المماليك البحـريـة وقضاؤهم على الصليبين في الشام

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : د/ شفيق جاسر أحمد محمود | المصدر : www.altareekh.com

 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه ،  وبعد:
 
فـما من زمن تفرق فيه المسلمون، وضعفت شوكتهم، وتكالب عليهم أعداؤهم، إلا ووفى اللّه تعـالى للمؤمنين بوعده في حفظ دينه، فيسر لهم من يجمع شملهم، وبقيل عثرتهم، ويقودهم إلى مجاهدة عدوهم ، والمـماليك البحرية نموذج لمثل هؤلاء الذين وفقهم اللّه للدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين، فتمكنوا من رد الخطر المغولي الماحق، ومن تطهير البلاد من بقايا الصليبيين. فلله الحمد أولاً وآخراً.
 
 الممـاليك:
 
 يطلق اسم المماليك اصطلاحا على أولئك الرقيق- الأبيض غالبا- الذين درج بعض الحكام المسلمين على استحضارهم من أقطار مختلفة وتربيتهم تربية خاصة، تجعل منهم محاربـين أشداء، استطاعوا فيما بعد أن يسيطروا على الحكم في مصر وأحيانا الشام والحجاز وغيرها قرابة الثلاثة قرون من الزمان ما بين 648-922 هـ (1250-1517م ) .
 
وكلمة (مماليك): جمع مملوك، وهو الرقيق الذي يباع ويشترى، وهي اسم مفعول من الفعل (ملك) واسم الفاعل (مالك) والمملوك هو عبد مالكه، ولكنه يختلف عن العبد الذي بمعنى الخادم. كـما أن كلمة (مماليك) تختلف في معناها عن كلمة (موالي( التي مفردها (مولى ) والتي تعني- اصطلاحا- عند المؤرخين المسلمين: كل من أسلم من غير العـرب. فالمـوالي قد يكون أصل بعضهم من أسرى الحروب الذين استرقوا ثم أعتقوا، أو من أهل البلاد المفتوحة الذين انضموا إلى العرب فصاروا موالي بالحلف والموالاة. 
 
والرق وأسباب الاسترقاق قديم قدم الإنسان، عرفته الأمم الغابرة من سكان ما بين النهرين، ووادي النيل، واليونان، والرومان، والعرب في الجزيرة العربية ، وأقرته معظم الديانات كاليهودية والنصرانية، أما الإسلام فإنه لم ينص على إلغائه وتحريمه صراحة، ولكنه حض على تحرير الأرقاء، وعلى حسن معاملتهم، كـما نظم العلاقة بينهم وبين سادتهمبما يجعلهم إخوانا في الإسلام والإنسانية متحابين، يعلم كل منهم حقوقه وواجباته، حتى صار الكثيرون من الموالي شديدي الوفاء والإخلاص لسادتهم. 
 
والتاريخ الإسلامي مليء بأمثلة تدل على أن المسلمـين استجابوا لشرائع دينهم، فأكرموا هؤلاء الموالي والأرقاء، ووثقوا بهم، ورفعوهم إلى أعلى الدرجات، ولو أردنا أن نذكر جميع الأمثلة على ذلك لأطلنا، ولكنني أجتزئ بعض الأمثلة على ذلك، فقد تولى وردان مولى عمرو بن العاص خراج مصر، واستعمل مسلمة بن مخلد- والي مصر وأفريقيا في عهد معاوية بن أبي سفيان- استعمل مولاه أبا المهاجر دينار على أفريقية عام 50 هـ. كـما ولى أفريقية عام 73 هـ تليد مولى عبد العزيز بن مروان،وكان موسى بن نصير القائد المشهور، وفاتح أفريقيا، مولى لامرأة لخمية، وقيل بل مولى لبني أمية.
 
كـما كان طارق بن زياد... وهو بربري من قبيلة نفرة مولى لموسى بن نصير.
 
وكان العالم الجليل الحسن البصري مولى لزيد بن ثابت رضي اللّه عنه من سبي ميسان
 
هذا وقد حذا العباسيون حذو سابقيهم من الأمويين والراشدين في الاستعانة بالموالي ومعظمهم من مماليكهم، حيث روى عن أبي جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجد الأمويون عندهم الوفاء بعدما أصابهم فقال: الموالي، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم.
 
وكان الخليفة المأمون العباسي ) 182ـ 198 هـ ) (813 - 833 م) أول من استكثر من المماليك، حيث ضم بلاطه عددا من هؤلاء المماليك المعتوقين، ثم تلاه أخوه المعتصم (218-227 هـ)- (833 هـ 843 م) الذي أراد أن يحد منِ نفوذ جنوده من الفرس والعرب فكون جيشا أغلبه من التركـمان، كان يشتريهم صغاراً ويربيهم حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفا
 
أما أحمد بن طولون والي مصر فقد اعتمد على المماليك اعتمادا يكاد يكون كليا، حيث كان والده طولون مملوكا تركيا أهدي للمأمون عام 200 هـ (815 م)، فقد أحضر أحمد هذه المماليك من بلاد جنوب بحر قزوين وبلاد الديلم، حتى زادوا عن الأربعة عشر ألف تركي وأربعين ألف مملوك أسود، بالإضافة لسبعة آلاف من المرتزقة.
 
    وقـام الأخشيديون بالسـير على نفس السياسة، حتى إن محمد بن طغج الأخشيد مؤسس دولتهم في مصر 323- 358 هـ ( 935 ـ 969 م ( ، جعل منهم جيشا يضم أربعمائة ألف من الديلم والترك، بالإضافة لحرسه الخاص الذيَ تجاوز الثمانية آلاف .
 
أما الأيوبيون فإن استكثارهم من المماليك كان سببا في قيام الدولة المملوكية، حيث إنهم قاموا منذ وقت مبكرين دولتهم 597 هـ (1200م)، بجلب أعداد كبيرة من المـماليك الصغار عن طريق النخاسين الذين كانوا يحضرونهم من شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز والقفجـاق، ومـا وراء النهر، وآسيا الصغرى، وفارس، وتركستان، وحتى من البلاد الأوربية،حيث ازدهرت حركـة تجارة لنخـاسـة في أوربا قبل عصر المماليك، ومارسها البنادقةوالجنويون ، فكانوا يشترون المـماليك من سواحل البحر الأسود ويبيعونهم في مصر، فبلغ من كانـوا يبيعـونهم في العـام الواحد ألفين من المغول والشراكسة والروم والألبانيين والصقالية والعرب .
 
وكـانت أشهـر أسـواق بيع هؤلاء المـماليك خان مسرور في القـاهرة، وسوق الإسكندرية. والذي شجع الأيوبيين في مصر والشام على الاستكثار من هؤلاء المماليك هو ضعف شأنهم بعـد وفاة صلاح الدين رحمه اللّه 589 هـ (1193م)، وانقسام الدولة بين الأيوبيين الـذين لقبـوا أنفسهم بالملوك في كل من مصر، ودمشق، وحلب، والكـرك، وبعلبك، وحمـص، وحماه، حيث قامت بينهم منافسات وحروب كثيرة، كـما قامت بينهم من جهة وبين أبناء البيوتات الأخرى مثل آل زنكي وأهل البلاد الآخرين حروب مشابهة، مما اضطر كل منهم للبحث عن عصبية تحميه وقت الشدة، وتساعده في صد أعدائه، فكان الإكثار من الرقيق الأبيض)المماليك(خير وسيلة لتحقيق ذلك وللوقوف في وجه الصليبيين في الشـام، ولـذلـك بني لهم الملك الصـالـح- نجم الـدين أيوب 637-647 هـ (1240-1250م) المعسكـرات في جزيرة الروضة 638 هـ 1241م وسماهم بالمماليك البحريةالصالحية، وسكن في القلعة عندهم ورتب جماعة منهم حول دهليز، واعتمد عليهم في صد غزوة لويس التاسع بمصر.
 
ومما زاد من دالتهم عليه كونهم قد دبروا مؤامرة لخلع العادل الثاني وأحلوا الملك الصالح محله 637 هـ (1239م) ثم زاد خطرهم حتى إنهم دبروا مؤامرة لقتله عندما غضب عليهم لإهمالهم في الدفاع عن دمياط أمام لويس التاسععام 647 هـ، ولولا مرضه الذي توفى فيه لما نجا من شرهم.
 
أساليب تربية وتدريب هؤلاء المماليك:
 
عني سلاطين الأيوبيين ومن بعدهم سلاطين المماليك بتربية مماليكهم تربية خاصة، وتثقيفهم وتعليمهم فنون الحرب والقتال، وخصصوا لذلك ثكنات عسكرية في قلعة الجبل عرفت بالطباق، كان عددها اثني عشرة طبقة واسعة تشبه كل منها حارة كبيرة تشتمل على مسـاكن عديدة، تتسع لحوالي ألف مملوك، ولم يكن يسمح لهؤلاء المماليك، وخصوصا الصغار منهم بمغادرة تلك الطباق إلا فيما ندر.
 
