المحنة السياسية

الناقل : SunSet | المصدر : www.holykarbala.net


المحنة السياسية

حينما تحل بالإنسان مصيبة أو كارثة فإن من أهم العوامل التي تساعده على التحمل والصمود في مواجهتها هو توفر التعاطف والمؤاساةله من قبل ذويه وأصحابه وجيرانه وأبناء مجتمعه .

إن ما يلقاه المصاب من تعاطف انساني ومواساة اجتماعية يكون بمثابة البلسم لجراحه ، والسّلوة لنكبته ، لذلك ورد التشجيع من قبل الاسلام على مواساة المصابين ، كما يندفع الناس بفطرتهم للتعاطف مع المصابين على اختلاف أديانهم ومللهم .
وعائلة زينب التي نكبت بفقد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدل أن يغمرها المسلمون بتعاطفهم ومواساتهم خاصة مع كثرة توصيات الرسول بذريته وأهل بيته ، بدل ذلك ألمت بهم محنة سياسية رهيبة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة ، ضاعفت عليهم المصاب وزادت آلامهم ومأساتهم .
وتسجل كتب التاريخ والحديث الكثير من تفاصيل تلك المحنة مع اختلاف المؤرخين والمحدثين والكتاب في تفسير وقائعها ، ولسنا الآن بصدد مناقشة الآراء والتفسيرات لكننا نعرض بإيجاز ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون عن تلك المحنة لتكتمل لنا صورة الأجواء والحياة التي مرّت بها السيدة زينب في تلك الفترة .
فهناك قضيتان مهمتان تعتبران جوهر المحنة في أعقاب وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لدى أهل بيته :
الأولى : قضية خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فقد كان الامام علي يرى نفسه الأجدر بمقام الخلافة والإمامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان بنو هاشم وبعض الصحابة يرون ذلك ، إما لنصوص سمعوها من الرسول في حق علي وأولويته في الخلافة ، أو لأنه الأكفأ والأجدر من بين الصحابة .
لكن اجتماعاً حصل في سقيفة بني ساعدة لم يحضره علي وبنو هاشم لانشغالهم بتجهيز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم فوجئوا بأن ذلك الاجتماع في سقيفة بني ساعدة انتهى بمبايعة أبي بكر بخلافة رسول الله ( ص ) .
ورأى الامام علي وأهل بيته فيما حصل اغتاصباً لحقهم الشرعي في الخلافة ، وانتزاعاً لدور علي بن أبي طالب ( ع ) ، ولذلك لم يقبل علي بنتائج اجتماع السقيفة وتأخّر لفترة يختلف المؤرخون في تحديدها حتى خضع وبايع أبا بكر .
يقول ابن الأثير : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فقال : ما هذا ؟
فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير . .
فقال أبو بكر : منّا الأمراء ومنكم الوزراء . .
ثم قال أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمة . .
فقال عمر : أيكم يطيب نفساً أن يخلُف قدمين قدمهما النببي ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ . .
فبايعه عمر ، وبايعه الناس . .
فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع الا علياً . .
قال : وتخلّف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة . .
وقال الزبير : لا اُغمد سيفاً حتى يبايع علي . .
فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر . .
ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة . .
وقيل : لما سمع علي بيعة أبي بكر خرج في قميص ما عليه ازار ولا رداء عجلاً حتى بايعه ، ثم استدعى ازاره ورداءه فتجلّله (1) .
والصحيح : ان أمير المؤمنين ما بايع الا بعد ستة أشهر ، والله أعلم . .
ويقول المؤرخ المسعودي : ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة ، خرج علي فقال :
أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ، ولم ترع لنا حقاً . .
فقال أبو بكر : بلى ، ولكني خشيت الفتنة . .
وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل ، ومجاذبة في الامامة ، وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار الى الشام ، فقتل هناك في سنة خمس عشرة ، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله . .
ولم يبايعه ـ أبا بكر ـ أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ( رضي الله عنها ) (2) .
