محمد بن القاسم ... فاتح بلاد السند !!
بقلم / محمود حافظ بقايا مسجد محمد بن القاسم ب(الرور) بباكستان !! إن فى تاريخ هذه الأمة من القدوات فى شتى المجالات ما ليس فى أمة من أمم الأرض منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها !! ومن ضمن هذه المجالات ... الجهاد فى سبيل الله وبذل الروح والنفس لإعلاء كلمة الله .. فظهر فى هذه الأمة من القادة والفاتحين مالا يوجد فى أمة من الأمم من لدن آدم الى قيام الساعة !!! لو استطعنا حصر اسماء القادة والفاتحين فى تاريخ الإسلام , ماستطعنا الى ذلك سبيلا !! .. وكانت أعظم عصور الجهاد فى تاريخ المسلمين هى العصور المتقدمة لا سيما فى صدر الدولة الأموية !! وظهر فى عهد الدولة الأموية قادة وفاتحين وعظماء ومن ضمن اولئك القادة مسلمة بن عبد الملك وقتيبة بن مسلم وموسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهم الكثير !! وكان من أعظم اولئك القادة هو صاحبنا البطل القائد الفاتح الغلام الشاب محمد بن القاسم رحمه الله !! .. الذى طرق بخيلة أبواب الهند وقضى على ملوكها ودخل فى عهده الآلاف من الهنود فى الإسلام !! فمن كان محمد بن القاسم وما قصته !! .. هذا ما سنعرفه الآن , ومصادرى فى ذلك هى :
مصادر الدراسة : · البداية والنهاية لابن كثير – طبعة المكتبة التوفيقية بمصر تحقيق عماد زكى البارودى وخيرى سعيد · الكامل فى التاريخ لابن الأثير – طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1987 تحقيق أبى الفداء عبد الله القاضى · الدولة الأموية : عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار للدكتور على الصلابى – طبعة دار المعرفة بيروت 2005 · قادة فتح السند وأفغانستان للواء الركن محمود شيت خطاب – طبعة دار الأندلس الخضراء بجدة 1998 · الإعلام بمن فى تاريخ الهند من الأعلام لعبد الحى الحسنى "رحمه الله " – طبعة دار ابن حزم 1999 · بلاد الهند فى العصر الإسلامى منذ فجر الإسلام حتى الغزو التيمورى لعصام الدين عبد الرؤوف الفقى طبعة دار عالم الكتب 1980 نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان :
ظلّ فتح الهند حلم يراود المسلمين من العصور الأولى وفى زمن الخلفاء الراشدين وبدأ التوجه لبلاد السند (باكستان حاليا) منذ زمان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. وكان انتصار المسلمين فى معركة القادسية فى عهد عمر بن الخطاب إيذانا لهم بفتح السند , فقد استنجد كسرى الفرس ببعض ملوك البلاد المجاورة ومنها مملكة السند, حيث أمده ملك السند بالمال والرجال, الأمر الذى اضطر المسلمين بمهاجمة السند ردا على تدخلهم ضدهم فى معركة القادسية, ولذلك فإن البلاذرى يحدثنا عن حملات إسلامية مبكرة على السند كان أولها فى عهد عمر بن الخطاب, وكان ثانيها فى عهد على بن أبى طالب, كما نفهم من رواية البلاذرى أن عثمان بن عفان كان ايضا مهتما بتقصى تحركات السند(1) , ولكن كانت أكبر الحملات التى وُجهت الى الهند وأعظمهما على الإطلاق هى تلك الحملات التى قادها القائد الفذ محمد بن القاسم فى زمان الدولة الأموية !! وقبل البدأ فى سرد أحداث حملات محمد بن القاسم وبسط سيرته العطرة , كان من الواجب ان نذكر حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عساكر فى (تاريخه) (52/248) عن ثوبان مرفوعا " عصابتان من أمتى أجارهما الله من النار , عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم " – صححه الألبانى(2) فنرجو بذلك الحديث ان يكون محمد بن القاسم وجيشه داخلاً فى هذا الحديث , ونسأل الله لهم الفردوس الأعلى وأن يلحقنا بهم على أحسن حال ....
ولادته ونشاته :
هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكَم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن مُعَتِّب الثقفى(3), وُلد محمد بن القاسم الثقفى عام 72هـ (4), وكان أبوه القاسم بن محمد واليا على البصرة للحجاج بن يوسف , فنشأ محمد منذ نعومة أظفاره بين الأمراء والقادة : أبوه أمير , وابن عم أبيه الحجّاج أمير العراقيين(5), وظهرت علامات النبوغ والقيادة على محمد بن القاسم منذ صغره وهو مازال فتى صغيرا وكان محط أنظار ابن عمّ أبيه الحجّاج بن يوسف الثقفى - وكان بمثابة عمّه - كما سيأتى بيانه ان شاء الله ... مازالت سيرة محمد بن القاسم تُطبع وتباع فى باكستان والهند !!! بدأ فتوح الهند :
أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان فوقع عينه على ابن اخيه القائد الشاب محمد بن القاسم .. ولا نتعجب من إختيار الحجاج بن يوسف لمحمد بن القاسم لقيادة الجيوش .. ولكن نتعجب لمّا نعلم أن عُمْر محمد بن القاسم وقتها كان 17 سنة فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!!!! سبعة عشر عاما .. أى كان شاب فى عمر الزهور .. فى عمر شاب فى الثانوية العامة الآن !! , وفيه يقول حمزة الحنفى(12) إن المروءة والسماحة والندى *** لمحمد بن القاسم بن محمدِ ساسَ الجيوش لسبعَ عشرَ حجةً *** يا قُرْبَ ذلك سؤدداً من مولدِ يالله .. أى فتى كان محمد بن القاسم !! سبعة عشر عاما ويقود جيوش المسلمين لفتح أكبر الممالك فى ذلك الوقت ويُقاتل أكبر ملوك الهند فى ذلك الوقت !!
