التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (1/2)
الدكتور/ سلمان بن صالح الدخيل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد: فهذا بحث في التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون وأحكامها. وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون. المبحث الثاني: الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون. تمهيد: المماطلة في الديون تعود بالضرر على أهل الحقوق من جهة تأخر ديونهم، ومنعهم من الانتفاع بها تلك المدة وعدم تمكنهم من التصرف فيها، وهذا التأخر في سداد الديون هو في نفسه ضرر، وقد يترتب عليه ضرر آخر من جهة فوات أرباح متوقعة أو متيقنة، وقد يكون الضرر فعلياً كأن يحمله هذا التأخر والمماطلة إلى تكبد الخسائر المادية لأجل استخلاص حقه والظفر به أو ببعضه فضلاً عن الضرر المعنوي الذي قد يتكبده الدائن من الحزن والابتذال بالمرافعة والمخاصمة وكثرة التردد، الأمر الذي يتنـزه عن مثله أهل المروءات. لذا فإن بحث التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون ، من جهة جواز التعويض المالي عنها أو عدمه، يعد من أهم مسائل هذا البحث، وهي من المسائل المعاصرة الملحة في كثير من الجهات ذات العلاقة، وقبل الشروع في بيان هذه الأضرار، يجدر بيان معنى الضرر، وشروط التعويض المالي عنه، وتحرير محل النزاع في التعويض عن أضرار المماطلة في الديون، والكلام في ذلك ينتظم في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الضرر. والضُّر في اللغة: ضد النفع، ويطلق على سوء الحال، والفقر، والشدة في البدن والمرض(1)، ومنه قوله _تعالى_: "مَسَّنِيَ الضُّرُّ"(2). والضرر في الاصطلاح: يطلق على"كل أذى يَلحقُ الشخص، سواء أكان في مال متقوم محترم، أو جسم معصوم، أو عرض مصون"(3). المبحث الثاني: شروط التعويض المالي للضرر. نص العلماء على قاعدة هي من القواعد الكبرى في الشريعة، وهي أن الضرر يزال، وقد يكون زوال هذا الضرر بالتعويض المالي، إلا أن التعويض أخص من الضرر، فليس كل ضرر يعوض بالمال كي يزول، وقد ذكر الفقهاء شروطاً لاستحقاق الضرر للتعويض المالي(4)، وهي ما يلي: الشرط الأول: أن يكون الضرر في مال. فلا ضمان على ما ليس مالاً كالكلب والميتة والدم المسفوح.(5) الشرط الثاني : أن يكون المال متقوماً مملوكاً للمتلف عليه. وهذا يشمل المباح، فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم؛ لسقوط تقوم الخمر والخنزير على حق المسلم(6). الشرط الثالث: أن يكون في إيجاب التعويض فائدة. بمعنى إمكان الوصول إلى الحق ودفع الضرر حتى لا يكون إيجاب التعويض عبثاً؛ لعدم القدرة على الوصول إلى الحق، فلا يضمن المسلم بإتلاف مال الحربي، ولا العكس. الشرط الرابع: أن يكون المتلف من أهل الضمان. وذلك بأن يكون له أهلية وجوب، وأهلية الوجوب تثبت لكل إنسان بدون قيد ولا شرط (7). الشرط الخامس: أن يكون الضرر محقق الوقوع بصفة دائمة. فلا يضمن بمجرد الفعل الضار دون حصول الضرر واستمراره، كمن حفر حفرةً في طريق، فسقط فيها إنسان، فلم يصب بشيء، أو قلع سناً فنبتت أخرى مكانـها(8)، وكذا لا يضمن الضرر المحتمل وقوعه، أو ضرر تفويت الفرصة، أو الضرر المعنوي. المبحث الثالث: تحرير محل النزاع في الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون، وحكم التعويض عنها: التعويض عن أضرار المماطلة في الديون، هو أهم المسائل المتعلقة بـهذا البحث؛ وذلك لأنـها هي الصيغة المطبقة عالمياً في معالجة الديون المتعثرة، سواء كان هذا التعثر في السداد بسبب المطل أو غيره، وقد نصت القوانين الوضعية على مشروعية التعويض المالي ضد التأخر في وفاء الديون، ونظراً لانتشار البنوك الإسلامية وتضررها من المماطلة في الديون بشكل أوضح من البنوك الربوية، لكونـها تحرم الربا في معاملاتـها فقد أثيرت هذه المسألة في محيط هذه البنوك الإسلامية، وحصل فيها خلاف بين المعاصرين، وهو ما سنعرضه _بإذن الله_ في هذا الفصل . وقبل الشروع في تفصيل الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون، تجدر الإشارة إلى تحرير محل النزاع في المسألة، وبيان أحكام اتفق عليها الفقهاء المعاصرون بمن فيهم القائلون بجواز التعويض، وهي كما يلي : أولاً: اتفق الفقهاء المعاصرون على أن المدين المعسر لا يجوز إلزامه بدفع تعويض مقابل تأخيره في الوفاء؛ لأن المعسر مستحق للإنظار إلى الميسرة، والإلزام بالتعويض ينافي الإنظار المأمور به شرعاً. وقد نص على هذا القائلون بجواز التعويض المالي عن ضرر مماطلة المدين: قال الشيخ مصطفى الزرقاء: "واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأن لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئاً مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب" (9). وقال الشيخ عبد الله بن منيع:" الغرامة لا يجوز الحكم بـها، إلا بثلاثة شروط هي: ثبوت المطل واللي، وثبوت القدرة على السداد، وانتفاء ضمان السداد لدى الدائن كالرهن والكفالة المليئة" (10). وقال الدكتور الضرير: " لا يجوز أن يطالب البنك المدين المعسر بتعويض، وعليه أن ينتظره حتى يوسر " (11). ثانياً: اتفق الفقهاء المعاصرون على منع اشتراط التعويض المالي عن التأخر في سداد الدَّين مع تحديد نسبة معينةٍ أو مبلغٍ محددٍ؛ لأن ذلك صورة من صور ربا الجاهلية المحرم( 12). ثالثاً: يخرج من النزاع ما يحكم به الحاكم من عقوبة تعزيرية مالية إذا رأى المصلحة في ذلك، موردها بيت المال، ومصرفها مصالح المسلمين؛ لأن المال المأخوذ من باب الزواجر لا من باب الجوابر(13). المبحث الأول: ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون. المطلب الأول: صورة ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون. إذا تأخر المدين في وفاء دينه عن الوقت المحدد المتفق عليه مع الدائن ومضت مدة، فإن مجرد التأخير ضرر، وإن لم يفته به ربح مفترض، أو متيقن، أو تلحق به خسارة، أو يتأثر بشيء ولو معنوياً، فمجرد التأخير ضرر يستحق الدائن مقابله عوضاً مالياً، سواء كان المدين معسراً أولم يكن، بل يستحق التعويض المالي بمجرد التأخر عن المدة المتفق عليها ولو ليوم واحد. ومثاله: أن يتعاقدا بيعاً مؤجلاً بعد سنة، أو مقسطاً يدفع كل شهر كذا من الثمن، فإذا تأخر المدين عن الوفاء بالتزامه في الموعد المحدد، فإن عليه عن كل يوم مبلغاً من المال قدره كذا،أو ما نسبته كذا من الثمن، تعويضاً عن التأخرفي السداد. وهذه الصورة هي المطبقة في أكثر البنوك الربوية، والمشروطة في أكثر البطاقات المصرفية الإقراضية، ولها عدة أسماء، منها: الغرامة التأخيرية، والفوائد التأخيرية، أو بدل التأخير، أو خدمة الديون. المطلب الثاني: حكم التعويض عن مجرد التأخر ذاته. التعويض عن مجرد التأخر في وفاء الدَّين بصورته السابقة محرم قطعاً، إذ هو عين ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه، فقد كان المدين إذا حل عليه الدَّين قال له الدائن: إما أن تقضي وإما أن تربي. وهو ما ابتليت به كثير من البنوك