أولاً : الصراع مع أخيه جم على السلطة: كان بايزيد أكبر أولاد السلطان محمد الفاتح ، وكان حاكماً في عهد أبيه مقاطعة القرمان ، وكان الولد الثاني للسلطان محمد الفاتح يُدعى (جم) ، ويحكم مقاطعة القرمان ، والأمير بايزيد هو الذي سيتولى السلطنة بعد وفاة أبيه ، وكلا الوالدين كان بعيداً عن استانبول . وكانت رغبة الصدر الأعظم قرماني محمد باشا في تولية الأمير جم ، لذا فقد أرسل من يخبره بوفاة والده كي يأتي وربما استطاع تسلم الأمر ، غير أن حاكم الأناضول سنان باشا أدرك اللعبة فقتل رسول الصدر الأعظم إلى الأمير جم قبل أن ينقل له الخبر ، وكانت رغبة الانكشارية وعطافتهم مع الأمير بايزيد فلما أخبروا بما فعل الصدر الأعظم قاموا عليه وقتلوه ونهبوا المدينة ، وأقاموا (كركود) نائباً عن أبيه حتى يصل إلى عاصمته. وصل الأمير بايزيد فاستقبله الانكشاريون ، وطلبوا منه العفو على ما فعلوا كما طلبوا منه طلبات نفذها لهم كلها ، وبويع بايزيد سلطاناً ، وتسلم الأمر ، ومع أنه كان محباً للسلم وللاشتغال بالعلم إلا أن أحوال البلد اقتضت أن يترك ما عرف ويتسلم الأمر بشدة. عندما وصل خبر وفاة السلطان محمد الفاتح إلى ابنه جم سار إلى بورصة ، واحتلها عنوة ، ودعا أخاه السلطان بايزيد لتقسيم البلاد بينهما بحيث يستقل جم بآسيا ، ويستقبل بايزيد بأوربا ، فلم يوافقه السلطان وحاربه ، ودخل بورصة ففر جم ، والتجأ إلى المماليك عام 886 حيث بقي عاماً كاملاً عند السلطان قايتباي في القاهرة ، وبعدها انتقل إلى حلب ، وبدأ يراسل الأمير قاسم حفيد أمراء القرمان ، ووعده بإعادة إمارة القرمان إن تمكن الأمير جم أن يحكم الدولة العثمانية ، فسارا معاً للهجوم على قونية لكنهما فشلا فشلاً ذريعاً. وحاول الأمير جم المصالحة مع أخيه السلطان أن يعطيه مقاطعة ، فرفض ذلك السلطان حيث فهم تقسيم الدولة ، وانطلق الأمير جم إلى رهبان جزيرة رودوس فاستقبلوه ، غير أن السلطان اتصل بهم ، وطلب منهم إبقاء الأمير جم عندهم تحت الإقامة الجبرية مقابل دفع مبلغ من المال من السلطان للرهبان ، وعدم التعرض للجزيرة ما دام حياً فوافق الرهبان على ذلك ، ورفضوا تسليمه إلى ملك المجر ، ثم رفضوا تسليمه إلى إمبراطور ألمانيا ليتخذوه سيفاً يقاتلون به الدولة العثمانية ، ولكنه سلم بعدئذ إلى فرنسا ، ومنها إلى البابا ، والمهم أنه مات عام 900 وهو بهذه الصورة وقد استراح منه السلطان سواء أكان تحت الإقامة الجبرية أم عندما فارق الحياة. ثانياً: موقفه من مماليك مصر: وحصلت خلافات مع مصر التي كان لها نفوذ على بعض الإمارات في جنوب الأناضول ، ووقع قتال بين الطرفين غير أن باي تونس قد أصلح بينهما ، خوفاً من زيادة القتال بين المسلمين على حين أن النصارى يتربصون الدوائر بالمسلمين ، ويسرون للخلافات التي تحدث بينهم. ثالثاً : السلطان بايزيد الثاني والدبلوماسية الغربية : فشل العثمانيون في فتح بلغراد ، وتوطدت الصلات مع بولونيا عام 895 ، ثم حدث الخلاف بينهما إذ كان كل من الجانبين يدعي الحماية على البغدان ، وقد اعترف أمير البغدان بالحماية العثمانية ، وقاتل معهم البولونيين. وبدأت الدول تقترب من الدولة العثمانية ، وتطلب عقد الحلف معها للإفادة منها في قتال خصومها ، وخاصة الإمارات الإيطالية ، وقد حارب العثمانيون دولة البندقية ، وانتصروا