52 ). فلو كانت الوجوه محتجبة لما أمكنه معرفة حُسن وجوههن ومن ثم الإعجاب بتلك الوجوه الحسناوات !! . يقول الدكتور يوسف القرضاوي[2] : ( وهذه الآية تقرر أنّه لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم الزواج من بعد ولو أعجبه حسن بعض النساء ، والإعجاب يكون نتيجة الرؤية ، والرؤية تقتضي كشف الوجه ، والمقصود بالرؤية : الرؤية العابرة عند اللقاء بالرجال أو المرور أمامهم .. فمن أين يعجبه حُسْنهن إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق ..) . الجواب عن هذه الشبهة : 1- وكما تقدم في الجواب عن الشبهة الأولى فإنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من نساء سافرات أما بسبب الديانة كالكتابيات أو الجهل كالأعرابيات أو بسبب صغر السن أو غير ذلك . فالمحتج بالآية على السفور موغل في تصور وافتراض المثالية في المجتمعات البشرية ، يظن أنّ كلّ المجتمع في شقه النسائي على قلب امرأة واحدة تقوى وورعاً والتزاماً . وقد غاب عن ذهنه أنّ مجتمع المدينة كان يغصُّ بالكتابيات من قبائل اليهود المشهورة آنذاك كبني النضير وقريظة وقينقاع . 2- إنّنا نتساءل ألا يوجد وسيلة لمعرفة حُسن المرأة إلا برؤيتها المباشرة سافرة ؟ ألا يمكن أن يعرف حسن المرأة بالوصف ، وبواسطة النقل أو الاشتهار والتواتر ؟! ألم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قوله ( ولا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه يراها .. 3- قال السيوطي في الإكليل (ص 213) : قوله تعالى : ((ولو أعجبك حُسنهن )) (الأحزاب:52) . قال ابن الفرس فيه دليل على جواز النظر من الرجل إلى التي يريد نكاحها ) . الشبهة الثالثة : أنّ السفور كذلك ضروري في معرفة شخصية المرأة عند الإدلاء بالشهادة أو في حالة الكشف عن الجنايات ! الجواب : إنّ مسألة تعميم حكم شرعي لعامة الناس لا ينبغي أن يخلط مع مسألة خاصة وحالات خاصة . فكوننا نحتاج احتياجاً لا مفر منه للكشف عن شخصية امرأة ما للإدلاء بالشهادة أو التحقيق في جناية لا يُخوِّل لنا أن نفتي بجواز سفور كل النساء من أجل حادثة عين ، وخصوصية شخصية !! والشارع الحكيم لم يُغفل إيجاد الرُّخص عند الحاجة وإباحة المحظورات عند الضرورات فالله يقول : ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ)) . (الأنعام:119) . ومن ذا الذي يمنعُ من القائلين بوجوب ستر وجه المرأة من كشفه عند الحاجة من شهادة أو خطبة أو تحقيق جناية ؟! . في صحيح البخاري قال سعيدُ بن أبي الحسن للحسن : إنّ نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك عنهن ، يقول الله عز وجل : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور:30) . الشُبهة الرابعة : أن كشف الوجه يزيل [3] المشقة في التغطية لا سيما في المناطق الحارة فيكون النقاب رهقاً وعناءً !! بل إنّ عبد الحليم أبا شقة ليعتبر الحجاب وإن كان للرأس فقط دون الوجه والكفين مصيبة تتطلب الصبر والرضا بالقضاء والقدر . ففي كتابه تحرير المرأة ( 4/ 229) يقول : ( إن كان في الستر الشرعي لجميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين بعض مشقة على المرأة في الأجواء الحارة فهذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، وعلى المرأة الصبر والرضا بقضاء الله)!!! والجواب عن هذه الشبهة أن نقول : ولنا أن نعكس القضية ؛ فما ذا عساه تكون الحال في البلاد الباردة ألا يكون دفئاً وراحة ؟!! ثم هل في أحكام الشريعة مشقة والله يقول : ((طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) ويقول : (( ماجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) . (طه:1) . ويقول عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (( يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الأعراف: 157) . وغير ذلك من الآيات الكثيرة . ثم لو كانت القضايا الشرعية تُعامل بهذه الصورة الفوضوية لساغ لنا أن نهجر المساجد في شدة الحر ونؤجل الحج في المواسم الحارّة وغير ذلك ممّا يؤدي بنا إلى الانسلاخ من شرائعنا ، والتخلص من شعائرنا عياذاً بالله . الشبهة الخامسة: ومن الشُبه كذلك بل من الدعاوى الجريئة : (إنّ تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ، ولا ترتاح إليه اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية ، وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) [4] . بل بالغ أحدهم [5] إلى أبعد من ذلك فزعم أنّ تغطية الوجه بدعة ، وأن من حجبت وجهها آثمة تستوجب العقوبة من الله عز وجل ، ووضع في ذلك كتاباً أسماه : (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) !! . الجواب عن هذه الفرية : إنّ هذه الدعوى الجريئة ، والفرية الخطيرة لو صدرت عن شخص مجهول لقلنا جازمين إنّه لم يشم للعلم رائحة ولم يطلّع من التفسير على كتاب واحد ، ولم يتأمل من السُنّة أي حديث ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً !! لكن أن يتصدى لهذه الدعوى الغليظة شخص كالغزالي فهو أمر غاية في العجب ، ونهاية في الغرابة !! فكيف يكون تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ؟!! دعونا من إعادة ذكر الأدلة التي تناهز الخمسين دليلاً على وجوب تغطية الوجه لعموم النساء ، ونكتفي فقط بما يدّعيه كلُّ مبيحي السفور بأنّ النصوص الواردة في حجاب الوجه خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فنقول فهل كان تغطية عائشة رضي الله عنها التي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ذات ثمان عشرة سنة فقط – أي أصغر من كثير من طالبات الجامعات التي يشير إليهن الغزالي – أقول هل كان تغطية عائشة لوجهها تطرفاً لا يقره الشرع الإسلامي ؟! أليس حجاب أمهات المؤمنين – على الأقل – محلّ إجماع بين علماء الإسلام كافة ؟! . أفيجتمعون على تطرف لا يُقرِّه الشرعُ الإسلامي ؟! وهل كانت أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – متطرفات ؟! وهل كان نبيُ الرحمة والشفقة والعدل والوسط متطرفاً ؟! ثم قوله : ( ولا ترتاح إليه اللوائح ، والتعليمات المدرسية أو الجامعية ) فأقول متى كانت اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية حاكمة على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهل ارتاحت تلك التعليمات واللوائح يوما ما إلى شريعة الإسلام ؟ وهي التي استوردت بعجرها وبجرها من لوائح وتعليمات وقوانين أوربا ؟! أليس الذي استورد تلك التعليمات واللوائح والقوانين هو طه حسين وشرذمته إبان توليه منصب وزير المعارف في مصر وهو القائل بالحرف الواحد : ( السبيل أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، وما يحب منها وما يكره وما يُحمد منها وما يُعاب ) (الاتجاهات الوطنية 2/ 229) ثم هل الطالبات في مدارس وجامعات مصر اكتفين بكشف الوجه والكفين أم حسرن عن الشعور والنحور، والأذرع والسيقان ؟! وهل هذا هو ما يقره الشرع الإسلامي ؟! أم تتفق فقط مع التعليمات واللوائح الغربية المستوردة ؟! . ثم قوله : (وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) !! فسبحان الله ! أيكون التستر والتصون والعفاف شذوذاً مظهرياً مُريباً ؟! أيكون حجاب الوجه عن النظرات الجائعة ، واللحظات الخائنة شذوذاً مظهرياً مريباً ؟! أيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ) أي حال إحرامها كما رواه البخاري إقرار لغير المحرمة بالشذوذ المظهري المريب ؟! ومن العجيب المحير أن يجترئ الغزالي على التصريح بكلام مثل هذا في وقت أجمع العلماء كلهم – حتى مبيحو السفور على مشروعية النقاب وأنّه مستحب على الأقل ! فهل كلُّّ هؤلاء دعاة شذوذ مظهري مريب ؟! رحم الله الشيخ وغفر له فقد شطح قلمه بما أثلج صدور قوم لم يذرفوا عليه دمعة واحدة بعد موته أو يدعوا له بدعوة صادقة تنفعه في قبره ! أما مناقشة صاحب تحريم النقاب فهي مضيعة وقت مع دخيل على العلم ، متطفل على موائده ، لا يعرف له أصولاً ، ولم يشم له رائحة ، وحسبنا أنّه قول شاذ منحرف لم يُسبق إليه ولم يتابعه عليه أشد المتحمسين إلى السفور من علماء أو علمانيين!! الشبهة السادسة: ومن الشُبه أنّ الحجاب الشرعي عادة وعرف وليس تشريعاً !! يقول د/عبد الحليم أو شقة في ( تحرير المرأة 4/ 229) : ( صحيح أنّ الشارع حين وجد بعض النساء يلبسن النقاب ويألفنه ، وأصبح عرفاً لهن لم ينكر عليهن ، لكنه أيضاً لم يشرع استحسانه ولم يندب إليه ويحض عليه بل تركه تقديراً للعرف والإلف وتوسعة على الناس فيما ألفوه وتعارفوا عليه) بواسطة حجاب المسلمة فؤاد البرازي ص 17 . قلت : وهي امتداد [6] لافتراءات قاسم أمين