وأقرته كثير من الأنظمة،ويقوم عليه التعامل الدولي، وعليه أكثر المصارف في العالم. وأدلة تحريم هذا التعويض هي أدلة تحريم الربا، وهي كثيرة متنوعة، وأشير إلى بعضٍ منها فيما يلي: الدليل الأول: قوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" (14)، إلى قوله في آخر الآية: "وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (15). الدليل الثاني: قوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ" (16). و الدلالة من الآيات من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن الله نص على تحريم الربا، وتوعد من فعله بعد علمه بالتحريم بعذاب النار، وأمر المؤمنين بترك الربا ووضعه، وآذن من لم يذره بالحرب، ومن حارب الله ورسوله فهو الخاسر المهزوم قطعاً. الوجه الثاني: دل عموم الآيات على أن الدائن لا يستحق على المدين إلا رأس ماله، وهذا العموم يشمل المدين الموسر والمعسر، والمماطل والباذل، والمدين المماطل داخل في هذا العموم من جهة أنه يجب عليه وفاء رأس المال فقط دون ربا، ولم يستثن من وجوب الأداء إلا المعسر العاجز فينظر إلى ميسرته، فالقول باستحقاق الدائن للتعويض المالي مقابل مماطلة المدين وتأخره في الوفاء مخالف لعموم الآيات. الوجه الثالث: أن الربا المحرم الذي كان العرب يأخذونه هو زيادة في مقدار الدَّين مقابل تأخير أدائه، فظهر أن التعويض المالي لأجل التأخر في وفاء الدَّين داخل في الربا المحرم، وتسميته بالغرامة التأخيرية، أو الفوائد التأخيرية، أو تعويضاً عن ضرر، أو أنه عقوبة مالية، لا ينقله من كونه رباً، ولا يؤثر في الحكم بشيء؛ لأن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. الدليل الثاني: ما ورد عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟: قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " (17). وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث على أن الربا من كبائر الذنوب، وذلك يقتضى الترهيب من أخذه ومقارفته، وإلزام المدين بتعويض الدائن مالياً مقابل التأخر في السداد أخذٌ للربا المحرم ومقارفة له، فيكون باطلاً. الدليل الثالث: ما ورد عن جابر _رضي الله عنه_ قال: "لعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، و شاهديه، وقال: هم سواء " (18). وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث على تحريم الربا أخذاً وإعطاءً وتعاوناً عليه، وإلزام المدين بدفع زيادة على رأس ماله مقابل تأخره في الوفاء هو من الربا المحرم، فيحرم وإن سُمِّيَ تعويضاً عن ضرر الدائن. الدليل الرابع: ما ورد عن جابر _رضي الله عنه_ في قصة حجة الوداع أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:" ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله "(19). وفي لفظ: " ألا وإن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون " (20). وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث أن الربا موضوع وباطل، وذلك يقتضي تحريم أخذه، وعليه فليس للدائن على المدين إلا رأس ماله فقط، وإلزام المدين بدفع تعويض مالي زائد على أصل دينه مقابل مماطلته في الوفاء مخالف لمدلول الحديث. الدليل الخامس: إجماع العلماء على تحريم الربا، ومن الربا المحرم: الزيادة على أصل الدَّين لأجل تأخير وفائه، ومن أنواع الزيادة الربوية المحرمة: تعويض الدائن عن مماطلة المدين المماطل؛ لأنـه زيادة في مقابل التأخر في الوفاء، والإجماع منعقد على تحريم الربا، ومن عبارات العلماء في ذلك ما يلي: قال ابن المنذر: " وأجمعوا أن المسلف إذا شرط عند السلف هدية أو زيادة، فأسلف على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا " (21). المبحث الثاني: الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون. . وفيه مطلبان: المطلب الأول: صورة الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون. إذا تأخر المدين في وفاء دينه عن وقته المحدد المتفق عليه مع الدائن ومضت مدة كان من المفترض أن يربح فيها الدائن من ماله لو أنه سُلِّم إليه في وقته، إذ بإمكانه أن يستثمره في تجارة أو مضاربة أو مزارعة ونحو ذلك، إلا أن المدين بمماطلته وعدم وفاء الدَّين في وقته قد فوت على الدائن تلك الأرباح المفترضة، فهل له المطالبة بتعويضه عن ضرر فوات هذا الربح الذي كان يتوقع حصوله لولا المماطلة في الديون أم لا؟ مثاله: باع رجل سيارة بيعاً مؤجلاً بمئة ألف ريال إلى سنة – بمرابحة قدرها العُشْر مثلاً- فماطل المدين في الوفاء سنتين، فلو أن ماله سدد في حينه ولم يماطل به لأمكنه تكرار هذه المرابحة مرتين خلال السنتين اللتين ماطل فيهما المدين، ولربح فيها ربحاً مقداره عشرون ألفاً تقريباً، فهل للدائن أن يطالب المدين المماطل بتعويضه عن ضرر فوات ربحه المفترض خلال سنتين أم لا؟ المطلب الثاني: حكم التعويض عن الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون اختلف العلماء المعاصرون في حكم تعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة المال وربحه بسبب مماطلة المدين القادر على الوفاء على قولين: القول الأول: عدم جواز إلزام المدين المماطل القادر على الوفاء بتعويض مالي غير مشروط في العقد يدفعه للدائن مقابل فوات منفعة ماله وتضرره بذلك مدة التأخير. وبـهذا القول صدرت قرارات المجامع الفقهية، والهيئات العلمية، وهو قول جمهور العلماء المعاصرين (22). جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر عام 1409هـ ما نصه: " إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو قرض باطل، ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه " (23). وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المتعلق ببيع التقسيط ما يلي: " ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدَّين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم. رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء" (24). وجاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ما يلي: "(ب)لا يجوز اشتراط التعويض المالي...سواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة. (ج) لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقداً أو عيناً عن تأخير الدَّين" (25). ومنعته أيضاً هيئة الرقابة لبنك التنمية التعاوني الإسلامي بالسودان بتأريخ 6/8/1406هـ(26). القول الثاني: جواز إلزام المدين المماطل القادر على الوفاء بتعويض مالي غير مشروط في العقد يدفعه للدائن مقابل فوات منفعة ماله مدة التأخير. وقال به بعض المعاصرين (27). قال الزرقاء:" مبدأ تعويض الدائن عن ضرره نتيجة لمماطلة المدين وتأخير وفاء الدَّين في موعده مبدأ مقبول فقهياً، ولا يوجد في نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها العامة ما يتنافى معه، بل بالعكس يوجد ما يؤيده ويوجبه واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأنه لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئاً مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب " (28). وقال الشيخ عبد الله بن منيع: " القول بضمان ما فات من منافع المال نتيجة مطل أدائه لمستحقه قول تسنده قواعد الشريعة وأصولها، والنصوص الصريحة والواضحة في ذلك من كتاب الله _تعالى_ وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ " (29). وأصحاب هذا القول مختلفون أيضاً: في حقيقة هذا المال المدفوع للدائن، هل هو عقوبة تعزيرة زاجرة، أم أنـها تعويض مالي جابر لضرر واقع؟ ويترتب عليه كيفية تقدير المال المدفوع. ومن له سلطة التطبيق؟ خلاف على رأيين: الرأي الأول: أن غُرْمَ هذا المال بناء على أنه تعزيز بالمال، والتعويض إنما هو على سبيل التبعية، وعلى ذلك فمقدار التعزير بالمال لا يشترط أن يكون مساوياً للضرر الحقيقي الفعلي، أو الربح الفائت، وهو رأي الشيخ عبد الله بن منيع. قال _حفظه الله_ تعقيباً على الشيخ مصطفى الزرقا: " ومع اتفاقي مع فضيلته في النتيجة إلا أنني أرى أن العقوبة المالية تعزيرية، وليست تعويضاً " (30). وقال بعد ذلك: " ولكننا نقول بأنـها عقوبة وليست تعويضاً إلا على سبيل التبعية"(31). وقال في موضع آخر: " خلاصة هذه الوقفة: أننا إذا اعتبرنا ما يأخذه الدائن من المدين تعويضاً فقط، فهذا الاعتبار يحيل الأمر من حل إلى تحريم... وإن اعتبرنا ما يغرمه المدين من مال لقاء مطله عقوبة ليس لها ارتباط أو علاقة بحجم الضرر الواقع على الدائن من المطل، وإنما تكييفها وتقديرها راجع إلى ما يوجب الردع والزجر، فهذا الاعتبار صحيح"(32). الرأي الثاني: أن غُرْمَ هذا المال بناء على أنه تعويض للدائن عن ضرره الذي أصابه بسبب مماطلة مدينه، وعليه فقد شرطوا أن يكون التعويض مساوياً للضرر الواقع. ثم اختلف أصحاب هذا الرأي فيمن يتولى تقدير التعويض، وكيفية تقديره: (1) يرى الشيخ مصطفى الزرقا: أن القضاء وحده هو صاحب السلطة الوحيد في تقدير التعويض، وتقدير ضرر الدائن، وتقدير عذر المدين في التأخر، ولا يجوز الاتفاق مسبقاً بين الدائن والمدين على تقدير معين لضرر تأخير الدَّين. وتقدير الضرر يكون بمقدار ما فات من ربح معتاد في طريق التجارة العامة بأدنى حدوده العادية، فيما لو أنه قبض ماله واستثمره بالطرق المشروعة الحلال في الإسلام كالمضاربة والمزارعة ونحوهما ولا عبرة لسعر الفائدة المصرفية، وتعتمد المحكمة في هذا التقدير رأي أهل الخبرة في هذا الشأن، وبعد وجود البنوك الإسلامية يمكن للمحكمة أن تعتمد في تقدير التعويض بناء على ما توزعه البنوك الإسلامية من أرباح سنوية(33). (2) يرى الدكتور الضرير: أنه يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين - العميل والبنك- على التعويض عن الضرر الحقيقي الفعلي مسبقاً. ويكون تقديره على أساس الربح الفعلي الذي حققه الدائن – البنك - في المدة التي تأخر فيها المدين عن الوفاء(34). (3) أن التعويض يكون بقدر الربح الذي حصل عليه المماطل من جراء متاجرته بالمال الذي ماطل فيه(35). الأدلة: أدلة القول الأول: استدل القائلون بعدم جواز إلزام المدين المماطل بدفع تعويض مالي للدائن عن ضرر فوات منفعة ماله وربحه خلال مدة المماطلة بمايلي: الدليل الأول: عموم أدلة تحريم الربا، ومنها: قوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا"(36). وقوله _تعالى_: "وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة"(37). وجه الدلالة من الآيتين: دلت الآيتين على تحريم الربا وإبطاله، ورد أصحاب الديون إلى رؤوس أموالهم بلا زيادة ولا تعويض عن تأخرٍ في الوفاء، ولم تفرق في ذلك بين موسر ومعسر، وبيان ذلك تفصيلاً من خمسة أوجه: الوجه الأول: أن تعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة المال مدة المماطلة إنما هو عوض عن تأخر أداء الدَّين، فهو زيادة في دين ثابت مقابل الأجل، وهو عين ربا الجاهلية الذي كانوا يفعلونه، وصورته: إما أن تقضي وإما أن تربي، واختلاف الاسم لا يغير في المعنى والحكم شيئاً، والعبرة بالمقاصد لا بالألفاظ (38). الوجه الثاني: أن آيات تحريم الربا ورد الدائن التائب عن الربا إلى رأس ماله عامة،لم تفرق بين مدين معسر ومدين موسر باذل ومدين مماطل، فالزيادة على رأس المال ربا، سواء كان المدين موسراً أو معسراً، والفرق بين المعسر والموسر إنما هو في وجوب الإنظار إلى الميسرة وترك المطالبة (39). الوجه الثالث: أن تخصيص المماطل بالتعويض دون المعسر مخالف لمدلول الآيات التي حرمت الظلم على الطرفين، فظلم الدائن هو أخذه زيادة على رأس ماله، وظلم المدين هو مماطلته بوفاء رأس مال الدَّين لصاحبه، ولم يخص المعسر إلا بوجوب إنظاره إلى الميسرة. الوجه الرابع: أن التعويض المالي عن ضرر المماطل ظلم بنص الآية؛ لأنه زيادة على رأس المال، ولو كان المماطل ظالماً بمطله، فإنه لا يجوز رد الظلم بظلم آخر(40). الوجه الخامس: أن الله _عز وجل_ أبطل الربا ورد الدائن لرأس ماله فحسب، ولو كان يستحق تعويضاً عن ما فاته من منافع ماله المحتمل، لبين ذلك وأوضحه وفرق بين الصورتين. المناقشة: نوقش الاستدلال بالآيتين بعدم التسليم بأن التعويض عن ضرر المماطل من جنس الربا، وذلك من أربعة أوجه، وهي كالتالي: الوجه الأول:أن الزيادة الربوية في مسألة ( أتقضي أم تربي ) في غير مقابلة عوض، فهي نتيجة تراض بين الدائن والمدين على تأجيل السداد مقابل زيادة في الأجل، أما التعويض فهو مقابل تفويت منفعة على الدائن بلا رضاً منه(41). الإجابة: أجيب عن ذلك بما يلي: أولاً: عدم التسليم بأن الزيادة الربوية في غير مقابلة عوض، بل هي في مقابلة عدم الاستفادة من المال خلال مدة التأجيل، وحبس المال، وعدم انتفاع صاحبه به. ثانياً: أن المرابين المعاصرين حللوا أخذ الربا بمثل هذا التعليل، وابتكروا نظرية الفرصة الضائعة لتبرير أخذ الربا المحرم، و هي نفسها حجة من يرى التعويض، ولو كان التعويض عن الربح الفائت على صاحب الدَّين جائزاً، لأباح الشارع الفائدة على الديون المأخوذة للاستثمار في التجارة والصناعة؛ لأن هذه الفائدة تعويض للدائن عن منافع ماله مدة بقائها عند المدين، وكذا المقرض بلا فائدة تلحق به مضار وتفوته منافع من جراء قرضه المجاني، ولم يُبَحْ له زيادةٌ أو نفعٌ يزيد على رأس المال إن وقع مشروطاً ونحوه، فدل ذلك على أن التعويض نوع من الربا (42). الوجه الثاني: أن الزيادة الربوية مشروطةٌ سلفاً، ومحددةٌ لأجل تأخير مستقبلي برضاً من الطرفين، أما التعويض فهو لأجل رفع الظلم الواقع على صاحب المال، ولأجل تأخير ماضٍ وقع بغير رضاً من صاحب المال (43). الإجابة: أجيب عن ذلك بما يلي: أولاً: أن هذا التفريق نظري لا يصلح أن يكون مناطاً للحكم، ثم على القول بجواز التعويض يصبح الأمر معلوماً سلفاً بالعرف، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً (44). ثانياً: نسلم أن المطل ظلم واقع على صاحب المال، إلا أنه ليس كل ظلم وضرر يلحق الإنسان من غيره يعد موجباً لتعويضه مالياً (45). الوجه الثالث: أن الزيادة الربوية الجاهلية لا تفرق بين مدين موسر ومدين معسر، فمتى حل الأجل طولب بالوفاء أو بالزيادة، أما التعويض فلا يلزم به إلا من كان موسراً مماطلاً، وإذا ثبت إعساره، فلا يلزم بأداء أي تعويض(46). الإجابة: أجيب عن ذلك بما يلي: أولاً: النصوص في تحريم أخذ الربا عامة لم تفرق بين المعسر والموسر، فكلاهما لا يجوز أخذ الربا منه، إلا أن المعسر روعي في وجوب تأخيره وتحريم مطالبته حتى يوسر، فيبقى الموسر مطالباً برأس المال فقط دون زيادة. ثانياً: أن أخذ مال زائد عن أصل الدَّين مقابل التأخير في وفاء الدَّين لا يخرج عن ثلاث حالات: 1- حالة المدين الذي لا يجد ما يقضي به، وهي محل اتفاق على منع التعويض؛ لكون الزيادة ربا محرماً، وتحرم مطالبته لعسرته، وحكمه التأجيل بلا زيادة. 