عليها ، فاستنجدت بملك فرنسا والبابا ، وكانت حرباً صليبية بين الطرفين. وظهرت دولة روسيا عام 886 حيث استطاع دوق موسكو إيفان الثالث من تخليص موسكو من أيدي التتار ، وبدأ بالتوسع. وأدرك الأعداء ، أنهم لا يستطيعون مواجهة القوات الجهادية في حرب نظامية يحققون فيها أطماعهم لهذا لجأوا إلى أسلوب خبيث تستروا به تحت مسمى العلاقات الدبلوماسية لكي ينخروا في عظام الأمة ويدمروا المجتمع المسلم من الداخل ، ففي عهد السلطان بايزيد وصل أول سفير روسي إلى (إسلامبول) عام (898هـ/1492م). إن وصول السفير الروسي عام (1492م) على عهد دوق موسكو (إيفان) وما تابع ذلك ، وما أعطى له ولغيره من حصانة وامتيازات ، فتح الباب أمام أعداء الأمة الإسلامية لكشف ضعفها ومعرفة عوراتها ، والعمل على إفسادها والتآمر عليها بعد تدميرها وإضعاف سلطان العقيدة في نفوس أبنائها. وفي عهد بايزيد الثاني في عام (886هـ) استطاع دوق موسكو (إيفان الثالث) أن ينتزع إمارة (موسكو) من أيدي المسلمين العثمانيين ، وبدأ التوسع على حساب الولايات الإسلامية. ولا يعني ذلك أن السلطان (بايزيد) وقف موقفاً ضعيفاً أمام هذه الظروف ولكن الدولة كانت تمر بظروف صعبة في محاربتها لأعداء الإسلام على امتداد شبه جزيرة الأناضول، وأوروبا الشرقية كلها ، فانشغلت بها. رابعاً: وقوفه مع مسلمي الأندلس : تطورت الأحداث في شبه الجزيرة الأيبرية في مطلع العصور الحديثة ، فأصبح اهتمام الأسبان ينحصر في توحيد أراضيهم ، وانتزاع ما تبقى للمسلمين بها خصوصاً بعد ما خضعت لسلطة واحدة بعد زواج إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون ، فاندفعت الممالك الأسبانية المتحدة قبيل سقوط غرناطة في تصفية الوجود الإسلامي في كل أسبانيا ، حتى يفرغوا أنفسهم ويركزوا اهتمامهم على المملكة الإسلامية الوحيدة غرناطة ، التي كانت رمز للمملكة الإسلامية الذاهبة. وفرضت أسبانيا أقسى الإجراءات التعسفية على المسلمين في محاولة لتنصيرهم وتضييق الخناق عليهم حتى يرحلوا عن شبه الجزيرة الأيبرية. نتيجة لذلك لجأ المسلمون الموريسكيون إلى القيام بثورات وانتفاضات في أغلب المدن الأسبانية التي يوجد بها أقلية مسلمة وخاصة غرناطة وبلنسية ، وأخمدت تلك الثورات بدون رحمة ولا شفقة من قبل السلطات الأسبانية التي اتخذت وسيلة تعميق الكره والحقد للمسلمين ، ومن جهة أخرى كان من الطبيعي أن يرنوا الموريسكيون بأنظارهم إلى ملوك المسلمين في المشرق والمغرب لإنقاذهم ، وتكررت دعوات وفودهم ورسائلهم إليهم للعمل على إنقاذهم مما يعانوه من ظلم ، وخاصة من قبل رجال الكنيسة ودواوين التحقيق التي عاثت في الأرض فساداً وأحلت لنفسها كل أنواع العقوبات وتسليطها عليهم. وكانت أخبار الأندلس قد وصلت إلى المشرق فارتج لها العالم الإسلامي. وبعث الملك الأشرف في مصر بوفود إلى البابا وملوك النصرانية يذكرهم بأن النصارى الذين هم تحت حمايته يتمتعون بالحرية ، في حين أن أبناء دينه في المدن الأسبانية يعانون أشد أنواع الظلم ، وقد هدد باتباع سياسة التنكيل والقصاص تجاه رعايا المسيحيين ، إذا لم يكن يكف ملك قشتالة وأرغون عن هذا الاعتداء وترحيل المسلمين عن أراضيهم وعدم التعرض لهم ورد ما أخذ من أراضيهم ، ولم يستجيب البابا والملكان الكاثوليكيان لهذا التهديد من قبل الملك الأشرف ومارسوا