وقال أحمد أمين : تمت البيعة في هذا المجلس لأبي بكر التيمي القرشي ، لم يكن علي حاضراً هذا الاجتماع لاشتغاله هو وأهل بيته في جهاز رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ العدة لدفنه ، فلما بلغه خبر البيع لأبي بكر لم يرض عنها ، وتكون أمر ثالث وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي ، وأقرب الناس اليه ( صلى الله عليه وسلم ) عمه العباس بن عبد المطلب وابن عمه علي بن أبي طالب ، ولكن العباس لم يكن من السابقين الى الاسلام ، فقد حضر غزوة بدر مع المشركين ، ولم يسلم الا آخراً ، فأولى الناس من قرابة النبي علي بن أبي طالب ، وهو من أول الناس اسلاماً ، وزوج فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجهاده وفضله وعلمه لا ينكر ، وحجة أصحاب هذا الرأي ان أقرب الناس الى النبي أولى أن يخلفوه ، وان بيت بني هاشم خير من بيت أبي بكر ، فالقرب للأولين أطوع ، وان المهاجرين احتجوا على الأنصار بأنهم قوم النبي وعشيرته فآل النبي وأقربهم اليه أولى ، كما جاء في ( نهج البلاغة ) أن علياً سأل عما حدث في سقيفة بني ساعدة ، فقال : فماذا قالت قريش ؟ .
قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . .
فقال علي : « احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » . .
يريد أن المهاجرين احتجوا بأنهم من شجرة النبي ، فأولى بالاحتجاج من يجمعهم والنبي أنهم من ثمرة قريش ، وهم قرابته ، وسواء صح هذا القول عن علي أم لم يصح فهو تعبير صادق عما في نفسه . ودعا الى هذا الرأي علي ، وأيده بعض بني هاشم ، وأيده الزبير بن العوام ، وعطف عليه بعض الأنصار لما كان موقفهم وموقف علي سواء في ضياع الأمر من أيديهم ، ولم يبايع علي أبا بكر الا بعد لأي (3) .
هذه بعض المقتطفات مما نقله المؤرخون حول موضوع الخلافة وموقف أهل البيت منها ولا يخلو كتاب يؤرخ تلك الفترة أو ينقل الأحاديث عن الخلافة من الاشارة الى هذا الموضوع . .
وما يهمنا الآن الاشارة اليه التأكيد على أن أهل البيت كانوا يعتقدون بأحقيّة علي بالخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإن ما حصل من بيعة أبي بكر كان أشبه بالانقلاب على علي . .
1 ـ قال الامام علي ( عليه السلام ) في خطبة له بعد انصرافه من صفين :
« لا يقاس بآل محمد ( صلى الله عليه وآله ) من هذه الأمة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً : هم أساس الدين ، وعماد اليقين . اليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن اذا رجع الحق الى أهله ، ونقل الى منتقله » (4) .
وقد أثبت هذه الخطبه الشريف الرضي في ( نهج البلاغة ) ، كما ذكرها محمد بن طلحة الشافعي في الجزء الأول من ( مطالب السؤل ) ، ونقل بعض المقاطع من هذه الفقرات الآمدي في ( غرر الحكم ) ، كما روى الطبري في ( المسترشد ) قوله ( عليه السلام ) : « لهم خصائص حق الولاية والوراثة » (5) .
وواضح من خلال هذه الكلمات تمسك علي ( عليه السلام ) في الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فمن حيث الأفضلية لا يعدل أهل البيت أحد ، كما أن كفاءات الإمرة والولاية تتوفر فيهم فقط ، ووصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيهم وهم ورثته ، وأخيراً فإن علياً بعد أن بويع بالخلافة يرى أن الحق رجع الى أهله . . .
2 ـ وفي خطبته المعروفة بـ « الشقشقيّة » يقول ( عليه السلام ) :
« أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى اليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جّذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجاً ، أرى تراثي نهبا » (6) .
وهذه الخطبة من خطبه المشهورات حتى قال المفيد ( رحمه الله ) : هي أشهر من أن ندل عليها لشهرتها وقد روتها العامة والخاصة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ولا طعن في أسانيدها . فهناك أكثر من ( 17 ) مصدراً معتمداً نقل هذه الخطبة غير الشريف الرضي في ( نهج البلاغة ) ، وبعضهم قبل الشريف الرضي ، والآخرون بطرق وأسانيد غير طرقه وأسانيده (7) .
وهذه الخطبة تحكي بصراحة عن رأي الامام علي ( عليه السلام ) وموقفه من الخلافة ، فهو الأجدر بها ، والذين تولوا الخلافة يعلمون ذلك ، وقد جعلته الظروف يعدل عن المواجهة لهم ، فصبر مضطراً غير راض عمن نهبوا تراثه . .
3 ـ وقال ( عليه السلام ) في خطبة له : « فوالله مازلت مدفوعاً عن حقي ، مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يوم الناس هذا » (8) .
