الحب هناك صلة وثيقة بين الغذاء وظواهر الحياة ، فحيث تنعدم المواد الغذائية تنعدم ظواهر الحياة . كما أن النمو والحجم والقوة والحكمة والجهل والأفكار والمواقف والنشاطات وصعود وسقوط الأعراق والأمم ، تتأثر كلها بالغذاء ، إذ يحددها ويتحكم بها ما نأكله ونشربه . ولا يُستثنى الحب والزواج من هذه القاعدة ، وهما من أوليات الحياة الإجتماعية . ومن المتعارف عليه أنه لا توجد حوافز في حياتنا أقوى من الرغبة الجنسية ، والجوع للغذاء . وكانت مسألة أيهما يحتل المقام الأول موضع الكثير من النقاش . ولكن حتى هؤلاء الذين تمكنوا من تحرير أنفسهم من الرغبة يجدون أن الحاجة إلى الغذاء لا تنفك تلازمهم أبداً . فالجوع هو أقوى حوافز الإنسان على الإطلاق . وإذا امتنعنا عن الأكل لفترة طويلة فإننا نموت . والإحساس بالتأثير العميق للجوع يلازمنا طوال حياتنا . ومن يرغب في إدراك مدى قوة جوعه ما عليه إلا الصوم عن الأكل لبضة أيام . ولا أقصد بهذا أن أقلل من شأن الرغبة الجنسية ، فالتاريخ شاهد على حدة قوتها . لقد حطمت أبطالاً وأسقطت أباطرة إلى مستوى الرجال العاديين ، بل أفضت إلى القول المأثور : " وراء كل جريمة امرأة " . إننا ببساطة كلية ، أحياء بسبب من شهيتنا للطعام . وإذا كنا فعلاً ممتنين للحياة ، فإننا نعبّر في الواقع عن امتناننا للجوع الذي يُعّد قوتها الدافعة . ومن يتمتع بشهية سليمة يستطيع أن يتمتع بأبسط الوجبات . ومن هو ذا الذي يستطيع الإستغناء عنها ؟ أعتقد أن أي مفهوم للكون ، يدعي أنه السبيل الحقيقي للإنسان والطريق الذي يقود إلى الإنجاز التام ، ينبغي أن يعلم طريقة عملية لتحقيق الأهداف : 1-الجوع الذي تتوقف حياة الفرد من دونه . 2-الحياة الجنسية التي تمثل أساس الحياة الإجتماعية بكافة أشكالها ، حياة الأعراق والأمم والبشرية جمعاء . وهذا هو نظام الماكروبيوتيك الغذائي . ************************ ضمن نطاق الرغبات البشرية تظهر الرغبة الشديدة في الغذاء في سن مبكرة جداً ، بل في اليوم الذي يلي الولادة . وعندما نسمع صرخة طفل رضيع يطلب حليب أمه ، ثم نراه يرضع ، نكون شهوداً على القوة الإعجازية لإرادة الحياة . يُبدي الطفل في سن السابعة أو الثامنة ، علامات الرغبة الفكرية المتمثلة بالحاجة إلى المعرفة . وفي الوقت نفسه يولد الوعي للجنس الآخر . وفي حوالي سن الرابعة عشرة ، يبدأ الحيض عند الفتاة ، في حين تكتسب بنية الفتيان وشخصيتهم صفات الرجولة في حوالي سن السادسة عشرة . وتكتمل البنية البيولوجية للأنثى في سن الحادية والعشرين ، وتصبح حينذاك مستعدة للأمومة . ويصبح الفتيان بدورهم مستعدين فيزيولوجياً للأبوة ويسعون وراء الجنس الآخر عندما يتقربون من سن الرابعة والعشرين . هذه هي أعمار الحب للذكر والأنثى ، وهي حتمية . وعلى الرغم من أن الفترات الدقيقة قد تختلف قليلاً من عرق إلى آخر أو من أمة إلى أخرى ، فإنها تتبع هذا النمط عموماً . والأمر الوحيد المؤكد هو أن الرغبة في الجنس الآخر . إذا لم تظهر في سن الحادية والعشرين عند الشابات وفي سن الرابعة والعشرين عند الشبان ، فإن الأمر لا يكون غير طبيعي مع اتساق الكون ، وتكون قد ارتكبت غلطة غذائية خطيرة أثناء السنوات السبع الأولى بالنسبة للأنثى ، أو السنوات الثماني الأولى بالنسبة للذكر . والذين يلتزمون حمية الماكروبيوتيك بدقة ، يتجنبون هذه المشكلة ، وينجذبون جنسياً بقوة ويعرفون متع الحب . ************* ومّما يثير الإهتمام أن التغيرات