وقد وصف المقريزي الحياة والعادات ومواد التدريس ومراحله فقال: "كان للمماليك بهذه الطباق عادات جميلة، منها أنه إذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان، وأنزله في طبقة جنسه، وسلمه لطواشي برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم، وكانت كل طائفة لها فقيه يحضر إليها كـل يوم، ويأخذ في تعليمها كتاب الله تعالى، ومعرفة الخط والتحدث بآداب الشريعة، وملازمة الصلوات والأذكار، وكان الرسم إذ ذاك ألا يجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شب الواحد من المـماليك، علمه الفقيه شيئا من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ، أخذ في تعليمه أساليب الحرب، من رمي السهام، ولعب الرمح، ونحو ذلك فيتسع في ذلك حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج".
 
وكـان السلاطين يشرفون بأنفسهم على تربية مماليكهم ويتفقدون أحوالهم، ومنهم السلطان النـاصر قلاوون 679-689 هـ (1280-1290م) الـذي كان يهتم بطعـامهم ومعيشتهم بنفسه، ويقول معتزا بهم: "كل الملوك عملوا شيئا يذكرون به ما بين مال ورجال وعقار، وأنا عمرت أسوارا وعملت حصونا لي ولأولادي وللمسلمين وهم المماليك".
 
وصـدق ظنه بهم إذ قال أبو المحاسن عن مماليك قلاوون هذا: "فكان بهم- أي المـماليك-  منفعة للمسلمين ومضرة للمشركين، وقيامهم في الغزوات معروف، وشرهم عن الرعية معكوف" .
 
وكان السلاطين ومقدمو المـماليك يوصون القائمين على شؤونهم وخصوصا على شؤون الـطبـاق المـذكـورة أن يأخذوهم بالحسنى وأن يعطفوا عليهم، حيث جاء في وصية أحد المقدمين إلى القائمين على شؤون تربيتهم:"ليحسن إليهم، وليعلم أنه واحد منهم، ولكنه مقدم عليهم، وليأخذ بقلوبهم، مع إقامة المهابة التي تخيل إليهم أنه معهم، وخلفهم، وبين أيديهم، وليلزم مقدم كل طبقة بما يلزمه عند تقسيم صدقاتنا الجارية عليهم، وليكن لأحوالهم متعهدا ولأمورهم متفقدا...".
 
هذا ولا يعني التهاون معهم إلى الحد الذي يفسد تربيتهم ، فقد كانوا يؤخذون أحيانا بالقسوة والشدة إذا ما ارتكبوا خطأ، وقد وصف المقريزي ذلك فقال: ولهم أزمة من النواب، وأكابر من رؤوس النوب، يفحصون عن حال الواحد منهم الفحص الشافي، ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإذا عثر أحد مؤدبيه الذين يعلمونه القرآن، أو الطواشي الذي هو مسلم إليه، أو رأس النوب الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنبا أو أخل برسم أو ترك أدبا من آداب الدين والدنيا، قابله على ذلك بعقوبة شديدة قدر جرمه... فلذلك كانوا سادة يديرون الممالك، وقادة يجاهدون في سبيل اللّه، وأهل سياسة يبالغون في إظهار الجميل، ويردعون من جار واعتدى".
 
ولكن هذه السياسة المتزنة في تربيتهم بين الشدة عليهم، والرحمة بهم، لم تدم طويلا، وحل محلها الدلال والتهاون، خصوصا في الأمور الدينية، مما سبب فساد أجيالهم ،فعم بذلك ضررهم على الخاصة والعامة، وأضعف شأنهم، وحط من قيمتهم.
 
قال المقريزي في وصف تلك التربية المتهاونة وما نتج عنها: "واستقر رأي الناصر على أن تسليم المماليك للفقيه يتلفهم، بل يتركون وشأنهم فبدلت الأرض غير الأرض، وصارت المماليك السلطانية أرذل الناس، وأدناهم قدرا، وأخسهم، وأشحهم نفسا، وأجهلهم بأمر الدنيا، وأكثرهم إعراضا عن الدين، ما فيهم إلا من هو أزنى من قرد، وألص من فأرة، وأفسد من ذئب، ولا جرم أن خربت أرض مصر والشام من حيث يصب إلى مجرى الفرات بسوء إيالة الحكام، وشدة عيب الولاة، وسوء تصرف أولي الأمر".
 
ممـيزات الممـاليك:     
 
بسبب كونهم غرباء عن أهل البلاد، ولخضوعهم لتربية خاصة أعدتهم إعداداً ثقافيا وعسكـريا، ليكـونـوا جنـودا وحكـاما وسياسيين، يتولون الوظائف العليا حسب الكفاية الشخصية في المجتمع دون اعتبار لنشأتهم الأولى، فقد عاشوا كطائفة منفصلة عمن حولهم، ولم يختلطوا إلا نادرا بالسكان المحليين من مسلمين ونصارى، ولم يتزاوجوا معهم إلا فيما ندر.
 
كما احتكروا الجندية عليهم، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوها وقفا على المماليك الصغار الذين يجلبون حديثا، ولم يسمحوا لأبناء المماليك الكبار من الانخراط فيها، بل قصروهم على الوظائف الإدارية والكتابية.
 
ورغم اختـلاف أصول مولـدهم، "انقسـامهم حسب خشداشياتهم وسادتهم إلى أحزاب متطاحنة، فإنهم كانوا يجتمعون ويتماسكون لمواجهة الأخطار المشتركة التي يتعرضون لها من قبل أهل البلاد من مصريين وشاميين أو من المغول أو الصليبيين.
 
وكانوا يتعلمون القرآن الكريم والفقه  الإسلامي وينشؤون- في الغالب- تنشئة إسلامية ويعلمون أن التحلي بالأخلاق الإسلامية يكسبهم ثقة العامة، فكان بعضهم يتظاهرون بالصلاح والتقوى، ويقدمون على بناء العمائر الدينية من مساجدوتكايا ومدارس، بينما يمارس بعضهم في خلواتهم أشد أنواع الفسق والفجور، ولم يكونوا يتحرجون من الانتساب إلى مشتريهم الأول أو أستاذهم مثل الصالحي، والمعزي، أو يلحقون بأسمائهم ما يدل على أثمانهم التي بيعوا بها مثل الألفي. وكان المملوك شديد الوفاء لسيده أو أستاذه أو رابطته مع زملائه الذين تربوا لدى سيد واحد (الخشداشية(
 
قيام دولة المماليك البحريـة : ( 648 ـ 658 هـ )    (1250-  1260م ) :
 
  في قمة الهجمية الصليبية- التي تمثلت في الحملة السابعة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا ضد مصر عن طريق دمياط- وخلال انشغال الملك الصالح نجم الدين أيوب بالـدفاع على المنصـورة- التي وصـل الصليبيون إليها إلى بعض أنحائها بعد أن فر أمام هجمتهم بنو كنانة وبعـض المماليك42- وقع الملك الصالح مريضاولم يلبث أن توفى بعد مرض عضال.
 
وهنا ظهرت شخصية وعبقرية زوجته شجر الدر، التي أدركت مدى الخطر المحدد بالمسلمين، إذ أنّ علم الجيش والعامة بخبر موت السلطان، محل شأنه أن يوقع الوهن في العزائم، ويثير الأحقاد والمطامع الكامنة في نفوسهم وأن يطمع الصليبيين فيهم، فقامت بإخفاء خبر موته، وأرسلت سرا وعلى عجل تستدعي ابنه تورانشاه من حصن كيفا بأطراف العراق ليتولى عرش والده.
 
وخلال هذا الوقت تبدت بطولة الأمراء المماليك، فتصدىَ بيبرس البندقداريَ ومعه فرقة من المماليك البحريين الصالحين للصليبيين، فشن عَليهم هجوما من خارج المنصورة، وطردهم من بعض نواحيها ثم لاحقهم الأمير أقطاي- القائد العام للجيش- مستعملا النار الإغريقية حتى قرروا الهروب إلى دمياط.
 
وعندمـا وصـل تورانشاه بن السلطان الملك إلى صالـح إلى مصر عام 647 هـ(1250م) ولي السلطة دون معارضة، فكان من أول أعـماله أن حاصر الصليبيين وحاد بينهم وبين وصول المدد إليهم عن طريق دمياط، وقطع عليهم طريق العودة. وعندها اضطر الملك لويس التاسع بسبب حراجة موقفه إلى طلب الهدنة، ولكن المصريين رفضوا طلبه، وعندئذ حاول التسلل ليلا والانسحاب تحت جنح الظلم، فلم تفلح حيلته، حيث إن المسلمين قد علموا بالأمر فاستعدوا لإفشاله وطاردوا الصليبيين حتى فارسكور، وقتلوا منهم خلقا كثـيراً بلغ أكثر من ثلاثين ألفا، وسقط الملك نفسه أسيرا، فسجنه المسلمون في دار ابن لقمان بالمنصورة، وكلفوا الطواشي صبيح بحراسته.
 
وظل الملك لويس التاسع في أسره حتى أخلى المسلمون سبيله مقابل انسحاب الصليبيين من دمياط ، ودفع مبلغ طائل من المال فدية لنفسه وتعويضا للمسلمين عما خسروه في هذه الحرب، ومقابل إطلاق أسرى المسلمين في مصر والشام ،وإطلاق سراح أسرى الصليبين ، وغير ذلك مما سنذكره في حينه.
 
وبذلك تم فشل هذه الحملة المسعورة وذلك بفضل اللّه، ثم فرسان المماليك كاقطاي وبيبرس الذين سماهم ابن واصل (داوية الإسلام( إعجابا منه بشجاعتهم.
 
مقتل السلطان تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب:
 
 لم يكن تورانشاه بالشخص المناسب فكان سيئ التدبير غير مستقيم الأخلاق، مفتقرا للمعارف والأنصار من المماليك والمصريين على السواء، لأنه قضى معظم حياته في حصن كيفا، وقد وصفه ابن الجوزي بأنه "كان سيئ التدبير والسلوك ذا هوج وخفة".
 
وقد دفعه ندماؤه الذين كانوا لا ينفكون عن تذكيره بأنه ليس ملكا إلا بالاسم، وأن السلطة الفعلية بيد زوجة أبيه شجر الدر والمـماليك، إلى الإساءة للمماليك الذين عليهم جل اعتماده، كبيبرس وأقطاي ورفاقهم، فأبغضوه وصاروا يخشون غدره ويتحينون فرصة القضاء عليه .
 
ولم يحفظ جميل شجر الدر التي أخذت له البيعة، واستدعته من مقره البعيد، وولته السلطة، فاتهمها بإخفاء أموال كانت لأبيه، حتى اضطرت لمعاداته ومغادرته إلى القدس هربا من مضايقاته، ثم لم تلبث أن عادت وجعلت تتصل بأنصارها من المماليك البرجية المعـادين لتورانشـاه، فقاموا بمهاجمته وهو في معسكره في فارسكور، وذلك في 29 محرم عام 648 هـ 1250ممما اضطره لإلقاء نفسه في البحر من فوق برج خشبي كان قد التجأ إليه، فحرقوه عليه بعد أن قذفوه بالسهام، فـمات جريحا غريقا حريقا، دون أن تنفعه استعطافاته وصياحه "ما أريد ملكا، دعوني أرجع، خذوا ملككم ودعوني أعود إلى حصن كيفا" ولكنهم لم يلاقوا بالا لأقواله وقالوا: "بعد جرح الحية لا ينبغي إلا قتلها".
 
وقيل إنه حاول الاستنجاد بأبي عز الدين رسول الخليفة العباسي، الذي كان معه في المعسكر فصاح: "يا أبا عز أدركني" ولكن أبا عز الدين لا يملك أن يفعل شيئا تجاه هؤلاء القادة الغاضبين.
 
 وقيل: بقيت جثته على شاطئ النيل ثلاثة أيام، ثم دفنت مكانها وقيل: بل كشف عنها الماء بعد ثلاثة أيام، فنقلت إلى الجانب الآخر وذلك بجرها في الماء بصنارة من قبل شخص راكب في مركب كـما يجر الحوت.
 
حكم شجر الـدر:
 
كان هم القادة المـماليك التخلص من السلطان تورانشاه قبل أن يتخلص منهم، ولذلك لم يفكروا فيمن سيولونه الملك من بعده، لهذا ففي اللحظة التي قتلوه فيها، وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم، حيث إن المتطلعين لهذا المنصب، من قادة المماليك كثيرون، ولكن أهل مصر والملوك الأيوبيين في الشام لم يكن من السهل أن يتقبلوا جلوس مملوك علىَ عرش مصر، لهذا قرروا أن يولوا شجر الدر)أم خليل) فنصبوها سلطانة على مصر في الثالث من صفر عام 648 هـ السابع من مايو آيار 1250 هـ، في ذروة احتفال مصر بهزيمة لويس التاسـع ملك فرنسا وحملته الصليبية السابعة،  ومغادرتهم لدمياط، ولقبوها باسم "الملكة عصمة الدين شجر الدر والستر العالي والدة الملك خليل" ودعواها على المنابر، وكانت علامتها "والدة خليل" كـما كان نص الدعاء لها على المنابر: "احفظ اللهم الجهة العالية الصالحية ملكة المسلميـن، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الـصالـح" كـما نقشـوا على السكة "المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة خليل، أمير المؤمنين".
 
وعينوا عز الدين أيبكالجاشنكير الصالحي المعروف بالتركـماني أحد أمراء البحرية من الصالحية أتابكا في ربيع الآخر سنة 648هـ، ويبدو أن هذا التعيين لم يكن لأن أيبك كان أقوى الأمراءوإنما لتجنب حلول أقطاي في هذا المركز لما كان الأمراء يخشونه من قوته وتسلطه.
 
لقد اشتهرت شجر الدر بالدهاء حتى وصفها ابن إياس بأنها "صعبة الخلق، قوية البأس، ذات شهامة زائدة، وحرمة وافرة، سكرانة من خمرة التيه والعجب"وقد سبق وبينت مقدرتها الإدارية في إخفاء موت زوجها الملك الصالح بحجة مرضه، حتى لا ينخذل المسلمون أمام الصليبيين، وكيف قامت بنقله إلى القاهرة ودفنته سرا في قلعة الروضة، في حين أرسلت تستدعي ابنه تورانشاه من حصن كيفا، وحال حضوره سلمت إليه السلطة.
 
كان أول ما قامت به شجـر الـدر بعـد تسلمهـا السلطة أن صفت المـوقف مع الصليبيين، ففاوضت لويس التاسع ملك فرنسا، وقائد الحملة الفاشلة، واتفقت معه على رحيله من مصر وتسليم دمياط، وذلك في يوم الأحد الرابع من صفر 648 هـ الثامن من مايو 1250 م، ونص هذا الاتفاق على أن ينسحب لويس من دمياط ويردها إلى المصريين، وأن يطلق جميع أسرى المسلمين، وأن يتعهد بألا يعود لمهاجمة سواحل بلاد الإسلام مرة أخرى، كما يدفع لها ثمانمائة ألفا دينار فدية لنفسه وللأسرى الصليبيين، وعوضا عما أتلفه في دمياط، ومقابل ذلك يتعهد المسلمون برعاية الجرحى من أسرى الصليبيين، وقيل أيضاً مقابل أن يحافظوا على بعض معدات الصليبين التي سيضطرون لإبقائها بمصر إلى أن يتمكنوا من نقلها، وجعلت مدة الاتفاقية عشر سنوات.
 
    ورغم كل ذلك فقد اضطربت الأمور في مصر عامة والقاهرة خاصة، وذلك احتجاجا وأنفـة من حكم امرأة، وعمت الفوضى القاهرة، مما اضطر شجر الدر إلى الأمر بإغلاق أبوابها منعا لانتشار خبر هذه الاضطرابات.
 
    وزاد من خطورة هذا الوضع انضمام علماء المسلمين إلى العامة في هذه المعارضة، وعلى رأسهم الشيخ عز الدين عبد السلام، الذي كتب كتابا حوله ما قد يبتلي به المسلمون بولاية امرأة. كـما لم يوافق الخليفة العباسي على توليها السلطة، وعير أهل مصر بذلك قائلا في رده على رسالة من المماليك يطلبون فيه تأييده لحكمها "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير لكم رجلا".
 
    تولي الأتابك عز الدين أيبك السلطة:
 
    وعند ذلك رأى المماليك البحرية الصالحية المؤيدين لشجر الدر أنه لابد لهم من حل لهذا الموقف وقالوا: "لا يمكننا حفظ البلاد والملك لامرأة، ولابد من إقامة رجل للمملكة تجتمع الكلمة عليه".
 
    وزاد من اقتناعهم بهذا الرأي، خوفهم من خطر الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب، الذي استغل هذا الموضوع لصالحه ورأى فيه فرصة سانحة للاستيلاء على مصر، فقام بالاستيلاء على دمشق وبعض نواحي الشام، مما أخاف المماليكفسارعوا إلى تزويجها من الأتابك عز الدين أيبك التركماني أتابك العسكر، وتنازلت له شجر الدر عن السلطة بعد ثمانين يوما من حكمها. فأصبح معز الدين أيبك سلطانا- ولو بالاسم- حيث إن شجر الدر "كانت هي المسئولة عنه في كل أحواله ليس له معها كلام.
 
وقد سبق أن ذكرت أن اختيار المماليك له لهذا المنصب كان لاعتقادهم بضعفه مقارنة بأقطاي وبيرس، وأنه سيكون من السهل عليهم عزله متى شاءوا.
 
وقد خاب ظنهم فيه، حيث أثبت أيبك أنه ليس بالحاكـم الألعوبة، فمنذ بداية عهده بادر إلى اغتيال أكـبر منافسيه وهو خوشـداشة أقطايى الجمدار عام 652 هـ (1254م) وساعده في ذلك كل من قطز وبهادر وسنجر وعدد من المـماليك المعزية، واضطر خشداشية أقـطاي من المـماليك إلى الفـرار، ومنهم بيبرس البندقـداري وقلاوون الألفي، حيث لم يستطيّعوا مغادرة القاهرة التي كانت موصدة الأبواب، إلا بحرق إحدى الأبواب التي ظلت تسمى بالباب المحروق، وتابعوا هربهم نحو الشام وتفرقوا ما بين دمشق وحلب والكرك ودولة السلاجقة.
 
وعند ذلك قام أيبك بمصادرة أموال المماليك الفارين، وتجريد من بقي منهم في مصر من سلطاتهم، ولم يفلح الملك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق والمنافس السابق لشجر الدر في مساعدتهم، فاضطروا للتوجه إلى المغيث عمر في الكرك. ولإبطال حجة الملوك الأيوبيين في الشام، ومطالبتهم بعرش مصر، قام أيبك بتولية الطفل الأشرف، موسى الأيوبيالسلطنة وهو في السادسة من عمره، وجعله شريكا له في الحكم، فخطب باسمهما على المنابر وسكت العملة باسمهما.
 
ولمـا لم تنطِل حيلته هذه على الناس، التجأ أيبك إلى الاستعانة بالخليفة العباسي المستعصم باللّه في بغداد، ونصب نفسه نائبا له على مصر، ثم أخذ في الاستعداد للتصدي للملك الناصر يوسف، الذي كان قد كاتب الملك لويس التاسع في عكا، عارضا عليه التعاون ضد أيبك مقابل تسليمه القدس للصليبيـن- وكانت تحت حكم الأيوبيين-. ولما علم أيبك بهذه المفاوضات أرسل إلى لويس التاسع مهددا بقتل أسرىَ الصليبيين الذين لديه، وواعدا إياه إن رفض عرض الناصر أن يقوم بتعديل اتفاقية دمياط لإعفائه من نصف الفدية المتفق عليها، وطلب منه بدوره أن ينضم إلى جانبه، فرد عليه لويس بأنه قرر الوقوف على الحياد بينه وبن الناصر.
 
وتقدم الملك الناصر حتى العباسية بين مدينتي بلبيس والصالحية 649 هـ- 1251م فهزمه أيبكبسبب انحياز مماليكه العزيزية إلى المـماليك، ولاحقه حتى الشام، واتفق أيبك مع لويس التاسع على أن يساعده ضد الناصر يوسف مقابل تسليمه القدس، ولكن هذا الاتفاق لم ينفذ، حيث تدخل الخليفة العباسي بين الناصر وأيبك 651 هـ (1253م) لمنع تسليم القـدس للصليبيين حيث أرسل رسوله الشيخ نجم الدين البادورائي فأصلح بين صاحب مصر وصاحب الشام، وأيضا لإحساسه- أي الخليفة- ببداية الخطر المغولي الذي داهم الخلافـة من الشرق. واتفق على أن تكـون مصر وجنوب فلسطين بما فيها غزة والقدس للمماليك.
 
ثم دب الخلاف بين أيبك وزوجته شجر الدر، بسبب تسلطها وشدة غيرتها عليه، فحاول أن يتزوج من ابنة بدر الدين لؤلؤ الأتابكي صاحب الموصل، نكاية بها خصوصا وقد شعر بتآمرها مع أنصارها من المـماليك البحرية عليه وعلى مماليكه المعزية .
 
وعندما علمت شجر الدر بخطة هذا الزواج، ازدادت معارضتها وتآمرها مع المماليك البحرية وضوحا وتحديا، مما دفعه لسجن من بقي من هؤلاء المماليك في القاهرة، متحديا بذلك شجر الدر، مما جعلها تقرر قتله، وتتصل سرا بالملك الناصر في دمشق تعرض عليه التعاون معها في ذلك، وأن يتزوجها ويشركها معه في السلطة مقابل تسليمه مصر، ولكن الناصر لم يتحمس لهذا العرض ظانا أنه خدعة منها.
 
وعَلم بدر الدين لؤلؤ بأخبار هذا الاتصال بين شجر الدر والناصر يوسف، فقام بإعلام أيبك به، فاحتاط لنفسه من غدر شجر الدر، وقرر في طويته قتلها، ولم تلبث شجر الدر أن سبقته في تنفيذ عزمها بأن تحايلت عليه، فاستدعته إلى القلعة- بعد أن كان هجرها إلى مناظر اللوق- ودست إليه خمسة من غلمانها فقتلوه في الحمام، وذلك في 23 ربيع الأول 655هـ 1257م
 
 استيلاء المظفر قطـز على السلطنة:
 
عندما علم المماليك المعزية بوفاة سيدهم في القلعة، حامت شكوكهم حول زوجته شجر الدر، لما كانوا يعلمونه من خصام بينها وبينه، فصعدوا إلى القلعة ليحققوا في سبب وفاته، فعلموا بالحقيقة، لذلك حاولوا قتلها، وكادوا ينجحون في ذلك لولا تدخل بعض المـماليك الصالحية، الذين نقلوها على عجل إلى البرج الأحمر في القلعة حماية لها، أما المماليك المعزية فقاموا بتعيين الطفل نور الدين علي ابن معز الدين أيبك مكان أبيه باسم الملك المنصور، وكان عمره خمس عشرة سنة، وعينوا قطز أتابكا له وذلك رغم معارضة المماليك الصالحية، ورغم تعيين الأمير علم الدين سنجر الحلبي نفسه نائبا للسلطنة، فقد رفض المعزية تأييد سنجر وقاموا باعتقاله وولوا قطز هذا المنصب، وقيل إن شجر الدر فور قتلها للسلطان معز الدين أيبك قد عرضت السلطنة على عدد من الأمراء، ولكنهم رفضوها خوفا من المـماليك المعزية.
 
وكان أول عمل قام به السلطان علي وأتابكه قطز، هو الأمر بقتل السلطانة السابقة شجر الدر، وذلك بتحريض من والدته، بعد أن ضعف شأن حماتها من المماليك الصالحية، فأمر بحملها إلى أمه حيث أمرت بقتلها، بأن أمرت جواريها "فضربتها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت، وألقوها عن سور القلعة إلى الخندق، وليس عليها سوى سروال وقميص، فبقيت في الخندق أياما، أخذ بعـض أراذل العامة تكة سراويلها، ثم دفنت بعد أيام وقد نتنت، فحملت في قفة إلى تربتها قريب المشهد النفيسي".
 
وكان أول خطر واجه قطز هو محاولة المغيث صاحب الكرك الاستيلاء على مصر في عامي 655_656 هـ 1257_1258م بمعاونة المـماليك البحرية الفارين من مصر، ولكن قطز قضى على هاتيـن المحاولتين ، ثم قام بعزل السلطان علي بن معز الدين أيبك، مستغلا في ذلك ما أصاب المصريين من ارتباك إثر سماعهم بما حل ببغداد، وبنوايا التتار تجاههم، ووصـولهم إلى حلب.
 
وتم له ذلك في عام 657 هـ 1258م، حيث عزله ونفاه مع أمه وإخوانه،وبدأ قطز في إعداد مصر للتصدي للخطر المغولي، وتمكن بفضل اللّه كـما سنبين فيما بعد من التصدي للمغول وهزيمتهم في معركة عين جالوت الحاسمة في الخامس عشر من رمضان عام 658 هـ(0 126م) وبعد أن رتب الأوضاع في الشام عاد إلى مصر التي استعدت لاستقباله استقبال الفاتحين، ولكن أعداءه الألداء من المماليك قتلوه غيلة في قرية القصير إحدى قرى مركز فاقوس، بمديرية الشرقية، وذلك في السابع عشر من ذي الحجة عام 658 هـ (1260م) وكانوا بزعامة بيبرس، ثم دفن هناك بعد حكم دام    سنة فقط  .
 
تولي السلطان ظاهر بيبرس السلطنة:
 
    وبمقتل السلطان قطز خرج أمراء المماليك الذين تآمروا عليه إلى الدهليز السلطاني بالصالحية وسلطنوا عليهم بيبرسسنة 658 هـ 1260م لأنه هو الذي قتله وأجلسوه مكانهعلى مرتبة السلطان، فأخذ الملك بالقوة،  وبعد أن حلف له القادة بمن فيهم فارس الدين أقطاي، والجند يومين الولاء، دخل القاهرة ظافرا.
 
  ويعتبر بيبرس من أعظم سلاطين المماليك لما قام به من أعمال شملت تنظيمات وعمران وغير ذلك، وكان من أهـم أعمالـه إحياؤه الخلافـة العباسية في القاهرة سنة 659هـ (1260م، بعد أن قضي عليها التتار في بغداد، مما أكسبه سلطة شرعية مدعومة بموافقة الخليفة العباسي، كما استن نظام ولاية العهد في أسرته، بتعيين ابنيه السعيد بركـه خان والعـادل بدر الـدين سلامش- الـذي اغتصب قلاوون عرشـه فيما بعد سنة 679 هـ- وحفر الترع، وأصلح الحصون، وأسسِ المعاهد، وبنى المساجد، وكان حاكـما مستبدا مستنيرا، كـما قوى الجيش ،واستحضر أعداداً كبيرة من المماليك، وكرس همته في محاربة الصليبيين،ولذلك يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة المملوكية في مصر، وتوفي في السابع والعشرين من محرم عام 676 هـ (1277م( في دمشق وهو عائد من وقعة قيسارية.
 
وتتابـع سلاطين المـماليك البحرية على الحكم حتى عام 783 هـ 1382م ثم خلفهم على الحكم سلاطين دولة المماليك البرجية 784- 23 9 هـ 1382- 1517م
 
جهـاد المماليك البحرية ضد الصليبيين:
 
 لم يبق من الأراضي الإسلامية تحت حكم الصليبيين سوى شريط ساحلي يمتد على محاذاة البحـر الأبيض المتوسط من ناحية الشرق، يضيق أو يتسـع باختـلاف الظروف والأزمنة، وذلك لأن الصليبيين حتى في عنفوان قوتهم، لم يتمكنوا من التوغل في داخل بلاد الشام، فبقيت حلب وحماه وحمص ودمشق بعيدة عن متناولهم. وبفقدهم المبكر لإمارة الرها ظلوا محاطين بالمسلمين من الشمال والشرق والجنوب، لا يربطهم بأوربا مصدر قوتهم وإمدادهم سوى البحر، واقتصرت أملاكهم في مطلع عهد الدولة المملوكية البحرية على إمارتي طرابلسوأنطاكيا، ومدينة عكاالتي أضحت مقرا لمملكة بيت المقدس بعد أن استرد المسلمون القدس.
 
    لهذا فبعد أن باءت بالفشل حملة لويس التاسع ملك فرنسا على مصر المسماة بالحملة السابعة، خرج هذا الملك مذموما مدحورا خاسرا، فاشلا في تحقيق أحلامه في استرداد بيت المقدس عن طريق مصر، وغادر دمياط متوجها نحو قبرص، بعد أن فك المـماليك أسره، مقابل فدية كبيرة وشروط مذلة.
 
ولم يلبث أن غادر قبرص متوجها نحو عكا، الـتي كان حاكمها يوحنا، شقيق ماري، إمبراطورة القسطنطينية، وزوجة الإمبراطور يلدوين الثاني، ومنها أخذ يعمل على تحقيق حلمه الذي لم يفارقه رغم كل النكبات، بل عاش معه حتى مات قي تونس وهو يقود الحملة الصليبية الثامنة عام 669 هـ (270 1م).
 
استغل هذا الملك فرصة النزاع الذي شب بين المـماليك البحرية الذين استولوا على السلطة في مصر، بعد مقتل تورانشاه بن الملك الصالح أيوب وبن بقايا الأيوبيين في الشام، الذين رأوا في ذلك ضياعا لجزء هام من أملاك الأسرة الأيوبية، فعارضوا ذلك بشده وعلى رأسهم السلطان يوسف صاحب حلب ودمشق، فصار الملك لويس يساوم كلا الجانبين- الأيوبيين والمـماليك- ويعدهما بالمساعدة حتى اتفق أخيرا مع السلطان معز الدين أيبك على أن يطلق المـماليك عددا كبيرا من الأسرى الصليبين، وعلى إعادة رؤوس الفرنجة المعلقة حول أسـوار القـاهرة منـذ وقعة غزة، وأن يتنازل المـماليك عن النصف الثاني من الفدية المفروضة على لويس التاسع، وتعهدوا بإعادة بيت المقدس إلى الصليبيين، وذلك كله مقابل أن يقف الملك لويس، إلى جانبهم في حِربهم ضد الناصر يوسف صاحب الشام وأتفق على "أن تكون هذه الاتفاقية خمسة عشر عاماَ".
 
هذا ولم تشر المصادر الإسلامية إلى هذه الاتفاقية غير ما أورده العيني عندما قال: "ومال الجيش المصري بالفرنج، ووعدوهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس- إن نصروهم على الشامين- وكانت قد اشتدت الحرب بينهم" ورغم شعور الإنسان بالأسى والأسف لهذه المعـاهـدة، إلا أن من يعرف المماليك يوقن أنهم لم يكونوا معنيون بتنفيذ بعض بنودها، وخصوصا ما يتعلق منها بإعادة القدس إلى الصليبيين، أو تسليمهم ما هو غرب نهر ا الأردن، وأنهم كانوا يرون فيها خدعة تكتيكية لكسب الصليبين إلى جانبهم أو إبقائهم على الحياد، فباشروا أولا في تنفيذ بعض البنود كدليل على مصداقيتهم، فأخلوا سبيل باقي أسرهما الإفرنج، وتنازلوا عن بقية الفدية المتبقية والبالغة حوالي ربع مليون جنيه ذهبي مصري، وأعادوا رؤوس قتلى الفرنج التي كانت معلقة على أسوار القاهرة منذ واقعة غزة.
 
وعليه توجه لويس التاسع من جانبه بقواته من قيسارية إلى يافا، وانتظر وصول المماليك للانضمام إليه لمحاربة الناصر يوسف، ولكن الملك الناصر يوسف أرسل جيشا رابط في غزة ليحول دون اجتماع جيوش الصليبيين والمماليك، مما أفسد عليهم خطتهم، وأخيرا تدخل الخليفة العباسي المستعصم باللّه فسارع إلى التوسط بين الأيوبيين والمـماليك فجنب بذلك القدس من السقوط مرة أخرى بأيدي الصليبيين، كـما جنب المسلمين سفك دماء بعضهم خصوصا وأن الخطر المغولي قد أصبح على الأبواب.
 
ومع ذلك فإن لويس التاسع لم يفقد الأمل، فاستغل فترة خلاف المسلمين هذه لإصلاح أحوال الصليبيين، وتحصين مدنهم وحصونهم، فبدأ بتحصين مدينة عكا، باعتبارها عاصمة الصليبيين، ومقر إقامته، ومركز مملكة بيت المقدس، وأتم تحصينها عام 649 هـ (1251م) حتى أصبحت بمنتهى المنعة.
 
وبعد ذلك توجه لويس إلى قيساريةالتي كان يحكمها يوحنا اليمان، فأمضى عاما في بناء سورها، وأقام أبراجا عدة، كـما حصن مدينة حيفاوبعدها سار إلى يافاوأقام حولها سورا له ثلاثة أبواب وأربعة وعشرين برجا وخندقيـن.
 
    كما حصن صيداوجدد بناء ما هدمته قوات الناصر يوسف عندما أغارت عليها أثناء مهاجمة لويس التاسع لدمياط، وأحاطها بالأسوار والأبراج والخنادق. وذلك في زمن أميرها جوليان دي باليان.
 
ومن جهـة أخرى حاول الملك لويس التاسع جمع كلمة الصليبيين الذين فرقتهم الخـلافات والحروب المحلية، سواء كانت أسبابها تجارية كالتي كانت تحدث بين البنادقة والبيازنة والجنوية الذين تعرضوا بالمضايقة للويس التاسع نفسه، لاعتقادهم بأن حملته على مصر أضرت بعلاقتهم معها، أو دينية كالتي وقعت بين الجـماعات الرهبانية العسكرية من داوية واسبتارية، أو عرقية بين أجناس السكان المختلفة لأن سكان الإمارات الصليبية كانوا خليطا متنافرا من الأمم والأخلاق والأهداف والميول.
 
كما حاول توطيد علاقاته مع نصارى الشرق (السريان المسيحيين(خصوصا الأرمن  والموارنةحيث كان للموارنة وضع خاص لدى الصليبيين منذ بداية الحروب الصليبية لأنهم لعبـوا دور الحلفـاء للصليبيين، مما جعـل الصليبيين يأنسـون إليهم، ويدخلونهم تحت حمايتهم،  ولم ينسوا أنهم شاركوهم مرات عديدة في محاربة المسلمين، أهمها مشاركتهم في حملة لويس التام على مصـر حيث حاربوا إلى جانبهم في المنصورة.
 
وفي نفس الـوقت حاول لويس التـاسـع إصلاح الفسـاد المستشري في الإمارات الصليبية حيث كانت مرتعا للشرور التي وصفها القاصد الرسولي في حديث له إلى جونفيل يبين فيه مقدار الفساد في عكا "لا يعلم أحد مثلي الآثام والمعاصي التي ارتكبت في عكا ولذا فإن المولى سينتقم من سكانها حتى تغسل المدينة بدمائهم، وحينئذ سوف يأتي شعب آخر للإقامة فيها" وقد ساعد على هذا الفساد الأخلاقي كون الصليبيين خليطا متنافرا من الناس! كـما سبق وذكرنا.
 
كل هذه الأعـمال التي قام بها لويس التاسع ساهمت بالإِضافة لعوامل أخرىَ في تأخير سقوط الإمارات الصليبية مدة ليست قليلة، وإن كانت لم تلبث الخلافات أن دبت بينهم خصـوصا بين الجماعات اللاتينية وذلك عام 1258م ودارت عامين وتسببت في إضعاف الصليبيين وذلك بعيد مغادرة لويس للشام عائدا إلى بلاده التي دبت فيها الفوضى، وليقود بعد فترة طويلة الحملة الصليبية الثامنة إلى تونس حيث توفي في بدايتها عام 669 هـ 1270م.
 
  دور بيبرس في التصـدي للصليبيين:
 
لم ينس بيبرس لحظة عداوة الصليبيين وخطرهم على الشام ومصر، وهو الذي شارك في صدهم عن المنصورة ودمياط، ورأى محاولات لويس التاسع في تأجيج الصراع بين دولة المماليك الحديثة النشأة والملك الناصر ملك الشام، ثم تعاونهم مع الخطر الجديد القادم من الشرق، حيث رأوا فيه حليفا طبيعيا ساقه الله لنصرتهم، ألا وهو خطر المغول، فاتصلوا بهم، وعملوا أدلاء لجيوشهم وجواسيس يطلعونهم على عورات المسلمين، بل سمح بعضهم لبعض الحاميات المغولية بالنزول في حصونهم، فوقعوا هم أنفسهم تحت سيطرة ورحمة تلك الجماعات124، وكذلك تآمر الصليبيين الدائم مع الحشيشيينالذي كانوا خطرا دائما يهدد كل مجاهد مسلم من زعماء المسلمين.
 
لهذا قرر بيبرس كـما قلده في ذلك خلفاؤه أمثال قلاوون والأشرف خليل، اجتثاث الخطر الصليبي نهائيا من بلاد الشام.
 
وكتمهيد لتحقيق هذا الهدف تحالف بيبرس مع الإمبراطور البيزنطي باليولوجس عدو الصليبين، حيث عقـد معه معاهدة دفاعية عام 660 هـ (1262م(  كـما حالف مغول القفجاق المسلمين (القبيلة الذهبية) وهادن أعداء المسلمين مغول فارس  الوثنيين.
 
بعد كل هذه الترتيبات توجه بيبرس نحو الشام عام 663 هـ (1265) قاصدا إعداد قواته وإعادة توزيعها، تمهيدا لتنفيذ غرضه، وعند ذلك أحس الصليبيون بالخطر الكائن في استعدادات بيبرس ونيته نحوهم، فأرسلوا إليه وفودهم تعرض عليه المسالمة، وتعبر عن حسن نيتها نحـوه، ولكنه كان يردها قائلا: "ردوا ما أخذتموه من البلاد، وفكوا أسرى المسلمين جميعهم، فإني لا أقبل غير ذلك" ثم يطردهم من حضرته.
 
وكان من حماس بيبرس في جهاد الصليبين، أنه لم يخل عام من الأعوام العشرة ما بين 659-669 هـ (1261- 1271م) إلا وكان يشن فيه حربا، ويسترد أرضا من أرض إحدى الإمارات الباقية بأيديهم وهي: أنطاكية، وطرابلس، وبعض مملكة القدس.
 
فبادر عام 661 هـ (1263م) بمهاجمة مدينة الناصرة، ثم هاجم بنفسه مدينة عكا الحصينة، ولكنه لم يتمكن أن فتحها بسبب ما أقامه فيها لويس التاسع من تحصينات
 
وفي عام 663 هـ (1265م) حاصر مدينـة قيسارية وفتحها رغم حصانتها، ثم غادرهـا جنوبـا إلى قلعـة أرسـوف البحريةالتي كَانت تحت سيطرة شرسان الاسبتارية المشهورين ببسالتهم، فقاموا بالدفاع المستميت عنها، ولم يمكنوا بيبرس من فتحها فلجأ إلى الحيلة بأن اتفق معهم على أن يستسلموا مقابل تأملات حياتهم، ولكنه قام بنقلهم إلى القاهرة بعد أن أمرهم بهدم قلعتهم.
 
    وبعد ذلك قام بفتح يافا وعتليت، ثم استولى في العام التالي على صفدوهونين وتبنبن، والرملةمما جعل الإمارات الصليبية في حالة احتضار يائسة دفعتها إلى معاودة استعطاف السلطان بيبرس طالبة مصالحته، أو على الأقل عقد هدنة معه، وفي هذه المرة رأى أس من المناسب إجابة طلبهم، فصالحهم عَلى أساس المناصفة أو المشاركة وذلك بأن تصبح له حصـة في غلاتهم ومنتجـاتهم.
 
ومن أطرف هذه  الاتفاقيات بين  بيبرس والإمارات الصليبية تلك الاتفاقية التي عقدتها معه ازابيلا، ملكة بيروت عام 667 هـ (1268م)ومدتها عشر سنوات، فقد ذكر القلقشنديأن هذه الملكة قد وثقت ببيبرس إلى درجة أنها كانت عندما ترغب حب السفر إلى جهة ما، تذهب بنفسها إلى بيبرس وتستودعه بلادها، وعندما خطفهـا الملك هيو الثالث ملك جزيرة قبرص قام بيبرس بتخليصها عن طريق توجيه تهديدات لهيو. لهذا اتخذت لنفسها حرسا من المماليك حتى ماتت عام 672 هـ 1274م، وقلدتها في هذه السياسة أختها وخليفتها حتى استولى المسلمون على بيروت.
 
أما عن موقف السلطان الظاهر بيبرس تجاه العدو الآخر والحليف الدائم لكل من الـصـليبـين والمـغـول، وأعـني به مملكـة أرمينيا الصغرىفقـد وجـه إليها في عام 665 هـ (1266 م ) القائد قلاوون بقصد تأديب ملكها على تحالفه مع التتار زمن هولاكـو وأبقـاخان، وتشجيعه لهما على مهاجمة الشام ومصر، والمساهمة في دعمهما بفرض حـصار اقتصادي على دولة المـماليك، حيث منع عنها مادتي الخشب والحديد.
 
وقامت قوات قلاوون بهزيمـة الأرمن قرب دراساك، ودمرت مدن سيس وأضنه وطرسوس والمصيصة، وألحقت بها دمارا هائلا في هجومها الذي استغرق عشرون يوما فقط، وقتل قلاوون أحد أبناء ملك أرمينيا وأسر الابن الثاني، في حين كان الملك نفسه- هيثوم  الأول- في زيارة للمغول في بلاد فارس. ولم يوافق بيبرس على إطلاق أسيره إلا مقابل تنازل والده عن عدة مواقع استراتيجية ودفـع جزية سنوية.
 
ومنذ ذلك الحين أصبحت أرمينية الصغرى ضعيفة لم تسبب للمسلمين أي مشكلة، إلا مرة واحدة في عهد السلطان محمد قلاوون حيث أخضعها نهائيا. وفي عام 666 هـ قام بأخذ يافا عنة وأجلي أهلها إلى عكا ثم استولى على حصن الشقيف وأجلي أهله إلى صور، ثم هاجـم صور فنهب وأرعب،  ثـم هاجـم حصن الأكراد ثـم سار عنوة إلى حمص ومنها إلى حماه ثم إلى فامية.
 
سقوط أنطاكية بيد السلطان بيبرس:
 
وجه بيبرس همـه إلى أنطاكية أقوى الإمارات الصليبية المتبقية والمتحالفة مع التتار، فبدأ بمهاجمة البلاد المحيطة بها، حيث استولى على عدة قلاع تقع إلى الشمال منهاثم وجه همه نحـوها بجيشه المؤلف من ثلاث فرق، استولت الفرقة الأولى منها على ميناء السويدية، لتقطع اتصال انـطاكيا بالبحـر، ورابطت الفرقة الثانية في ممرات قيليقيه لتمنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى، ثم هاجم المدينة بالفرقة الثالثة، واستمرت الهجمات، ودام الحصار. ثم جرت مفاوضات لتسليمها صلحا، ولكنه رفض، واستطاع أن يفتحها عنوة، في رمضان عام 666 هـ 1268مفأحرقها، وقتل من أهلها خلقا كثيرا، وأسر أعدادا هائلة منهم، وغنم مالا يحصى من الأمـوال بلغ من كثرتها أن قسمت الأموال بالطاسات ، وبلغ الأسرى من الكثرة حتى إنه لم يبق غلام إلا وله غلام، وبيع الصغير باثني عشر درهماً. فكان سقوطها معلما خطيرا على طريق نهاية الصليبيـن بالشام لأنها كانت بحكم موقعها الجغرافي سندا لهم منذ بداية الحروب الصليبية، وسبب سقوطها ذعرا شديدا في صفوف الصليبين، حتى أرسل ملك أرمينية الصغرى يعرض على بيبرس أن يسلمه بلاده مقابل الاستمرار في مهادنته.
 
ولم يكتف بيبرس بهذا النصر العظيم، فوجه همه نحو جزيرة قبرص ليؤدب ملكها هيو الثالث، الـذي كان دائم التهـديد للسفن الإسلاَمية في البحر الأبيض المتوسط، ودائم المسـاعدة للصليبين، فوجه نحوه حملة بحرية عام 668 هـ 1270م ، ولكنها فشلت بسبب العواصف التي حطمت معظم سفنهافنجي بذلك ملكها من عقاب بيبرس.
 
    لم يثن هذا الفشـل في فتـح قبرص، بيبرس عن مواصلة الجهاد ضد الصليبيين، فاستولى في عام 669 هـ (1270م( على صافيتا وحصن الأكراد، وحصن عكار، والقرين، ثم واصل مهاجمة إمارة طرابلس، فاستولى على ما حولها من حصون وممرات وكاد أن يفتحها، ولكنه عندما علم بخروج الحملة الصليبية الثامنة من فرنسا خشي أن تكون جهتها مصر، فسارع إليها للاستعداد لمواجهة هذا الخطر، وعندما تيقن من توجه تلك الحملة إلى تونس عاد عام 670 هـ (1271م) لمواصلة هجومه على طرابلس فطلب أميرها بوهيمند السادس الصلح، ووصلت الأخبار بوصول الأمير إدواردالأول إلى عكا، فظن أنها مقدمة لحملة صليبية كبرى، فاستجاب بيبرس لطلب بوهيمند وعقد معه صلحا مدته عشر سنوات، وتبعتها مملكة بيت المقدس فعقدت صلحا مماثلا، مما مكن بيبرس من التفرغ لقتال المغول والإسماعيلية، فوجه همه نحو الإسماعيلية "الحشاشين" الذين كانوا يعادون المسلمين ويتآمرون مع الصليبين ضدهم، ويغتالون كبار المجاهدين من قادتهم كما تعاونوا مع المغول، ودفعوا لهم الأتاوات، فعزل مقدمهم نجم الدين الشعراني، وهدم حصونهم وقضي عليهم، بعد أن سلموها له وأشهرها الكهف والقدموس والمنطقة، وعوضهم عنها بإقطاعات.
 
