الإحرام: هو نية الدخول في أحد النسكين (الحج أو العمرة) بعد التهيؤ للإحرام، والتجرد من المخيط.
وواجبات الإحرام ثلاثة وهي:
1- الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام بحيث لا يجوز تعديه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة.
2- التجرد من المخيط للرجال: فلا يلبس الرجل ثوباً، ولا قميصاً، ولا برنساً (غطاء الرأس المتصل بالثوب)، ولا يعتم بعمامة, ولا يغطي رأسه بشيء، كما لا يلبس خفاً إلا أن لا يجد نعلاً.
والمرأة تلبس في إحرامها ما تشاء من الثياب الساترة المحتشمة ، غير متبرجة بزينة ولا متشبهة بالرجال ، ولا تلبس القفاز ولا البرقع ولا تتلثم ، فإذا كانت بحضرة الرجال الأجانب تسدل غطاء وجهها.
3- عقد النية والتلبية : فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، فهذا هو الإحرام وليس مجرد لبس ملابس الإحرام كما يظن البعض ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : " لبيك اللهم عمرة " إن كان متمتعاً ، أو " لبيك اللهم حجاً " إن كان مفرداً ، أو " لبيك اللهم عمرة وحجا " إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". رواه البخاري ومسلم.
والتلبية سنة في الإحرام عند الشافعي وأحمد، لا يجب بتركها شيء.
وركن عند أبي حنيفة والظاهرية، لا ينعقد الإحرام بدونها كالتكبير للصلاة.
وواجب عند الإمام مالك. يجب بتركها دم.
1
وقد رجح الوجوب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي رواية عند الإمام أحمد. قال في الإنصاف: الإحرام هو نية النسك وهي كافية على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب، وذكر أبو الخطاب في الانتصار رواية : أن نية النسك كافية مع التلبية أو سوق الهدى واختاره الشيخ تقي الدين. 2 قال شيخ الإسلام: ولا يكون الرجل محرماً بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته. فإن القصد ما زال في قلبه منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرما- يعني كالتلبية أو سوق الهدي- هذا هو الصحيح من القولين. وقال: فإذا أراد الإحرام فإن كان قارناً قال : لبيك عمرة وحجاً . وإن كان متمتعاً قال لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج . وإن كان مفرداً قال : لبيك حجة أو قال : اللهم إني أوجبت عمرة وحجاً أو أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج أو أوجبت حجا أو أريد الحج أو أريدهما أو أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة ليس في ذلك عبارة مخصوصة ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة، بل متى لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين. 3
ويستحب تكرار التلبية، ورفع الصوت بها من الرجال, وتجديدها عند كل مناسبة من نزول، أو ركوب، أو إقامة صلاة، أو فراغ منها، أو ملاقاة رفاق, وتقطع التلبية في العمرة إذا شرع في طوافها، وتقطع في الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
سنن الإحرام ومستحباته:
1- تنظيف البدن وقص الشارب وقص الأظافر وأخذ شعر الإبط والعانة ، ويسنّ الغسل لكل محرم صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى لما روى خارجة بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت ( أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم تجرد لإهلاله واغتسل ) أخرجه التّرمذيّ وحسّنه . ويطلب أيضاً من المرأة الحائض والنّفساء في حال الحيض والنّفاس . فعن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ((إنّ النّفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلّها ، غير أن لا تطوف بالبيت حتّى تطهر)) أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وحسّنه واللّفظ للتّرمذيّ . ولما ورد في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة . فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر . فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أصنع ؟ قال اغتسلي . واستثفري بثوب وأحرمي ) رواه مسلم. ص 431
2- التطيب قبل الإحرام استعداداً له، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) متفق عليه. وعنها رضي الله عنها أيضاً قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . متّفق عليه. أما تطييب ثياب الإحرام فقد منعه جمهور العلماء. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ( ولا ينبغي وضع الطيب على الرداء أو الإزار ، إنما السنة تطييب البدن ، كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((ولا تلبسوا شيئاً مسه الزعفران أو الورس )) متفق عليه. فالسنة أن يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.
3- يسن للرجل لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين أو غسيلين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((البسوا من ثيابكم البياض . فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم)) رواه الترمذي . ولبس نعلين أيضا لقوله صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين )) رواه الإمام أحمد
4- أن يحرم عقب صلاة إما مكتوبة أو نافلة ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين » . أخرجه مسلم . ولا يصلّيهما في الوقت المكروه ،. وتجزئ الصّلاة المكتوبة عن سنّة الإحرام . قال ابن قدامة في المغني: والأَولى : الإحرام عقب صلاة.