الفيزيولوجية والروحية تحدث في دورات من سبع سنوات للأنثى ( في سن السابعة والرابعة عشرة والحادية والعشرين ، إلخ ) ومن ثماني سنوات للذكور ( في سن الثامنة والسادسة عشرة والرابعة والعشرين إلخ ) . من الناحية البيولوجية ، تتغير خلايا الكائن البشري تماماً كل سبعة أعوام . فالفتيات ، اللواتي يكن عند الولادة من نوع " اليانج " أكثر مّما يكون الفتيان ، تجتذبهن أغذية " الين " . ويتغيرين بسرعة وففاً لهذا القانون البيولوجي . أما الفتيان ، الذين يكونون عند الولادة من نوع " الين " أكثر مّما تكون الفتيات ، فتجذبهم ، أغذية " اليانج " ويتغيرون بالنتيجة ، بوتيرة أبطأ ، أي كل ثمانية أعوام . وهنا نرى مفتاح التفوق البيولوجي للأنثى . فالنساء ، على سبيل المثال ، ينضجن في سن الثامنة والعشرين ( 4*7 ) ويبدأن حياة جنسية قوية . ولا عجب إن سميت هذه السنوات بالخطيرة والمزعجة . وفي سن الخامسة والثلاثين ( 5*7 ) يصبحن أهدأ . وتتجلى لديهن سجية روحية لا تلبث أن تتعمق في سن الثانية والأربعين ( 7*6 ) وفي سن التاسعة والأربعين ( 7*7 ) يتوقف الطمث والحياة الجنسية ، وتصبح المرأة هادئة أخيراً . وبالمقابل تتبلور رجولة الذكور في سن الثانية والثلاثين ( 8*4 ) . وفي سن الأربعين ( 8*5 ) تبدأ الحياة الروحية . وتتعمق على نحو كاف في سن الثامنة والأربعين ( 8*6 ) بحيث يصبحون مفكرين ويصبح استقرارهم جلياً تماماً .ويبدأ الرجل في حصد ثمار حياته في سن السادسة والخمسين ( 8*7 ) وفي سن الرابعة والستين ( 8*8) تتوقف حياته الجنسية ، وتبدأ حياته الحقيقية الهادئة المستغرقة بالروحانية . بالنسبة لكلا الجنسين ، تشكل مضاعفة دورتهم ست مرات : ( ثمانية وأربعون سنة للرجال واثنتان وأربعون للمرأة ) الخط الفاصل بين الحياة البدنية والحياة الروحية . واعتباراً من تلك السن ، يبتعد الرجل والمرأة ، أكثر فأكثر ، عن الشهوات المادية ، ويصبح بإمكانهما بلوغ حالة روحية مسالمة وأبدية . ويغدو كل منهما حراُ . ثمة أناس تكون حياتهم منفصلة عن اتساق الحياة الطبيعية ، بحيث أنهم لا يدخلون هذا العالم إطلاقاً ، ويمضون حياتهم منشغلين بالجنس والرغبات ، وهم الأكثر تعاسة . *************** من القوانين الأساسية للحياة الطبيعية أن " الين " و " اليانج " يجذب أحدهما الآخر . وفي حالة الذكر " اليانج " والأنثى " الين " ينبغي أن يكون الإنجذاب قوياً على نحو كاف بينهما بحيث يستطيعان التوحد في زواج ثابت سعيد . في سن السابعة ، يبدأ في الأنثى تطور خصائص أنثوية واضحة ، ويبدأ في الذكر تطور خصائص ذكرية واضحة أيضاً . وابتداءً من هذه السن ، تصبح الفتيات تدريجياً أكثر أنثوية " ين " ويصبح الفتيان أكثر ذكورة و " يانج " إذا بُذلت العناية اللازمة . وتقضي التقاليد في ثقافات كثيرة ، لا سيما الشرقية ، بفصل الفتيان عن الفتيات قدر الإمكان ابتداءً من هذه السن ، فهم لا يجلسون معاً ولا يلعبون معاً في المدارس أو الملاعب . ويبقون بمعزل بعضهم عن بعض ، إلى حد ما ، حتى يحين الزواج . وبذلك لا يسمح للخصائص التي تميز جنساً من آخر بأن تخفت بفعل الإلفة الناجمة عن الإتصال الإجتماعي المستمر . ويصبح أفراد فئة " الين " أكثر اتصافاً بسمات " الين " وأفراد فئة " اليانج " أكثر اتصافاً بسمات "اليانج " . وبذلك تتاح لقوة اجتذاب الجنس الآخر فرصة النمو إلى أقصى حد ممكن . ويستثنى من قاعدة الفصل الأشقاء والشقيقات بالطبع ، لأنهم يعيشون تحت سقف واحد