ح 242 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ , وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ , وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا : إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ . فيه مسائل : 1= قوله : " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ " في رواية لمسلم : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مكة . وفي رواية للبخاري : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ . أي : أن هذا كان في سنة 7 هـ ، وذلك في عُمرة القضاء . قال العيني : قوله : " لِعَامِه الذي استأمن " وهو عام الحديبية . اهـ . والمقصود العام الذي يليه ؛ لأنه صُدّ عن البيت عام الحديبية . قوله : " ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ " في رواية لمسلم : قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ، ولَقُوا منها شِدّة ، فجلسوا مما يلي الْحِجْر . وأمرهم النبي صلى الله علي وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرُّكنين ، لِيَرَى المشركون جَلَدَهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم ؟ هؤلاء أجْلَد من كذا وكذا ! 2= وهَنَتْهم : أي : أضعفتهم . قال الفراء وغيره : يُقال : وَهنته الحمى وغيرها وأوهنته ، لُغَتان . نقله النووي . 3= قوله : " أَنْ يَرْمُلُوا " بضم الميم . الرَّمَل : الإسراع في المشي . قال العلماء : الرَّمَل : هو أسرع المشي مع تقارب الْخُطَا ، وهو الخبب . أفاده النووي . قال : فالرَّمَل والخبب بمعنى واحد ، وهو إسراع المشي مع تَقارب الْخُطا ، ولا يثب وثبا ، والرَّمَل مُستحب في الطوفات الثلاث الأوَل من السبع ، ولا يُسَنّ ذلك إلاَّ في طواف العمرة ، وفي طواف واحد في الحج . اهـ قال ابن حجر : بفتح الراء والميم ، هو الإسراع . وقال ابن دُريد : هو شبيه بالهرولة ، وأصله أن يُحَرِّك الماشي منكبيه في مَشيه . اهـ . ومن لم يستطع الرَّمَل من أجل الزحام فلا يُشرع له تحريك منكبيه . قال النووي : لو لم يمكنه الرَّمَل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها ، فالأَوْلى أن يتباعد ويَرْمل ؛ لأن فضيلة الرَّمل هيئة للعبادة في نفسها ، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها ، فكان تقديم ما تَعلّق بنفسها أولى . اهـ . 4= قوله : " الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ " يعني : مِن طواف القُدُوم . وهي التي يُشرع فيه الرَّمَل . قال النووي في شرح حديث ابن عمر – الآتي – : تصريح بأن الرَّمل أوّل ما يشرع في طواف العمرة ، أو في طواف القدوم في الحج . 5= قوله " وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ " لأنهم لا يَظهرون حينئذ للمشركين ، وتقدّم أن في رواية لمسلم : فجلسوا مما يلي الْحِجْر . يعني : المشركين . وفي رواية للبخاري : وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ . وقُعيقعان جبل . والْحِجْر يقع شمال الكعبة ، وهو جُزء منها ، وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة من جهة الميزاب ، إلاّ أن الجالس في جهته لا يَرى من هو بين الركنين : الركن اليماني والحجر الأسود . 6= مشروعية إرهاب العدوّ وإخافته . قال ابن حجر : ويُؤخَذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم ، ولا يُعَدّ ذلك من الرياء المذموم . اهـ . وإظهار قوّة الأبدان مع قوّة الإيمان . ومثله مشية الخيلاء في الحرب . قال الشوكاني : واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يُحبه الله ، لِمَا في ذلك من الترهيب لأعداء الله ، والتنشيط لأوليائه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لَمّا رآه يختال عند القتال : إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلاَّ في هذا الموطن . 7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته عامة ، وبأصحابه خاصة . و "الإبقاء" بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة . قاله ابن حجر . 8= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟ قال بن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة لِـيُري المشركين قوته . رواه البخاري ومسلم . قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري . فالْحُكم باقٍ وإن ارتفعت عِلّته . ومثله الهرولة بين العَلَمين في السعي بين الصفا والمروة . وأصله من سعي أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام . 9= قول : " يثرب " جواز حكاية أقوال الكفار ، ولا يقتضي موافقتهم عليها .