ان رصد الآثار الاجتماعية المتوقعة على توجهات برامج الاصلاح الاقتصادي لها اهمية قبل المباشرة بتنفيذ تلك البرامج، والتخطيط للتعامل مع الآثار السلبية المتوقعة ومعالجتها قبل أن تستفحل وتتحول إلى معضلات اجتماعية يصعب الاقتراب منها خاصة وأن الأخذ ببرامج الخصخصة والاصلاح الاقتصادي في الدولة النامية، يتم في أجواء مشحونة بهذه المشكلات الاجتماعية مثل انخفاض مستوى الدخل لطبقة محدودي الدخل عن مستوى ضروريات الحياة، ومحدودية دخل الطبقة المتوسطة الذي يغطي الضروريات وجزءاً قليلاً من الاحتياجات والتحسينات المعاشية بالإضافة إلى ضآلة فرص العمل وانتشار البطالة والبطالة المقنعة، وعدم شيوع ثقافة إحترام العمل ضمن الواقع الاقتصادي والثقافة المجتمعية العامة للبلد. من تجربة برنامج الخصخصة في ماليزيا, أنه لم تمثل قضايا العاملين مشكلة كبيرة في ماليزيا، فرواتب العاملين في القطاع الخاص أعلى من رواتب العاملين في القطاع العام ما جعل التلهف على العمل في القطاع الخاص أكثر، بعد أن ألزمت الحكومة شركات القطاع الخاص بتوظيف القوى العاملة المنتقلة إليها لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع عدم فصلهم إلا لأسباب تأديبية قانونية، مع عدم تخفيض رواتبهم السابقة كموظفين في الدولة. عندما بدأت نيوزيلندة إصلاحاً اقتصاديا جذرياً شهدت جهودها الترويجية لبرنامج الخصخصة لديها تكاملاً مع الجهود التسويقية فقد تم توظيف أعضاء مجالس إدارات الشركات الحكومية ذوي الخبرات الناجحة في إدارة الأعمال التجارية وفق أسلوب القطاع الخاص بعقد يتم تجديده كل عامين بعد إجراء عملية تقييم محايدة لنشاطهم وإنجازاتهم خلال الفترة. وتقدم الدولة للقوى العاملة الفائضة عن حاجة الشركات المحولة للقطاع الخاص، تعويضات مالية تصل أحيانا إلى راتب ثلاث سنوات، وترتبط بعدد سنوات الخدمة، وذلك خلال الستة أشهر الأولى من إنهاء الخدمة لمساعدتهم على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، وبعد انقضاء هذه الفترة يتم صرف حوالي 500 دولار شهرياً لتأمين الحاجات الأساسية إلى جانب مساعدة الدولة لهم في تدبير وظائف في القطاع الخاص. نظراً لمحدودية برامج تأهيل وتطوير قدرات العاملين في المشروعات التي طرحت للخصخصة في مصر، والافتقار لخطط معدة مسبقاً لمعالجة مشاكل تقليل العاملين من جراء برنامج الخصخصة، تكونت لدى العاملين والقيادات في كثير من الشركات صورة قاتمة عن الخصخصة، مما أدى إلى وجود اعتراضات من القيادات والعاملين في هذه الشركات لبرنامج الخصخصة، كما يضاعف من هذه الاعتراضات عدم وجود برامج توعوية لقضايا الخصخصة على مستوى المواطنين والمستثمرين والشركات، والقيادات السياسية والإدارية والعاملين. أن من الأولويات التي يستدعي اخذها بالاعتبار من قبل الجهات المسؤولة عن الترويج للاستثمار في الوزارات التي لديها شركات عامة يجري التخطيط لاستقطاب الاستثمار الخاص الأجنبي والمحلي للمشاركة فيها أو لتأسيس شركات مساهمة تتولى ادارتها بمنهجية القطاع الخاص, هو قلق الكوادر الوطنية على اختلاف