مصرع أمية رأس الكفر! بلال قتل أمية بن خلف في غزوة بدر انتقاما من تعذيبه له في مكة ! كان أمية بن خلف أحد أثرياء مكة، فقد كان صاحب تجارة كبيرة، وربي أولاده علي الشح وكنز المال، وعندما امتدت به السن قام علي خدمة الاصنام والعناية بها، وكان الحجيج الذين يأتون للحج والتبرك بهذه الاصنام ينذرون النذور التي تكون من نصيب سدنة هذه الاصنام. وكان من الطبيعي أن يكره الدعوة الاسلامية التي نادي بها سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.. فهذه الدعوة تنادي بعبادة الله الواحد الاحد، ونبذ عبادة الاصنام والاوثان، والايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. بينما كانت العرب في جاهليتها. تري أن هذه الاصنام تقربهم الي الله زلفي. ولكنهم لم يكونوا يعتقدون بأن الانسان بعد أن يموت يبعث من جديد، حيث الثواب والعقاب.. والجنة والنار. ولذا نري أخاه أبي بن خلف علي شاكلة أخيه، حتي انه أخذ ذات يوم عظما باليا، وذهب به الي الرسول عليه الصلاة والسلام قائلا له: يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعدما أرم؟ وفتت العظم ونفخه نحو الرسول فقال الرسول: نعم أنا أقول ذلك.. يبعثه الله واياك بعدما تكونان هكذا ثم يدخلك الله في النار. وقد صور القرآن الكريم هذه الحكاية فقال: 'وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا أنتم منه توقدون، أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر علي أن يخلق مثلهم بلي وهو الخلاق العليم' يس 78 81 وأبي بن خلف هذا هو الذي كان يبحث عن الرسول لقتله أثناء غزوة أحد، فما كان من الرسول أن أخذ حربة وطعنه في عنقه فتلوي الرجل من الألم ومات في طريق العودة الي مكة. * * * وأمية بن خلف هو الذي عذب بلال بن رباح عذابا فوق طاقة البشر، فقد كان بلال أحد عبيده . وعندما أسلم لم يطق ذلك أمية، وطلب من بلال أن يعود الي الكفر، وكان الايمان قد ملأ قلب بلال بالانوار، وبالتالي كان من المستحيل أن يعود لعبادة أصنام لا تنفع ولا تضر، كما يفعل سيده أمية بن خلف! فما كان من أمية الا أن يطرحه في صحراء مكة القاسية تحت لهيب الشمس ويضع علي صدره صخرة كبيرة، لعله يعيده الي عبادة الاصنام، الا أن بلال تحمل كل هذا العقاب، وهو يردد كلما اشتد عليه العذاب: أحد.. أحد. ومر أبو بكر رضي الله عنه ببلال وأمية يقوم بتعذيبه فقال له: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال له أمية: وما شأنك به.. عبد لنا نصنع به ما نشاء! قال له أبو بكر: انزع الله الرحمة من قلبك فلا تحس بألمه؟ رد أمية: أنتم افسدتموه بدينكم فاستحق هذا العذاب وطلب أبو بكر من أمية أن يشتريه، فطلب أمية فيه سبع أواق من الفضة، واشتراه أبو بكر واعتقه وأصبح بلال حرا. * * * وكلما زادت الدعوة انتشارا زادت محاربة المشركين لها، حتي انهم عذبوا النبي عليه الصلاة والسلام وحاصروه مع قومه قرابة ثلاث سنوات، بعد أن تعاهدوا علي محاصرة بني هاشم في شعب من شعاب مكة، وفق صحيفة ظالمة تعاهدوا فيها علي مقاطعة بني هاشم وظلوا يعملون وفق ما جاء في هذه الصحيفة الظالمة التي علقوها في الكعبة قرابة سنوات ثلاث، الي أن نقضوها ووجدوا أن الارضة أكلت كل ما في هذه الصحيفة من جور الا كلمة باسمك اللهم. * * * ويروي ابن مسعود مدي تعنت المشركين مع الرسول الكريم فقال: 'كنا يوما في الكعبة والرسول يصلي ويتعبد، ونحن من حوله. فقال أبو جهل لجماعة من قريش: ألا رجل منكم يقوم الي بني فلان فقد ذبحوا شاة، فيأتي بكرشها وقذرها فيلقيه علي محمد وهو ساجد!! فننظر ماذا يصنع ذلك الرجل الذي يزعم انه يتطهر لكل صلاة. فقام 'عقبة بن أبي معيط' من بين القوم، وذهب الي الشاة وجاء بكرشها وانجاسها ثم القي ذلك علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو ساجد في صلاته! قال ابن مسعود: فلم يقدر واحد منا نحن المسلمين الذين حول النبي صلي الله عليه وسلم علي ابعاد ذلك عنه، فقد كنا حينئذ قلة وكانوا كثرة وكنا ضعفاء وكانوا أقوياء. ولم يزل الرسول ساجدا كذلك حتي جاءت ابنته 'فاطمة' فلما رأته صرخت في وجوه القوم وأخذت تنحي الكرش عن أبيها وهي تبكي، ثم جاءت بالماء وأخذت تطهر له ثوبه. * * * ولما قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاته رفع صوته بالدعاء عليهم: ثم قال: اللهم عليك بقريش ثلاثا فلما سمعوا صوته وهو يدعو عليهم وكانوا يضحكون ويسخرون تناهوا عن الضحك وخافوا دعوته. ثم قال الرسول صلي الله عليه وسلم: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. قال ابن مسعود: وذكر شخصا سابعا لم احفظه ثم قال: والذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذي سماهم النبي صلي الله عليه وسلم صرعي يوم بدر. * * * لقد عجزت قريش أن تحول بين الرسول وبين أن يحدث الناس عن دعوته ليؤمنوا بها، ويخرج الناس من ظلمات الجاهلية الي نور الاسلام. وكان من الصعب علي قريش بكل ميراثها من الحقد والحسد علي الرسول وبني هاشم أن يستجيبوا لدعوته . أي أنه أصبح من الصعب أن يتلاقي الايمان والكفر، وما كان من قريش الا أن فكرت في التخلص من الرسول نفسه، ودبرت مؤامرة لاغتياله وأوحي للرسول بما يعتزمه القوم، وامره الله سبحانه وتعالي بالهجرة الي المدينة! وتأهب الرسول للهجرة مع الصديق، وسمح للمسلمين بالهجرة أيضا الي المدينة. وفي الليلة التي تواعد فيها المشركون علي قتل النبي، كان النبي قد أمر 'علي بن أبي طالب' أن ينام بدلا منه علي فراشه، وحتي يرد للناس ودائعهم عند رسول الله. وخرج الرسول من بيته المحاصر، وهو يتلو قوله تعالي: 'وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون'.. خرج من بين صفوف هؤلاء الذين جاءوا لقتله ولم يدروا به فقد غشيهم النعاس، وكان من بين هؤلاء الذين جاءوا لتدبير هذه المؤامرة الدينية أميه بن خلف الذي طالما كان يهمز ويلمز علي رسول الله حتي ان بعض المفسرين من أمثال الامام القرطبي قال أن سورة الهمزة نزلت فيه: 'ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالا وعدده، يحسب أن ماله أخلده، كلا لينبذن في الحطمة، وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة التي تطلع علي الافئدة انها عليهم مؤصدة في عمد ممددة'. وقال مجاهد: هي عامة. * * * لقد هاجر النبي عليه الصلاة والسلام الي المدينة، وامسك بزمام الامور بها، وأصبحت الدعوة لها قوتها، والابواب مفتوحة أمامها للانطلاق، وما كان هذا بالطبع ليرضي المشركين في قريش، أو المنافقين واليهود في المدينة، فكان لابد أن يحدث التصادم، وحدث بالفعل، وكانت البداية بين المسلمين ومشركي مكة في موقعة 'بدر الكبري' حيث انتصرت القلة المؤمنة علي الكثرة المشركة فقد قتل من قريش سبعون رجلا، فيهم أربعة وعشرون من سادتهم وفرسانهم واسر منهم سبعون آخرون. كانت هذه المعركة نقطة تحول خطيرة في تاريخ الدعوة، فلم يعد المسلمون يتلقون العذاب والمهانة بصبر وسلبية، بل أصبح أمامهم القتال مشروعا، دفاعا عن عقيدتهم وعرضهم وأموالهم وأنفسهم. وفي هذه المعركة تذكر بلال بن رباح ما فعله به أمية بن خلف، وكيف كان يعذبه علي رمال مكة في لهيب الصيف، وكيف كان يضرب الاطفال به، امتهانا به وازدراء له.. ونظرته اليه كعبد يفعل به ما يشاء وكيف يشاء، دون أن يؤنبه ضمير، ولا حتي دون أن يستحي من فعلته الشنعاء.. وأخذ بلال يبحث عن أمية بين صفوف المقاتلين الي أن عثر عليه، ورآه وقد استسلم لعبدالرحمن بن عوف.. وانه يريد أن يصبح أسيرا حتي لا يقتل في المعركة، وكانت فرصة أن يأخذ بثأره الذي لم ينسه قط طوال ما مر به من السنين، وحاول عبدالرحمن بن عوف أن ينقذه من الموت، منبها بلال أن اسيره . ولكن بلال كان مصمما علي قتله، فلم ينس جراحه أبدا، ولم تندمل هذه الجراح ابدا.. لقد صاح بلال عندما رآه. رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت ان نجا ونادي بلال في الصحابة أن يساعدوه في التخلص من رأس الكفر، وجاء من يساعد بلال، ويجهز علي عدو الله أمية بن خلف وولده علي. * * * لقد تحقق النصر للمسلمين.. ورجعت قريش تجرر اذيال الخيبة والهزيمة والعار، بينما اخذ المسلمون يكبرون وهم سعداء بما احرزوه من نصر، وأمر الرسول أن يحفر 'قليب' لدفن القتلي، الا أمية بن خلف فانه انتفخ في درعه حتي ملأها، وعندما ذهبوا ليحركوه تزابل لحمه، فوضعوا فوقه الحجارة والتراب حتي واراه الثري. * * * مراجع حياة محمد .. د. محمد حسين هيكل النبي العربي .. أحمد التاجي عبقرية محمد.. عباس العقاد