نعم ، فلو كان الكون قائمًا فقط على قانون الجاذبيَّة ، لَكَانت الغَلَبةُ للأقوى ، ولَجَذبت الشَّمسُ كلَّ الكواكب والأقمار التَّابعة لمجموعتها ، فارتطمت بها واحترقت فيها !
لذلك ، سَنَّ خالقُ هذا الكون قانونًا آخر ، وهو قانون الحركة ، لكي لا تصطدم الكواكبُ والنُّجوم ببعضها . ولكي تفهم هذا القانون ، خُذْ حبلاً قصيرًا ، اربطْ في أحد طَرفَيْه حجرًا صغيرًا، وامسك الطَّرف الآخر بِيَدك . ارفعْ يدكَ إلى فوق ، وابدأ في إدارة الحبل فوق رأسك شيئًا فشيئًا . عندما يكتسب الحجرُ سرعة معيَّنة، أوقِفْ يَدك عن الدَّوران، واترك الحجر يدور مع الحبل . ماذا تلاحظ ؟
ستلاحظ أنَّ الحبل يجذب على يدك ، وكأنَّ الحجر يريد أن يهرب وينطلق بعيدًا عن الدَّائرة التي يدور فيها . لماذا ؟
لأنَّ الحجر لَمَّا أصبح يدور بسرعة معيَّنة ، أكسبهُ هذا الدَّورانُ قوَّة دَفْع (أو طَرْد) ، أخذت تحاول طَرْدَ الحجر بعيدًا عن مركز الدَّوران ، أي بعيدًا عن يدك . غير أنَّ الحجر لا يستطيع الهروب ، لأنَّ هناك قوَّة مضادَّة تمنعه من ذلك ، وهي قوَّة الجذب التي تُحْدِثُها يدك .
مثال آخر : ربَّما دخلتَ في صغرك حديقة ألعاب ، وجلستَ فوق حصان خشبي يدور حول مركز ، ومشدود إلى هذا المركز بواسطة عصًا معدنيَّة غليظة . عندما بدأ الحصانُ في الدَّوران وازدادت السُّرعة ، شعرتَ ولا شكَّ كأنَّ قوَّةً مَا تريد أن تَطْرُدك من مكانك وتقذف بك بعيدًا . ذلك أنَّ الدَّوران حول مركز يُحْدث قوَّة طَرْد ، مضادَّة لقوَّة الجذب .
وهذا هو السّرُّ الكبير في تماسك الكون . فنحن نعلم أنَّ الأرض تدُور حول الشَّمس بسرعة كبيرة جدّا . وهذا الدَّورانُ يُكْسبها قوَّةَ طَرْد تحاول دَفْعَها خارج مدارها . غير أنَّ الشَّمس لها قوَّة جذب مُضادَّة ومُساوية لقوَّة الطَّرْد ، تجذب الأرض إليها وتمنعها من الهروب .
فلَولا جاذبيّة الشّمس ، لهربت الأرض وتاهت في السَّماء . ولولا دوران الأرض حول الشَّمس الذي يُكسبها قوَّة دَفْع مُضادَّة للجاذبيَّة ، لَجَذَبت الشَّمسُ الأرضَ إليها فتحطَّمتْ فوقها !
وهذا هو الحال بالنّسبة لكلّ الأجرام السَّماويَّة ، من كواكب ونجوم وأقمار وغيرها . كلٌّ منها يدور بسرعة هائلة في مدار خاصٍّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه أبدًا ، لأنَّه خاضع لجاذبيَّة نجم أو كوكب آخر تمنعه من الهروب .
وهذا هو الحال أيضًا بالنّسبة لِمَجموعتنا الشَّمسيَّة التي نعرفها أكثر . فهل سمعتَ يومًا أنَّ الأرض اصطدمت عبر تاريخ البشريَّة بكوكب عطارد مثلاً أو الزّهرة ، أو أنَّ القمر سقط على الأرض ؟! لا ، فالكلُّ يسير وفق نظام دقيق .
وهنا ، لا أستطيع أن أتابع قبل أن أذكر لك آيتين في القرآن الكريم ، أشارتا بوضوح إلى هذه الحقائق !
يقول الله تعالى في الآية الأولى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 33 } (21- الأنبياء 33) .
واللَّيلُ والنَّهار هنا يشيران إلى الأرض ، لأنَّه لو كان المقصود بالسّباحة الشَّمس والقمر فقط ، لقال تعالى : يَسْبَحان . ولكنَّه قال : يسبحُون ، أي الأرضُ والشّمسُ والقمر . ولَفْظ السّباحة يعني الانتقال من مكان لآخر . وقد ذكرْنا فعلاً أنّ كلّ الأجرام السّماويّة تجري .
ويقول تعالى في الآية الثّانية : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40 } (36- يس 40) .
وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ الشّمس والقمر والأرض لا يمكنُ أن يصطدم أحدُها بالآخر ، لأنّ كلّ واحد منها يجري في مَداره الخاصّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه .
فكيف جاء محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه المعلومات الدّقيقة ، إن لم يكن خالقُ الأرض والسّماء هو الذي أخبره بذلك ؟! (يتبع ...)
أخوكم عامر أبو سميّة
موقع الطريق إلى الله