2- حالة المدين الذي يتفق مع صاحب الدَّين على تأخيره مقابل الزيادة، وهي محل اتفاق على منع التعويض، لكونه نوع من ربا الجاهلية المحرم الصريح. 3- حالة المدين الممتنع الذي لا يقضي ما عليه، فيضع عليه صاحب الدَّين زيادة، وهي موضوع بحثنا، وحكم التعويض هنا محرم؛ لأنه زيادة على أصل الدَّين، فالعلماء لم يفرقوا بين الزيادة في الحالتين السابقتين وهذه الحالة، فالزيادة ولو سميت تعويضاً عن ضرر داخلة في ربا الجاهلية المحرم(47). ثالثاً: أن هذا التعويض إن كان لأجل جبر ضرر الدائن وليس لعقاب المدين، فلا فرق بين أن يكون المدين موسراً أو معسراً؛ لأن المتضرر يستحق الجبر ولو كان المُضِر معسراً، كما يستحق الأرش على الجاني ولو كان فقيراً (48). الوجه الرابع: أن نسبة الزيادة الربوية معلومة للطرفين في بداية العقد، أما التعويض فلا يمكن معرفة نسبته ابتداءً، وإنما يتحدد بناء على ما فات من ربح حقيقي خلال مدة المماطلة (49). الإجابة: أجيب عن ذلك بما يلي: أولاً: أن هذا فرق غير مؤثر، وذلك أنه متى اشترطت الزيادة، أو قام عرف يدل عليها، أو أمكن فرضها للدائن، فهي ربا، سواء حددت في العقد، أو بعده، أو حددها القضاء، أو التحكيم، وسواء كانت كثيرة أو قليلة. ثانياً: أن هذا الفرق نظريٌ ليس بعملي، إذ إن نسبة تحقيق الأرباح من العمليات الاستثمارية في البنوك والمصارف معلومة تقريباً، خصوصاً أن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، ونسبة أرباحها معلومة في الجملة، فآل الأمر إلى العلم بنسبة التعويض، إذا كان التعويض راجع إلى معدل الربحية خلال مدة المماطلة(50). الدليل الثاني: ما ورد عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " (51). وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث على عدم مشروعية تعويض الدائن عن ضرر مماطلة غريمه، وذلك أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أحل عرض المماطل وعقوبته فقط ولم يحل ماله، فالمشروع في حق المماطل الواجد شكايته، وفضحه، وعقوبته بما يزجره ويردعه عن المطل، ولو كان التعويض الجابر لضرر المماطلة مشروعاً لبينه _صلى الله عليه وسلم_ ؛ لشدة الحاجة إليه، والسكوت في موضع الحاجة بيان (52). المناقشة: نوقش الاستدلال بالحديث بأن عموم لفظ العقوبة يشمل العقوبة المالية، والنصوص العامة في اعتبار العقوبة المالية ضرباً من التعزير صريحة وواضحة، ومن أنوع العقوبة المالية: تمليك الغير، وتعويض الدائن عن ضرر المماطلة داخل فيها (53). الإجابة: أجيب بأنه لا يصح اعتبار التعويض المالي للدائن عن ضرره من باب العقوبة المالية؛ لأمرين: الأول: أن ولاية إيقاع العقوبات التعزيرة للحاكم، و التعويض هنا يقع بالشرط أو العرف، ويباشره الدائن، فخرج عن كونه تعزيراً بالمال، ولو فوض تنفيذ العقوبات إلى آحاد الناس أو صح لكونه مشروطاً في العقد، لأفضى ذلك إلى فوضى واضطراب لا يقرها الشرع (54). الثاني: أن المراد من العقوبة الزجر والردع وليس الجبر، وإلا لوجب جبر ضرر الدائن من مماطلة مدينه المعسر. الدليل الثالث: أن مسألة المماطلة في الديون وتأخر الأموال المستحقة بيد من يجب عليهم أداؤها لأصحابـها ليست مسألة نازلة تحتاج إلى اجتهاد جديد، بل هي من المسائل السابقة التي يكثر وقوعها، ويعاني منها الناس في سائر الأوطان والأزمان، وباستقراء ما ذكره العلماء في المدين المماطل بغير حق من العقوبات نجد أنه لم ينقل عن أحد منهم قبل هذا العصر أنه قضى أو أفتى بجواز التعويض المالي لأجل المماطلة في الديون، مع أن فكرة تعويض الدائن عن الأرباح الفائتة والمتوقعة مقابل ماله المحبوس عند المماطل قريبة إلى أذهانـهم - لو كانت جائزة -؛ إذ هي جزاء من جنس العمل، ومعاملة بنقيض القصد، وقد نصوا على العقوبات الزاجرة عن المماطلة في الديون، كالسجن، والضرب، والمنع من فضول المباحات، وبيع المال ونحوه، ولم يذكروا التعويض المالي عن ضرر المماطلة، مما يدل على أنه متقرر لديهم أن التعويض المالي للدائن بسبب المطل أنه داخل في الربا المحرم، سواء كان مقابل التأخر، أو فوات الربح المتوقع، أو الضرر الفعلي؛ إذ هو زيادة في دين مقابل زيادة في أجل السداد(55). المناقشة: نوقش بأن الفقهاء لم يبحثوا هذه المسألة في عصرهم؛ لعدم حاجتهم إليها، إذ لم يكن أمر التجارة من الأهمية والتأثير مثل ما أصبح عليه في العصر الحاضر، وكان وصول الدائن إلى حقه في عصرهم ميسوراً وسريعاً، بخلاف ما عليه الوضع الآن من طول الإجراءات وتأخرها (56). الإجابة: أجيب عن المناقشة بما يلي: عدم التسليم بأن الفقهاء لم يبحثوا هذه المسألة، بل إنـهم بحثوها إلا أنـهم لم يُلِحُوا عليها، ولم يتوقفوا عندها كثيراً؛ لكونـها في نظرهم من مسلمات الفقه، إذ هي مشمولة بعموم نصوص القرآن والسنة في تحريم الربا، ومنه: الزيادة في الدَّين مقابل التأخير (57). وبياناً لذلك يقال: إن الفقهاء من خلال استقراء كلامهم في المماطلة، وما يشابـهها من أحكام، يظهر أنـهم لا يرون التعويض المالي مقابل تأخر المال، وأن المماطل ليس عليه إلا أداء المال لصاحبه، وأن المطل لا يوجب زيادة في الدَّين، ولا يستحق به غلة المال، وبيان ذلك فيما يلي: أولاً: أن أكثر العلماء فسروا العقوبة في الحديث: بأنـها الحبس، وقد فسرها بذلك وكيع، وسفيان الثوري، وابن المبارك. قال ابن المنذر:" أكثر من نحفظ قوله من علماء الأمصار وقضاتـهم يرون الحبس في الدَّين، وممن نحفظ ذلك عنه: مالك، وأصحابه، والشافعي، والنعمان، وأصحابـهما، وأبو عبيد ، وبه قال سوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن، وقد روينا هذا القول عن شريح، والشعبي، وكان عمر بن عبد العزيز يقول:" يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس" (58). وقال الجصاص: " جعل مطل الغني ظلماً، والظالم لا محالة مستحق للعقوبة، وهي الحبس؛ لاتفاقهم على أنه لم يرد غيره " (59). وقال ابن تيمية: " يعاقب الغني المماطل بالحبس، فإن أصر عوقب بالضرب حتى يؤدي الواجب، وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، ولا أعلم في هذا خلافاً " (60). وقال أيضاً:" ولو كان قادراً على أداء الدَّين وامتنع، ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك؛ إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره، إذا لم يتعد حدود الله " (61)، والقول بالتعويض المالي عن ضرر المماطلة في الديون تعدٍ على حدود الله، فيمنع منه؛ لأنه ربا. فظهر بما سبق أن السابقين يرون زجر المماطل بالعقوبات الرادعة، وهم متفقون على عدم القول بجواز التعويض المالي للدائن على مدينه المماطل؛ إذ لو قيل به لنقل، فالقول بالتعويض اجتهاد جديد في مقابلة هذا الاتفاق (62). قال الدكتور أحمد فهمي أبو سِنَّة: "لم يقل أحد من العلماء بتغريمه – أي المماطل- مالاً، فالفتوى بأن المدين تجوز عقوبته بتغريم المال....