خطتهم في تصفية الوجود الإسلام في الأندلس . وجددت رسائل الاستنجاد لدى السلطان العثماني بايزيد الثاني ، فوصلته هذه الرسالة : ( الحضرة العلية ، وصل الله سعادتها ، وأعلى كلمتها ، ومهد أقطارها ، وأعز أنصارها ، وأذل عداتها ، حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا ، السلطان الملك الناصر ، ناصر الدنيا والدين ، وسلطان الإسلام والمسلمين ، قامع أعداء الله الكافرين ، كهف الإسلام ، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام ، محي العدل ، ومنصف المظلوم ممن ظلم ، ملك العرب ، والعجم ، والترك والديلم ، ظل الله في أرضه ، القائم بسنته وفرضه ، ملك البرين وسلطان البحرين ، حامي الذمار ، وقامع الكفار ، مولانا وعمدتنا ، وكهفنا وغيثنا ، لا زال ملكه موفور الأنصار ، مقرونا بالانتصار ، مخلد المآثر والآثار ، مشهور المعالي والفخار ، مستأثراً من الحسنات بما يضاعف به الأجر الجزيل ، في الدار الآخرة والثناء الجميل ، والنصر في هذه الدار ، ولا برحت عزماته العلية مختصة بفضائل الجهاد ومجرد على أعداء الدين من بأسها ، ما يروي صدور السحر والصفاح ، وألسنة السلاح بأذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد ، سالكة سبيل السابقين الفائزين برضا الله وطاعته يقوم الأشهاد . وكانت ضمن الرسالة أبيات القصيدة يمدح صاحبها فيها الدولة العثمانية والسلطان بايزيد ، ويدعو للدولة بدوام البقاء. ثم وصفت القصيدة الحالة التي يعاني منها المسلمون وما تعرض له الشيوخ والنساء من هتك للإعراض وما يتعرض له المسلمين في دينهم حيث استطر قائلاً : سلام عليكم من عبيد تخلفوا بأندلس بالغرب في أرض غربة أحاط بهم بحر من الردم زاخر وبحر عميق ذو ظلام ولجة سلام عليكم من عبيد أصابهـم مصاب عظيم يا لها من مصيبة سلام عليكم من شيوخ تمزقت شيوخهم بالنتف من بعد عزة سلام عليكم من وجوه تكشفت على جملة الأعلاج من بعدة سترة سلام عليكم من بنات عوائق يـسوقهم اللباط قهراً لخلوة سلام عليكم من عجائز أكرهت على أكل خنزير ولحم جيفة ثم تعود القصيدة في شرح المأساة ، وتغيير الدين ما إلى ذلك ، فاستطردت بقولها : غدرنا ونصرنا وبدل ديننا ظلمنا وعوملنا بكل قبيحة وكنا على دين النبي محمد نقاتل عمال الصليب بنية وتلقى أموراً في الجهاد عظيمة بقتل وأسر ثم جوع وقلة فجاءت علينا الروم من كل جانب بسيل عظيم جملة بعد جملة ومالوا علينا كالجراد بجمعهم بجد وعزم من خيول وعدة فكنا بطول الدهر نلقى جموعهم فنقتل فيها فرقة بعد فرقة وفرسانها تزداد في كل ساعة وفرساننا في حال نقص وقلة فلما ضعفنا خيموا في بلادنا ومالوا علينا بلدة بعد بلدة وجاؤوا بأنفاظ عظام كثيرة تهدم أسوار البلاد المنيعة وشدوا عليها الحصار بقوة شهوراً وأياماً بجد وعزمة فلما تفانت خلينا ورجالنا ولم نر من إخواننا من إغاثة وقلت لنا الأقوات واشتد حالنا أحطناهم بالكره خوف الفضيحة وخوفاً على أبنائنا وبناتنا من أن يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة على أن نكون مثل من كان قبلنا من الدجن من أهل بلاد القديمة ثم تحدثت القصيدة عن الخيار في مثل هذه الحالة ، فإما القبول بالوضع السابق أو الارتحال ، إذ استطردت قائلة : ونبقى على آذاننا وصلاتنا ولا نتركن شيئاً من أمر الشريعة ومن شاء منا الجر جاز