سألني احد احفادي عن مدفع الحاجة فاطمة ماهو؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟ وبرغم انتشار هذا الاسم فإن الكثير من الناس لايعرفون الاجابة عن هذه الاسئلة, ومدفع الحاجة فاطمة هو مدفع رمضان الشهير الذي ارتبط ذكره بشهر رمضان الكريم.
والحاجة فاطمة هي الأميرة فاطمة ابنة الخديو اسماعيل تزوجت عام1871 م من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا, والي مصر, وقد تميزت في حياتها وبين اخواتها بحبها للعمل العام والتطوعي, فحرصت علي المساهمة في اعمال الخير ورعاية الثقافة والعلم, وقد نقلت هذه الثقافة وتأثر بها ابنها الأمير عمر طوسون, الذي كان أكثر أمراء اسرة محمد اقبالا علي العمل العام. عرفت الأميرة فاطمة اسماعيل عن طريق طبيبها ان هناك مجموعة من الصعوبات التي تعاني منها جامعة القاهرة وذلك بعدما دعي إليها مصطفي كامل عام1906 م, فقررت تجاوبا مع الحركة الوطنية ورعاية للعلم وتشجيعا للعلماء, وقف مساحة من اراضيها وتبرعت بنحو6 افدنة لاقامة مبني للجامعة الأهلية( القاهرة الآن) ووهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق علي تكاليف البناء, وقد نشرت مجلة الهلال الشهرية صورة لها وهي مرتدية جميع هذه المجوهرات قبل التبرع بها, كما أوقفت674 فدانا علي مشروع الجامعة من اراضيها في المنصورة, واعلنت الأميرة فاطمة ان سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتي قدرت وقتها بمبلغ26 الف جنيه, ومن كرمها ايضا اعلنت تحملها جميع نفقات حفل وضع حجر الاساس, والذي كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة, خاصة ان الخديوي عباس حلمي الثاني كان قد اعلن انه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير احمد فؤاد, وبرغم انها شاركت في وضع حجر الاساس للجامعة, فإنها توفيت عام1920 م قبل ان تري صرح الجامعة ومنارتها التي قدمتها للعلم في مصر والوطن العربي, وعرفانا بجهود الأميرة لإنشاء الجامعة قررت الادارة نقش اسمها علي واجهة كلية الآداب ومازال النقش موجودا حتي الآن وفيه آثار حضرة صاحبة السمو الأميرة فاطمة اسماعيل. ولارتباط اسم المدفع باسم الأميرة قصة طريفة معروفة في التراث الشعبي المصري, فقد كان بعض الجنود في عهد الخديو اسماعيل يقومون بتنظيف احد المدافع, فانطلقت قذيفة حينها علي سبيل الخطأ وقد تصادف ذلك وقت أذان المغرب في احد ايام رمضان فاعتقد الناس ان هذا نظام جديد من قبل الحكومة للاعلان عن موعد الافطار, ولما علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي اسماعيل بهذا الامر, اعجبتها الفكرة, واصدرت فرمانا ليتم استخدام هذا المدفع عند الافطار والامساك وفي الاعياد الرسمية, وقد ارتبط اسم المدفع باسم الاميرة منذ ذلك الوقت قبل ان يشتهر بعد ذلك باسم مدفع رمضان, وهو موجود حاليا بمتحف الشرطة بقلعة صلاح الدين كأحد الآثار المصرية. وتختلف طلقات مدفع رمضان عن الطلقات المستخدمة في الحروب, حيث يوضع بها كتلة من البارود لتعطي صوتا مرتفعا فقط, ومن ثم لاتحدث اضرارا ناتجة عن اطلاق المدفع, وتتم عملية الإطلاق بشد الحبل علي كتل البارود لينطلق الصوت ويوضع ـ قبل شد الحبل ـ بعض الحجارة امام وخلف عجلات المدفع لتثبيته حتي لا ينزلق لحظة الانطلاق, واعتاد توفير مدفع آخر إلي جانب المدفع الرئيسي لتبادل الطلقات وتوفير البديل في حالة حدوث عطل. ويرتفع المدفع عن سطح الارض بمقدار170 مترا وينطلق صوته مترددا في الأفق لمسافة تصل إلي عشرة كيلو مترات حتي يسمعه اغلب سكان القاهرة, ومع ظهور الاذاعة المصرية, بدأت في نقل صوت المدفع مواكبا لموعد أذان المغرب مع ترديد العبارة الشهيرة مدفع الافطار.. اضرب ويتولي اطلاق المدفع عسكري برتبة صول ويشترط توافر الورع والتقوي فيه بالاضافة إلي التزامه وانضباط العسكري, وقد شهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي اهمال استخدام المدفع والاعتماد فقط علي تسجيل الاذاعة حتي قامت وزارة الداخلية في عام1983 م باصدار قرار اعادة استخدام المدفع خلال شهر رمضان, وذلك بعد نقله من قلعة صلاح الدين إلي هضبة المقطم لتفادي حدوث اضرار للآثار الإسلامية في منطقة القلعة بسبب صوته المرتفع, كما لم يقتصر استخدام المدفع علي العاصمة فقط, وامتد لبقية محافظات الجمهورية. حيث يوضع عند مدخل المحافظة ويقوم علي خدمته الآن اربعة من رجال الأمن الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لاطلاق المدفع لحظة الافطار ولحظة الامساك. وتتميز عملية اطلاق مدفع رمضان بطقوس خاصة, فيحضر الموظف المسئول علي عملية الاطلاق إلي الساحة الموجود فيها المدفع قبل الموعد بنصف ساعة, وقد اعتاد الكثير من الاطفال وحتي الكبار والأهالي ـ ان يتجمعوا في الساحة وبل ويتزاحموا فوق اسطح المنازل المجاورة لها ليشاهدوا عملية الاطلاق التي كانوا يقابلونها بالهتاف والتصفيق والتصفير, وهكذا الحال طوال الشهر الكريم, وفي ليلة العيد وبعد ثبوت رؤية الهلال في ليلة التاسع والعشرين يطلق المدفع سبع طلقات متتالية, اما اذا اتم رمضان ثلاثين يوما فيطلق المدفع سبع طلقات بعد العصر احتفالا بالعيد, واثناء ايام العيد الثلاثة, يطلق المدفع عند كل أذان, وتتكرر العملية في ايام عيد الأضحي المبارك.