أصبح المسلم غير العثمانى فى نظر المسلم العثمانى «فلاح خرسيس».. تمت إهانة العمل والإنتاج لصالح «طرابيش جاهلة» لا تملك إلا الغرور والاستعلاء، ولا تضيف للحياة شيئاً.. قضت الطرابيش الجاهلة على احتمالات النهضة فى بلادنا، فكانت مصر فى ذلك العصر العثمانى المملوكى، أرض الظلمات.. لا عقل ولا قلب. 1 - فى عام 1760، أصبح على بك الكبير، شيخ البلد فى مصر، كانت مصر فى تلك الحقبة نموذج «الدولة العزبة».. فجأة أصبح على» بك له أتباع ورجال وسلطان، وتأسست على اسمه «المماليك العلوية».. وأصبح المملوك محمد أبوالدهب الذى كان يعمل مع سيده المملوك على بك الكبير هو الآخر له أتباع ورجال وسلطان.. كان كل عبد مملوك لا يقدر على شىء، يصبح بالنفاق والخداع والغدر والقتل رقماً فى الخريطة السياسية لبلادنا. 2 - فى عهد على بك الكبير، ظهر شيخ العرب همام.. هو همام بن يوسف الهوارى، الذى حكم جزءاً كبيراً من الصعيد أربعة أعوام، من عام 1765-1769. يذكر الدكتور صلاح أحمد هريدى، أستاذ التاريخ فى آداب إسكندرية فرع دمنهور، فى كتابه المتميز «دراسات فى تاريخ العرب»، الذى أصدرته دار عين للدراسات والبحوث عام 2008 عن شيخ العرب همام، أنه أسس إمارة فى عهد على بك الكبير، وكان له باب إمارة، وقامت إمارته على تحالف الفلاحين والبدو. وكان يرسل الغلال إلى القاهرة ويؤوى أمراء المماليك الفارين من صراعات العاصمة إلى الجنوب. وفى سجلات محكمة قنا محفظة رقم «11» لعام 1766، يوجد نص عن تسلم واحد وثلاثين ألف إردب قمح استحقاق ديوان مولانا هشام باشا. 3 - وعلى ذلك، كان شيخ العرب همام أميراً على أغلب الصعيد، ولكنه لم يشكل إمارة مستقلة بل كان يرسل الضريبة إلى القاهرة، وكان جزءاً من صراع المماليك يناصر ويعادى ويؤوى.. وقد أدى به هذا الأمر إلى أن يكون هو ضحية هذه التحالفات والعداوات، فقد تمكن محمد بك أبوالدهب من الاتصال بابن عمه «إسماعيل أبوعبدالله الهوارى» واعداً إياه بحكم الصعيد بعد القضاء على همام، وبعد خيانة أولاد عمه هرب إلى إسنا ومات هناك ودفن فى «قمولة»، وأخذ محمد بك أبوالدهب ابنه درويش همام الهوارى إلى القاهرة، وانتهى أمر شيخ العرب همام وذريته من بعده تماماً.. وأصبح جزءاً من تاريخ مرتبك. 4 - ينسب البعض إلى شيخ العرب همام أنه أعلن الجمهورية، ولكن المؤرخين يرون أن هذا غير صحيح. والحاصل إذن.. أن تجربة شيخ العرب همام كانت جزءاً من ذلك العهد المظلم.. كانت بالطبع أكثر انضباطاً، وربما كانت محاولة مخلصة لإقرار الاستقرار فى جزء من البلاد، لكنها لم تكن أكثر من محاولة للتحسين لم تصل إلى المستوى الوطنى، وفيها الكثير من ملامح حرب العصابات وصراعات النفود. 5 - لم يترتب أى شىء عظيم على تجربة همام، وللأسف فإن ما بقى منه هو انشقاق الصعيد إلى مقولات عرقية وطبقية متخلفة ما بين عرب وهوارة.. وما بين قبيلة وأخرى.. ولو كان همام أقوى مما كان عليه لربما كان قد استقل بالصعيد، وكان كارثة علينا.. الحمد لله أن انتهى عصره وزمنه وزمن الرعاع المماليك من حوله.. ورحم الله الزعيم المصرى العظيم محمد على باشا الذى أنجز مذبحة المماليك الرائعة.