الغيرة هي إحساس من أحاسيس العاطفة وهي شعور طبيعي في وجدان كـل شخص ولكن إذا ازداد هذا الشعور وأثر علي فكر الإنسان بدون مبرر معقول وإعاقة عن حياته الطبيعية أصبح شعوراً مرضياً .
وتبدأ الغيرة في فترات الطفولة عندما يحدث تدخل من طفل آخر - مولود جديد - في العلاقة الخاصة بين الطفل وبين أمه ويحرمه من الرعاية والعاطفة التي يحتاجها للنمو النفسي الطبيعي وإذا لم ينل الطفل الرعاية والحنان في طفولته يحدث عدم النضوج العاطفي في الكبر مما يؤدي إلي الغيرة المرضية .
والغيرة المرضية هي نوع من أنواع العواطف المرضية المركبة التي تشتمل علي فقدان احترام الذات مع الخوف والبغض والتقلب العاطفي .
والغيرة في العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته هي شعور طبيعي تحافظ علي استقرار الأسرة ... حيث يسعى كل منهما للاحتفاظ بالود والحب نحو الآخر ومراعاة شعوره والاهتمام بأمور الأسرة .
أما إذا وصل الأمر للغيرة المرضية الغير معقولة والتي لا يوجد مبرر لها فإنها تكون بمثابة المرض الذي يجب أن نسعى لعلاجه .
وتحدث الغيرة المرضية في الأسرة عندما يكون أحد الزوجين مصابا بالشخصية الشكاكة ..حيث يعاني من ضعف الشخصية وعدم الانسجام العاطفي والشك في سلوك من حوله ،حيث يسقط ضعفه علي الآخرين ويتهمهم بالخيانة ...كذلك فإن ضعف النواحي الجنسية من ضمن عوامل الغيرة المرضية .
والغيرة المرضية انفعال بغيض يشعر به الإنسان عادة إذا شعر أن الشخـص المحبـوب يوجه انتباهه إلي شخص آخر غيره . ومن أنواع الغيرة الشائعة ما يحـدث بين الأخوة إذا شعر أحدهم أن والديه أو أحدهما يحب أحد أخوته أكثر منه.
*****
وقد وصف القرآن الكريم الغيرة بين الأخوة فيما رواه من غيرة أخوة يوسف عليه السلام منـه بسبب حب أبيهم يعقوب عليه السلام له ولأخيه الأصغـر وتفضيله عليهم.
{ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلي أبينا منا ونحن عصبه إن إياناً لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين }.
وانفعال الغيرة انفعال مركب توجد به عناصر من عدة انفعالات أخرى وخاصة انفعال الكره . ولذلك فغالبا ما تكون الغيرة مصحوبة بالكره والحقد والرغبة في إيذاء الشخص الذي يثير الغيرة .
*******
وفي أحد الأيام حضرت للكشف سيدة في العقد الثالث من العمر وكان يبدوا من مظهرها أنها من الطبقة الثرية وكانت تتمتع بمسحة من الجمال وعندما دخلت حجرة الكشف بدأ عليها علامات الحزن والارتباك .
*خير ... ما الذي تشتكى منه ؟.
** أنا حاسة إني سوف أنهار ...أنا لا أستطيع التحكم في أعصابي .
ثـم بـدأت في البكـاء الصامـت لمـدة 3 دقائق وبعدهـا بدأت تتحكم في انفعالاتها .
** يا دكتور أنا حزينة جداً ... حاسة أن كل شئ حولي ضاع وأنهار .
* ممكن تتحكمي في أعصابك علشان أستطيع أن أفهم الموضوع وأساعدك .
