الغلاف الجوّي أو السّقف المحفوظ
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
عامر أبو سميّة
| المصدر :
www.allahway.com
عندما صعد أوَّلُ روَّادٍ إلى الفضاء وابتعدُوا عن الكرة الأرضيَّة ، أُصيبُوا بدهشة كبيرة لأنَّ ما اكتشفُوه
كان خِلافًا لكلّ تَوقُّعاتهم : ظلامٌ حالكٌ رهيبٌ يُحيط بكلّ الأجرام السَّماويَّة ، وصمتٌ مُطبِقٌ مُخيف بسبب عدَم وجود هواء ، وبَرْد شديد قاتِل ، وخَطَر الشُّهُب الكثيرة والإشعاعات المميتَة !
ما حدث مع هؤلاء الرُّوَّاد هو ربَّما الذي أشار إليه الله تعالى في القرآن الكريم حين قال مُتحدّثًا عن الكفَّار
: { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14 لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ 15 } (15- الحجر 14-15)
.
فأوَّل أُناس صَعِدُوا إلى الفضاء كانُوا فعْلاً كُفَّارًا ، وكانوا في حالةٍ من الذُّهول والدَّهشة ، كأنَّهم تحت تأثير سِحْر ، لا يُصدّقون ما تراه أعيُنهم !
ثمَّ لاحِظْ أنَّ الله تعالى قال
:
{
يَعرُجون
}
، ولم يقلْ : يَصعدون .
والعروجُ هو الصُّعود في مَسارٍ مُنْحَنٍ ، مائل . ولو سألتَ علماء الفضاء لَقالُوا لك أنَّ مَسار الصَّواريخ التي يُطلقونها نحو السَّماء يكون دائمًا مائلاً، نظرًا لِعَوامل الجاذبيَّة الأرضيَّة وغيرها !
فهل هذه الدّقَّة في اختيار ألفاظ القرآن هي من قَبيل الصُّدفة ؟!
لا ، ليست من قَبيل الصُّدفة ! والدَّليلُ أنَّ الله تعالى استعملَ لفظ العروج في مواضع أخرى من القرآن الكريم ، عند حديثه عن الصُّعود بعيدًا في السَّماء ،
مثل قوله
تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 1 يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ 2 } (34- سبأ 1-2)
.
لَمَّا عَرجَ العُلَماء إذًا في السَّماء ، اكتشفُوا أنَّ الأرض وكُلَّ الأجرام السَّماويَّة تَسبحُ في ظلام كَوني دامس ! أمَّا السَّماء الزَّرقاء التي نراها فوقنا في النَّهار ، فليست إلاَّ نتيجة تَلاقي ضوء الشَّمس مع ما يُسَمَّى بالغلاف الجوّي للأرض Atmosphère terrestre .
فلولا هذا الغلاف ، لرأينا سماءً سوداء طول الوقت .
يبدأ الغلاف الجوّي من سطح الأرض ويَمتدُّ حتَّى بُعْد حوالي 600 كلم إلى الأعلى ، مُحيطًا بالأرض من كلّ جوانبها . وهو يتكوَّن من الهواء ، وجزئيَّات الغازات ، وبُخار الماء ، والجسَيْمات التُّرابيَّة . فطبقة الهواء الذي نتنفَّسه تنتهي إذًا عند نهاية الغلاف ، لِتَبْدأ بعدها الغازات الكونيَّة الخطيرة ، والتي تحتوي على غازَي الهيدروجين والهليوم بنسبة 98 بالمائة .
من مَزايا الغُلاف الجوّي أنَّه يَمنع بُرودةَ الفضاء المهْلِكة والغازات الكونيَّة القاتلة والإشعاعات الخطيرة ، أن تَتسرَّب إلى الأرض . وهو كذلك يَحْمي الأرض من ملايين الشُّهُب والنَّيازك التي تتساقطُ دَوْريّا نحوها ، فتصطدم بالغلاف وتَتَفتَّت .
فهل تعلم أنَّ الله تعالى تحدَّث عن الغُلاف الجوّي في القرآن الكريم منذ حوالي 1400 سنة ، وأسماه بالسَّقف المحفوظ ؟!
يقول الله
تعالى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ 32 } (21- الأنبياء 32).
وكما أنَّ الله جعل هذا السَّقف حافظًا لنا من الأخطار الخارجيَّة ، فقد جعله أيضًا حافظًا لنا من الموت ! نعم ، فهو يَمنعُ غاز الأكسيجين من الهروب بعيدًا عن الأرض .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة أنَّ نسبة الأكسيجين في الهواء هي 21 بالمائة ،
وهي بالضَّبط النّسبة التي يجبُ أن تكون ، بحيثُ لو نقصَتْ ، لاختَنقَ الإنسانُ والحيوان ، ولو زادَتْ ، لاشتعلَت الحرائق في كلّ مكان ولَما أمكن إطفاءها !
أليسَ في هذا إذًا دليلٌ آخر على وجود
إله واحد وراء هذا الكون ، وأنَّه خلقَ كلَّ شيء
بنِسَب غايةٍ في الدّقَّة ؟
يقول الله
تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا 1 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا 2 } (25- الفرقان 1-2)
.
والغُلاف الجوّي لا يَمنعُ الأكسيجين فقط من الهروب ، بل يَمنع أيضًا الهواءَ وبخار الماء من ذلك . ولو هرب الهواءُ عن الأرض ، لَخَيَّم عليها صمتٌ مُطْبق ، ولَمَا استطاع النَّاسُ التَّخاطب فيما بينهم ولا سماع أيّ شيء ، لأنَّ الهواء هو الذي يسمح بانتقال الموجات الصَّوتيَّة . ولو هربَ بُخار الماء ، لَمَا تَكوَّنتْ بعد ذلك سُحُبٌ ولا أمطار ، ولَهلَكَ كلُّ الأحياء فوق الأرض .
أليْسَ إذًا من واجبنا أن نشكُر الله على نعمة الغلاف الجوّي ؟
أم أنَّنا
رَكِبَنا الغُرورُ بسَبب ما وصلْنَا إليه من تقدُّم علمي ، فأصبحْنَا نَترفَّع عن شُكْر الله ،
ونحنُ أعجز عن أن نستردَّ نعمةً يسلُبها اللهُ منَّا ؟!
يقول الله
تعالى : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ 18 } (23- المؤمنون 18)
.
نعم ، لو ذهبَ اللهُ بالماء وحَرَمَنا المطَر ،
لَمَا استطاعت البشريَّةُ مُجتمعة أن تفعل أيَّ شيء لإنزال قَطرة ماءٍ واحدة من السَّماء !
أخوكم عامر أبو سميّة
موقع الطريق إلى الله