مستوياتها الادارية والعلمية والعملية والعمرية من تعرض ديمومة عملها ومصدر رزقها في الوظيفة الحكومية الى احتمال الفقدان او تقليل الامتيازات التي تتمتع بها الى حدود أدنى بكثير من الواقع الحالي. هذا القلق قد ينعكس باساليب شتى من عدم القناعة والمعارضة والاعاقة للتوجهات في جذب الاستثمار الأجنبي والمحلي للمشاركة مع القطاع الحكومي في تأهيل وتمويل وادارة وتشغيل وتسويق منتجات أو خدمات تلك الشركات العامة الأمر الذي سيمكن من تطويرها وينعكس على تحسين ايرادات العاملين. هذا الأمر يتطلب المراعاة والدراسة المتعمقة لوضع الحلول العملية والضمانات حول : •كيفية ضمان استمرار عمل ورواتب الجميع بما فيهم الفائضين عن العمل بجميع المعايير كخطوة اولى, • ثم اقتراح العلاجات العملية والمقنعة لتقليص حجم العمالة الفائضة في كل شركة عامة بالحفاظ على حقوقهم وضمانات المستقبل كخطوة ثانية, •إتباع منهج اشراك العاملين أنفسهم من خلال ممثليهم في وضع العلاجات المناسبة للعمالة الفائضة بما يضمن أن تتوخى تلك الحلول ضمانات العيش الكريم واستمرار الدخل الجيد الدائم لهم من جانب. • ولأجل ضمان فرص عمل انتاجية لتلك الكوادر لتساهم في القضاء على البطالة والبطالة المقنعة وفي رفد الاقتصاد الوطني بانتاجية متصاعدة. •التأكيد على برامج تطوير وتأهيل جميع الكوادر لمواكبة التطور التكنولوجي والمعلوماتي والعلمي والاداري. أن موضوعة العمالة في الشركات العامة تشتمل على عدة وجوه متداخلة ومتقاطعة مع بعض ومع التوجه العام للبلد نحو الاصلاح الاقتصادي لتلك الشركات من تلك العوامل: •عدم قناعة العاملين وخوفهم من البطالة وعلى مستقبل العمل والراتب المضمون وشروط العمل والامتيازات ما يدفعهم الى معارضة العملية الاستثمارية برمتها من خلال ممثليهم وبالتالي ستتأثر وتتلكأ جهود واجراءات عمليات الاصلاح الاقتصادي جميعها. •اعتراضات الادارات العامة في الشركات العامة المزمع تحويلها وخوفها من فقدان امتيازاتها ما سينعكس على بعثرة وتعكير اجراءات الاصلاح الاقتصادي. •من الممكن وجود اعتراضات ممنهجة من قبل جهات سياسية مؤثرة سواء في الأجهزة التنفيذية أو التشريعية. •عدم الالمام والتفهم الواضح لكوادر الشركات العامة لفوائد اشتغالها بطاقاتها القصوى. •من المهم الأخذ بالحسبان تخصص كوادر كل شركة عامة حسب طبيعة عملها وعدم التفريط بهم بتشتيتهم انما يفضل الاحتفاظ بهم في نفس النشاط الذي نتوخى تطويره وتوسيـــع طاقاته الانتاجية وانتاجيــــته والتكنـــولوجيا التي ستستخدم من خلال استقطاب الاستثمار الأجنبي والمحلي المباشر لهذا الغرض, هذا الأمر سيتطلب تدريب وتأهيل الكوادر الموجودة أصلاً تباعاً وحسب الحاجة, وتشجــيع التوجــه للتوسع بأنشطة تلك الشركـــات العامــــة افقياً وعمودياً بما من شأنه تحقيـــــق ازدواجيـــة الاستفادة. •من الممكن وضع آلية يتم بموجبها أن تتحمل الشركة العامة, التي ستعرض للاستثمار, بما معناه تحمل الدولة لرواتب جميع المنتسبين الفائضين عن حاجة الادارة الجديدة للشركة العامة هذا التبني ممكن أن يتم من