** أنا زوجة لرجل أعمال مهم ... تزوجت زوجي بعد تجربـة حـب طويلـة ... كنت أعمل مهندسة معه في المكتب ... هو رجل أعمال دائـم السفر وله علاقات اجتماعية واسعة وله خبرات طويلة في التعامل مع الناس ... بعد فترة من العمل معه حسيت أني منجذبة إليه بشدة ... فرحت جداً عندما تقدم للزواج منى وقبلت ذلك بدون أي شروط مع إني كنـت أعلم أن له علاقات نسائية متعددة ... ولكن كل شئ كان غير ذات قيمة بالنسبة لي لأني كنت أعلم أنني سوف أستطيع أن أتحكم فيه بعد الـزواج ... عشنا أيام حلوة جميلة في الأيام الأولي من الزواج ... سافرنا للخارج في جولة في أوربا ... كانت كلها أيام سعادة ... كان أحياناً يتفرج علي البنات الأجانب ويصف في جمالهم ... كنت أعتبر ذلك كمن يتفرج علي مسابقة ملكات جمال العالم ... بعد فترة وجدت أن زوجي عينة زائغة ... يعني بالعربي (بصاص) ... عندما واجهته بأن ذلك خطأ وأنه بعد الزواج يجب ألا ينظر للآخرين رد علي وقال لي أنه ينظر إلي جمال المرأة كما ينظر أي إنسان إلي لوحة فنية جميلة وأن الجمال هبة من الله وأن الله جميل يحب الجمال وأنه لا يري في ذلك حرج أو خطأ منه ... وبعدها بدأت أول المشاكل وبدأ الاختلاف
*هل استمر في هذا السلوك بعد العودة للبلد وبعد رجوعه لعمله ؟
** أنا بعد رجوعنا لمصر انهمكت في شئون المنزل لأنه طلب مني أن أترك العمـل واستقر في البيت ... كنت أحياناً ألاحظ في أثناء السهرات في الفنادق أثناء العشاء أنه ينظر بشدة وباستغراق لأي سيدة جميلـة مـدد طويلـة ... عندما كنت أواجهه بذلك كان ينكر ويقول لي أنه سرحان في العمل وأمور الشغل وأن هذه الأمور أصبحت لا تهمة .
*وما هو رد فعلك لذلك ؟
** كنت دائماً أتتضايق وكانت السهرة تنقلب لنكد وكنا أحياناً نقطع السهرة ونرجـع للبيت بدون أن نستكمل العشاء في النادي أو المطعم ... كان دائماً يتهمني بأني إنسانه غيورة وشكاكة ... أصبحت حياتنا كلها مشاكل وأصبح دائماً يتحاشي الجلوس معي أو المناقشة معي ... أصبحت حياته كلها أسرار لا يبوح بها ... إذا ذهب إلي والدته وأخوته أجده شخص آخر غير الشخص الذي أعرفه ... أجده إنسان ظريف ولبق ومتكلم ... يقضي الساعات يتكلـم مع أسرته في أمور الشغل والعمل وفي أدق تفاصيل أعماله ... أما إذا كان معي فإن ينقلب إلي العكس ... يظل الساعات يشاهد التليفزيون أو يقرأ الجرائد ولا يوجه لي أي حديث ... إذا سألته عن أحواله فإن الرد التقليدي هو " مفيش جديد " ... أو يرد بكلمة أو كلمتين ثم يصمت ... حسيت إن حياتي أصبحت كلها عذاب ... أصبح المنزل كأنه فقط لوكاندة للنوم والأكل ولكن بدون مشاعر إنسانية .. حسيت إن حياتي أصابها الفشل .
* وما هو السبب في الفشل ؟... لقد كان الزواج غير تقليدي ... أنت تزوجت بعد تجربة حب .
**المشكلة إني لم استطع أن احتوي زوجي ... دائما عندي الشك بأنه يتطلع إلي امرأة أخرى وأن هناك إنسانه أخرى في حياته سوف تأخذه مني ...أنا لا اشعر بالأمان معه الآن .
* لماذا حدث هذا الإحساس؟ ... هل هناك أي دلائل أو مواقف سببت هذا الإحساس ؟
** نظرات عينيه الزائغة وتصرفاته وصمته معي كلها إحساس لا أستطيع أن أجد لها معني سوي أن هناك إنسانه أخرى في حياته .
* وهل يقضي أوقات كثيرة خارج المنزل ؟.
**هو كل وقته إما في عمله أو عند أسرته ... دائماً يقضي أوقـات عنـد والدته ومع أخوته ... أنا دائماً أراقب تحركاته عن طريق التليفون ... حتى الآن لم أجد ولم أصل إلي هذه الإنسانة ولكن قلبي يحدثني بأن هناك واحدة أخرى تشغل باله .
* وهل واجهت زوجك بهذه الإحساس ؟.
** أيوه ... أنا واجهته في نوبة من نوبات الانفعال وهو قال لي إنك شكاكة واتهمني بالمرض ... هو عاوز يفهمني إنه سليم وأن تصرفاتي مرضية .
