استطاع بنو أمية أن يسيروا بالعرب في طريق القوة والمنعة، وأنيصونوا تراثهم من الضياع ، وذلك من حيث الاحتفاظ بالروح الإسلامية ، وكذلك اتساع الدولةالإسلامية، وأيضاً من حيث الحركة العلمية.
ولعل المهم هنا هو ما برهنه العرب في العصر الأموي من حيث نشاطهم العمراني علىأنه من الشعوب المتحضرة الكبرى، ولذلك نجد هم وقد احترموا تراث الماضين ، واهتموابالتعمير ، وأحاطوا رجال الفن والصناعة في البلاد المفتوحة بالرعاية، ولعل لاختياردمشق مركزاً للخلافة الأموية أثره الكبير في تأثرهم ببعض الطرز الفنية التي كانتتسود بلاد الشام ، حيث كانت تزدهر مدارس الفن الهلنستي والبيزنطي المتأثر ببعض أساليبالفن الساساني وذلك بحكم طبيعة الجوار، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتأثر المسلمونبأساليب البناء والفن تلك عندما بدءوا يقيمون لأنفسهم منشآت دينية ومدنية وحربيةتضاهي في عظمتها منشآت البيزنطيين.
إضافة إلى ذلك لم يأنف العرب من أن يتتلمذوا على أيدي أرباب الحرف والفنانين منالسوريين والقبط والفرس وغيرهم ، ومن هنا نجد أن الفن المعماري والفنون الصناعيةالإسلامية في العصر الأموي تعتمد أساساً على التقاليد الفنية المحلية.
ولأن الأمويين كانوا يميلون إلى حب الترف والتظاهر به وإلى الأبهة والفخامةاهتموا بإنشاء القصور والصور والتماثيل وهذا ما تدل عليه الآثار الأموية الباقية منالقصور الخلافية التي يتجلى فيها ميل الأمويين إلى الفن وانجذابهم إلى البادية ، حيثالتمتع بهدوء الصحراء التي عاش فيها آباؤهم قبل عصر الفتوحات وحن إليها أبناؤهم،ولا شك أن البادية هي التي نبعت منها ملكات العرب الفكرية من الحس والشعور والخيالوهي كذلك مصدر إلهام شعرائهم وحكمائهم ، ومن هنا آثر خلفاء بني أمية الذين لم تغنهمحياة الترف واللهو في المدن أن يقصدوا البادية للتنعم فيها بالراحة والهدوء ، ولهذافإن معظم قصورهم على حافة البادية.
ومن القصور التي تنسب إلى هشام بن عبد الملك قصر (خربة المفجر) الذي يقع على بعدثلاثة أميال شمال أريحا قريباً من البحر الميت، وكان قصراً شتوياً تزدان جدرانهبرسوم آدمية وحيوانية، ونشهد اسم هشام مسجلاً على أحد جدران القصر، وقد عثر في إحدىقاعات القصر على تمثال لفتاة تحمل حزمة من الأزهار، كما كان بلاطه من الفسيفساء الذيتتجلى فيه رسوم نباتية كلها ملونه بألوان زاهية، كما ينسب إلى نفس الخليفة قصر الحير الغربي الواقع على بعد أربعين ميلاً إلى الجنوب الغربي من تدمر، ولعله نفسالقصر الذي ذكره الطبري باسم الزيتونة ، وقد عثر في أطلال هذا القصر على نقوش عربيةوتماثيل من النوع التدمري الروماني ، وكان هذا القصر محاطاً بغابة من الأشجار والجناتتبقت آثارها، وهناك كذلك بقايا قصر يسمى الحير الشرقي يقع على بعد أربعين ميلاًشمالي شرقي تدمر ، وينسب بناؤه إلى نفس الخليفة أيضاً.
وقد اكتشف لويس موسل في سنة 1898م قصراً من القصور التي تنسب إلى الخليفةالوليد بن عبد الملك يسمى بقصر عمره ، وهو قصر صغير يقوم في الصحراء على جانب من واديبطم، وعلى مسافة تبعد نحو خمسين ميلاً من عمان، وقد أقام فيه هذا المكتشف ليلة منسنة 1901م ، وأقام فيه الفنان النمساوي (ميليخ) الذي قام بنقل بعض رسومه، وهذا القصرعبارة عن بناء صغير نسبياً يشتمل على حمام وقاعة للاستقبال، تنفتح على الجانبالجنوبي منها غرفتان من الجانبين أشبه بالخدعين، تنتهيان من الخارج بحنيتين ، وكانتأرضيه الغرف والقاعات تزدان بالفسيفساء التي تمثل زخارف نباتية ، أما الغرف الأخرىفكانت مكسوة بالرخام، وتزدان جدران الغرف بصور جدرانية ملونة من النوع المعروفبالفريسكو، أما جدران المخدع فتزدان برسوم تمثل أعداء الإسلام قيصر ولذريق وحسروونجاشي، كذلك يزدان الحمام بصور ملونة ومتعددة وجميع موضوعاتها هلينستية الطابع ، أماالتصاوير التي توجد في متحف دمشق حالياً من قصر الحير الغربي ففيها أثر من الفنالساساني فيما تجمع زخارف قصر المشتى بين التقاليد الفنية الساسانية والبيزنطية.
ومن هنا نجد أن الأمويين قد أبدعوا فنا في بناء القصور التي بقيت الآن شاهداًعلى مدى حبهم وعشقهم لحياة الترف والفخامة التي عرفوا بها.