تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني | المصدر : al-islam.com

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى كل مسلم مصاب بمصيبة موت الأحباب، أو فقد فلذات الأكباد، وثمرات الأفئدة، جبر الله مصيبتهم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فالله أسأل أن يحسن عزاءكم وأن يجمعكم ومن فقدتم في الفردوس الأعلى من الجنة، واعلموا ) أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبروا واحتسبوا (، وأبشروا بما وعد الله عباده المؤمنين الصابرين، وإليكم ما تطمئن به قلوبكم ويُبرِّد حرّ مصيبتكم العظيمة، ويشرح صدوركم ويذهب همومكم وغمومكم من كلام ربكم الكريم، الحكيم، الرؤوف، الرحيم، الذي هو أرحم بالعباد من والديهم، ومن كلام نبيكم وقدوتكم وحبيبكم محمد صلّى الله عليه وسلّم.

1 ـ  صلوات الله ورحمته وهدايته للصابرين: قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(البقرة، الآيات: 155 157).

﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بشرهم بأنهم يُوفَّوْن أجورهم بغير حساب، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن، أو كليهما، كما تقدم في الآيات، ومن ذلك موت الأحباب، والأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد أو بدن من يحبه، ﴿ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ أي مملوكون لله، مدبرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأولادنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء فقد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد: علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم الذي هو أرحم بعبده من نفسه ووالدته، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره؛ لِمَا هو خير لعبده وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفرًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله وراجع إليه من أقوى أسباب الصبر ﴿ أُولَـئِكَ الموصوفون بالصبر المذكور ﴿ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ أي ثناء من الله عليهم ﴿ وَرَحْمَةٌ عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ﴿ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به، وهو هنا: صبرهم لله. قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: “نعم العدلان ونعمة العلاوة ﴿ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ فهذان العدلان، ﴿ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا”.

 

2 ـ  الاستعانة بالصبر من أسباب السعادة، قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ(البقرة، الآية: 45).

 

3 ـ  محبة الله للصابرين، قال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(آل عمران، الآية: 146).

 

4 ـ  معية الله مع الصابرين: قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(البقرة، الآية: 153).

5 ـ  استحقاق دخول الجنة لمن صبر، قال الله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا(الفرقان، الآية: 75).

6 ـ  الصابرون يوفون أجرهم بغير حساب، فلا يوزن لهم، ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفًا، وبدون عدٍّ ولا حدٍّ، ولا مقدار، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(الزمر، الآية: 10).

7 ـ  جميع المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلق الله الخليفة ويبرأ النسمة، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، قال الله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُواْ بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(الحديد، الآيتان: 22، 23).

8 ـ  ما أصاب من مصيبة في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم إلا بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علمه وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، فإذا آمن العبد أنها من عند الله فرضي بذلك وسلم لأمره، فله الثواب الجزيل والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، ويهدي الله قلبه فيطمئن ولا ينزعج عند المصائب، ويرزقه الله الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخره الله له يوم الجزاء من الثواب، قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(التغابن، الآية: 11)، قال علقمة عن عبد الله: ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ هو الرجل الذي إذا أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله".

لمتابعة المزيد حمل الملف المرفق...