*وماذا عند تصرفاته حالياً ؟
** هو حالياً اتجه إلي الناحية الدينية وأصبح ملتزم بعد أن أدي فريضة الحج وليس له هم في الحياة سوي عمله .
*إحساسك بنفسك ؟ ... هل أنت فعلاً شكاكة ؟.
** أيوه ... أنا عندي بعض الشك ... التصرفات اللي تحدث منه ومحاولته تجاهل وجود مشكلة سببت لي ضعف الثقة بالنفس ... أصبحت لا أشعر بالأمان في الحياة الأسرية ... حالياً أصبحت عصبية حتى مع الأولاد ... العصبية أثرت علي علاقاتي مع أهلي ... والدتي دائماً تتهمني أنني متوتـرة وسريعة الانفعال ... الكل لا يستطيع الإحساس بي ... كلهم لا يفهموني ولا يشعروا بما أعاني منه .. حالياً أصبحت لا أستطيع النوم ... الشهية في الأكل قلت عن الأول .
*والمزاج العام أخباره أيه حالياً ؟.
** المزاج عندي وحش خالص ... عندي ضيق واكتئاب ... أبكي لاتفه سبـب ... الكل يقول عني أني شكاكة وكثيرة الغيرة ... زوجي يتهمني بأني أغار من والدته ومن أخواته البنات ... يا دكتور دى مش غيرة ... دي تفرقة في المعاملة ... هو دائماً يهتم بوالدته وأخوته البنات أكثر مني ... بالأمس كنت في زيارة عند والدته وأثناء الزيارة اكتشفت أنهم يعرفون عن عمله أكثر مني ... كانوا يتكلمون عن أشياء وصفقات أبرمها في شغله بدون أن أعلم عنها أي شئ ... كأني آخر واحدة في الكون يهتم بها .
* وهل هناك أحد يصدقك في الموضوع أنه علي علاقة بأخرى ؟
**للأسف لا ... حتى والدتي وأخوتي لا يصدقوا هذا الموضوع ... أنا متأكدة من نظراته ومن تصرفاته أن هناك واحدة أخرى في حياته.
* وهل يمكن أن يكون إحساسك مجرد ظن ؟... ألم يقل الله تعالي " أن بعض الظن أثم " .
**طيب وما رأيك في نظرات عينه الزائغة ؟
*نظرات العين لا تنم عن شئ محدد ... قد تكون مجرد نظرات إعجاب ليس أكثر .. لا نستطيع أن نحكم علي إنسان من مجرد نظرات قد لا يكون لها معني علي الإطلاق ... الله تعالي هو فقط الذي يستطيع أن يحكم علي نظرات الأعين ... قال تعالي في كتابه الحكيم{ يعلم خائنه الأعين وما تخفى الصدور } وهي قدرة خاصة من قدرات الله سبحانه وتعالي وليست من قدرة البشر ... الموضوع كله إحساس مرضي ترسب في نفسك منذ فترة ويحتاج للعلاج النفسي حتى نستطيع أن نتغلب عليه... وحتى يعود السلام والاستقرار للأسرة مـرة أخرى.
وقد كتبت لها بعض الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب ونصحتها بالاستمرار في العلاج وحددت لها مواعيد للعلاج النفسي حتى تستطيع التغلب علي الحالة النفسية التي تؤثر علي نفسيتها .
ولكي نحاول منع الغيرة بين الزوجين يجب أولاً أن يكون هناك تقارب بيـن شخصية الزوجين وتقارب في المستوي الاجتماعي والثقافي حتى يكون هناك تألـف ومحبة وود وتفاهم ويجب أن يبني الزواج علي الصراحة في كل الأمور صغيرها وكبيرها حتى يكون هناك وضوح في المعاملة . وإذا كان أحد الزوجين يعاني من الحساسية في العاطفة أو من الغيرة يجب تجنب العوامل التي تؤدي لزيادة هذه الحساسية . أما إذا ازداد المرض وأدت الغيرة إلي الشقاق في الأسرة فيجب عرض الأمر علي الطبيب النفسي لدراسة الحالة ووضع طريقة العـلاج المناسبـة وقد نهـي الرسول صلي الله عليه وسلم عن الغيرة بدون سبب معقول .
فقال(ص) : " إن من الغيرة غيرة ببغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل علي أهله من غير ريبة " صدق رسول الله .