مصر كبيرة عليهم..!

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أحمد الصاوي | المصدر : www.almasryalyoum.com


أحمد الصاوي

لا أدعوك لكى تتفق مع شىء مما يطرحه المعارض أيمن نور، بقدر ما أدعوك إلى الاتفاق «بصماً بالعشرة» مع المصطلح الذى صكه مع أنصاره بحس وخبرة سياسية فى صك الشعارات المتقنة ذات الدلالة، حين قال لجمال مبارك: «مصر كبيرة عليك»، وأصبح ذلك هو شعار حملة مقاومة جهود التوريث، ومواجهة حرب الملصقات التى دخلها أنصار أمين السياسات بشكل علنى.
لكنك لابد أن تتعامل مع هذا النحت اللفظى، باعتباره «مبتدأ» لا يستقيم إلا بعد أن يرفق به «الخبر»، ويبقى جملة منقوصة أو مجتزأة من سياق كبير، على طريقة من يقول: «لا تقربوا الصلاة».. متجاهلاً استكمال الآية الكريمة ليبدو المعنى الإجمالى ظاهراً وواضحاً وحاسماً.
الأصل أن تقول لجمال مبارك: «مصر كبيرة عليك».. وأن تضيف كلمة موجهة لأيمن نور، تقول له: «.. وعليك أيضاً»، والحقيقة أن هذا النحت اللفظى لابد أن يوجه لكل محترفى السياسة سواء فى النظام أو المعارضة بحسم واضح وخطاب مباشر يقول: «مصر كبيرة عليكم جميعاً».
لا يمكن أن تعارض جمال مبارك مستنداً على مخاوف حقيقية على وطنك، وليس عداء شخصياً على سبيل المثال، دون أن يكون لديك مخاوف مماثلة أو أشد تدعوك لمعارضة من يقدمون أنفسهم باعتبارهم بدائل مناسبة لمشروع التوريث، سواء كان ذلك أيمن نور، أوالسيد البدوى، أو أسامة الغزالى، أو رفعت السعيد، أو محمد بديع، أو حتى محمد البرادعى بأسلوب «عين فى الجنة وعين فى النار» الذى يتبعه منذ أن ألقى بنفسه فى الساحة السياسية.
مصر كبيرة على جمال مبارك بالفعل، وكبيرة أيضاً على المعارضة التى نعرف تماماً كيف تتشكل فى معظمها، وما هى مشروعاتهم الحقيقية، وقناعاتهم المعلنة بالديمقراطية، ومؤهلاتهم للقيادة، وعلاقاتهم غير المعلنة بالسلطة ودوائرها، وقبولهم بالاستخدام بين حين وآخر، ولعب الأدوار التى تصب نتائجها فى النهاية فى دعم وتكريس الاستبداد.
لابد أن تكون مقتنعاً تماماً أن مصر فى حاجة ماسة وملحة جداً للتغيير، لكنها كما تحتاج إلى تغيير نظامها الحاكم، سواء كشخوص أو كمواد دستورية حاكمة، أو كآليات إدارة وحكم، تحتاج بشكل مواز إلى تغيير المعارضة، ومثلما نرغب جميعاً فى إقصاء وجوه وأعمدة فى النظام القائم، وتغييرها، لابد أن ندرك أن هناك وجوهاً وأعمدة فى المعارضة الرسمية والشعبية والمحظورة كذلك لابد من إقصائها وتغييرها، ليكون التغيير الذى نطلبه حقيقياً وشاملاً،
كما يتصدى للفساد الرسمى، يتصدى للانتهازية السياسية والاتجار بأحلام الجماهير، وتغليف المشروعات الخاصة جداً فى غلاف عام، ويتصدى لتحويل رجال البيزنس إلى مناضلين، والمغامرين إلى رموز سياسية، والمستبدين بالفطرة إلى دعاة للحرية والديمقراطية، والموظفون فى النظام والمؤتمرون بأمره إلى معارضين يرفعون ألوية الشرف.
مصر كبيرة عليهم جميعاً.. ولا تحتاج لأى منهم فى مرحلة كتلك يطل من وراء ستائرها شبح الفوضى، وإنما تحتاج إلى «رجل دولة انتقالى» يخرج من رحم النظام ممتلكاً معرفة دقيقة بأخطاء الثلاثين عاماً الماضية، ورؤية سياسية لـ«مصر كما ينبغى أن تكون»، متوازية مع كفاءة إدارية، ونزاهة عامة، وإيمان حقيقى وليس «ديكورى» بالديمقراطية، تجعله يبدأ بإصلاح الحياة الحزبية بالتوازى مع تحديث الدستور والنظام الانتخابى، واستعادة وزن مصر من الداخل إلى الخارج..!