خلال تحمل الرواتب والمصاريف مباشرةً أو من خلال اعطاء المستثمر نسبة اضافية كحصة في الشراكة أي حافز لكي يتحملها بنفسه وفق معادلة زمنية تنازلية. بموجب هذه المعادلة يفترض تنتقل مسؤولية تلك الكوادر تدريجياً الى المستثمر بناء على برامجه التي سيقدمها لتطوير استثماراته. •يجب أن لا ننسى بأن الفائض بالكوادر والبطالة المقنعة الهائلة وانخفاض انتاجية الفرد موجودة في جميع القطاعات الاقتصادية الحكومية والمختلطة, بل وأحياناً تنتقل العدوى بدرجة بسيطة الى القطاع الخاص لذا فليس من العملي أن يجري التفكير واقتراح اجراء التنقلات بالكوادر الفائضة الى الدوائر التي تحتاجها حيث لأنه عملياً لا توجد دوائر حكومية تحتاج الى هذا الكم من الكوادر فعندئذ ستكون هكذا مقترحات لذر الرماد في العيون اضافة الى ارباك كوادرنا العزيزة علينا, وبالتالي سوف لن نضع العجلة على سكة الحل العملي. •أن الهدف من التفكير بالعلاجات للكوادر الفائضة ليس بتصفيتها وانما بضمان أن تشتغل وتنتج لضمان ايرادات جيدة ومتنامية لها من جانب ولكي تساهم في عملية التنمية الاقتصادية وزيادة الناتج المحلي والدخل الوطني, بما معناه توسيع الاستثمارات افقياً وعمودياً واعادة تأهيل الكوادر وتدريبها لمواكبة التطور. •لابد عند المفاضلة بين العروض الاستثمارية أو التفاوضات لتأسيس الشركات المساهمة من إعطاء أهمية واضحة حول رؤية المستثمر القريبة وبعيدة المدى لمعالجة موضوع العمالة وذلك بتضمين معايير المفاضلة عامل الرؤية لدى المستثمر والشريك الستراتيجي المستهدف حول الاجراءات العملية التي ستعتمــــد في خططه لمعالجة موضوع الكوادر الفائضـــة بضمنها التوسع بالاستثمارات المرادفـــة لنفـــس النشاط الاقتصادي ما ينعكس بالنتيجة على التطور الاقتصادي – الاجتماعي. •لا يفوتنا امكانية التفكير بتشجيع التقاعد المبكر أثناء اعداد تفاصيل قانون الاصلاح الاقتصادي مع استحداث معادلات تعتمد العمر الوظيفي | العمر الفعلي | اضافة عدد من السنوات للخدمة لرفع سقف الراتب التقاعدي | اعطاء مكافآت نهاية خدمة مجزية توضح بمبالغ في تلك المعادلة. عملية التثقيف والتوعية العامة لعل أبرز المفاهيم التي يحملها المواطنون عن عملية الاصلاح الاقتصادي هو الخصخصة اذ أن هذا المفهوم يتعلق في صميم جوهره بعملية تحول اقتصادي اجتماعي سياسي لذلك فهي تثير مخاوف الناس من هموم تقليص حجم العمالة في الشركات العامة المتحولة وبيع ممتلكات تلك الشركات فضلاً عن صعوبة القبول والتعايش مع المستثمرين خصوصاً الأجانب منهم بسبب الانغلاق الفكري الناتج عن السياسة المعتمدة خلال العقود الماضية والركون والاعتماد على الدولة كمصدر أساسي لأرزاقهم وهناك طروحات وأسئلة اخرى قد يثيرها معارضو الاصلاح الاقتصادي لابد من تهيئة الاجابات الصريحة والواقعية عليها لغرض تبديد هذه المخاوف وترسيخ مفاهيم جديدة عن الاصلاح الاقتصادي, لذلك فانه من الاجراءات بالغة الأهمية أن يتم اعداد برنامج للتوعية العامة يتضمن شرحاً واضحاً ومقنعاً لهذه السياسة بصورة مستمرة في الوحدات الاقتصادية نفسها