مؤمناً بما شاء من مال إلى أرض عدوة إلى غير ذلك من شروط كثيرة تزيد على الخمسين شرطاً بخمسة فقال لنا سلطانهم وكبيرهم لكم ما شرطتم كاملاً بالزيادة فكونوا على أموالكم ودياركم كما كنتم من قبل دون أذية إلا أن الملكين الكاثوليكيين لم يفيا بتلك المواثيق إذ بدأ غدرهما على المسلمين فقال : فلما دخلنا تحت عقد ذمامهم بدا غدرهم فينا بنقص العزيمة وخان عهوداً كان قد غرنا بها ونصرنا كرهاً بعنف وسطوة وأحرق ما كانت لنا من مصاحف وخلطها بالزبل أو بالنجاسة وكل كتاب كان في أمر ديننا ففي النار ألقوه بهزء وحقرة ولم يتركوا فيها كتاباً لمسلم ولا مصحفاً يخلى به للقراءة ومن صام أو صلى يعلم حاله ففي النار يلقوه كل حالة ومن لم يجئ منا لموضع كفرهم يعاقبه اللباط شر العقوبة ويلطم خديه ويأخذ ماله ويجعله في السجن في سوء حالة وفي رمضان يفسدون صيامنا بأكل وشرب مرة بعد مرة وهكذا مضت المسيحية في هتك الإسلام ، وذل المسلمين ، فمن تدخل في عبادة المسلم إلى شتم الإسلام فقالت القصيدة في ذلك : وقد أمرونا أن نسب نبينا ولا نذكرنه في رخاء وشدة وقد سمعوا قوماً يغنون باسمه فأدركهم منهم أليم المضرة وعاقبهم حكامهم وولاتهم بضرب وتغريم وسجن وذلة ومن جاءه الموت ولم يحضر الذي يذكرهم لم يدفنوه بحيلة ويترك في زبل طريحاً مجدلاً كمثل حمار ميت أو بهيمة إلى غير هذا من أمور كثيرة قباح وأفعال غزار ردية بعد ذلك أخذ الملوك الكاثوليك في إذابة المجتمع المسلم وذلك بتغيير الهوية الإسلامية إذ قالت القصيدة : وقد بدلت أسماءنا وتحولت بغير رضا منا وغير إرادة فآهاً على تبديل دين محمد بدين كلاب الروم شر البرية وآهاً على أسمائنا حين بدلت بأسماء أعلاج من أهل القيادة وآهاً على أبنائنا وبناتنا يروحون للباط في كل غدوة يعلمهم كفراً وزوراً وفرية ولا يقدروا أن يمنعوهم بحيلة وآهاً على تلك المساجد سورت مزابل للكفار بعد الطهارة وآهاً على تلك الصوامع عـلقت نواقيسهم فيها نظير الشهادة وآهاً على تلك البلاد وحسنها لقد أظلمت بالكفر أعظم ظلمة وصارت لعباد الصليب معاقلاً وقد أمنوا فيها وقوع الإغارة صرنا عبيداً ولا أسارة فنفتدي ولا مسلمين منطقهم بالشهادة ثم تتوجه القصيدة باستجداء السلطان لإنجادهم ، وإنقاذهم من تلك المحنة فتقول : فلو أبصرت عيناك ما صار حالنا إليه لجادت بالدموع العزيزة فيا ويلنا يا بؤس ما قد أصابنا من الضر والبلوى وثوب المذلة سألناك يا مولاي والله ربنا وبالمصطفى المختار خير البرية عسى تنظروا فينا وفيما أصابنا لعل إله العرش يأتي برحمة فقولك مسموع وأمرك نافذ وما قلت من شيء يكون بسرعة ودين النصارى أصله تحت حكمكـم ومن ثم يأتيهم إلى كل كورة فبا لله يا مولاي منوا بفضلكم علينا برأي أو كلام بحجة فأنتم أولوا الأفضال والمجد والعلا وغوث عباد الله في كل آفة ويشير المسلمون أن توسط ملوك مصر لدى المسيحيين لم تجد شيئاً ، بل زادوا تعنتاً فقالوا : وقد بلغت إرسال مصر إليهم وما نالهم غدر ولا هتك حرمة وقالوا لتلك الرسل عنا بأننا رضينا بدين الكفر من غير قهرة وساقوا عقود الزور ممن أطاعهم ووالله ما نرضى بتلك الشهادة لقد كذبوا في قولهم وكلامهم علينا بهذا القول أكبر فرية ولكن خوف القتل والحرق رونا نقول كما قالوه من غير نية ودين رسول ما زال عندنا وتوحيدنا لله في كل لحظة بعد ذلك أوضح المسلمون