    جهاد السلطان الناصر قلاوون ضد الصليبيين:
 
لم يكـد السلطان قلاوون يعتلي عرش مصر، حتى تمرد عليه نائب الشام، الأمير شمس الـدين سنقر الأشقر، فأعلن نفسه ملكا باسم الملك الكامل، واستولى على عدة حصـون من حصـون الشام، منها قلعة صهيون، ثم اتصل بأعداء المسلمين من مغول وصليبيينمحاولا الاستعانة بهم ضد قلاوون، مما جعل أهل الشام ينفرون منه، وينفضون من حولـه، ويتخلون عن نصرته، واستغل المغول هذه الفرصة، فاحتلوا بعض حصون الشام 769 هـ (1280م)، واستولوا بقيادة أبغا على مدينة حلب، التي أحرقوا مساجدها ومـدارسها وقتلوا معـظم أهلها، ولم يُضـع الصليبيون هذه الفرصة، فقاموا بمحاولة لاسـترداد حصن الأكـراد، ولكنهم فشلوا .
 
وعندما علم قلاوون بهذا التحالف وهذه الجرائم خرج من مصر متوجها إلى الشام للقضاء على هذا الخطر، ولكنه لم يكد يغادر أرض مصر، حتى تعرض لمؤامرة داخلية جاءت من قبل بعض المماليك الذين يدعون بالمماليك الظاهرية،حيث تآمروا عليه بالاتفاق سرا مع الصليبيين،فواجه الموقف بسرعة وقبض عليهم فأعدم بعضهم وسجن البعض الآخر وأعاد النظام إلى صفوف جيشه.
 
فر المغول عندما علموا بوصول جيش الناصر قلاوون إلى غزة في طريقه لمحاربتهم، فأخلوا مدينـة حلب والحصـون التي كانوا قد احتلوها وأسرعوا عائدين نحو العراقولم يصمد  الأمير سنقر بدوره أمام جيش قلاوون وفر هاربا إِلى المغول محاولا مرة أخرى حضهم على غزو مصر.
 
عندئذ رأى السلطان قلاوون أن أخطر هؤلاء الأطراف الثلاثة المتآمرين هم المغول، عقد صلحا مع الصليبيين من داوية واسبتاريه ومع بوهيمنند السابع أمير طرابلس، مدته عشر سنوات، وذلك عام 680 هـ (1281م). وعفا عن الأمير سنقر الأشقر وعينه حاكما على أقليم أنـطاكية، واتفق مع الصليبيين في عكا بأن يكونوا على الحياد. وبهذا تفرغ لمقارعة المغول الذين عادوا التوجـه نحو الشام بقيادة أبغا، يؤازرهم حليفهم ليو الثالث ملك أرمينيا الصغرى، فالتقى بهم قلاوون عام 680 هـ (1281م)في حمص وهزمهم بعد أن هلك منهم خلق كـثير
 
وهنـا قرر النـاصر أن ينتقم من الصليبين مستغلا، نصره على المغول وغير عابئ بصلحـه معهم عام 680 هـ الذي كانت مدته عشر سنوات ولما يمض عليه سوى أربع سنوات فهاجم عام 684 هـ (1285م) حصن المرقب، ففتح ذلك الحصن الهام الذي كان فتحه خسارة كـبرى للصليبيين لأنه أن أهم حصونهمثم أتبع ذلك بالاستيلاء على اللاذقية عام 686 هـ 1287م التي كانت آخر أملاك إمارة أنطاكية المتبقية بين الصليبين. بعد ذلك جاء دور طرابلس، وكانت حصينة، وقد مات أميرها بوهيمند السابع دون وريث، فدب النزاع بث الطامعين في إمارتها، حتى استعان بعضهم بالسلطان قلاوون، فاستغل هذه الفرصة وهاجمها في جيش لجب يضم أربعين ألفا من الفرسان وأكثر من مائة ألف من الرجال، وفتحها سنة 686 هـ (1289م(  ثم استولى على بيروت وجبله وبهذا لم يبق بيد الصليبيين سوَى صوروصيدا وعتليت وعكا التي كانت مركز مملكة بيت المقدس بعد سقوط القدس.
 
    ورأى قلاوون أن يؤجل إلى حين الاستيلاء على بقية البلاد من أيدي الصليبيين، فوافق على تجديد الهدنة معهم لمدة عشر سنواتوتوجه إلى دمشق ولكن جموعا صليبية متحمسة وصلت من إيطاليا 689 هـ (1290م) ونزلت في عكا، وأخذت في الاعتداء على المسلمين المتواجدين خارجها، مما أغضب السلطان قلاوون ودفعه لأن يقسم على الانتقام منهم، وأخذ في الاستعداد لهذا الغرض، ولكنه توفي فجأة وهو في الطريق لتحقيقهعام 689 هـ (1290م(
 
وقد وصف ابن العمري قلاوون رحمه اللّه بقوله: "كان رجلا مهيبا شجاعا، فتح الفتوحات الجليلة، مثل المرقب وطرابلس، التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض لها لحصانتها، وكسر جيش التتار في حمص، وكانوا في ثمانين ألفا".
 
وقـد خلف الأشرف خليل بن قلاوون أباه في السلطنة، لأن أخاه الملك الصالح على بن قلاوون الذي أقامه أبوه ملحَا في حياته قد مات في سنة 687 هـ (1288م) بعد أن بقي ثـماني سنوات سلطانا في حياة أبيه.
 
ولم يكن الأشرف خليل محبـوبـا من الأمراء: لأنه كان قاسيا وغير متمسك بحسن الخلق، حتى اتهم بدس السم لأخيه علي، وقد استلم الحكم فور وفاة أبيه، وقضى على الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة الذي تآمر عليه، ثم استعد للخروج إلى الشام، ورغم محاولة الصليبيين ثنيه عن ذلك بأن أرسلوا إليه (يسألونه العفو) فإنه (لم يقبل منهم ما اعتذروا به)
 
    توجه نحو عكا، واجتمعت إليه جيوش مصر والشام سنة 690 هـ (1291م) فقام بمحاصرتها مدة أربعة وأربعين يوما، ورماها بالمنجنيق، حتى فتحها في جمادى الأول من عام 690 هـ (1291م)، رغم المقاومة العنيدة التي أبدتها حاميتها، وإمدادات قبرص لها - حيت إن الصليبين كانوا يعلمون أنها آخر أمل لهم في البقاء في الشام- وقد فر بعض سكانها إلى عرض البحر المتوسط وتكدسوا في السفن التي غرق بعضها لكثرة من كانوا على ظهرها.
 
وبعد ذلك قام الأشرف خليل بالاستيلاء بسهولة على بقية ما تبقى بأيدي الصليبين مثل صور وحيفا اللتين قاومتا مقاومة كبيرة، ثم اضطرتا للتسليم فنجتا بذلك من التخـريب، ثم استـولى الأشرف خليل على عتليت وصيدا وانطرسوس، وبهذا تم القضاء نهائيا على الوجود الصليبي في الشام، وإن كان الصليبيون في جزيرة إروادالمقابلة للساحل الشرقي قد ظلوا يغيرون على السواحل بين الفينة والأخرى ويقطعون الطرق، مما أزعج نائب السلطنة المملوكية على الشام، وجعله يطلب معونة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فجهز أسطولا ووجهه نحو هذه الجزيرة بعد أن ضم إليه جيش طرابلس ففتحها وملكها وقتل من أهلها خمسمائةوذلك عام 702 هـ 1302م.
 
وهكذا بالقضاء على الصليبين في عام 690 هـ (1291م) وبزوال الخطر المغولي عن الشام ومصر، أصبح لدولة المماليك شأن عظيم في السياسة الدولية خصوصاً في عهد سلطانها الناصر محمد ابن قلاوون في سلطنته الثالثة.
 
أدرك الصليبيون في أوربـا فشل محاولاتهم المتلاحقة للعدوان على بلاد الإسلام في الشام ومصر، ورأوا زوال آخر إماراتهم بعد قرنين من تأسيسها، رغم ما بذل في سبيل إقامتها من جهود مادية ومعنوية، ومن سفك في سبيلها من دماء، كـما لمسوا فتور الحماس الصليبي، بعد فشل حملتي لويس التاسع السابعة والثامنة على مصر وتونس، لذلك اضطروا إلى تقبيل اليد التي حاولوا قطعها فلجئوا إلى الدبلوماسية والمراسلات والسفراء والهدايا، علهم يحققون عن طريقها ما فشلوا في تحقيقه بالتعصب والسيف.
 
انهال سفراء الدول الأوربية على بلاط الملك الناصر محمد بن قلاوون في القاهرة، محملين بالهدايا والرسائل التي تلح في طلب الصداقة والموادعة، وتوثيق عرى الصداقة، في حين كان غرضها الأساسي هو استدرار عطف الناصر على النصارى  في دولته، سواء من كان منهم من الأقباط في مصر أو من أهل الشام، فأرسل البابا يوحنا الثاني والعشرين في عام 727 هـ (1326م) رسالة إلى الناصر طالبا منه أن يعامل نصارى الشرق معاملة عادلة، مقابل معاملة مماثلة للمسلمين، فرد عليه الناصر مجيبا طلبه.
 
وفي نفس السنة أرسل شارل الرابع ملك فرنسا رسالة مماثلة لنفس الغرض فرد عليه الناصر أيضا مجيبا طلبه، كـما أرسل إليه إمبراطور بيزنطة سفراء محملين بالهدايا راجيا إياه معاملة النصارى الملكانيين لديه بالرعاية والعدل، فقبل الناصر طلبه، وعقد معه حلفا لصد الأتراك العثمانيين.
 