القائل: ( إنّ الشريعة ليس فيها نصٌ يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة ، وإنّما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها ، وبالغوا فيها ، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها) . الجواب عن هذه الفرية والإفك المبين من وجوه : الوجهُ الأول : الزعم بأنّ الشارع لم يشرع للنساء النقاب لا استحساناً ولا ندباً ولا حضاً زعمٌ غير مسبوق لا نعرف عالماً معتبراً قال به قبل أبي شقة ، وهي من أشد أنواع الافتراءات فجاجة وجراءة!! وقائله إما جاهل بعشرات النصوص من الكتاب والسُنّة الآمرة بحجاب الوجه أو مكابر لا يريد أن يعترف بخطأ مذهبه في السفور فيريد تمريره بطريقة تفتقد منهج البحث العلمي ، وأصالة الحوار الفقهي الرصين . وإلا فأين هو عن قوله تعالى : (((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53) . أليس في هذه الآية أمرٌ بالحجاب التام ، فضلاً أن تكون استحساناً أو ندباً أو حضاً عليه ؟! وأين هو من قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)) (الأحزاب: 59) . الآية أليس لفظة (يدنين) أمراً دالاً على الوجوب والإلزام فضلاً عن أن تكون استحساناً أو ندباً أو حظاً ؟ وإذا زعم أنها غير دالة على الحجاب فليجب عمّا ذكره في مواضع من كتابه بأنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مأمورات بتغطية الوجه بدلالة هذه الآية ؟! . ولا داعي لسوق عشرات الأدلة التي تفرض حجاب الوجه فرضاً لا مجرد استحسان أو ندب أو حض في هذا المكان مرة أخرى . الوجه الثاني : أنّه في قوله هذا ، خالف حتى القائلين بجواز السفور ؛ فإنّ أشهر المعاصرين من العلماء المعتبرين وهو علّامة الشام ناصر الدين الألباني يرى استحباب حجاب الوجه ، وإن لم يقل بوجوبه ، فمن العجيب أن يستند أبو شقة إلى كثير من آراء الألباني حين توافق مزاعمه لكنه يتجاهلها تماماً حين تصطدم بآرائه الشاذة وفيما يلي نصّ كلام الألباني والذي يرى أن ستر الوجه ليس مجرد سائغ وجائز بل هو أفضل من كشفه فيقول : (لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أنّ كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل ) جلباب المرأة المسلمة ص 28 . قلت : وقد ساق الألباني ثمانية أدلة شرعية صحيحة ثابتة تدل على أن حجاب الوجه ،رغم إنكاره لوجوب الحجاب فلتراجع في جلباب المرأة المسلمة [7] . الشبهة السابعة: ومن الشُبه والدعاوى المريرة ما ذكره الشيخ محمد الغزالي بقوله : ( فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زيا من صميم الأزياء الجاهلية البائدة ، التي عفا عليها الزمان ، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ولن يبقي فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي قاسم أمين) .[8] . الجواب عن هذه الدعوى والفرية العظيمة من وجوه : الوجه الأول : هل المرأة في الجاهلية كانت متصونة أم متبرجة ؟ لنستمع إلى القرآن وهو يحذر نساء الأمة من مشابهة نساء الجاهلية بقوله : ((وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) . فأيهما نُصّدق القرآن الكريم ، كلام رب العالمين ، أم كلام الغزالي ؟! صحيح أنّ النساء في الجاهلية كان يُوجد منهن من تنتقب بل وتغطي وجهها عادة وتقليداً لكنّ السمة الغالبة هي السفور والتبرج ولذا نزل قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (سورة الأحزاب: 59) . وهي آية الحجاب كما قال ابن كثير وغيره ، فإذا بمجتمع المدينة تنقلب نساؤه كالغربان من لبس الأكسية السوداء السابقة فهل كان فعل نساء الصحابة بعد نزول الحجاب يعد من أفعال الجاهلية البائدة ؟! ثم ما بال الشيخ ينتقد المرأة الجاهلية هنا لأنّها متنقبة متصونة ثم تراه ينبري مدافعاً عنها، مادحاً لها في مقالته التي هي بعنوان : (الجاهلية العربية أشرف) حيث يقول : ( إنّ الجاهلية العربية الأولى كانت أشرف من جاهليات اليونان والرومان،لا سيما في الوضع الاجتماعي للمرأة .. إلى أن قال : (أما النظرة إلى المرأة والتشرف بصونها والاستقتال في حمايتها فخلق عربي لا يكاد الرومان أو اليونان القدامى يعرفون شيئاً عنه !! وتدبر قول عمرو بن كلثوم في معلقته
على آثارنا بيضٌ حسانٌ *** نحاذرُ أن تقسَّم أو تهونَا إذا لم نحمهنّ فلا بقينا *** لشيءٍ بعدهنّ ولا حيينا .