الطواف بالبيت ثلاثة أنواع: الإفاضة، والقدوم، والوداع.
فالأول ركن، والثاني سنة، والثالث واجب على الراجح.
وقد ورد في السنة المطهرة على صاحبها وآله الصلاة والسلام سنن ثابتة في الطواف، منها:
أولاً: الطواف ماشياً، فإن طاف راكباً لعذر أو مصلحة راجحة جاز ذلك.
ثانياً: استلام الحَجَر في بداية كل شوط: فإن لم يتمكن من استلامه بيده اقتصر على استلامه بعصا ونحوها، ثم يقبِّل ما استلمه به، لما صح أن أبا الطفيل رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبِّل المحجن" رواه مسلم برقم (1275)، والمحجن: عَصاً مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ، قال النووي رحمه الله: "فيه دليل على استحباب استلام الحجر الأسود، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده بأن كان راكباً أو غيره استلمه بعصا ونحوها، ثم قبَّل ما استلم به"[1]، وإن لم يتمكن من استلامه بيده أو بعصا أشار إليه عند محاذاته وكبَّر
[2].
وأما المرأة فلا يستحب لها مزاحمة الرجال لذلك؛ لما يترتب على مزاحمتها من الفتنة والمنكر العظيم، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل لها بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس بمحرم لها في ذلك الموقف
[3].
ثالثاً: تقبيل الحجر الأسود: فهو "سنة مؤكدة من سنن الطواف؛ إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد ؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعيَّن الترك، والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولاسيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى "
[4].
رابعاً: استلام الركن اليماني: وهو الركن المقابل للركن الذي فيه الحجر الأسود, قائلاً عند استلامه: "بسم الله والله أكبر"[5]، "أما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يشرع مسحهما، ولا أن يُخصَّا بذكر أو دعاء؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (سورة الأحزاب:21)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))"
[6] رواه البخاري (2142)، ومسلم (4590).
خامساً: الاضطباع: وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، ويطرح طرفيه على عاتقه الأيسر, وهو سنة في طواف القدوم، "وهذا الاضطباع لا يسن إلا في الطواف، كثيراً من العوام من حين أن يحرم يضطبع، وهذا بدعة، فالاضطباع إنما يكون في الطواف فقط، وهذا سنة للرجال، والمرأة لا تضطبع؛ لأن ثيابها ثياب معتادة"
[7].
سادساً: الرَمَل: وهو أن يسرع المشي مع تقارب الخطأ، ويسن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، "فإن لم يتيسر له الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى لازدحام المكان، وتيسر له في الأشواط الثلاثة الأخيرة لخفة الزحام فلا يقضى؛ لأن الرَّمَل سُنَّة في الأشواط الثلاثة الأولى، وقد فات محلها، ولأنه إذا رمل في الأشواط الأخيرة خالف السنة، إذ السُنَّة في الأشواط الأخيرة المشي دون الرَّمَل"
[8].
سابعاً: أن يقول بين الركن اليماني والحجر والأسود ما ورد عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)) رواه أبو داود (1892)، وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود .
وما يذكره بعض الناس من وجود أدعية مخصوصة لكل شوط في الطواف والسعي؛ فهو مما لا أصل له في الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى، ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرّاً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيَّن تحت الميزاب، ونحو ذلك؛ فلا أصل له.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار))، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة"
[9].
ثامناً: يستحب أن يدع الحديث كله في الطواف إلا ذكر الله: وقراءة القرآن، أو دعاء، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير)) رواه الترمذي (960) وصححه الألباني.
تاسعاً: أن يصلي بعد كل سبعة أشواط ركعتين سنة الطواف سواء كان الطواف فرضاً أم واجباً أم نفلاً؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من طاف بالبيت، وصلى ركعتين؛ كان كعتق رقبة)) رواه ابن ماجة (2956)، وصححه الألباني.
وتسن صلاة الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وتصح في أي موضع آخر، ويسن أن يقرأ فيهما: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} لما روي عن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً، فرمل من الحجر الأسود ثلاثاً، ثم صلى ركعتين قرأ فيهما {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}"
[10].
عاشراً: الموالاة بين أشوط الطواف, فلا يفصل بين الأشواط فصلاً طويلاً إلا لعذر, وإذا أقيمت الصلاة المكتوبة وهو يطوف صلى المكتوبة مع الجماعة، ثم أتى بما بقى عليه من أشواط.
والله تعالى أعلم،،
[1] شرح النووي على مسلم (9/20).
[2] فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (23/532).
[3] أنظر فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (11/229).
[4] فتاوى اللجنة الدائمة (32) جزءاً (11/229).
[5] أسئلة وأجوبة مختارة من فتاوى الحج ابن باز رحمه الله (1/109).
[6] مجموع فتاوى ابن باز (30) جزءاً (17/221).
[7] اللقاء الشهري لابن عثيمين رحمه الله (7/1).
[8] الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين رحمه الله (7/244).
[9] مجموع الفتاوى (26/122-123).
[10] قال النووي: "وقد ذكره البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم". شرح النووي على مسلم (8/176).