الحمد لله وبعد ، عن عائشة رضي الله عنها قلنا : يا رسول الله ألا نبني لك بيتا بمنى يظلك . قال : لا ، منًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ . تخريج الحديث : أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/187،206-207) ، والدارمي (2/73) ، وابوداود ( 2019) ، والترمذي (881) وقال : هذا حديث حسن صحيح . وابن ماجة (3006،3007) ، والبيهقي (5/139) ، وابن خزيمة في صحيحه (2891) ، والحاكم في مستدركه (1/467) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص . والحديث جاء من طريق عبدالرحمن بن مهدي ، وزيد بن الحباب ، ووكيع ثلاثتهم عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن يوسف بن ماهك ، عن أمه مُسَيْكَةَ ، عن عائشة رضي الله عنها . والحديث فيه علتان : الأولى : إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب : صدوق لين الحديث . قال صاحبا تحرير تقريب التهذيب : بل ضعيف يُعتبر به في المتابعات والشواهد ، ضعفه يحي بن معين ، وابن حبان ، والدارقطني ، وقال : يعتبر به – يعني في المتابعات - ، وقال يحي بن سعيد القطان وأبو حاتم الرازي والنسائي والترمذي : ليس بقوي ، وقال أحمد : لا بأس به ، وقال أبوداود : صالح الحديث . وقد درس بن عدي حديثه ثم قال : وهو عندي أصلح من إبراهيم الهجري ، وحديثه يكتب في الضعفاء . كما بين أبوحاتم سبب تضعيفه وعد الاحتجاج به هو وآخرين حينما سأله ابنه عبدالرحمن قال : قلت لأبي : ما معنى لا يحتج بحديثهم ؟ قال : كانوا قوما لا يحفظون ، فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون ، ترى في حديثهم اضطرابا ما شئت . وإنما انتقى مسلم من حديثه حديثين فقط كلاهما مُتابع (332) و (655) . أما توثيق الذهبي له ، فلم نجد له فيه سلفا .ا.هـ. الثاني : مُسَيْكَة المكية ، والدة يوسف بن ماهك المكي . قال عنها الإمام الذهبي في الميزان (4/610) : تفرد عنها ابنها . وذكرها أيضا في الكاشف (3/481) ولم يذكر فيها جرحا ولا تعديلا . وقال عنها الحافظ ابن حجر في التهذيب (12/451) : روت عن عائشة حديث منى مناخ من سبق وعنها ابنها يوسف بن ماهك . قلت (الحافظ) : قال ابن خزيمة : لا أحفظ عنها راويا غير ابنها ولا أعرفها بعدالة ولا جرح .ا.هـ. وكلام ابن خزيمة ذكره الحافظ ابن حجر بالمعنى وسيأتي نصه بعد قليل . وقال الحافظ في التقريب : لا يعرف حالها . وممن أعل هذا الحديث بمسيكة الإمام ابن خزيمة في صحيحه (4/284) فقال : باب النهي عن احتضار المنازل بمنى إن ثبت الخبر ، فإني لست أعرف مُسيكة بعدالة ولا جرح ، ولست أحفظ لها راويا إلا ابنتها .ا.هـ. هكذا في صحيح ابن خزيمة " ابنتها " وهو خطأ مطبعي ، والصواب " ابنها" . وممن أعل الحديث بمسيكة أيضا المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/621) فقال : ومدار هذا الحديث على مسيكة وهي مجهولة كما عرفت . والحديث ضعفه العلامة الألباني في عدة مواضع منها : ضعيف سنن أبي داود (438) ، وضعيف الترمذي (153) ، وضعيف ابن ماجة (648،649) . وقد أشكل علي تحسين الألباني للحديث في كتاب إصلاح المساجد من البدع والعوائد (ص202ط. الخامسة) فقال – رحمه الله – في الحاشية : قلت : حديث حسن ، وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي ، والصواب ما ذكرته ، كما بينته في تخريج المشكاة رقم (2625) التخريج الثاني الطبعة الثانية إن شاء الله .ا.هـ. ولعل تحسين الألباني للحديث منذ زمن متقدم ، وكما هو معلوم أن تخريج ضعيف السنن متأخر عن كتاب \" إصلاح المساجد \" ، والله أعلم . وقد ذهب الإمام ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (5/501،502) إلى تحسين الحديث على الرغم من نقله لكلام القطان في تضعيف الحديث فقال : قال ابن القطان : وعندي أنه ضعيف لأنه من رواية يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة وهي مجهولة , لا نعرف روى عنها غير ابنها . والصواب تحسين الحديث , فإن يوسف بن ماهك من التابعين , وقد سمع أم هانئ وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وقد روى عن أمه , ولم يعلم فيها جرح , ومثل هذا الحديث حسن عند أهل العلم بالحديث , وأمه تابعية قد سمعت عائشة .ا.هـ. الجزء الثاني : الجانب الفقهي في الحديث كلام شُراح الحديث : قال المباركفوري في التحفة (3/621) : قوله : ( ألا نبني لك بناء ) وفي رواية لابن ماجه : بيتا ( قال لا ) أي لا تبنوا لي بناء بمنى لأنه ليس مختصا بأحد إنما هو موضع العبادة من الرمي وذبح الهدي والحلق ونحوها , فلو أجيز البناء فيه لكثرت الأبنية وتضيق المكان , وهذا مثل الشوارع ومقاعد الأسواق , وعند أبي حنيفة أرض الحرم موقوفة فلا يجوز أن يملكها أح ( مناخ من سبق ) خبر مبتدأ والمناخ بضم الميم موضع إناخة الإبل وقال العظيم آبادي في عون المعبود (5/501) : ( قلت يا رسول الله ألا نبني ) : من البناء أي نحن معاشر الصحابة ( مناخ ): بضم الميم موضع الإناخة ( من سبق إليه ) : والمعنى أن الاختصاص فيه بالسبق لا بالبناء وقال الطيبي : معناه أتأذن أن نبني لك بيتا في منى لتسكن فيه فمنع وعلل بأن منى موضع لأداء اhttp://www.manqol.com/User/Topics/Edit.aspx?state=addلنسك من النحر ورمي الجمار والحلق يشترك فيه الناس , فلو بنى فيها لأدى إلى كثرة الأبنية تأسيا به فتضيق على الناس وكذلك حكم الشوارع ومقاعد الأسواق . وعند أبي حنيفة أرض الحرم موقوفة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قهرا , وجعل أرض الحرم موقوفة , فلا يجوز أن يتملكها أحد . كذا في المرقاة . وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (4/111) : وهو يقتضي بظاهره أن لا استحقاق لأحد بمنى إلا بحكم الإناخة بها لقضاء النسك في أيامها ثم يبني بعد ذلك بها ولكن في غير موضع النسك ثم خربت فصارت قفرا . وكنت أرى بمدينة السلام يوم الجمعة كل أحد يأتي بحصيره وخمرته فيفرشها في جامع الخليفة فإذا دخل الناس إلى الصلاة تحاموها حتى يأتي صاحبها فيصلي عليها فانكرت ذلك وقلت لشيخينا فخر الإسلام أبي بكر الشاشي : أويوطن أحد في المسجد وطنا أو يتخذ منه سكنا ، قال : لا ، ولكن إذا وضع مصلاه كان أحق بذلك الموضع من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم : منى مناخ من سبق . فإذا نزل رجل بمنى برحله ثم خرج لقضاء حوائجه لم يجز لأحد أن ينزع رحله لمغيبه منه . قال ابن العربي : وهذا أصل في جواز كل مباح للإنتفاع به خاصة الاستحقاق والتملك .ا.هـ. وقال السهارنفوري في بذل المجهود (3/361) : (مناخ) بضم الميم أي موضع الإناخة . (من سبق إليه) والمعنى الاختصاص فيه بالسبق لا بالبناء فيه . أي هذا مقام لا اختصاص فيه لأحد دون أحد . قال الطيبي : أي أتأذن أن نبني لك بيتا في منى لتسكن فيه ، فمنع وعلل بأن منى موضع لأداء النسك من النحر ورمي الجمار والحلق يشترك فيه الناس ، فلو بني فيها لأدى إلى كثرة الأبنية تأسيا به فتضيق على الناس ، وكذلك حكم الشوارع ومقاعد الأسواق ، وعند أبي حنيفة أرض الحرم موقفة فلا يجوز أن يتملكها أحد .ا.هـ. قال الخطابي : إنما لم يأذن في البناء لنفسه وللمهاجرين لأنها دار هاجروا منها لله فلم يختاروا أن يعودوا إليها ويبنوا فيها وفيه أن هذا التعليل يخالف تعليله صلى الله عليه وسلم مع أن منى ليست دارا هاجروا منها قاله القاري . قلت : وفي هذا الزمان كثرت الأبنية فيها وتملكوا منها بقاعا كثيرة ، فإلى الله المشتكى .ا.هـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (26/131) : ولم يكن بمنى أحد ساكنا فى زمنه و لهذا قال : منى مناخ من سبق و لكن قيل أنها سكنت فى خلافة عثمان و أنه بسبب ذلك أتم عثمان الصلاة لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد و المزاد .ا.هـ. وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (3/434) : فصل : وأما مكة فإن فيها شيئا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى وهي أنها لا تملك فإنها دار النسك ومتعبد الخلق وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد فهي وقف من الله على العالمين وهم فيها سواء ومنى مناخ من سبق .ا.هـ. وقد قرر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في فتاويه (5/155-169) أنه لا يجوز البناء في منى ، ولا التملك فيها . وهذه إحدى الفتاوى التي أفتى بها سماحته - رحمه الله - ( رقم 1192) : من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : فقد تلقينا خطابكم الكريم المؤرخ في 11-12-78 هـ واطلعنا على ما ذكرتموه حول منى ، والتماسكم ما لدي في حكم هذه المسألة وأن أجمع العلماء وآخذ ما لديهم في ذلك . وأحيط جلالتكم بما يأتي : 1 - أنه لا يشك أحد في حسن قصد جلالتكم وإرادتكم الخير للمسلمين وما ينفعهم حالا ومستقبلا ، وهذا شيء معروف ، فجزاكم الله خير الجزاء وزادكم هدى وتوفيقا . 2 - قد جمعنا من قدرنا عليه من المشايخ الذين حضروا في منى وهم إخوتي : الشيخ عبد اللطيف ، الشيخ عبد الملك ، الشيخ عبد الله بن حميد ، الشيخ عبد العزيز بن باز ، السيد الشيخ علوي مالكي ، الشيخ عبد الله بن جاسر ، الشيخ عبد الله بن دهيش ، الشيخ عبد الله بن عقيل . وعرضنا المسألة - أعني مسألة منى - على بساط البحث ن وقد اجتمع الرأي واتفقت الكلمة من الجميع أن إحداث شيء من البناء في منى أمر لا يصح شرعا ، لأن ذلك يفضي قطعا إلى تفويت اشتراك الحجاج من المسلمين فيه ، ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا نبني لك بيتا بمنى يظلك ؟ قال : لا ، منًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ " . نحن والمشايخ المذكورون متفقون على وجوب هدم ما كان بمنى من الأبنية القديمة والحادثة وعدم جواز بقائها ، وإن كان عند أحد مستند في بقاء شيء منها فليحضره ، وأنتم ولله الحمد رائدكم الحق وما يتمشى مع الأمر الشرعي ، نسأل الله أن يتولاكم بتوفيقه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتهى ،،،