اجتهاد جديد في مقابلة الإجماع" (63). ثانياً: أن الفقهاء تكلموا عن مسائل - أشد من المماطلة في الديون - تُمنَعُ فيها الأموال عن أصحابـها أزماناً طويلة ظلماً وعدواناً، ولم يوجبوا فيها إلا ضمان المثل، ككلامهم في الأموال المسروقة، والمغصوبة، وأموال الأمانات المعتدى عليها، وربح المال المغصوب، فيقاس عليها تضمين المماطل رأس المال فقط وعدم تغريمه من باب أولى. ومن أقوال الفقهاء في المال المغصوب ما يلي: قال في الهداية: " ومن غصب شيئاً له مثل، كالمكيل والموزون، فهلك في يده، فعليه...ضمان مثله...؛ لأن الواجب هو المثل" (64). وقال في المعونة: " الشيء المغصوب مضمون باليد، فمن غصب شيئاً فقد ضمنه إلى أن يرده، فإن رده كما غصبه، سقط عنه الضمان ولزم المالك قبوله " (65). وقال في (روضة الطالبين): " ما كان مثلياً ضمن بمثله" (66). وقال في (المغني):" وما تتماثل أجزاؤه وتتقارب صفاته كالدراهم والدنانير....ضمن بمثله بغير خلاف" (67). ومن أقوالهم في المال المسروق ما يلي: قال ابن المنذر: " وأجمعوا أن السارق إذا قطع ووجد المتاع بعينه، أن المتاع يرد على المسروق منه " (68). وقال في الكتاب:" إذا قطع السارق والعين قائمة في يده، ردَّها " (69). وقال في المعونة:" إذا قطع السارق ثم وجد الشيء المسروق عنده، لزمه رده إلى مالكه"(70). وقال في الأم: " أُغرِم السارق ما سرق، قطع أو لم يقطع، والحد لله فلا يُسقِط حدُّ الله غُرمَ ما أتلف للعباد" (71). وقال في المغني:" لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية، فأما إن كانت تالفة، فعلى السارق رد قيمتها، أو مثلها إن كانت مثلية، قطع أو لم يقطع، موسراً كان أو معسراً " (72). ومَنْعُ المال من صاحبه بسبب الغصب والسرقة أشد ظلماً من مَنْعِهِ بسبب المماطلة، ومع ذلك لم يوجبوا على الغاصب والسارق التعويضَ عن ضرر التأخر أو فوات منافع المال أو الضرر الحقيقي مقابل بقاء المال عنده تلك المدة، وحرمان صاحبه من الانتفاع به. ثالثاً: نص بعض الفقهاء على عدم ضمان الغاصب للربح المفترض (الفرصة الضائعة)، والغاصب أشد ظلماً من المماطل، ومن ذلك ما يلي: قال البهوتي:" ولا يضمن ربح فات على مالك بحبس غاصب مال تجارة مدة يمكن أن يربح فيها، إذا لم يتجر فيه غاصب " (73). وأما غير الحنابلة، فهم لا يقولون بضمان الغاصب لربح المال المحقق، فضلاً عن ضمانه للربح المفترض (74). رابعاً: نص بعض الفقهاء على أن المماطل ليس عليه إلا أداء رأس ماله، وأن المطل لا يوجب زيادة في الدَّين، ولا يغرم غلة المال، فمن ذلك: ما قاله الشيخ عليش(75) -بعد ذكره قول الوانوغي بأن المماطل يضمن قيمة ما آلت إليه السكة الجديدة، فيما إذا بطلت الفلوس أو عدمت- ما يلي: " بحث بدر الدَّين القرافي مع الوانوغي بأن تقييده - أي المدين المماطل- لم يذكره غيره من شراح المدونة، وشراح ابن الحاجب، وللبحث فيه مجال ظاهر، لأن مطل المدين لا يوجب زيادة في الدِّين، وله طلبه عند الحاكم، وأخذه منه جبراً، كيف وقد دخل عند المعاملة معه على أن يتقاضى حقه منه كما دفعه.. وبحث فيه بعض أصحابنا: بأن غايته – أي: المماطل- أن يكون كالغاصب، والغاصب لا يتجاوز معه ما غصب ا.هـ...وقد ذكر في المعيار أن ابن لب: سئل عن النازلة نفسها،فأجاب: بأنه لا عبرة بالمماطلة، ولا فرق بين المماطل وغيره إلا في الإثم ". وقد ذكر العدوي(76) في نفس المسألة ما نصه: " فإن قلت ما الفرق بينه –أي: المماطل- وبين الغاصب الذي يضمن المثلى - أي في هذه المسألة- ولو بغلاء، مع أنه أشد ظلماً من المماطل أو مثله؟ فالجواب: أن الغاصب لما كان يغرم الغلة في الجملة خفف عنه، ولا كذلك المماطل". وهذا نص واضح على أن المماطل لا يغرم شيئاً يزيد على أصل الحق. خامساً: نص الحطاب المالكي على منع التعويض المالي إذا كان مشروطاً، فقال: " إذا التزم المدعى عليه للمدعي، أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه؛ لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدَّين أو غيره، وسواء كان شيئاً معيناً أو منفعة " (77)، والحكم بالتعويض بلا شرط يؤول إلى أن يكون مشروطاً بالعرف، فيصبح عرفاً لازماً، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. الدليل الرابع: أن التعويض عن ضرر المماطلة إن لم يكن رباً في ذاته، فهو ذريعة موصلة إليه، وسدُّ الذرائع من القواعد الفقهية المعتبرة شرعاً(78)، والقول به يفتح باب الربا، والتواطؤ على أخذه، بحجة التعويض عن الضرر، أو فوات الانتفاع، وبنفس حجة التعويض عن الضررانتشر أخذ الربا، وبرَّرَ المرابون ظلم المدينين والمعسرين، وبيان هذا من أربعة أوجه: الوجه الأول: أن النصارى قد استحلوا الربا المحرم في شريعتهم بسبب دعوى التعويض عن الضرر، إذ كان إجماعهم منعقداً على تحريم الربا، إلا أن الضعف بدأ يدب في صفوفهم خلال القرنين السادس عشر والثامن عشر، حتى وقع رجال الكنائس في الربا، بناء على فتوى مجمع انتشار الإيمان المقدس في روما، والتي أجازت أخذ الربا في مقابلة الخطر من فقد أصل المال، ثم أثَّرت الأحوال الاقتصادية على آراء رجال الدَّين النصراني حتى ضيقوا دائرة الربا، فأباحوا الفائدة استثناءً في الحالات الآتية: 1- إباحة التعويض للمقترض عن أي خسارة حصلت عليه بسبب القرض. 2- إباحة التعويض عن الربح الفائت. 3- إباحة الشرط الجزائي الذي يلتزم بسببه المقترض إذا لم يسدد القرض في الميعاد وتأخر في وفائه، بأن يدفع مبلغاً إضافياً، وقد ترددت الكنيسة في إباحة هذا الشرط بادئ الأمر، ثم أجازته (79). قال أحد النصارى:" إذا لحق المقرض ضرر ناجم عن تأخير المقترض عن الوفاء في الميعاد المحدد للسداد، يصبح للمقرض الحق في مطالبة المقترض بالتعويض شريطة إثبات الضرر الذي انتاب المقرض " (80)، فالتعويض عن ضرر تأخر المدين هي حجة من أباح الربا من النصارى. الوجه الثاني: توسع بعض المصارف الإسلامية التي أخذت بفتوى جواز التعويض في تطبيق التعويض، إذ صار التعويض عن ضرر المماطلة كالفائدة الربوية، مما حمل بعض من أفتى بالتعويض أن يتراجعوا عن فتواهم؛ لعدم إمكان تطبيق شروطهم التي قيدوا بـها الجواز(81). الوجه الثالث: أن صاحب المال لن يلح على المدين بتسديد دينه، ولن يحرص على متابعة مدينه، إذ إنه سيحصل من المماطل على أصل ماله مع عوضٍ مالي عن مماطلته، بل ربما يطمع في هذا العوض ويتطلع لتأخره ومطله، ومن جهة أخرى: فإن المدين المماطل لن يبالي في الوفاء في زمن السداد المحدد، بل سيستسهل التعويض، ويستصعب دفع المبلغ كاملاً لوفاء الدَّين، فينقلب التعويض مع مرور الزمن