وقد استفاضت هذه الخطبة عنه ( عليه السلام ) ورواها المؤرخون واستشهد بها اللغويون قبل الرضي وبعده كالطبري في ( تاريخه ) ، وابن سلام في ( غريب الحديث ) ، والجوهري في ( الصحاح ) ، وغيرهم (9) .
4 ـ وفي خطبة أخرى يقول ( عليه السلام ) : « حتى اذا قبض الله رسوله رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السبل ، واتكلوا على الولائج ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي اُمروا بمودته ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه ، فبنوه في غير موضعه » (10) .
وقد روى الطبري فقرات من أواخر هذه الخطبة في ( المسترشد ) ( ص 74 ) (11) .
5 ـ ومن كلام له ( عليه السلام ) لبعض أصحابه وقد سأله : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟ فمما أجابه :
« أما الاستبداد علينا بهذا المقام ، ونحن الأعلون نسباً ، والأشدون بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) نوطاً ، فانها كانت اثرة شحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم لله والمعول اليه يوم القيامة » (12) .
هذه بعض النماذج من كلمات الامام علي ( عليه السلام ) وغيرها كثير مما يؤكد اعتقاد علي ( عليه السلام ) بأحقيته بالخلافة وأنها اغتصبت منه ، وقد جمع الدكتور سعيد السامرائي من ( نهج البلاغة ) ما يؤيد هذا الموقف ضمن كتابه الجميل ( حجج النهج ) وطبع سنة : ( 1987 م ) في بيروت في ( 450 صفحة ) . .
وكذلك كان رأي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وقد أعلنت موقفها واضحاً أمام الخليفة أبي بكر وأمام نساء المهاجرين والأنصار ففي خطبتها المشهورة في المسجد ، قالت ( عليها السلام ) :
« وإطاعتنا نظاماً للملة ، وإمامتنا أماناً للفرقة » (13) .
كما تحدثت في خطبتها بإسهاب عن تفسيرها للتطورات التي حصلت بعد وفاة أبيها وأنها انحراف ومؤامرة على حق أهل البيت كقولها ( عليها السلام ) : « فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق . . . . فوسمتم غير ابلكم وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل ، والرسول لما يقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين » (14) .
ودافعت عن حق علي في الخلافة امام نساء المهاجرين والأنصار اللاتي جئن لعيادتها وزيارتها ، ومما قالته لهن :
« أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين والطيبين بأمور الدنيا والدين ؟ ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟ نقموا منه والله نكير سيفه ، وقلة مبالاته بحتفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله ( عز وجل ) » (15) .
وتشير بعض الروايات إلى أن فاطمة برفقة بعلها علي وابنيها الحسنين كانت تدور على بيوت ومجالس المهاجرين والأنصار تدعوهم الى الالتفات حول قيادة الامام علي ( عليه السلام ) ، وقد جاءت تلك الروايات في العديد من المصادر . .
يقول ابن قتيبة الدينوري المتوفي سنة ( 276 هـ ) : وخرج علي ( كرم الله وجهه ) يحمل فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق الينا قبل أبي بكر ، ما عدلنا به . .
فيقول علي ( كرم الله وجهه ) : أفكنت أدع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ . .
فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (16) .
ولثبوت هذا الأمر وشهرته فقد عير به معاوية الامام علي ( عليه السلام ) في احدى رسائله اليه بقوله : وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ، ويداك في يدي ابنيك حسن وحسين يوم بويع أبو بكر ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق الا دعوتهم الى نفسك ، ومشيت اليهم بإمرأتك ، وأدليت اليهم بابنيك . . . (17) .
هذه اللوعة والألم الذي يعتلج في نفس علي وفاطمة حول قضية الخلافة لابد وأنه ينعكس على نفوس أبنائهما ، ويحدثنا التاريخ أن الحسن بن علي على صغر سنه حيث كان في السابعة من العمر ، انطلق الى مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرأى أبا بكر على منبر رسول الله يخطب الناس فإلتاع ووجه اليه لاذع النقد قائلاً له :
« أنزل . . انزل عن منبر أبي ، واذهب الى منبر أبيك » ! ! .
فأجابه أبو بكر : « صدقت والله ، إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي » (18) .
بالطبع ليس بحث مسألة الخلافة من مهمات هذا الكتاب ولكننا أردنا تسليط الأضواء على الأجواء التي عاشتها السيدة زينب ( عليها السلام ) ضمن عائلتها بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . .
القضية الثانية : مصادرة فدك : وهي « قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة » كما يقول الحموي في ( معجم البلدان ) . .
وكان يسكنها اليهود فاستسلموا بعد واقعة خيبر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دون قتال .
ومقتضى الرواية التي يذكرها الجوهري في ( السقيفة وفدك ) أنها كانت تقدر بـ ( 100000 مائة ألف درهم ) ، ويقول الحموي عنها : وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة . .
ولأنها لم يسبقها حرب ولا قتال فهي فيء وملك خاص لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حسب مفاد الآية الكريمة : « ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب » (19) .
فباتفاق المسلمين هي ملك خاص للنبي وقد وهبها وأنحلها لابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ويبدو أنها كانت تحت سلطتها كما يقول الامام علي : « بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين » (20) .
لكن الخليفة أبا بكر رأى أن يصادر فدك من فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) باعتبار أن النبي لا يورث كما ينقل هو أنه سمع ذلك من النبي ، ولم يقبل قول الزهراء أن أباها وهبها أياها كما رفض شهادة علي بذلك لفاطمة وشهادة أم أيمن الصحابية الجليلية ! ! (21) .
وقد جاء انتزاع فدك من فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في الأيام الأولى لمصيبتها بأبيها ومواكباً لتنحية علي عن حقه الشرعي في خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأحدث ذلك أثراً كبيراً في نفس فاطمة دفعها لإعلان معارضتها للخليفة والاحتجاج عليه أمام المسلمين في خطبتها المشهورة ، كقولها :
« وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ! أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية إني ابنته أيها المسلمون ! أغلب على إرثيه . . .
ياابن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فريّاً ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : « وورث سليمان داود » (22) .
وقال فيما اقتص من خبر زكريا اذ قال : « فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب » (23) .
وقال : « واُولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » (24) .
وقال : « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين » (25) .
وقال : « إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين » (26) .
وزعمتم أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي ! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ . . .
إيها بني قيلة ! أأهضم تراث أبي ؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع ؟ (27) .
وهكذا ظللت بيت زينب غيوم وهموم ثقيلة سلبت من عائلتها حالة السرور والسعادة والهناء وجعلتهم يعيشون أفظع المآسي وأشد الآلام ، فقد فقدوا زعيمهم وأباهم الحنون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما زوي عنهم حقهم السياسي في القيادة والخلافة ، واضافة الى ذلك صودرت أهم ممتلكاتهم المالية فدك ! ! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 2 ، ص 325 .
(2) ( مروج الذهب ) المسعودي ج 2 ، ص 301 .
(3) ( فجر الاسلام ) أحمد أمين ص 253 .
(4) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الخطبة رقم : 2 .
(5) ( مصادر نهج البلاغة وأسانيده ) عبد الزهرة الخطيب ج 1 ، ص 302 .
(6) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الخطبة رقم : 3 .
(7) ( مصادر نهج البلاغة وأسانيده ) عبد الزهراء الخطيب ج 1 ، ص 309 .
(8) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الخطبة رقم : 6 .
(9) ( مصادر نهج البلاغة وأسانيده ) عبد الزهرة الخطيب ج 1 ، ص 331 .
(10) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الخطبة رقم : 150 .
(11) ( مصادر نهج البلاغة وأسانيده ) عبد الزهراء الخطيب ج 2 ، ص 337 .
(12) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الخطبة رقم : 163 .
(13) ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ) القزويني ص 387 .
(14) المصدر السابق ص 431 .
(15) المصدر السابق ص 525 .
(16) ( تاريخ الخلفاء « الإمامة والسياسة » ) ابن قتيبة ص 12 .
(17) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 581 .
(18) ( حياة الإمام الحسن ) القرشي ج 1 ، ص 164 ، ونقلها عن عدة مصادر .
(19) سورة الحشر ، الآية ( 6 ) .
(20) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ، الكتاب رقم : 45 .
(21) ( فاطمة الزهراء أم أبيها ) فاضل الميلاني ص 144 .
(22) سورة النمل ، الآية ( 16 ) .
(23) سورة مريم ، الآيات ( 5 ـ 6 ) .
(24) سورة الأنفال ، الآية ( 75 ) .
(25) سورة النساء ، الآية ( 11 ) .
(26) سورة البقرة ، الآية ( 180 ) .
(27) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 447 .


المصدر : كتاب / العظيمة زينب / حسن الصفار