إنها المدينة الأكثر ازدحاما بشريا في تركيا، علما بأنها ليست العاصمة، يعيش فيها أكثر من 12 مليون نسمة، يزداد العدد خلال ساعات النهار بسبب إقبال عدد كبير من المقيمين في الضواحي وفي القسم الآسيوي على العمل في هذا القسم، 65 في المائة من سكانها تحت عمر الـ25 عاما.. وتعاني المدينة من زحمة سير غير عادية.. العملة في البلاد هي الليرة، فكان الأتراك في الماضي كلهم من أصحاب الملايين بسبب كثرة الأصفار على العملة، إلا أنه تم استبدالها بأوراق عملة أصغر من حيث الحجم مع تقليل عدد الأصفار، ولا تزال العملة قديمة الشكل متداولة في الأسواق ولا يزال اسمها ليرة..». هذا هو التعريف الأول بمدينة اسطنبول من قبل المرشدة السياحية توبة التي كانت في استقبالنا في مطار أتاتورك وكانت دليلنا منذ أن وطأت أقدامنا أرض المطار إلى أن وصلنا إلى فندق «فورسيزونز البوسفور»، وفي سياق حديث المرشدة أشارت إلى روعة وجمال الفندق وموقعه المميز المطل على مضيق البوسفور، مستعينة بخريطة كانت معلقة فوق رأس السائق، وأشارت بإصبعها إلى النقطة التي يقبع عندها مبنى الفندق الذي بدا على الخريطة قريبا جدا من ماء البوسفور، فقلت في نفسي، قد يكون الرسم على الخريطة مبالغا فيه، فكيف يمكن أن يكون الفندق قريبا هذا القرب من الماء؟! إلى أن وصلنا إلى الفندق بعد أن تعرفنا في طريقنا إلى بحر مرمرة والبحر الأسود، فعلى طريق عام في منطقة سكنية بحتة في القسم الأوروبي من اسطنبول، تجد بوابة حديدية ضخمة يستريح وراءها مبنى ضخم يقع في مستوى منخفض من الطريق، تدخل إلى البهو الرئيسي وترى أن أطرافه مبللة في ماء البوسفور، فهنا أدركت أن مرشدتنا كانت محقة في الوصف، فبمجرد دخولك إليه ترى من نوافذه البللورية العملاقة البواخر والعبارات تمخر عباب البوسفور الذي تزين خلفيته قارة آسيا الجميلة، فيقول ماركس بخيت المدير العام للفندق، إن قصة هذا الفندق هي أشبه بعملية قيصرية استغرقت 9 سنوات من العمل والنضال تكللت في النهاية بمشروع فريد من نوعه، فهو الفندق الوحيد في اسطنبول الذي يقع مباشرة على مضيق البوسفور من دون أن تكون هناك طريق تقع حدا فاصلا ما بين المبنى والماء، يتمتع الفندق بمرسى خاص به يخول للنزلاء التوجه إلى القسم الآسيوي من المدينة بواسطة القارب، كما أن طريقة النقل هذه تجنب الزائر زحمة الطرقات وتحمل به إلى فندق «فوروسيزونز سلطان أحمد» (سجن سابق) الواقع بالقرب من أهم مواقع سياحية مثل مسجد كاتدرائية آيا صوفيا والبازار والجامع الأزرق وهو الفندق الأول التابع لـ«الفورسيزونز» في اسطنبول. فندق «فورسيزونز البوسفور» افتتح الصيف الماضي وأصبح منذ افتتاحه الرسمي ركنا سياحيا إضافيا في المدينة، فهو يطل على أجمل المناظر الطبيعية الخلابة، نجح مهندس الديكور التركي العالمي سينان كافادار في المحافظة على روح «الفورسيزونز» التي تحسها أينما حللت في مختلف فنادق «الفورسيزونز» حول العالم، مع إضافة روح الحضارة والتراث العثماني من خلال مزيج رائع من الديكور والألوان والتصاميم العثمانية والواجهات العملاقة والرسومات والنقوش على السقف والأرض واستعمال الرخام في الحمامات والمركز الصحي والمساحات الخارجية للفندق. يتمتع الفندق بحدائق غناء على مساحة 190 مترا تطل في الجهة اليمنى على أهم المواقع السياحية الأثرية في المدينة وإلى اليسار يقع جسر البوسفور الأشهر الذي يربط أوروبا بآسيا، وهو جسر معلق يقطع مسافة كيلومتر ونصف، وتزينه المصابيح المضاءة التي تتبدل ألوانها في المساء. لهذا الفندق سحر خاص، فهو يحمل علامة «الفورسيزونز» الفارقة من حيث الخدمة والذوق الرفيع، ولكن وفي نفس الوقت، كل ركن فيه يهمس في أذنك ويذكرك بأنك ضيف عزيز على قلب السلاطين العثمانيين، فالمبنى الرئيسي للفندق هو بالأصل قصر عثماني من قصور القرن التاسع عشر، تحول بعدها إلى مدرسة ابتدائية، وتمت إضافة جناحين ويضم 166 غرفة وجناحا، إضافة إلى جناح رئاسي، القاسم المشترك بينه وبين الغرف والأجنحة الأخرى هو الذوق وتنسيق الألوان والمناظر المطلة على آسيا مع فارق الحجم بالطبع، فعندما تدخل إلى الجناح الرئاسي يستوقفك منظر الطاولة في المدخل الرئيسي التي تحمل مجموعة من الزهور المنمقة والمنسقة لا تقل جمالا عن الزهور التي تشتهر بها فنادق «الفورسيزونز» حول العالم، وقامت مجموعة من التلاميذ في معهد الفنون الجميلة برسم أجمل الأشكال الفنية العثمانية على السقف وكان اللونان الأزرق والعاجي العنوانين العريضين للديكور في الجناح، وغرفة النوم أشبه بغرف السلاطين، يتربع في وسطها سرير ضخم من خشب السنديان تنام عليه وتمتع ناظريك بمنظر آسيا الذي يطل عليك من النوافذ التي تسور الجناح على طول واجهته، وتستيقظ في الصباح الباكر لترى البواخر واليخوت تغازل نافذتك، وهي في طريقها باتجاه جسر البوسفور، فلا تفوت على نفسك فرصة الجلوس على تلك المقاعد الصغيرة الموضوعة في قلب النوافذ التي تحاكي فيها جمال البوسفور الذي يشق المدينة التي انصهرت فيها الثقافات والحضارات على مر العصور. الحمام في الجناح أشبه بمركز صحي مصغر، يتوسطه مغطس بيضاوي الشكل وغرفة بخار وحمام تركي صغير، يكتنفه الرخام من كل الجوانب، اللون الأزرق يمتد إلى تلك الغرفة التي تشهق بالروح العثمانية وتحثك على خوض تجربة الحمام التركي الحقيقي، وهنا أنصح الجميع بخوض هذه التجربة الفريدة، ففندق «الفورسيزونز» يتمتع بمركز صحي يحتل مساحة 2100 متر مربع، ويضم 10 غرف للعلاج، ويقدم عددا لا ينتهي من أهم العلاجات، أما الحمام التركي فهو تجربة حقيقية لا بد من خوضها وكيف يمكن أن تزور تركيا من دون أن تجرب هذا الحمام الذي لا يزال يجذب أهل البلاد كتقليد توارثته الأجيال في تركيا وعدد من البلدان العربية الأخرى مثل المغرب والجزائر.. الحمام التركي علاج أكثر مما هو مخصص لتنظيف البشرة، فهو يعود بالأساس إلى أيام الرومان، والفكرة مقتبسة بالأصل من الحمام الروماني، وفي الماضي كان يعد نوعا من الطقوس الدينية، وبعدها تحول إلى مناسبة تجتمع فيها النساء أو الرجال منفصلين للاحتفال بمناسبات عامة. فيحتفل «الفورسيزونز» بهذا التقليد على طريقته الخاصة، وتقوم الأخصائية ليلى، التي تعلمت المهنة في تركيا، وخضعت لدروس إضافية في باريس، بفرك الجسم بلوفة طبيعية، وبعدها يتم غسل الجسم بالماء الساخن، فمنظر الأخصائية وهي تنفخ في قطعة من القماش أشبه بغطاء الوسادة، يشعرك بسحر الشرق وأسراره، فسوف يشدك منظر الأخصائية وهي تحول القطعة القماشية إلى شيء أشبه بالبالون تقوم بعصره على الجسم لتنطلق منه رغوة كثيفة من الصابون تعبق منه رائحة زيت الزيتون وخشب الصندل وماء الزهر، وأنت تستلقي على رخام دافئ تقاوم عليه سلطان النوم بعد أن تخضع لجلسة تدليك تجعل الدورة الدموية تنطلق في جميع أعضاء الجسم، ولا ينتهي العلاج هنا بل تقوم الأخصائية أيضا بغسل الشعر وتدليكه بشامبو «ديرماتولوجيكا» وباستعمال مساحيق «دانييل دي وينتر» الطبيعية التي تأخذ من موناكو قاعدة لها، ولا يكتمل العلاج إلا بتناول كوب من لبن العيران بطعمه المالح والحامض. ويعتبر الحمام التركي من أكثر نقاط الجذب للسياح الأجانب ونزلاء الفندق. والحمام التركي في الفندق يتميز بالخصوصية التامة والنظافة وخبرة الأخصائيين العالية، وهناك حمامات للرجال وأخرى للنساء، إضافة إلى حمام للشخصيات المهمة يتمتع ببركة صغيرة خاصة به مزودة بمكبرات للصوت تنطلق منها الموسيقى تحت الماء. وبعد زيارة الحمام التركي لا بد أن تسبح في البركة الداخلية، فهذه فرصة للتأمل والراحة وإذا كنت لا تأبه لقرص البرد يمكنك السباحة في البركة الخارجية بمياهها الدافئة لتمتع نظرك بمناظر خلابة تبدو وكأنها لوحة فنية. وبما أنك في تركيا فلا بد أن تأكل الأسماك، وأنصحك بتناول طبق «السي باس» و «السي بريم» في مطعم «الاكوا» التابع للفندق. وفي أيام الصيف يمكنك الجلوس في الحدائق الخارجية وهي أشبه بكورنيش بحري بأرضية من رخام. ولمحبي التسوق يمكن الاستعانة بخدمة «الكونسييرج»، التي تلبي كل طلبات الزبائن بما فيها تنظيم رحلات خاصة للتسوق في أرقى المحلات التجارية مثل محلات «نيزانتازي» والمحلات المنتشرة عند ساحة التقسيم، إلى المحلات المنتشرة في البازار الأشهر وسوق «الانتيكة» الذي يشهده جسر أورتاكوي الأثري أيام الأحد، يكفي أن تُعلم الفندق بطلباتك. وفي النهاية وبعد تمضية 3 أيام من التمتع بالتصميم الجميل وروعة المكان وزرقة البوسفور ومنظر البواخر العابرة في المضيق، تبقى كلمات ماركس بخيت في أذني وهو يتكلم عن الفندق وكأنه طفله، حيث تربطه بهذا الفندق علاقة حميمة، فهو يقف إلى جانب رئيس العمليات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أنطوان كورينثيوس، وراء اكتشاف هذا الموقع الفريد كما أن عملية البناء لم تكن سهلة أبدا، فالفندق مبني في الماء بمعظم أجزائه، كما تربط بخيت علاقة مميزة مع اسطنبول منذ أن انتقل للعيش فيها عندما افتتح الفندق الأول لـ«الفورسيزونز» الذي كان مبناه في السابق سجنا، عام 1996 وهو فندق من فئة بوتيك، ويقوم حاليا بإدارته طارق مراد. للمزيد من التفاصيل: www.fourseasons.com/bosphorus