هذه مشاهداتي في دروس سماحة المفتي بقلم الشيخ: عبد العزيز بن محمد السدحان الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فتجاوبا مع مجلة " الدعوة " المباركة ونزولا عند رغبتها في كتابة نبذة عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى ووفقه لما يحبه ويرضاه . . - آمين فأقول : في عام 1397 هـ تقريبا أكرمني الله تعالى وأنعم علي بالتشرف والتتلمذ على يدي سماحة الوالد الشيخ عبد الله العزيز بن باز . فإن رأيت لم ترى إلا خيرا وإن سمعت لم تسمع إلا خيرا . تري رجلا يتمثل السنة في قوله وفعله ولباسه . دروسه تغشاها الهيبة من حيث وقار الشيخ والإنصات من طلابه والمواظبة على المتابعة في أثناء الدرس . والإصغاء التام لكلام سماحته حتى يخيل إليك أن مجلسه كمجلس عبد الرحمن بن مهدي - شيخ الإمام أحمد - ذلك المجلس الذي وصفه أحمد بن سنان بقوله : " كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُتحدث في مجلسه كأنهم في صلاة " . تذكرة الحفاظ ص 331 . ناهيك عن جلد الشيخ وصبره على الجلوس الطويل للطلاب . فضلا عن سعة صدره ورحابة نفسه في تحمل كثرة الأسئلة . وكان شيخنا يلقي علينا بعض الأسئلة في الفرائض ويطلب الإجابة عليها . ومما تميز به سماحته في دروسه ومحاضراته وكتاباته تعظيمه للنصوص الشرعية والوقوف عندها والأخذ بالدليل - متى صح - وعدم الالتفات إلى ما سواه من مذهب أو عادة أو اشتهار أمر ، ولله دره . فكم أحيا الله به سننا وأمات به بدعا وأزل به جهلا . ومما تميز به سماحة شيخنا : الحافظة العجيبة والاستحضار السريع ، وإذا أردت مصداق ذلك فاستمع إلى سرده للآيات والأحاديث التي يستشهد بها في محاضراته وندواته ، ولو أدركه الإمام الذهبي أو علم عنه لترجم له في كتابه " تذكرة الحفاظ " . كان شيخنا ولا يزال سريع الدمعة تسبق عبراته عباراته في كثير من المواقف مما يضفي على كلامه ومجلسه شعورا روحانيا وخاصة عند مواقف السيرة النبوية على صاحبها أتم الصلاة والتسليم . ومن صفات شيخنا أيضا سعة الصدر وعدم الضجر والسآمة من كثرة السائلين مع أن بعض الأسئلة قد يتكرر في المجلس الواحد مرارا . وخيمته في الحج خير شاهد على ذلك . ومن صفاته التواضع الجم ، فتحسب إنك إذا جلست بجواره أو تكلمت معه كأنك أمام شخص من أمثالك . وما ذاك إلا لسمو أخلاقه وعدم ترفعه على جليسه ، بل إنك تعجب إذا قام سماحته يسأل من في المجلس من المشايخ أو طلبة العلم عن بعض الإشكاليات التي قد ترد عليه من السائلين وهكذا العلماء الربانيون . الكرم ، صفة غالبة ، لا ، بل دائمة في الشيخ متوفرة فيه أبدا . قال صلى الله عليه وسلم : خيركم من أطعم الطعام أخرجه الإمام أحمد والحاكم ، عن صهيب رضي الله عنه . وأحسب أن إمامنا وشيخنا ابن باز ممن ضرب مثالا في الكرم أتعب به من عاصره وفاق به من قبله فيما نسمع . فلا تكاد مائدته تخلو من أحد ، بل لو حلف أحد على عدم خلو مائدته من أحد فاحسب أنه لا يحنث . . شاهد المقال أن كرم الشيخ قد زاد خيريته عند الناس . يشعر من جالسه وقرب منه أنه أحب الناس إلى الشيخ وذلك من خلال حفاوة الشيخ بجليسه وسؤاله عن أحواله الخاصة والعامة وايم الله : كم يغبط المرء نفسه إذا أحاطه الشيخ بالسؤال والدعاء . حرص الشيخ على الفائدة أمر عجاب . يعجب المرء من شدة حرص الشيخ على الفائدة والإنصات التام من سماحته عند سماعها وطلبه الاستزادة من القراءة فيما تعلق بها . بل قد يكلف سماحته الباحث أو القارئ بزيادة التتبع والاستقراء لأجزائها . شاهد المقال هنا أن سماحة الشيخ قد شارك بلسان الحال الإمام الشافعي بلسان المقال . عندما سئل - الشافعي - رحمه الله تعالى فقيل له : كيف شهوتك للعلم ؟ قال : أسمع بالحرف - مما لم أسمعه - فتود أعضائي أن لها أسماعا تتنعم به مثل ما تنعمت الأذنان . فقيل له : كيف حرصك عليه ؟ فقال حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال . فقيل له : فكيف طلبك له ؟ فقال : طلب المرأة المضلة ولدها ؛ ليس لها غيره . البركة في الوقت يرى المرء أثر تلك البركة في برنامج الشيخ اليومي . فالأعباء العلمية والوظيفية التي يقوم بها الشيخ لو قسمت على مجموعة من الموظفين لكفتهم ، بل كفتهم ومع ذلك كله ترى وقت الشيخ مباركا فيه في تنظيمه وترتيبه ، ويزيدك عجبا إذا رأيته مع كثرة مشاغله يسعى جاهدا لإدخال السرور على المسلمين من حيث حضور الأعراس أو عيادة المرضى . ذلك الفضل من الله . القبول الجميل عند جميع طبقات المجتمع ، بل تعدى الأمر مجتمعنا وأصبح قبول الشيخ في غالب العالم الإسلامي وهذه منقبة فريدة يكاد الشيخ أن يتفرد بها عن جميع علماء العصر ، فلا أعرف - حسب علمي وسؤالي - أن إماما وضع له القبول كما وضع لسماحة شيخنا ابن باز فسمعته ومحبته لا يشق لها غبار . أخيرا : أوصي طلبة العلم الذين لم يحضروا حلقات الشيخ ودروسه أن يسارعوا بالتشرف والجلوس عند ركبتيه والحرص على ملازمة دروسه . ولئن كان المحدثون يشدون الرحل في طلب الإسناد العالي ، فالجلوس مع الشيخ وحضور دروسه والسماع منه مباشرة قد يكون من الإسناد العالي ، إذ الشيخ يعتبر شيخا لجميع المشايخ المعاصرين حقيقة أو حكما . فسماع اختياراته وفتاواه منه مباشرة من الظفر العلمي الذي ينبغي أن يحرص عليه طالب العلم . ويطيب لي عند هذه الوصية أن أشكر فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك الذي ضرب مثالا يحتذى - مع تقدمه في العلم والسن - لكثير من طلبة العلم في حرصه على العلم والجلوس في حلقاته وقد أثر الشيخ عبد الرحمن بحضوره على عدد غير قليل من طلبة العلم ، فليهنك العلم والأجر يا شيخ عبد الرحمن . من حرص الشيخ على البحث : في عام 1398هـ أو 1399هـ كلفني سماحته ببحث حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات فرضهن الله فنقلت أسانيد الحديث من عشرين مرجعا تقريبا ومن السنن والمسانيد - فلما أكملت البحث وأحضرته إلى سماحته بعد صلاة العشاء بدأت القراءة عليه بعد طعام العشاء وفي أثناء القراءة كأن يأمر بقراءة بعض التراجم من كتب الرجال فلما شارفت عقارب الساعة على الثانية عشرة تغشاني النعاس فشعر الشيخ بذلك فاستأذنته في الانصراف فأذن أثابه الله تعالى وقال لي جملة كلامية مفادها : أسهرناك هذه الليلة أو نحوها . وأخيرا : أقول لسماحة شيخنا : لقد تعلمت فعملت وعلمت . فجزاك الله عن المسلمين خير ما جزى شيخا عن طلابه ومجتمعه وأمته . وشكر آخر لمجلة الدعوة على هذه الطرح المبارك الذي تحيا به سير الأئمة الأعلام . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .