رومانسيتها كانت نقطة ضعفها فقد ضغط الشاب المدلل على الوتر الحساس واستطاع أن يميل قلبها تجاهه، توسل إليها أن ترحم عذابه وحبه اليائس لها، وهددها بالانتحار إذا تخلت عنه واستجابت لرفض أسرتها له، أغدق عليها بالزهور بعد أن علم أنها تعشقه وعندما تأكد أنها وقعت في شباكه ترك لها حرية التصرف لتقنع أسرتها بالموافقة على خطوبتهما... واستمر الحال طوال عام كامل بين شد وجذب من طرف الفتاة المتفوقة دراسيا رقيقة المشاعر وأسرتها الرافضة لاختيارها الخاطئ وفي النهاية نجحت في تحقيق الحلم وعُقد قرانهما بناء على رغبته حتى لا تتراجع أسرتها عن موافقتها، وكان يوم عقد القران هو يوم انتهاء عهد الرومانسية وبداية عهد العصبية والتوتر بعدما خلع القناع الذي كان يرتديه وظهر على حقيقته، فأصيبت بخيبة أمل وقررت أن تصحح الخطأ وطلبت الطلاق لكنه رفض فلجأت إلى محكمة الأحوال الشخصية. طوال حياتها وهي جادة لم تترك لنفسها الفرصة لكي تفكر في أية علاقة مع أي شاب على رغم أن كل زملائها يسعون للفوز بابتسامة منها أو حتى الحديث معها حتى لو كان حديثا خاصا بالدراسة فقد كان كل همها أن تحقق ما نذرت نفسها من أجله بأن تكون طبيبة ناجحة، وكلما شعرت بنظرات الرضا في أعين والديها ازدادت قوة وإرادة وتحدياً لتحقيق حلمهما فكان النجاح حليفها دائما وظلت على عهدها بشخصيتها التي أجبرت الجميع على احترامها، ورفضت كل من طرقوا بابها طالبين الزواج منها لرغبتها في التفوق والاطمئنان على مستقبلها العلمي، وظلت على حالها حتى ظهر في حياتها شاب زلزل كيانها وسلب أحلامها ووجه عقلها ومشاعرها إلى ما كانت تؤكد انه تفاهات. تعرفت إسراء الطالبة بكلية الطب بعادل الطالب بالسنة النهائية بإحدى الكليات الخاصة قريب زميلتها بالكلية فقد كان بصحبة شقيق زميلتها الذي كان يقوم بتوصيلهما للجامعة، عندما رآها أول مرة انبهر بجمالها وشخصيتها القوية وثقافتها العالية على الرغم من أنها لم تبادله الحديث واكتفت فقط بالرد عليه بكلمات مختصرة كعادتها مع الكثير من الشباب لكنه عرف من زميلتها كل شيء عنها، ظل عادل يفكر فيها لشعوره انها من نوع خاص وتخيل ان زواجه منها سيكون انفراجة في حياته خاصة انه متعثر دراسيا منذ طفولته بسبب تدليل والديه له لأنه الابن الوحيد، وبعد حسبة طويلة توصل عادل إلى ان الزواج سيكون صفقة رابحة فبدأ يخطط لتنفيذ ما عزم عليه وكان لابد من البداية الصحيحة فحصن إسراء منيع واقتحامه غاية في الصعوبة وبدأ يتردد على كليتها ليشاهدها من بعيد وعندما شاهدها وهي تشتري بعض الزهور أثناء عودتها لمنزلها وجد أن الزهور ستكون هي البداية المناسبة، افتعل وجوده بالقرب من الكلية مصادفة وانتظر خروج إسراء مع قريبته وعرض توصيلهما وكان معه بعض الزهور فأهداها لهما وعلى الفور لاحظ سعادتها بالزهور وبعدها توالت المصادفات المفتعلة لتوصيل إسراء وكانا يتجاذبان الحديث وبألفاظ رقيقة ناعمة استطاع أن يدخل قلبها فتوطدت علاقتهما وأفصح عن إعجابه بها وبدأت المكالمات التليفونية التي أصبحت تمتد بالساعات بينهما دون اعتراض أسرتها لأنها موضع ثقة، واشتعلت المشاعر بينهما وحتى تزداد ثقة إسراء فيه طلب أن يتقدم لخطبتها وحدث ما توقعه فبمجرد أن فتحت إسراء الحوار عنه ثار جميع أفراد أسرتها في وجهها واتهموها بالجنون فكيف تفكر في الزواج بهذا الشاب مع أنها رفضت من هم أفضل منه بكثير على الرغم من امتلاكه إمكانات مادية عالية وشقة في أحد الأحياء الراقية في القاهرة وسيارة خاصة، احتجت إسراء على رفض أسرتها لأن عيب عادل شيء خاص بها وحدها وعندما فشلت في اقناعهم ذهب عادل وعلى طريقة الأفلام الرومانسية دون موعد سابق وطلب مقابلة والدها وظهر بمظهر الشاب الجاد المحب وأثر هذا الموقف الاستعراضي فيها وجعلها أكثر تصميماً على الزواج منه والكفاح من أجله، امتنعت عن الطعام كما هددت بأنها ستترك الكلية التي تعتبر العائق الأول في زواجها بحبيب القلب وفي النهاية وافقت أسرتها على مضض وهي تعتبر أنها مجرد نزوة، وتمت المقابلة بين أسرتيهما وبدأ الإعداد للخطوبة وكانت أولى العراقيل هو يوم شراء الشبكة فقد عرض عادل أن يشتري شبكة من الماس تقدر ب 50 ألف جنيه لكن الفتاة فوجئت بأن الشبكة من الذهب وثمنها 10 آلاف جنيه فقط، ثارت والدتها واعتبرت أنه يتملص من وعوده لابنتها لكن إسراء كانت لا تعنيها الماديات فهدأت من روع والدتها، وتوالى بعد ذلك التملص من كل الوعود فحفل الخطوبة الذي تعهد بإقامته في أفخر فنادق القاهرة طار في الهواء بحجة أنه يغار عليها ولا يريد أن يراها أحد وكانت هي تقتنع بكل الحجج الواهية التي يبرر بها تصرفاته كما أقنعها بضرورة عقد قرانهما حتى تكون مقابلاتهما في النور كما أنه يشعر برفض أسرتها له ويريد أن يطمئن على عدم تراجعهم عن موافقتهم، وبالفعل تم عقد القران وكان المفروض أن يقام حفل عائلي يقدم فيه عادل الشبكة وأقيم الحفل وحضر عادل بصحبة أسرته ومعه باقة من الزهور بدلا من الشبكة وأهداها لإسراء بحجة أن والده رفض أن يقدم الشبكة التي اعترضت عليها والدة العروس ووعد أنه سيشتري لها الشبكة المتفق عليها، وكانت هذه بداية الهزات التي أثرت في إسراء فقد سبب لها حرجا كبيرا أمام عائلتها كما أن باقة الزهور كانت آخر باقة يقدمها عادل لإسراء فقد سئم من دور المحب الولهان وانقشع القناع وقلت مكالماته لها فقد ضمن أنها ستكون زوجته بمجرد انتهائها من دراستها وانقطع عن زياراتها وأصبحت لا تجد عند حبيبها الرومانسي سوى العصبية والتوتر ورفضه لدراستها لشعوره بالغيرة من تفوقها وكان يتعمد أن يثير معها المشاكل في فترة امتحاناتها حتى يقضي على تفوقها لكنه لم يفلح وبدأ يحاصرها بقائمة الممنوعات ومنعها من محادثة زملائها وزميلاتها بالكلية وطالبها بقطع علاقتها بعائلتها وعدم الخروج بصحبة والديها حتى بدأت تمل لكنها كتمت آهاتها لأنه اختيارها وحدها وعليها أن تتحمل نتيجته، وحدث ما أظهر الأمور على حقيقتها فبدلا من أن يبدأ عادل في الإعداد لشقة الزوجية فوجئت به يؤجر الشقة لمدة ثلاث سنوات وعندما عاتبته على انه أخل باتفاقه معها أخبرها بأنهما سيتزوجان في شقة والده حتى يستفيد من ثمن تأجير الشقة في الجهاز، وقتها أيقنت أن كل أحلامها قد تبددت وعندما ثارت وغضبت وطالبته بضرورة فسخ عقد تأجير شقة الزوجية اتهمها بأنها تعيش على أرض الواقع وعليها أن تغتنم الفرصة وان تضحي بعض الشيء لكن كلماته في هذه المرة لم تقنعها وكأنها كانت تنتظر فرصة لتحتج على علاقاتها به ورهنت زواجها بالشقة المتفق عليها باستمرار علاقاتهما، لكن كيف لها أن تحدد استمرار علاقتهما من عدمه والأمر في يديه؟ طلبت منه الطلاق فرفض وبعد فشل محاولات كل المحيطين بهما لجأت لمحكمة الأحوال الشخصية، ووقفت أمام هيئة المحكمة وعمرها لا يتعدى 22 عاما تطلب الطلاق من زوجها الذي لم يدخل بها لإخلاله باتفاقه معها على شقة الزوجية وقدمت ما يثبت امتلاكه للشقة المتفق عليها والتي قام بتأجيرها، وفي النهاية وضعت هيئة المحكمة الأمور في نصابها الصحيح وحكمت بتطليقها طلقه واحدة لأنه غير أمين عليها وغير مقدر لمسؤولية بناء الأسرة.