5- التلفظ بالنية وتعيين النسك الذي أحرم به فإن أطلق صرفه حيث شاء وإن أحرم بإحرام غيره صح كأن يقول : أحرمت بمثل ما أحرم بمثل ما أحرم به فلان لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي : أحججت ؟ فقلت : نعم . فقال : بم أهللت ؟ قال : قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : فقد أحسنت ) رواه مسلم.
6- أن يشترط حين إحرامه إذا خشي عدم إتمام النسك فيقول : "وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستنيي " لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل النبي صلى الله عليه و سلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج . وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ) رواه مسلم. ويفيد هذا الشرط في شيئين : أنه متى عاقه عائق من مرض أو غيره فله التحلل ، وأنه إذا حل لذلك فلا شيء عليه من دم ولا غيره .
7- البداءة بالتلبية إذا ركب راحلته. لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه صلى الله عليه و سلم أهل حين استوت به راحلته ) ( متفق عليه ) ، قال النووي في المجموع: الأصح عندنا أنه يستحب إحرامه عند ابتداء السير، وانبعاث الراحلة، وبه قال مالك والجمهور من السلف والخلف.
ويرفع الرجل صوته بالتلبية لما روى خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية )) ( رواه الترمذي ) ، أما المرأة فتسمع نفسها فقط ويكره لها الجهر .
ويستحب الإكثار من التلبية ، ويتأكد استحبابها عند تغير الأوضاع والأحوال، فيلبي في صعود وهبوط أو تلبس بمحظور ناسيا وفي أدبار الصلوات وإقبال الليل والنهار وبالأسحار وإذا التقت الرفاق، لما روى جابر رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي إذا رأى راكبا أو صعد أكمة أو هبط واديا وفي إدبار المكتوبة وآخر الليل ) ويستمر الحاج في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النّحر ، ويقطعها عند الطّواف والسّعي للاشتغال بالأذكار والأدعية الواردة فيها.
8- يستحب للمحرم قلة الكلام إلا فيما ينفع لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) ( رواه ابن ماجه ) فهذا في حال الإحرام والتلبس بطاعة الله تعالى والاستشعار بعبادته أولى . 4
محظورات الإحرام:
وينبغي الإشارة هنا إلى محظورات الإحرام: وهي الأعمال الممنوعة التي لو فعلها الحاج أو المعتمر وجب عليه فيها فدية، أو صيام، أو إطعام, وهي:
1- حلق الشعر من أي جزء من بدنه.
2- تقليم الأظفار.
3- تغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه من الأنثى إلا إذا مرَّ بها رجال أجانب.
4- لبس المخيط: وهو ما يخاط على حجم عضو الجسم كالثوب والسروال ونحوهما، وهذا خاص بالرجال دون النساء.
5- الطيب.
6- قتل الصيد البري المأكول.
7- عقد النكاح.
8- الجماع، فإن كان قبل التحلل الأول فسد نسكهما، ويجب في ذلك بدنة، ويمضيان فيه، ويقضيان من العام المقبل، وإن كان بعد التحلل الأول فلا يفسد به النسك لكن يجب في ذلك شاة.
9- مباشرة الرجل المرأة فيما دون الفرج, فإن أنزل فعليه بدنة, وإن لم ينزل فعليه شاة، ولا يفسد حجه في كلا الحالين.
والمرأة كالرجل فيما سبق من المحظورات إلا في لبس المخيط فتلبس ما شاءت غير متبرجة، وتغطي رأسها، وتكشف وجهها ولا تغطيه إلا عند وجود رجال أجانب منها.
ويحصل التحلل الأول في الحج بفعل اثنين من ثلاثة:
1- طواف.
2- رمي.
3- حلق أو تقصير.
وإذا حاضت المرأة المتمتعة قبل الطواف، وخشيت فوات الحج؛ أحرمت به، وصارت قارنة، وليعلم أن الحائض والنفساء تفعل المناسك كلها غير الطواف بالبيت.
ويجوز للمحرم ذبح بهيمة الأنعام، والدجاج ونحوهما، وله قتل الصائل المؤذي كالأسد، والذئب، والنمر، والفهد، والحية، والعقرب، والفأرة؛ وكل مؤذ، كما يجوز له صيد البحر وطعامه.
ويحرم على المحرم وغير المحرم قطع شجر الحرم وحشيشه إلا الإذخر, كما يحرم قتل صيد الحرم, فإن فعل فعليه الفدية، ويحرم صيد حرم المدينة، وقطع شجره، ولا فدية فيه.
وحيث ذكرنا أن من واجبات الحج أن يحرم الحاج من الميقات فنشير هنا إلى المواقيت، ونقول:
المواقيت قسمان:
أ- زمانية: وهي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. مع خلاف هل هي عشر ذي الحجة أم شهر ذي الحجة كاملاً. والاتفاق على أن من طلع عليه فجر اليوم العاشر قبل أن يحرم بالحج لا يصح حجه ولا ينعقد إحرامه بالحج.
ب- مكانية: وهي التي يحرم منها من أراد الحج أو العمرة, وهي خمسة:
1- ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة.
2- الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومصر ومن حاذاها أو مرَّ بها.
3- يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن بحذائها أو مرَّ بها.
4- قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والطائف ومن مرَّ به، وهو المشهور الآن بـ"السيل الكبير".
5- ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق، وخراسان، ووسط، وشمال نجد، ومن حاذاها أو مرَّ بها.
فهذه المواقيت لأهلها، ومن مرَّ عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة, ومن كان دون المواقيت فميقاته من حيث أنشأ؛ حتى أهل مكة من مكة, ومن أراد الحج من أهل مكة أحرم منها، ومن أراد العمرة من أهل مكة أحرم من الحل وهو خارج الحرم من جميع الجهات.
وإذا لم يكن طريق الحاج أو المعتمر على ميقات فميقاته حذو أقرب المواقيت إليه، فيُحرم إذا حاذاه سواء كان بطائرة أو سيارة أو باخرة.
ولا يجوز لحاج أو معتمر تجاوز الميقات بلا إحرام، ومن تجاوزه بلا إحرام لزمه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يرجع أحرم من موضعه ولزمه دم، وحجته وعمرته صحيحة، وإن أحرم قبل الميقات صحّ إحرامه.
أنواع النسك:
- يكون الإحرام على مناسك ثلاثة: مفرد أو قارن أو متمتع،
التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة – ويقول عند الإحرام وعقد النية ( لبيك اللهم عمرة ) ثم يفرغ منها بالطواف والسعي والحلق أو التقصير ويحل من إحرامه ، ثم يحرم بالحج من مكة أو مكان نزوله يوم التروية في نفس عامه ويقول ( لبيك اللهم حجاً ) ، ويلزمه هدي التمتع ما لم يكن من أهل مكة ، ويأكل منه ويهدي ويتصدق فإن عدم الهدي أو ثمنه سقط عنه وانتقل إلى الصوم لقوله تعالى {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} . وهو أفضل الأنساك عند الحنابلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي أن يجعل إحرامه عمرة، وقال: (( لولا أنِّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به )) متفق عليه.
القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معاً في أشهر الحج فيقول: " لبيك عمرة وحجاً " ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل التحلل الأول يوم النحر. أو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها . وهو الأفضل في حق من ساق الهدي معه ، ويلزمه هدي القران ما لم يكن من أهل مكة فلا هدي عليه .
الإفراد: وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج بأن يقول: " لبيك اللهم حجاً " وذلك من الميقات أو من منزله إن كان دون الميقات أو من مكة إذا كان مقيماً بها ،ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل التحلل الأول يوم النحر .
وفي إحرام القارن أمور؛ يقول ابن عثيمين رحمه الله: "والقران له ثلاث صور:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة معاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً وعمرة، وقالوا: الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: ((لبيك عمرة وحجاً))؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذ
5 ، ولأنها سابقة على الحج.
الثانية: أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف.
الثالثة: أن يحرم بالحج أولاً، ثم يدخل العمرة عليه، وهذه الصورة فيها خلاف بين العلماء على قولين: فالمشهور عند الحنابلة رحمهم الله أن هذا لا يجوز؛ لأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر، فيبقى على إحرامه إلى يوم العيد، وهذا القول الأول، أما من حوّل الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً فهذا سنة.
والقول الثاني: الجواز لحديث عائشة رضي الله عنها: "أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج" 6 ، ثم جاءه جبريل عليه السلام وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة))
7 ، فأمره أن يدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج.
والقول بأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر مجرد قياس فيه نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) 8 ، وسمى العمرة حجاً أصغر
9 ، فلا مانع ولا تناقض وهذا القول دليله قوي.
فإن قالوا: إنه لا يستفيد بذلك شيئاً؟ قلنا: بلى يستفيد، لأنه بدل من أن يأتي بنسك واحد أتى بنسكين"
10 .
مسألة تجاوز الميقات المكاني:
لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة مجاوزة الميقات بغير إحرام إجماعاً, فإن جاوزه متعمداً فهو آثم. قال في المغني : من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام بالحج أو العمرة ولم يحرم , فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه, إن أمكنه , سواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً، فإن رجع إليه , فأحرم منه , فلا شيء عليه . لا نعلم في ذلك خلافا ..؛ لأنه أحرم من الميقات الذي أُمر بالإحرام منه, فلم يلزمه شيء, كما لو لم يتجاوزه. وإن أحرم من مكانه الذي نزل فيه, فعليه دم . أ.هـ ، وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم .
ومن جاوز الميقات قاصداً مكة من غير نية الحج أو العمرة ثم بدا له بعد ما وصل مكة أن يحج أو يعتمر، فإنه يحرم من مكانه الذي هو فيه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " ( المجموع 7/209 ) إلا إن بدا له أن يعتمر وكان في مكة فيخرج إلى أدنى الحل ( مثل التنعيم ) ويحرم منه .
ومن جاوز الميقات وفي نيته الحج إن تيسر له ثم تيسر له فعزم على الحج، فإنه يُحرم من مكانه سواء كان داخل المواقيت أو في مكة ، ( مجموع فتاوى ابن باز 17/ 43 )
وفي اختيارات اللجنة الدائمة للإفتاء: "فيجب على من مرَّ بأحد المواقيت مريداً الحج والعمرة أن يحرم منها، فإن تجاوزها بدون إحرام وجب عليه الرجوع قبل الإحرام ليحرم منها، وإن لم يرجع وجب عليه دم جبراً للنسك"
11 .
وإن أراد حاج الإحرام من الميقات فأخَّره إلى "جدة" حيث تهبط الطائرة ، ففيه يقول الشيخ ابن باز رحمه الله إجابة على سؤال: "بعضهم يفتي للقادم للحج بطريق الجو بأن يحرم من جدة، وآخرون ينكرون ذلك؛ فما هو وجه الصواب في هذه المسألة؟ أفتونا مأجورين.
فيجيب رحمه الله: الواجب على جميع الحجاج جواً وبحراً وبراً أن يحرموا من الميقات الذي يمرُّون عليه براً، أو يحاذونه جواً أو بحراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة))
12 الحديث متفق عليه.
أما جدة فليست ميقاتاً للوافدين، وإنما هي ميقات لأهلها، ولمن وفد عليها غير مريدين الحج ولا العمرة، ثم أنشأوا الحج والعمرة منها"
13 .
هذه بعض الإشارات المهمة فيما يخص الركن الأول من أركان الحج الذي هو الإحرام. والحمد لله أولاً وآخراً
المغني في فقه الحج والعمرة ، سعيد باشنفر ص. 82
2
الإنصاف ( 3 / 431 )
3
مجموع فتاوى ابن تيمية ( 26 / 105 ، 108 )
4
فقه العبادات 1/ 433-435 ، الموسوعة الفقهية 2/ 217 ، الممتع 7/ 110 ، مجموع الفتاوى ( 26 / 107 ) ، المجموع ( 7 / 223 )
5
رواه مسلم برقم (2168).
6
رواه البخاري برقم (4056)، ومسلم برقم (2113).
7
رواه البخاري برقم (6797).
8
رواه مسلم برقم (2182).
9
أخرجه الدارقطني برقم (2/285)؛ وابن حبان برقم (6559) والحاكم (1/395)؛ والبيهقي برقم (4/89) عن عمرو بن حزم، وصححه الشافعي وأحمد، وابن حبان، وغيرهم، انظر: نصب الراية (2/341).
10
الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/83-84، 86-87).
11 اختيارات اللجنة الدائمة في الحج (1/4).
12
رواه البخاري برقم (1427) بلفظه، ومسلم برقم (2023).
13 مجموع فتاوى بن باز كتاب الحج والعمرة (2/19)، ونشر في كتاب (الدعوة) (1/125).