ولا يمكنهم تجنب العيش معاً . وربما كان هذا سبب عدم التجاذب الجنسي بينهما إلا في ظل ظروف شاذة . بين سن الرابعة عشرة والثامنة عشرة ، يكتمل نمو طاقة " الين " الكامنة عند الإناث ، وطاقة " اليانج " الكامنة عند الذكور ، لا سيما إذا اتبعوا نظام الماكروبيوتيك في الحياة . يمثل " اليانج " القوة الجاذبية المركزية ويمثل " الين " القوة النابذة . ولذا يكون الذكر ( يانج على السطح ) في الحب هجومياً ، في حين أن الأنثى ( ين على السطح ) تكون سلبية . وهذه ظاهرة طبيعية . وفي الحقيقة أن فكرة الحب كلها طبيعية ، مثل الشهية لتناول الطعام . واعتبارها سماوية ، أو آثمة إنما يشكل فكرة خاطئة . إن موقف الرجل والمرأة كافة متعارضة تماماً ، مثلما يتعارض " اليانج " و " الين " وفي سن الثانية والثلاثين (8*4 ) يصبح الرجل مهتماً بالأمور المادية ، كالعمل التجاري أو المهنة أو المركز في الحياة ، ويصبح براغماتياً . أما المرأة في سن الثامنة والعشرين ( 7*4 ) فإنها تعنى بالأفكار الأكثر اتصافاً بالتجريد والرومانسية . إنها هي الرومانسية . والرجل في الحب هو كلب الصيد الذي يلاحق الأرنب ، غافلاً عن الجبل أو الوادي أو الجدول . فهو يرى الطريدة ولا يرى ما يحيط بها ، يشعر بمتعة المطاردة وليس بالصعوبة . أما المرأة ، فهي الأرنب الذي يستميت بحثاً عن مكان يختبىء فيه . وعندما لا يهرب الأرنب بل يتبع الكلب ، أو حتى يطارده ، فإن الوضع لا يعود طبيعياً ، وتكون المرأة إما مريضة أو قاسية أو الأمرين معاً ... تكون المرأة ذئباً في هيئة أرنب ، فهي تعمد بعد الزواج إما إلى قتل رفيقها بأن تحوّل حياته جحيماً ، أو تطارد كلباً آخر وتختفي . وكل من يفهم هذا سيحقق النجاح في الحب . وقد لا حظ كتاب . من أمثال تشوسر وشكسبير وكولريدج وإيمرسون أن " الحب أعمى " فالحياة تصبح معقدة لا محالة ، مع ظهور الحب . ويتأثر كل شيء عندما يتملكنا الحب فجأة . والحب يضفي عمقاً وجمالاً وفناً على وجود لا طعم له من دون الحب . وثمة قصص كثيرة في آداب كل البلدان ، تعبر عن الجوانب العديدة لهذه الدراما المؤثرة . ويكون الحب أحياناً على درجة من القوة بحيث يستحوذ علينا . ولا نستطيع فهم أهميته أو معناه في حياتنا . كم هو مهمّ أن توجه هذه العاطفة الجياشة توجيهاً سليماً . فحياتنا تغدو مأساة إذا فشلنا . وكم هو سهل إرساء هذا الإتجاه السليم إذا اتبعنا طريقة الماكروبيوتيك في تناول الطعام ! من المثير للإهتمام ومن المسلي أننا ، في شيخوختنا ، نجد هذه العاطفة وقد تلاشت مثل حصاة تختفي في بركة ماء ، ويصعب علينا التصديق أنها كانت في يوم من الأيام ، عاطفة لا تقاوم . أقول باختصار إن الرجل ، الذي يكثر من الحلويات في صباه ، يصبح عقيماً عندما يبلغ . كما أن إكثار من اللحوم يجعله قاسياً وعنيفاً في سلوكه الجنسي . غير أن البلية الكبرى تلحق بمن يأكل خليطاً من الأغذية المتطرفة ( الحلويات واللحوم ومنتجات الحليب والقهوة والأغذية المنتجة في المختبرات ) ، إذ تجعله بلا حياة جنسية على الإطلاق . أدرس ثقافة أي بلد : الفن والروايات والأدب المسرحي والحياة والتاريخ والأفلام والروايات والفلسفة والشعر ، وتذكر عادات الأكل فيه ، ولن تلبث أن ترى الصلة الوثيقة بين التغذية والحب . وستفهم لماذا يستطيع من نشأ على نظام الماكروبيوتيك الغذائي التحكم بنشاطه الجنسي . هذا تطبيق عملية واحد لنظرية " الين " – " يانج " ، إنه " المبدأ الفريد " للماكروبيوتيك .