للسلطان بايزيد أنه مع كل ذلك فإنهم متمسكون بالدين الإسلامي ويؤكدون ذلك بقولهم : ووالله ما نرضى بتبديل ديننا ولا بالذي قالوا من امر الثلاثة وإن زعموا أنا رضينا بدينهم بغير أذى منهم لنا ومساءة فسل وحرا عن أهلها كيف أصبحوا أسارى وقتلى تحت ذل ومهنة وسل بلفيقاً عن قضية أمرها لقد مزقوا بالسيف من بعد حسرة وضيافة بالسيف مزق أهلها كذا فعلوا أيضاً بأهل البشرة وأندرش بالنار أحرق أهلها بجامعهم صاروا جميعاً كفحمة ويكرر المسلون ويجددوا الاستغاثة بالدولة العثمانية بعد تقديم هذه الشكوى : فها نحن يا مولاي نشكو إليكم فهذا الذي نلناه من شر فرقة عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنا كما عاهدونا قبل نقض العزيمة وإلا فيجلونا جميعاً عن أرضهم بأموالنا للغرب دار الأحبة فإجلاؤنا خير لنا من مقامنا على الكفر في عز على غير ملة فهذا الذي نرجوه من عز جاهكم ومن عندكم تقضي لنا كل حاجة ومن عندكم نرجو زوال كروبنا وما نالنا من سوء حال وذلة فأنتم بحمد الله خير ملوكنا وعزتكم تعلو على كل عزة فنسأل مولانا دوام حياتكم بملك وعز في سرور ونعمة وتهدين أوطان ونصر على العدا وكثرة أجناد ومال وثروة وثم سلام الله قلته ورحمة عليكم مدى الأيام في كل ساعة كانت هذه هي رسالة الاستنصار التي بعث بها المسلمون في الأندلس ، لإنقاذ الموقف هناك ، وكان السلطان بايزيد يعاني من العوائق التي تمنعه من إرسال المجاهدين ، بالإضافة إلى مشكلة النزاع على العرش مع الأمير جم ، وما أثار ذلك من مشاكل مع البابوية في روما وبعض الدول الأوروبية ، وهجوم البولنديين على مولدافيا ، والحروب في ترانسلفانيا والمجر والبندقية ، وتكوين التحالف الصليبي الجديد ضد الدولة العثمانية من البابا جويلس الثاني وجمهورية البندقية والمجر وفرنسا ، وما أسفر عنه هذا التحالف من توجيه القوة العثمانية لتلك المناطق . ومع ذلك قام السلطان بايزيد بتقديم المساعدة وتهادن مع السلطان المملوكي الأشرف لتوحيد الجهود من أجل مساعدة غرناطة ووقعا اتفاقاً بموجبه يرسل السلطان بايزيد أسطولاً على سواحل صقلية باعتبارها تابعة لمملكة أسبانيا ، وأن يجهز السلطان المملوكي حملات أخرى من ناحية أفريقيا ، وبالفعل أرسل السلطان بايزيد أسطولاً عثمانياً تحول إلى الشواطئ الأسبانية ، وقد أعطى قيادته إلى كمال رايس الذي أدخل الفزع والخوف والرعب في الأساطيل النصرانية في أواخر القرن الخامس عشر ، كما شجع السلطان بايزيد المجاهدين في البحر بإبداء اهتمامه وعطفه عليهم ، وكان المجاهدون العثمانيون قد بدأوا في التحرك لنجدة إخوانهم المسلمين ، وفي نفس الوقت كانوا يغنمون الكثير من الغنائم السهلة الحصول من النصارى ، كذلك وصل عدد كبير من هؤلاء المجاهدين المسلمين أثناء تشييد الأسطول العثماني ، ودخلوا في خدمته بعد ذلك أخذ العثمانيون يستخدمون قوتهم البحرية الجدية في غرب المتوسط بتشجيع من هؤلاء المجاهدين وهذا الذي كان في وسع السلطان بايزيد الثاني فعله. خامساً: أعماله الأخرى: اهتم بايزيد بإنشاء المباني العامة وفعل الخيرات، فبنى الجوامع والمدارس والعمارات ودور الضيافة والتكايا والزوايا والمستشفيات للمرضى والحمامات والجسور ، ورتب للمفتي ومن في رتبته من العلماء في زمنه كل عام عشرة آلاف عثماني ولكل واحد من مدرسي المدارس السلطانية ما بين سبعة آلاف وألفين عثماني ، وكذلك رتب لمشايخ الطرق الصوفية ومريديهم ولأهل الزوايا كل واحد على قدر رتبته ، وصار ذلك أمراً جارياً ومستمراً ، وكان يحب أهل الحرمين الشريفين مكة والمدينة . وحدثت في زمانه زلازل عظيمة في القسطنطينية فأخربت ألفاً وسبعين بيتاً ومئة وتسعة جوامع ، وجانباً عظيماً من القصور وأسوار المدينة ، وعطلت مجاري المياه ، وصعد البحر إلى البر فكانت أمواجه تتدفق فوق الأسوار ، ولبثت تلك الزلزلة تحدث يومياً مدة 45 يوماً ، وما أن سكنت الأمور كلف السلطان 15 ألفاً من العمال بإصلاح ما تهدم. عاش سبعاً وستين عاماً ، وكان قوي البنية ، أحدب الأنف ، أسود الشعر رقيق الطبع ، محباً للعلوم ، مواظباً للدرس ، وشاعراً أديباً ، ورعاً تقياً ، يقضي العشرة الأخيرة من شهر رمضان في العبادة والذكر والطاعة ، وكان بارعاً في رمي السهام ، ويباشر الحروب بنفسه ، وكان يجمع في كل منزل حلّ من غزواته ما على ثيابه من الغبار ويحفظه ، ولما دنا أجل موته أمر بذلك الغبار فضرب منه لبنة صغيرة وأمر أن توضع معه في القبر تحت خدّه الأيمن ، ففعل ذلك ، وكان مدة ملكه إحدى وثلاثين سنة إلا أياماً. وكان رحمه الله عالماً في العلوم العربية والإسلامية ، كما كان عالماً في الفلك ، مهتماً بالأدب مكرماً للشعراء والعلماء وقد خصص مرتبات لأكثر من ثلاثين شاعراً وعالماً ، كما كان هو نفسه شاعراً يمتاز شعره بعمق الإحساس بعظمة الله وقدرته . وفاته : كان السلطان بايزيد الثاني قد عين أولاده الثلاثة بقوا أحياء على الولايات ، فكان كركود والياً على شرقي الأناضول ، وأحمد على أماسيا ، وسليم على طرابزون ، كما عين حفيده سليمان بن سليم على مدينة (كافا) في شبه جزيرة القرم. وكان سليم محارباً طموحاً فأراد أن يكون والياً على بعض المقاطعات في أوربا ليمارس الجهاد ، ويؤيده في ذلك الانكشارية والعسكريون عامة ، ولكن السلطان قد رفض من ابنه ذلك كما رفض الولد ولاية طرابزون ، وانتقل إلى ابنه سليمان في كافا ، ثم جمع جيشاً ، وسار إلى أوروبا وحاول السلطان تهديد ولده الذي أصر على القتال ، ونتيجة حبه للسلم تراجع عن قراره وعينه على بعض المقاطعات الأوروبية عام 916 ، فطمع سليم وسار إلى أدرنه ، وأعلن نفسه سلطاناً عليها ، فحاربه أبوه وهزمه ، وفر إلى القرم ، ثم تدخلت الانكشارية فعفا السلطان عنه ، وأعاده إلى أوروبا ، فسار به الانكشارية إلى استانبول . أما الأمير كركود ، وهو الولد الكبير للسلطان فقد رأى أخاه سليماً يفرض رأيه لذا اتجه إلى مقاطعة صاروخان ، واستلمها دون أمر أبيه ، فحاربه وهزمه قبيل وفاته بقليل. في 18 صفر 918هـ الموافق 125 أبريل 1512م ترك حكم الدولة لابنه سليم الأول وذلك بدعم من الجيش ، الذي كان ينظر إليه على أنه الأمل المرتجى في بعث النشاط الحربي للدولة العثمانية بصورة أوسع ودفع حركة الفتوحات إلى الأمام ، ولذلك بادر الجيش إلى معارضة والده وطلبوا من السلطان التنازل للأمير سليم عن الحكم ، فوافق واستقال عام 918 ، وانتقل السلطان ليعيش بعيداً عن الحكم فتوفي في الطريق وهو ذاهب إلى ديمتوقة فنقل نعشه إلى إسلامبول حيث دفن بجوار جامعه الشريف. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/92 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص267 وما بعدها