وبلغت العلاقات بين الناصر ويعقوب ملك ارغونة شأوا كبيرا  بسبب المراسلات بينهما ما بين سنتي 03 7- 728هـ 1303_1327م، التي كان هدفها إيجاد علاقة صداقة بينهما، والحصول على ميزات تجارية لأرغونة في مصـر، وتسهيل  الحج للأراضي المقدسة، وإطلاق سراح النصارى المسجونين في مصر، وضمان حسن معاملة الأقباط والنصارى عامة في الشرق.
 
وقد رأى الناصر محمد- الذي كان ملكا مستنيرا  محنكا، يميل إلى المسالمة- رأى ذلك فرصة لتوثيق العلاقات بين دولته والآخرين في الشرق والغرب، يحقق بها مصالح  مشتركة وخاصة حماية المسلمين في أسبانيا التي كانت خـاضعة لحاكم أرغونة، بالإضافة إلى المصالح التجارية والعسكرية في الوقوف أمام الخطر التركي العثماني.
 
ولا أدل عام أهمية دولة المـماليك الإسلامية في هذا العصر من أن يصبح سلاطينها محط أنظار السفراء والرسل من مغول ويمنيين وأرمن ونوبيين، حتى وصفهم المقريزي بقوله : "وفيه (25 محرم 5 72 هـ) اجتمع بمصر من رسل الملوك ما لم يجتمع منهم في الدولة التركية، وهم رسـل اليمن ورسـل صاحب اسطنبول ! ورسل الأشكريورسل متملك سيس، ورسل أبي سعيد (ملك التتار)، ورسل ماردين ورسا ابن قرمان ورسل متملك النوبة وكلهم يبذلون الطاعة".
 
إلا أن هذه المكانة قد ضعفت بموت السلطان الناصر محمد فسبحان مغير الأحوال.
 
المصادر والمراجع العربية :

 

 

 

 
1ـ   ابن الأثير، 630 هـ (1232م) عز الـدين، علي بن محمد الجـزري، الكَامل في التاريخ، (12 جزءا، بولاق) 1310 هـ.
 
    2 _  أحمد مختار العباديَ،  دكتور: قيام دولة المـماليك الأولى في مصر والشام، دار النهضة العربية، بيروت، 1969م.
 
    3 _  ابن إياس 930 هـ (1523 م) محمد بن أحمد الحنفي، بدائع الزهور في وقائع الدهور (كتاب تاريخ مصر)، 3 أجزاء، بولاق، 1370 م.
 
    4 _  بيبرس الدوادار 725 هـ (1325م) الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري: زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة،  الجزء العاشر، مكتبة جامعة القاهرة، رقـم 24028 تاريخ، تصوير شمسي.
 
    5 _ جميل عبد اللّه المصري، دكـتور: الموالي، موقف الدولة الأموية منهم، دار أم القرى للنشر والتوزيع، عـمان، 1988م، الطبعة الأولى.
 
    6 _  جوزيف نسيم جوريف:
 
      1- العدوان الصليبي على مصر، دار النهضة، بيروت، 1981م.
 
          2- العدوان الصليبي على الشام، دار النهضة، بيروت، 1981م.
 
    7 _  الخزرجي، علي بن حسن (القرن الثامن الهجري): العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، جزءان.
 
    8 _  ابن خلدون، 808 هـ (1405م)، عبد الرحمـن بن أحمد:
 
       1- مقدمة ابن خلدون، بيروت، 1900م.
 
          2- العبر وديوان المبتدأ والخبر، 8 أجزاء، القاهرة، 1984 م.
 
    9 _  الذهبي، 748هـ (1347م) شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء.
 
    10_ رشيد الدين، فضل اللّه الهمداني، جامع التواريخ، تاريخ المغول، نقله إلى العربية محمد صادق نشأت و فؤاد عبد المعطي الصياد، القاهرة, .196م.
 
    11_ السيوطي 917 هـ (1605م) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر:
 
          1- تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله، المطبعة الأميرية، 1351هـ.
 
          2- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، جزءان، 1327هـ.
 
    12_ ابن شاكر 873 هـ (1469م)، فخر الدين محمد: فوات الوفيات، بولاق، 1299م.
 
    13- أبو شامة 665 هـ (1268 م) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي، الذيل على الروضتين، تحقيق: عزت العطار بعنوان تراجم رجال القرنين السادس والسابع، القاهرة، 1947م.
 
    14_ ابن شاهين 873 هـ (1468م)، غرس الدين خليل الظاهري: زبدة كشف الممالك وبيان طرق المسالك، تحقيق بول رافيس، باريس، 1895 م.
 
    15- ابن شداد، بهاء الدين: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، القاهرة، 1317هـ.
 
    16- الطبرِي 130هـ (923م)، أبو جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك، 13 جزءاً ليدن، 1890 م.
 
    17- أبو الفداء732 هـ (1331م) إسماعيل بن عاكف عماد الدين صاحب حماه: المختصر في أخبار البشر، 4 أجزاء، 1286 هـ.
 
    18- ابن الفرات المصري 807 هـ (1405 م)، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم: تاريخ ابن الفرات المعـروف باسم: الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك، تحقيق: قسطنطين زريق والمستشرق ليفي دلافيدا.
 
    19- ابن أبي الفضائل 672 هـ (1273م) مفضل: النهج السديد والدر المفيد فيما بعد تاريخ ابن العميدة جزءان، حققت بلوشيه، باريس، 1912م.
 
    20- القلقشندي 821 هـ (1471م)، أبو العباس أحمد: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، 14 جزءا، القاهرة، 1913 _  9119م.
 
    21- ابن كثير 774 هـ (1387م) عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر: البداية والنهاية في التاريخ، 14 جزءا، القاهرة، 1351_ 1358هـ.
 
    22- عاشور، سعيد عبد الفتاح:
 
            1- الحركة الصليبية، جزءان، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963 م.
 
            2- قـبرص والحروب الصليبية، القاهرة، مكتبة النهضة، 1957م.
 
            3- مصر في عهد دولة المماليك البحرية، القاهرة، 1969م.
 
     23- ابن عبد الحكم 257 هـ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الحكم: فتوح مصر والمغرب، طبعة 1924م.
 
    24- عبد اللّه بن أيبك، القرن الثامن أبو بكر: كنز الدر وجامع الغرر أو الدرة الزكية في أخبار الدولة التركية، تسعة أجزاء في 27 مجلدا، مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم 2578.
 
    25- عبد المنعم ماجد: دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر، مكتبة الأنجلو. (بدون تاريخ).
 
    26- علي إبراهيم حسن: تاريخ المماليك البحرية، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1967م.
 
    27- العمري 749 هـ ابن فضل اللّه شهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحي:
 
    1- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، 20 جزءا، مخطوطة بدار الكتب برقم (2368).
 
    2- التعريف بالمصطلح الشريف، القاهرة، 1302 هـ.
 
    28- العيني 855 هـ (1452م) بدر الديات أبو محمد بن أحمد: عقد الجـمان في تاريخ أهل الزمان، 23 جزءا في 69 مجلدا، الجزء الخاص بحوادث 656-673 هـ (مخطوطة بمكتبة دار الكتب المصرية برقم 1584).
 
    29- أبو المحاسن 874 هـ (1496م)، جمال الدين بن يوسف بن تَغري بردي:
 
    1- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 9 أجزاء، دار الكتب، 1939م.
 
    2- المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، 3 أجزاء، مخطوطة بدار الكتب برقم 1113.
 
    30- المقدسي 383 هـ (977م)، شمس الدين أبو عبد اللّه محمد: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة دي غويه 1893م.
 
    31- المقريزي 845 هـ (1441م) تقي الـدين أحمد بن علي: المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق، 1270 هـ، والقاهرة 1930م، تحقيق: مصطفى زيادة.
 
    2_ السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1939م.
 
    32- المقري 1 104هـ (1631م)، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968م.
 
    33- ابن واصل 697 هـ (1297م)، جمال الدين أبو عبد اللّه محمد بن سليم الشافعي: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ط صورة شمسية بمكتبة جامعة الإسكندرية تحقيق: جمال الشيال.
 
    34- يوسف دريـان:
 
    1- لباب البراهين الجلية عن حقيقة أمر الطائفة المارونية منذ أوائل القرن الخامس
 
    إلى أوائل القرن الثالث عشر من القرون المسيحية. (تاريخ الطبع غير معلوم).
 
    2- نبذة تاريخية في أصل الطائفة المارونية واستقلالها بجبل لبنان من قديم  الدهر حتى الآن، القاهرة، مطبعة الأخبار، 1916 م.
 
    المراجـع الأجنبيـة
 
    Atiya: Egypt and Aragon
 
    The crusades in the later middle ages. (London 1938 ).
 
    Davis ,E.J: invasion of Egypt in A.D 1249 (London 1897 ).
 
    Encyclopedia of Islam.
 
    Encyclopedia of religion.
 
    Haut Coeur et wiet: les mosques de caire.
 
    Heyel. W: histoire du commerce du Levant and au Moyer age. 4 vols, (Leipzig 1899 ).
 
    Hitti. P.k. the history of the Arabs .( London 1940).
 
    Join Ville. Jean. sire. de history of st.louis.tr.joan Evans.
 
    King: the knights of hospitellers.

 

   Lane- poole: history of Egypt in the middle ages- London 1925

 

المصدر : مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة