اغتيال السلطان دينار

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : قصيمي | المصدر : www.ahm1.com

اغتيال السلطان دينار
حاول الحفاظ علي استقلال دارفور فقتله الإنجليز


مايجري الآن في دارفور بالسودان، ومحاولة استغلال هذه الأزمة ذريعة للتدخل الأجنبي ، شيء يثير الأسي والألم في النفوس.. فقد أصبح العالم العربي والاسلامي ساحة مباحة للتدخل الاجنبي.. في محاولة لعودة الاستعمار القديم، واستغلال ثروات هذه البلاد ونهبها باسم الحرية والديمقراطية والحفاظ علي حقوق الانسان!!
وقد تذكرت وبرزت لي صورة احد أبطال دارفور.. بمناسبة اجتماعات وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية بالقاهرة.. من أجل موقف موحد لدعم السودان، وتجنب تدخل القوي الاجنبية في شئونه، وتقديم المساعدات له لحل مشكلة دارفور في الإطار الاقليمي بعيدا عن شبح التدخل الاجنبي.

ووسط هذه الاحداث التي تدعو للأسي والشحن علي ما آلت إليه أوضاع عالمنا العربي والاسلامي، تداعت الي ذهني صورة رجل من دارفور، فرض اسمه علي التاريخ ، للدور الباسل الذي قام به، وهو يحاول وقف المد الاستعماري في بلاده، وان يتخذ موقفا ضد هذا الاستعمار الدخيل، بجانب العالم الاسلامي.. وهو السلطان علي دينار.
ولكن من هو هذا السلطان؟
وكيف قفز اسمه الي صفحات التاريخ؟
وكيف كانت نهاية حياته المأساوية؟
وكيف انتقم منه الاستعمار لمواقفه المشرفة وشجاعته، وتصديه لاطماع الغزاة؟
كان السودان بعد ان دخله الاسلام مقسما إلي ثلاث ممالك هي: الفونج، وتقلي والفور (دارفور).
واستطاعت مصر عندما دخلت السودان ان توحد هذه الممالك في وحدة سياسية واحدة، وتضيف إليها بعض الاماكن الاخري في السودان.
ومن مملكة الفور هذه ­دارفور­ خرج الي الحياة السلطان علي دينار، الذي كرس حياته علي نشر الاسلام في منطقة دارفور وغيرها من مناطق السودان.
وقد عزم الرجل ان ينهض ببلاده، في مختلف المجالات علي نشر الوعي والثقافة الاسلامية، وان يقاوم علي قدر طاقته القوي الاستعمارية المختلفة التي تحاول ان تمتص القارة الافريقية، وتنتزع لنفسها خبراتها، ومافيها من معادن وثروات، علي حساب شعوبها الغفيرة.

***

في هذا الوقت ظهرت المهدية، وانتشرت في السودان، وانبهر بها الكثيرون في دارفور، حتي ان سكانها طلبوا من سلطانهم (علي دينار)، ان يبايع المهدي.. وان يذهب إليه بنفسه، ويعلن ولاءه للدعوة المهدية التي انتشرت بسرعة في كل انحاء السودان، ولكن رجال المهدي، وقد لاحظوا تريث السلطان علي دينار امام هذه الدعوة، فاتهموه بأنه يشرب الخمر،
وقيدوه ووضعوه في غياهب السجن!
وعندما انتهت المهدية، وأصبحت الكلمة العليا للانجليز فكوا وثاقه، وأطلقوه من سجنه، علي أن يعود إلي بلاده حاكما لها كما كان، بشرط ان يؤدي جزية سنوية للاستعمار الانجليزي، وان يعمل معه بعض الخبراء الاجانب والمستشارين الاجانب في مملكته دارفور.
ولم يكن امام الرجل الذي كان سجينا إلا ان يوافق علي شروط المستعمر، وعاد إلي دارفور، وفي نيته ان يواصل ماكرس نفسه له.. وهو العمل علي رفعة بلاده، وعلي تحريرها من وصمة الاستعمار، وأخذ يراسل فرنسا حتي تساعده علي رسم حدود بلاده، وكان يرفض مقابلة مندوب الحكومة الانجليزية بل حرم إقامة الأجانب في بلاده..
ولم يغفل الاستعمار الانجليزي عن ذلك ، فعين الاستعمار لاتنام، وقرر هذا الاستعمار ان يقيد حرية الرجل.. وان يقف ضد طموحاته، وان يشجع الخارجين عليه من القبائل، وإمداد أعدائه بالسلاح، بل لم يقف بجانبه لصد الفرنسيين عن حدود بلاده!

***

كان أمله أن يقوم بتكوين دولة إسلامية في افريقيا، وتكون هذه الدولة بمثابة نقطة ارتكاز وانطلاق ضد قوي الاستعمار المختلفة .. وقد أرسل رسالة إلي السلطان في الاستانة واضعا فيها احوال المسلمين في دارفور، يقول فيها:
'ان الاجانب قد أحاطوا بالمسلمين من يميننا وشمالنا وورائنا وأمامنا، وحازوا ديار المسلمين كلها ، وممالك البعض سلطانها مقتول، والبعض سلطانها مأسور، والبعض سلطانها مقهور، يلعبون بأيديهم كالعصفور ماعدا بلادنا دارفور ، قد حفظها الله من ظلمات الكفار، والداعي
انهم حالوا بيننا وبين الحرمين الشريفين اللذين حرسهما الله، ومنحكم خدمتهما ولم نرحيلة نتوسل بها لأداء الفرض الذي فرضه الله علينا من حج بيته الحرام، وزيادة نبيه عليه الصلاة والسلام'
ويقول في هذه الرسالة ايضا'انجبرنا علي مواصلة دولة الانجليز، وصرنا نعاملهم تارة بالمشاحنة معهم، وتارة في حفظ ايماننا واسلامنا في بلادنا..

***

وعرفت تركيا أن السلطان علي دينار في صفها، وانه متعاطف معها ضد أعدائها، مما يجعل 'انور باشا' يكتب إليه رسالة في 3 نوفمبر من عام 1915، يذكره فيا بالاعتداء علي بلد الخلافة من قبل روسيا وانجلترا وفرنسا، وان الخليفة قد أعلن الجهاد المقدس، ضد المعتدين، ومن هنا أصبح الجهاد فرضا علي كل المسلمين.
وقال له: بأنه سيرسل مندوبا من تركيا هو 'جعفر بك' وانه سيرسل حملة لإنقاذ مصر، وان النصر سيكون حليفه وحليف اصدقائه الألمان.
وقطع الرجل علاقاته بالدول المعتدية علي تركيا وقرر الوقوف بجانب تركيا، ومايترتب علي ذلك من مسئوليات.

***

يقول الدكتور عبده بدوي في دراسته عن السلطان علي دينار:
وقد كان السلطان عازما علي السير شرقا لوضع السودان جميعا تحت سيطرته ، وتخليصه من الحكم القائم، ولكن الانجليزي مايكادون يحسون بهذا حتي يرسلوا إليه حملة بقيادة (كلي باشا) ويثيرون عليه رجال الدين في الخرطوم، ويطلبون منهم الكتابة إليه في هذا الشأن فيسارعون بطلب دخوله في طاعة الحكومة.
ولكنه كان مصمما علي تسوية جميع خلافاته مع الانجليز.
ولكن حماسه هذا لم يستطع الوقوف أمام الأسلحة الحديثة التي اسقطت رجاله من حوله في موقعة (برنجيه) عام 1916 ثم أطلقت وراءه (هدلستون بك) مطاردا حتي لقي ربه برصاصة في 6 من نوفمبر عام .1916
وكان ان أعلن ضم دارفور الي السودان بعد ثمانية عشر عام من فتح كتشنر للسودان!
ورغم ان السلطان اديب وشاعر كما وضح في كتابه 'ديوان المديح في مدح النبي المليح' فإنه يعتبر الرجل القوي الذي وقف في اصرار الي جانب تركيا، رغم ان بلاده كانت (جزيرة صغيرة) محاطة بالانجليز والفرنسيين، متأثرا في كل خطوة خطاها بالدفاع عن الاسلام في افريقية ضد كل الدخلاء'.

***

هذه صورة سريعة عن بطل من أبطال افريقية.. والذي وقف ضد الاستعمار الانجليزي، وضد التدخل في شئون العالم العربي والاسلامي، والذي انتهت حياته برصاصة من رصاص الاستعمار الانجليزي، اودت بحياته، ولكن ظلت سيرته نور هداية لكل من يريد رفض الذل والهوان والاستعمار.
تري هل تنجح قوي البغي والطغيان الآن ان تتخذ من 'دارفور' موطن هذا المناضل وسيلة لعودة الاستعمار من جديد الي هذه البلاد؟
خاصة انها تتذرع بمختلف الذرائع لتجد وسيلة لتحقيق أهدافها.. والوثوب من جديد علي السودان.. ونهب ثرواته المطمورة في ارضه.. وثرواته الظاهرة فوق أرضه!؟

مراجع :

شخصيات افريقية د. عبده بدوي
الصحف والمجلات