ح 246 عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا , وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْيِ ؟ فَقَالَ : فِيهِ جَزُورٌ , أَوْ بَقَرَةٌ , أَوْ شَاةٌ , أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ . قَالَ : وَكَأنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا , فَنِمْتُ ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ : كَأَنَّ إنْسَاناً يُنَادِي : حَجٌّ مَبْرُورٌ , وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ . فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَتْهُ . فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم . فيه مسائل : 1= قوله : " سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ " ، إطلاق المتعة ، وتقييده بالحال ، وفهم السلف ، وسياق النص دالّ على أن المقصود بها : مُتعة الحج . 2= سبب السؤال : في رواية لمسلم : قال أبو جمرة الضبعي : تَمَتَّعْتُ فنهاني ناسٌ عن ذلك ، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها ، قال : ثم انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال : عُمرة مُتَقَبّلة وحَج مبرور ، قال : فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، سُـنّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم . 3= قوله : " وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْي " ، أي : عن وُجوب الهدي على المتمتِّع وصِفته . 4= الجزور : الواحدة من الإبل ، يُطلق على الذكر والأنثى . قال ابن الأثير : الجزور البعير ذَكَرًا كان أو أنثى ، إلاّ أن اللفظة مؤنثة ، تقول : هذه الجزور وإن أردت ذَكَرًا ، والْجَمْع جُزر وجزائر . قوله : " أوْ شاة " قال الفيروز آبادي : والشَّاةُ : الواحِدَةُ من الغَنَمِ ، للذَّكَرِ والأُنْثَى ، أو يكونُ من الضَّأنِ والمَعَزِ والظِّباء والبَقَرِ والنَّعامِ وحُمُرِ الوَحْشِ ، والمرأةُ ، والجمع : شاءٌ . اهـ . وتُجمع على : شِيَاه . قال ابن حجر : وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها . اهـ . وسيأتي في " باب الهدي " ما يُشترط في أسنان الهدي وأوصافها . وقوله بعد ذلك : " أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ " يعني : أو اشتراك في دم ، وهو جزء من سبعة أجزاء من الإبل أو من البقر . وهذا يدلّ على أنه لو أتى بأكثر من المطلوب ، أجزأ ، كأن يجب عليه هدي ، فيذبح جَمَلاً أو بقرة . قال ابن قدامة : وَالدَّمُ الْوَاجِبُ شَاةٌ ، أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ ، فَإِنْ نَحَرَ بَدَنَةً ، أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً ، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . 5= إذا اشترك جماعة سبعة فأقَلّ في بدنة أو في بقرة ، أجزأ ، ولا يُجزئ عن أكثر من سبعة . قَالَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ . رواه مسلم . وأما حديث ابن عباس قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر النحر فذبحنا البقرة عن سبعة والبعير عن عشرة . فقد رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه ، ومدار إسناده على الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس . و الحسين بن واقد : ثقة له أوهام . ولعل هذا من أوهامه . وأكثر أهل العلم على القول بحديث جابر ، وأن البعير لا يُجزئ إلاّ عن سبعة . قال الترمذي عن حديث جابر : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك و الشافعي وأحمد و إسحاق وقال إسحاق : يجزي أيضا البعير عن عشرة واحتج بحديث ابن عباس . اهـ . وقال البيهقي : وحديث أبي الزبير عن جابر أصح من ذلك ، وقد شهد الحديبية وشهد الحج والعمرة ، وأخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم باشتراك سبعة في بَدَنة ، فهو أولى بالقبول . وقال : وحديث عكرمة يتفرد به الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر ، وحديث جابر أصحّ مِن جميع ذلك ، وأخبر باشتراكهم فيها في الحج والعمرة وبالحديبية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو أولى بالقبول . اهـ . وقال ابن عبد البر : وضَعَّفُوا حديث الْمِسْوَر بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نُحِرت يوم الحديبية عن عشرة أو أكثر مِن سبعة ، وقالوا : هو مُرْسَل ، خالفه ما هو أثبت وأصح منه . والمسْوَر لم يشهد الحديبية ومروان لم يَرَ النبي عليه السلام . وقال بهذا القول أكثر الصحابة - رضوان الله عنهم . اهـ . قال الخرقي : وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . اهـ . 6= قوله : " وَكَأنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا " . وفي رواية لمسلم : تَمَتَّعْتُ فنهاني ناسٌ عن ذلك . قال ابن دقيق العيد : قَوْلُهُ " وَكَانَ نَاسٌ كَرِهُوهَا " وَذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ، عَلَى أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا كَرِهَهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ : هَلْ هِيَ الْمُتْعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ؟ وسيأتي ما يتعلق بهذه المسألة – إن شاء الله – في شرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . 7= ليس فيه التعلّق بالرؤى والمنامات ، إلاّ فيما وافق الشرع ، فابن عباس رضي الله عنهما لم يُعوِّل على الرؤيا ، وإنما استأنس بها ، وفَرْق بين الأمرين . قال ابن دقيق العيد : فِيهِ : اسْتِئْنَاسٌ بِالرُّؤْيَا فِيمَا يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ ، لِمَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ مِنْ عِظَمِ قَدْرِهَا ، وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ . وَهَذَا الِاسْتِئْنَاسُ وَالتَّرْجِيحُ لا يُنَافِي الأُصُولَ . وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " اللَّهُ أَكْبَرُ . سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَيَّدَ بِالرُّؤْيَا وَاسْتَبْشَرَ بِهَا . والرؤى مُبشِّرات ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، ومعنى هذا أنه يُستبشر بها غالبا ، وقد يكون فيها تنبيه وتحذير ، إلاّ أنه لا يُعوّل عليها ، ولا يُبنى عليها أحكام . 8= متى يكون الحاجّ مُتمتِّعًا ؟ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الآفَاقِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَقَدِمَ مَكَّةَ فَفَرَغَ مِنْهَا ، وَأَقَامَ بِهَا ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ، أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ وَجَدَ ، وَإِلاّ فَالصِّيَامُ . وقال ابن قدامة : فِي الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ، وَهِيَ خَمْسَةٌ : الأَوَّلُ ، أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ، سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، أَوْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ . قَالَ الأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، سُئِلَ عَمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، ثُمَّ قَدِمَ فِي شَوَّالٍ ، أَيَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي شَوَّالٍ ، أَوْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؟ فَقَالَ : لا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا . الثَّانِي ، أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ، فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ ، بَلْ حَجَّ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ . الثَّالِثُ ، أَنْ لا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلاةُ . الرَّابِعُ ، أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ ، فَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْهَا ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ كَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَهَذَا يَصِيرُ قَارِنًا ، وَلا يَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ . الْخَامِسُ ، أَنْ لا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَلا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِي أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ لا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . اهـ . باختصار . وقال القرطبي في تفسيره : ورابطها ثمانية شروط : الأول - أن يجمع بين الحج والعمرة . الثاني - في سفر واحد . الثالث - في عام واحد . الرابع - في أشهر الحج . الخامس - تقديم العمرة . السادس - ألاَّ يمزجها ، بل يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة . السابع: أن تكون العمرة والحج عن شخص واحد . الثامن - أن يكون من غير أهل مكة . اهـ . 9= لم سُمِّي التمتّع تمتّعًا ؟ لسببين : أ – لأنه تمتّع بِكُلّ ما لا يجوز للمحرم فِعْله مِن وقت حِلّه إلى وقت الحج . قال ابن الأثير : يكون قد تمتع بالعمرة في أيام الحج ، أي : انتفع . اهـ . ب – تمتّع بإسقاط أحد السفرين ؛ لأنه أتى بالحج والعمرة في سفر واحد . 10= الإجماع منعقد على جواز مُتعة الحج ، وإنما الخلاف في التفضيل بين الأنساك الثلاثة . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ : تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ عُرْوَةُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَرَاهُمْ سَيَهْلَكُونَ ، أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقُولُونَ نَهَى عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . وفي رواية قال ابن عباس رضي الله عنهما لِعروة بن الزبير : يا عروة سَل أمك ، أليس قد جاء أبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحَلّ ؟ رواه الإمام أحمد . وفيه شِدّة الصحابة على من خالف السنة . قال القاضي عياض : والمتعة مُقدّمة ، لكن اختلف العلماء والسلف قبلُ في تفضيل الأفراد والقِران عليها . اهـ . وقال ابن عبد البر : التمتع والقِران والإفراد كل ذلك جائز بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ . وقال ابن قدامة : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إبَاحَةِ التَّمَتُّعِ فِي جَمِيعِ الأَعْصَارِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي فَضْلِهِ . وقال القرطبي : لا خلاف بين العلماء في أن التمتع جائز ، وأن الإفراد جائز ، وأن القران جائز، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي كلا ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم، صلى الله عليه وسلم . وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمًا في حجته ، وفي الأفضل من ذلك ، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك . اهـ . 11= كَرِه بعض السلف مُتعة الحج ، وسيأتي في شرح حديث عمران بن حُصين مزيد بيان حول هذه المسألة ، وسبب كراهية مَن كَرِه متعة الحج . 12= مشروعية الفَرَح بِمُوافقة الحق ، وفي صحيح مسلم خبر فَرحه عليه الصلاة والسلام بِخبر تميم الداري رضي الله عنه ، وفيه : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال . فتكبير ابن عباس رضي الله عنهما وفرَحه بِمُوافقة الحق من هذا الباب ، وليس من باب الانتصار للنفس . وفيه أن إصابة السُّـنَّـة مما يُفرَح به . والله أعلم .