فهلمّ بنا نرصد تحركات محمد بن القاسم وفتوحه وبلائه فى جبهة الهند :
أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان ونزل الخبر على "داهر" كالصاعقة , على أن "داهر" لم يستسلم للهزيمة, بل عول على مقاومة الزحف الإسلامى , فاتجه الى الداخل , وأعد العدة لاستئناف القتال فى موضع يقع شرق مصب نهر السند ظنا منه أن النهر يعرقل عبور المسلمين له(21) ....
مقتل الملك "داهر" ملك السند ....
أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستان وفى عام 95هـ هلك الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق وخراسان وسجستان , وكان محمد بن القاسم وقتها فى الملتان , فعاد الى (الرور) , ثم وجه جيشا الى مدينة (البيْلمان) ففتحوها صلحا , وواصل محمد بن القاسم فتوحاته وولّى وجهه شطر مملكة (الكيرج)(33) وهى من اكبر مدن السند وكان ملكها "دوهر" من أقوى الملوك بعد "داهر" وله جيش قوى , فأتى محمد بن القاسم "الكيرج" ونازل أهلها وقاتل "دَوْهَر" وحدثت معركة عنيفة قُتل فيها "دوهر" وانتصر المسلمون فى هذه المعركة إنتصارا ساحقاً , وبذلك استطاع محمد بن القاسم ان يقضى على أكبر ملكين فى إقليم السند , وفى هذا يقول الشاعر(34): نحن قتلنا داهرا ودوهراَ *** والخيل تردى مِنْسَراً فمَنْسَرا وظلّ محمد بن القاسم يتقدم من نصرٍ الى نصر , وكان يستعد لفتح مملكة (قَنوج) أعظم إمارات الهند , وكانت تمتد من السند الى (البنغال), وكان قد أوفد بعثة من رجاله الى ملكها تدعوه الى الإسلام او الجزية, فردّ الملك الوفد ردّا غير كريم , فأخذ محمد يعد العدّة لفتحها وجهز جيشا فيه عشرة آلاف من الفرسان(35), وبينما كان يتهيأ لهذا الفتح العظيم إذ جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك الخلافة ..!!!
نهاية محمد بن القاسم :
بقايا مسجد محمد بن القاسم بمدينة (الرور) !! فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة بدأ يغيّر ولاة الحجاج , وأعطى العراق لرجلا كان من ألدّ أعداء الحجاج وهو صالح بن عبد الرحمن , وكان الحجاج قد قتل أخوه سابقا , فقرر صالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس الى الحجاج وهو محمد بن القاسم, فعزله عن السند وولى رجلا من صُنّاعه وهو يزيد بن أبى كبشة, وأمره بالقبض على محمد(36).... وبدأت المآساة !! أخذ يزيد بن كبشة السكسكى أمير السند الجديد محمد بن القاسم وقيّده وحمله الى العراق , فقال محمد بن القاسم متمثلاً(37) : أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغرِ وهنا بكى أهل السند على محمد بن القاسم , فقد كان قائدا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولحسن معاملته لهم وتأمينهم على أموالهم وأنفسهم وإطلاق حرية العبادة لهم(38), ورحب الهنود بحكم المسلمين لهم لأنهم قاسوا كثيرا من ظلم وجور الهندوس , وتجلى ذلك فى إقبالهم على محمد بن القاسم يدقون الأجراس ويقرعون الطبول ويرقصون رقصاتهم الشعبية(39). !! فلما وصل محمد بن القاسم الى العراق , حبسه صالح بن عبد الرحمن بـ(واسط) , فقال محمد رحمه الله (40) : فلئن ثَويتُ بواسطْ وبأرضها *** رهن الحديد مكبلاً مغلولا فلرُبّ قَينةَ فارسٍ قد رَعَتْها *** ولربَّ قَرنٍ قد تركتُ قتيلا وقال أيضا : ولو كنت أجمعَتُ الفِرارَ لوطئتُ *** إناثٌ اُعدّت للوَغَى وذكورُ وما دخلتْ خيلُ السكاسِكِ أرضنا *** ولا كان من (عَك)(41) علىّ أميرُ ولا كنت للعبد (المزونى)(42) تابعاً *** فيالك دهرٌ بالكرامِ عثورُ وكان محمد بن القاسم يهتف فى أعماق سجنه وفى ظلماته : أتنسى بنور مروان سمعى وطاعتى *** وإنى على ما فاتنى لصبور فتحت لهم ما بين (سابور) بالقنا *** الى (الهند) منهم زاحف ومغير فتحت لهم ما بين (جُرجان) بالقنا *** الى الصين القى مرة وأُغير فعذبه صالح بن عبد الرحمن حتى قتله , ويُقال بأن صالح بن عبد الرحمن عذّب محمدا فمات من العذاب(43).. عام 96هـ رحمه الله !!