وفي دواوين الوزارات وللكوادر على جميع المستويات ومع مجالس المحافظات وفي وسائل الاعلام. •بالتأكيد يفترض وجود سياسة مقرة واضحة مع منهج للسير بتطبيقه. •هذه الفعاليات والجهود المكثفة التي ينبغي أن تنفذ من قبل جميعة الوزارات لتوضيح خططها للاصلاح الاقتصادي والمردودات الايجابية المتوقعة على العاملين والشركة العامة نفسها وعلى المحافظة التي تقع فيها الشركات المعروضة للاستثمار وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام وخطط الوزارة للحفاظ على حقوق العاملين, كل ذلك سيؤكد للعاملين في الشركات العامة بأن مصالحهم موضع اهتمام وعناية الدولة التي ستتخذ اجراءات وترتيبات تسمح لهم بالتمتع بمزايا ومكاسب الاصلاح الاقتصادي. • ان هذه الجهود سوف تساعد في تخفيض حدة التوترات التي قد تحدث بشكل أو بآخر وفي أي مرحلة من مراحل العملية الاستثمارية مما قد ينعكس سلباً ليس على المشروع الاستثماري نفسه فحسب بل على عموم العملية الاستثمارية في البلد وبالتالي على تنمية الاقتصاد الوطني, كما أن هذه الحملة ستزيد من فرص اجراء الحوار البناء مع كوادر الشركة المعنية. •توجد آراء بأن مثل هذه الندوات وحملات التثقيف قد تزيد العملية تعقيداً وتطيل فترة التنفيذ لكننا نرى أن تنفيذها الذي سيتزامن قبيل ومع بدء عمليات الاعلان عن الفرص الاستثمارية سيمنح العاملين فرصة الحصول على المعلومات الكاملة والتفصيلية عن المشروع ما سيسهم في ضمان قناعتهم بسياسة الاصلاح الاقتصادي وبالاسلوب المقترح للشركة المعنية وبالتالي دعمها مما سيوفر الوقت والدعم لأغراض التنفيذ ويزيد من عوامل الجذب للاستثمار المباشر في المشروع المعني وفي البلد ككل. بشكل أكثر تحديداً فأن المقترح أن تتركز حملة التثقيف والتوعية على المحاور الآتية على سبيل المثال: 1 - توضيح المكاسب المتوقعة على جميع الأصعدة من عمليات الاصلاح الاقتصــــادي وحقيـــــقة الأعباء والخسائر الحاصلة والتــــي ستحصل فـــي حالة بقاء الشركــات العامــــة على أوضاعها الحالية. 2 - شرح وتوضيح طرق وتوقيتات عملية الاصلاح الاقتصادي في الشركة العامة المعنية وبيان أهمية وضرورة التحول من خلال عرض المعلومات وتوضيح الأفكار للعاملين الذين يتوقع أن تتغير قناعاتهم ايجاباً, حيث تأكد, من خلال تجارب دول عديدة مثل الأرجنتين والكونغو وجنوب أفريقيا, بأن الدافع الأساس لمعارضة عملية التحول والاصلاح الاقتصادي كان بسبب نقص المعلومات, أو توفر معلومات مشوهة من مصادر غير رسمية, عن خطط الدولة ازاء سياسة الاصلاح الاقتصادي. 3 -توضيح أبعاد سياسة واجراءات انشاء شبكة الحماية الاجتماعية مع تطمينات بأن تطبيق هذا البرنامج سيكون تحت رقابة فعالة ونزيهة تضمن حقوق ومصالح العاملين. استشاري مهندس في الاستثمار Amer_aljewahiri@yahoo.com
ان رصد الآثار الاجتماعية المتوقعة على توجهات برامج الاصلاح الاقتصادي لها اهمية قبل المباشرة بتنفيذ تلك البرامج، والتخطيط للتعامل مع الآثار السلبية المتوقعة ومعالجتها قبل أن تستفحل وتتحول إلى معضلات اجتماعية يصعب الاقتراب منها