إلى اتفاق عرفي على التأخير بزيادة – تسمى تعويضاً عن ضرر – وهي ذريعة يجب سدها ومنعها. الوجه الرابع: أن تأخير تحديد مقدار التعويض يفضي إلى النزاع، مع ما فيه من صعوبة التقدير، فليس من المستبعد أن يتم تحديد التعويض في بداية العقد أو يربط بعدد الأيام، كما في الفوائد الربوية أو بنسبة معينة ونحوه، وهذا يؤدي إلى الربا المحرم بالاتفاق، ولذلك لزم القول بمنع التعويض؛ سداً للذريعة، وصوناً للشريعة (82). الدليل الخامس: أن جواز التعويض عن ضرر المماطلة في الديون - عند من يقول به - مقيد بشروط تخرجه عن الربا، وهذه الشروط نظرية يصعب تحقيقها في الواقع العملي، فمنها: أولاً: شرط عدم كون المدين معسراً؛ لأن المعسر منظر بنص القرآن حتى يوسر، إلا أن التحقق من اليسار أو الإعسار أمر صعب في الوقت الحاضر، ويكاد يتعذر على الدائن التحقق من كل حالة بعينها، لا سيما في البنوك والمصارف التي يتعامل معها الآلاف، ولذا نجد أنه يُحتال على إسقاط هذا الشرط -وهو عدم كونه معسراً – بأن يكتب في العقد شرط آخر: وهو أن المدين يعتبر موسراً، ويعامل بناء على ذلك ما لم يحكم عليه بحالة الإفلاس قانوناً، وهي حالة نـهائية لا توجد إلا نادراً، مما يدل على أن كثيراً من المدينين الذين يطالبون بالتعويض هم من المعسرين حقاً (83). ثانياً: القول بالتعويض المالي على المدين المماطل مفروض بناء على أساس وقوع ضرر على الدائن بسبب المماطلة، وهو فوات فرصة الربح، إذ يفترض أن هذا المال لو دفع لصاحبه لأمكن أن يستثمر بتجارة، أو مضاربة، أو صناعة، أو مشاركة، فيربح كذا، وهذا إن جاز نظرياً، فهو بعيد عملياً؛ لأن الدائن لا يقطع بتنمية ماله واستثماره، ثم لو استثمره فإنه لا يقطع بحصول الأرباح، فضلاً عن تحديدها بمقدار معين، إذ ماله معرض للربح والخسارة، وهذا ظاهر في المصارف والبنوك، إذ لا تستفيد من كل ما لديها من أموال، بل إن نسبة السيولة غالباً ما تكون أكثر من النسبة المحددة التي يجب الاحتفاظ بـها من قبل البنوك المركزية(84)، فإذا كان عند الدائن مال – فائض نقدي – يمكن أن يدفع به عن نفسه الأضرار الطارئة، ويستغل أي فرصة استثمارية يظن أنـها تدر له ربحاً، فإن دعوى الضرر لا تقبل، ويبطل شرط حصول الضرر. "أدلة القول الثاني: استدل القائلون بجواز إلزام المدين المليء المماطل بتعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة ماله وربحه المفترض بتسعة أدلة، وهي ما يلي: الدليل الأول: الآيات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود، والأمانات، وتحريم أكل المال بالباطل، ومن ذلك: قوله _تعالى_: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (85). وقوله _تعالى_: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" (86). وقوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" (87). وجه الدلالة من هذه الآيات: دلت الآيات على وجوب الوفاء بالعقد، وأداء الأمانة، وتحريم أكل المال بالباطل، وتأخير الوفاء عن ميعاده دون رضا صاحبه يعد من أكل المال أو منفعته بالباطل، وعليه فيكون المتخلف ظالماً لصاحب المال، ومسؤولاً عن الضرر الذي يلحقه من جراء مماطلته، فيضمن منفعة ماله تلك المدة (88). المناقشة: نوقش الاستدلال بالآيات من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن مدلول هذه الآيات خارج عن محل النزاع، وهو التعويض عن منافع المال الفائتة بالمماطلة. الوجه الثاني: عدم تسليم كون التأخير في أداء الدَّين أكلاً لمنفعة المال بغير حق خلال تلك المدة التي ماطل فيها المدين؛ لأن قابلية النقود للزيادة أمر محتمل، فلا تعد منفعة محققة الوجود قد أكلها المدين المماطل عدواناً حتى يطالب بالتعويض المالي عنها (89). الوجه الثالث: أن اعتبار المدين المماطل بغير عذر ظالماً معتدياً أمر مسلم لا خلاف فيه لنص الحديث على ذلك، ومنشأ ظلمه إلحاقه الضرر بالدائن نتيجة تأخير الوفاء عن وقته بلا عذر، إلا أنه ليس كل ضرر يلحقُهُ الإنسانُ بغيره ظلماً يعد موجباً للتعويض المالي(90). الدليل الثاني: ما ورد عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: " لا ضرر ولا ضرار "(91). وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث على تحريم الضرر ووجوب إزالته، والضرر الواقع على الدائن لا يزول إلا بتعويضه مالياً عما فاته من منافع ماله خلال مدة المماطلة، بل إن معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئاً، فلا يرتفع ضرره إلا بذلك (92). المناقشة: نوقش الاستدلال بـهذا الحديث من أربعة أوجه: الوجه الأول: تسليم تحريم الضرر ووجوب إزالته بالطرق الشرعية، لكن من أين لكم أن زوال الضرر لا يكون إلا بالتعويض المالي؟؛ إذ إن إزالة هذا الضرر بالتعويض المالي ليس من مدلول النص صراحة ولا إشارة، ولو كان هذا النص يدل على أن ضرر المماطل يزال بفرض زيادة مالية تضاف لأصل الدَّين تعويضاً له عن ضرر فوات ربحه خلال مدة المماطلة لوجب الحكم بـها، و لوجب على كل قاض ومفت أن يقضي ويفتي بالتعويض المالي، ولكن لم يوجد في التاريخ قاض أو مفت حكم أو أفتى بذلك مع كثرة قضايا المماطلة في الديون في كل عصر ومصر (93). الوجه الثاني: أن ضرر الدائن المعترف به شرعاً هو عدم حصوله على ماله في وقته المحدد، وإزالة هذا الضرر بأن يسلم إليه ذلك المبلغ الذي هو حقه، وليس من حقه أخذه ما يزيد عن مبلغ دينه؛ لأنه ربا (94). الوجه الثالث: أن من فروع القاعدة الفقهية المستنبطة من هذا الحديث: ( الضرر يزال ) قاعدة مقيِّدة لها، وهي: ( أن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أشد منه)، وفي إلزام المدين المماطل بالتعويض المالي إزالة للضرر بمثل الضرر الواقع بل أشد؛ إذ يفرض عليه الربا، وتُنَـزَّل المنفعة المحتملة منزل المحققة المستوفاة، فهو مقابلة لظلم المطل بظلم من نوع آخر(95). الوجه الرابع: قولكم: "معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئاً "، لا يعني جواز الحكم بالتعويض؛ لأن هذه المسألة -أي عقوبة المماطل- لا تعالجها أصلاً قاعدة الجوابر؛ لخروجها عن نطاقها، وانضوائها تحت قاعدة الزواجر، التي تكفل دفع هذه المفسدة واستئصالها من حياة الناس، والعقوبات الشرعية ليس من شأنـها الجبر، ووظيفتها تنحصر في الزجر، فالسارق إذا قطعت يده، أو المحارب إذا أقيم عليه حد الحرابة، فإن هذه العقوبات لا تزيل الضرر المادي عن المتضرر المظلوم؛ لأن من شأن العقوبات زجر الناس عن الظلم، ومنعهم من اقتراف الذنوب الموجبة لها درءاً للمفسدة المتوقعة(96). الدليل الثالث: ما ورد عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال _صلى الله عليه وسلم_ : "مطل الغني ظلم " (97). الدليل الرابع: ما ورد عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته". وجه الدلالة من الحديثين: دل الحديثان أن المماطلة في أداء الدَّين من القادر على الوفاء ظلم يستحق فاعله الفضيحة والعقوبة، ومن أنواع العقوبة التعزيرية: التعزير بالمال، وهو مشروع كما قرر ذلك المحققين من أهل العلم، والتعزير بالمال أنواع: النوع الأول: إتلاف. النوع الثاني: تغيير. النوع الثالث: تمليك للغير. ومن النوع الثالث: تعويض الدائن عن فوات منافع ماله خلال مدة المماطلة (98). ومن شواهده: مضاعفة الغرم على سارق مالا يوجب حداً (99). المناقشة: نوقش الاستدلال بالحديثين من ستة أوجه: الوجه الأول: عدم التسليم بأن العقوبة المالية داخلة فيما دل عليه الحديث من مشروعية عقوبة المماطل؛ بناء على فهم أهل العلم لها، إذ قصروا هذه العقوبة على الحبس، والضرب، وبيع المال، ونحو ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم تفسير العقوبة هنا: بتغريم المماطل مالاً عوضاً عن تأخره في الوفاء يدفع لصالح الدائن، بل نصوا على أن العقوبة هي الحبس، والضرب، وبيع المال، واتفاقهم على ذكر هذه العقوبات مع إعراضهم عن القول بالتعويض مع وجود المقتضي للقول به من كثرة حوادث المماطلة في الديون، دليل على أنه متقرر لديهم منعه؛ لاشتماله على الربا المحرم (100). الوجه الثاني: أن الحديث أحل أمرين من المماطل، هما: العرض والعقوبة، ولم يقل: (ويحل ماله)، فالعرض يعني: جواز شكايته وذمه وذكره بسوء المعاملة، والعقوبة كما سبق معناها: الحبس، والضرب، وبيع المال، ونحوه، مما شأنه الزجر والردع، وأما الجبر بالتعويض، فليس داخلاً فيها، وإلا لشرع التعويض في حق المعسر المتأخر في الوفاء متى ما أيسر ولم يقل به أحد (101). الوجه الثالث: أن مضاعفة الغرم على سارق ما لا يوجب حداً لا يصح الاستدلال به على ما نحن فيه من حكم إلزام المدين المماطل بدفع تعويض مقابل المماطلة؛ لأن هذا الحكم ثبت بالنص الشرعي، وذلك فيما رواه عمرو بن شعيب(102) عن أبيه عن جده أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سئل عن الثمر المعلق، فقال: " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشي منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجَرِين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ". ومثله الحديث الآخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ، قال: يا رسول الله جئت أسألك عن الضالة من الإبل؟ قال: معها حذاؤها وسقاؤها تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها، قال: الضالة من الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها، قال: الحريسة(103) التي توجد في مراتعها؟ قال: فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه، ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "(104). وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرق بين العقوبة والغرامة المالية، مما يدل على أن العقوبة يراد بـها الجزاء البدني من حبس وضرب وتضييق ونحوه، ويؤيده: قوله _صلى الله عليه وسلم_ : " لا عقوبة فوق عشرة ضربات إلا في حد من حدود الله "(105)، كما يؤيده أيضاً: تفريقه _صلى الله عليه وسلم_ بين العرض والعقوبة فيما يحل من المماطل الواجد، مع أن الشكوى والتظلم وذكره بسوء المعاملة عقوبة بالمعنى العام، وبناء على ما سبق، يظهر أن العقوبة في الحديث يراد بـها الجزاء الواقع على بدن المماطل دون ماله، والله أعلم (106). الوجه الرابع: أن الأصل في العقوبات الشرعية أن تكون زاجرة رادعة، وليس من شأنها أن تجبر الضرر، والعقوبات الزاجرة شرعت لكي ترفع المفسدة عن حياة الناس وتستأصلها، أما التعويض فإنه ربما حمل الطرفين على التواطؤ على المماطلة والتحايل لأخذه، فيصبح هذا التعويض ستاراً للربا المحرم(107)، فالتعويض لا يعالج مشكلة المطل بقدر ما يزيدها تعقيداً. الوجه الخامس: أن ولاية التعزير بالمال – على افتراض أن التعويض داخل في التعزير بالمال- للحاكم وليست للدائن، وقيام الدائن بتطبيق العقوبة على المدين وتنفيذها يؤدي إلى فوضى ونزاع لا يقره شرع ولا يقبله عقل، ولذا لم يقل أحد بأن للدائن أن يعاقب المدين بالحبس، أو الضرب، دون الحاكم الشرعي(108). الوجه السادس: أن هذا المال المأخوذ من المدين المماطل تعزيراً، لا يخلو إما أن يذهب إلى بيت المال، أو إلى الدائن، فإن ذهب إلى بيت المال كما هو الشأن في الغرامات المالية التعزيرية، فإن الغرض وهو تعويض الدائن لم يتحقق، - ولا ينفع الدائن تغريم المدين في هذه الحالة، فتبقى العقوبات الأخرى أنفع له؛ لكونـها تضيق على المدين في عرضه وبدنه حتى يسدده-، وقد لا يلحق المدين ضرر من دفع الغرامة لبيت المال إن كان غنياً، أو كان يربح من المال الذي يماطل به أكثر مما يدفعه من الغرامة. وأما إن ذهبت إلى الدائن، فإن الأمر يؤول إلى أن تكون زيادة في دين مقابل زيادة في أجل، وهو عين ربا الجاهلية المحرم، إذ لا فرق بينهما في النتيجة (109). الدليل الخامس: أن من أسس الشريعة ومقاصدها العامة عدم المساواة بين الأمين والخائن، وبين المطيع والعاصي، وبين العادل والظالم، وبين المنصف والجائر، ولا بين من يؤدي الحقوق إلى أصحابـها ومن يؤخرها. ولا شك أن تأخير الحق عن صاحبه عمداً ومطلاً بلا عذر شرعي ظلمٌ وجورٌ بشهادة النصوص الشرعية، وفيه ضرر لصاحب الحق بحرمانه منافع ماله مدة التأخير التي قد تطول كثيراً، فإذا لم يلزم المماطل بتعويض صاحب الحق عن ضرر هذا التأخير، كانت النتيجة أن هذا الظالم العاصي يتساوى مع الأمين العادل الذي لا يؤخر الحقوق ولا يلحق الأضرار، إذ كلاهما يؤدي مقدار الواجب فقط، بل إن ذلك يغري ويشجع المماطل على مماطلته، والجزاء الأخروي بمعاقبة هذا الظالم لا يفيد صاحب الحق المهضوم شيئاً في الدنيا، وحفظ المال مقصود للشارع، لذا جعل له ضمانات قضائية لتحصيله في الدنيا قبل الآخرة، ومنها هذا التعويض (110). المناقشة: نوقش بعدم تسليم دعوى أن عدم تعويض الدائن عن ضرر المماطلة يستلزم مساواة المماطل بغيره، وأن ذلك يشجع على المماطلة، وذلك من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن المسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يخاف كل الخوف من الوقوع فيما حرمه الله _تعالى_ من مماطلة أهل الحقوق بغير عذر؛ لأنه ظلم للعباد يترتب عليه ما أعده الله للظالمين من عقوبة حذرت منها النصوص الشرعية، فهو ظلمات يوم القيامة، وسبب لسخط الله ونقمته على الظالم، وهو فاتح لأبواب السماء لاستجابة دعوة المظلوم على ظالمه، وهذا الوازع الإيماني هو الحامل للمؤمن والزاجر له كيلا يقع في المماطلة قبل أن تفرض عليه غرامة تعويضية للدائن(111). الوجه الثاني: أنه في حال ضعف الوازع الإيماني في قلب المدين عن زجره عن الوقوع في المماطلة، فإن اقترفه للمماطلة بغير حق يصيره في حكم الشريعة ظالماً يستحق الشكوى الفاضحة، والعقوبة الزاجرة، وهما كافيتان بردع المماطل الظالم عن ظلمه، وكفه عن المخالفة بقوة لا تعدلها أية غرامة مالية (112). الوجه الثالث: أنه في حال ضعف الوازع الإيماني، وعدم وجود الرادع السلطاني المُطَبِقِ لأحكام الشريعة في المماطلين-كما يبرر بذلك من أجاز التعويض ضرورة-، فإن الواجب على أهل الأموال أن يحتاطوا بالأخذ بالجوانب التوثيقية التي تضمن حفظ حقوقهم، وذلك بعدم التوسع في عقود المداينات، وعمل الدراسات الجادة واللازمة للمشاريع الاستثمارية قبل الدخول فيها، وتقييم جدوها الاقتصادية، وأخذ الضمانات الكافية لحفظ الحق واستيفائه، كالرهن والضمان ونحوها، والتحري في المعاملة مع ذوي الأمانة والصدق والكفاءة، إذ كثيراً ما يكون من أسباب المطل حصول التفريط في هذه الأمور. الترجيح: بعد عرض القولين وأدلتهما وما ورد عليها من المناقشة والتوجيه، يتبين أن القول الأول هو الراجح، وهو عدم جواز إلزام المدين بتعويض مالي يدفعه للدائن مقابل ضرر فوات منفعة المال وربحه بسبب مماطلته بالوفاء بالدَّين، وذلك لما يلي: 1) قوة أدلة القائلين بالمنع، وتوجيه المناقشات الواردة عليها، مع مناقشة أدلة القول الثاني، وبيان أنـها لا تدل على التعويض المالي. 2) اختلاف القائلين بالتعويض في تكييفه، هل هو تعزير أم تعويض؟ وفي كيفية تقديره؟ دليل على ضعف هذا القول. 3) أن النتيجة النهائية للتعويض هي نفس نتيجة الربا، والفرق بينهما في التخريجات فقط، فهو يأخذ مالاً زائداً بسبب التأخر في زمن الوفاء. 4) إن التعويض عن ضرر المماطلة إذا لم يكن رباً في ذاته، فهو ذريعة إلى الربا، فيمنع. 5) ما سبق نقله عن أهل العلم بأن المثلي يضمن بالمثلي، وأن المماطلة لا توجب زيادة في الدَّين، وأنه لا فرق بين المماطل وغيره إلا في الإثم، وأنه بالشرط يمنع اتفاقاً، فكذا بالإلزام القضائي، والله أعلم.
التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (2/2)
---------------------------------- (1) ينظر: معجم مقاييس اللغة ص (598)، لسان العرب ص (4/482)، القاموس المحيط ص (550)، المصباح المنير ص (136). (2) سورة الأنبياء، جزء من الآية (83). (3) التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي للدكتور محمد بوساق ص (68)، ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (219). (4) ينظر في هذه الشروط: الضمان في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف (48)، التعويض عن الضرر للدكتور محمد بوساق ص (177-211)، ونظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي ص (188) وما بعدها ا.هـ (5) اختلف الفقهاء في ضمان المنافع؟ بناء على خلافهم في مالية المنافع، فقال الجمهور: " هي مضمونة؛ لأنـها مال يمكن تقويمه وأخذ العوض عنه والمبادلة بينه وبين المال "، وخالف الحنفية فقالوا: بعدم مالية المنافع، والمال كل ما يمكن تملكه من أي شيء، والمنافع لا تملك ولا تدخر، ينظر: المبسوط (11/79)، الموسوعة الفقهية (13/37)، التعويض عن الضرر د. محمد المدني بوساق ص (180). (6) ينظر: بدائع الصنائع (7/167)، الضمان للخفيف ص (169)، التعويض عن الضرر لبوساق ص (188). (7) أهلية الوجوب: هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له وعليه معاً أو له أو عليه، ومبنى ذلك وجود ذمة صالحة، ينظر: بدائع الصنائع (7/168)، الشرح الكبير للدردير (3/443)، قواعد الأحكام (1/186)، الإقناع (2/354)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/152). (8) ينظر: بدائع الصنائع (7/315)، الخرشي (8/42) المهذب (2/205)، المغني (12/133). (9) حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية. ع: 2، م:3، ص(20)، ينظر: تعليق زكي شعبان عليه ص (198)، مجلة الملك عبد العزيز مجلد ص (20). (10) بحث في مطل الغني وأنه ظلم يحل عرضه وعقوبته ضمن مجموع فتاوى وبحوث الشيخ (3/239). (11) الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل ص (112)، ينظر: التعويض عن الضرر من المدين المماطل لمحمد الزحيلي ص (82)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (37). (12) التعويض عن الضرر من المدين الماطل د. محمد الزحيلي ص (82)، التعويض عن ضرر المماطلة في الدَّين بين الفقه و الاقتصاد د.محمد ابن الزرقاء ود. محمد بن علي القري ص (38). (13) خروج هذه المسألة من النزاع لا لكون العقوبة بالتعزير بالمال مسألة متفق عليها، بل لأن الخلاف في التعويض ليس مبنياً على جواز التعزير بالمال، أما ما يتعلق بالتعزير بالمال، فيقال: التعزير بأخذ المال محل إشكال، ومسألة تحتاج إلى تحرير، وذلك أن كثيراً من العلماء نصوا في مواضع على حرمة التعزير بالمال، وتحريم أخذه بدون حق وطيب نفس من صاحبه، ويعللون المنع بالخوف من تسلط الجبابرة على أموال الناس، وأخذها بالتشهي ظلماً وبغياً بدعوى التعزير بالمال . قال ابن عابدين: " المذهب عدم التعزير بأخذ المال "، وقال قبل ذلك: " وعن أبي يوسف: يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال، وعندهما وباقي الأئمة لا يجوز ا.هـ... ولا يفتى بـهذا، لما فيه من تسليط الظلمة على أخذ مال الناس فيأكلونه، … وأفاد في البزازية: أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به: إمساك شيء من ماله عنه مدة لينزجر ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه، أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة، إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي ".[ينظر: حاشية ابن عابدين (4/61-62) ]. وقال الإمام مالك: " لا يُحِلُ ذنبٌ من الذنوب مالَ إنسان ". [ ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد (9/359) ]، وقال الدسوقي: " ولا يجوز التعزير بأخذ المال إجماعاً ". [ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/355) ]. وقال الشافعي: " لا يعاقب رجل في ماله، وإنما يعاقب في بدنه، وإنما جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات، فأما الأموال فلا عقوبة عليها". [ينظر: الأم (4/265) ]. وقال ابن قدامة: " التعزير يكون بالضرب، والحبس، والتوبيخ، ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه، ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدي به، ولأن الواجب أدب، والتأديب لا يكون بالإتلاف ". [ينظر: المغني (12/526) ]. فهذه عبارات العلماء في تحريم التعزير بأخذ المال، حتى لا يُفتح الباب للظلمة لاستباحة أموال الناس المعصومة، قال في الإقناع (4/246): " قال الشيخ -يعني ابن تيمية-: وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه، مثل أن يقال له: يا ظالم، يا معتدي، وبإقامته من المجلس، وقال: التعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً، وقول أبي محمد المقدسي - يعني الموفق ابن قدامة-: لا يجوز أخذ ماله، إشارة منه إلى ما يفعله الحكام الظلمة " ا.هـ. وقد خرَّج ابنُ تيمية القولَ بالجواز على مسائل مخصوصة في مذاهب أهل العلم، وبين أن العلماء ممن نص على المنع يقول به في تفاصيل بعض المسائل، قال _رحمه الله_: "والتعزيرات بالعقوبات المالية مشروع أيضاً،في مواضع مخصوصة، في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، وفي مواضع فيها نزاع عنه، والشافعي في قول، وإن تنازعوا في تفصيل ذلك ". [ينظر: الحسبة ص (93)]. ولمزيد من البحث في التعزير بالمال، ينظر: الفتاوى الكبرى (5/530)، الطرق الحكمية ص (207)، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (12/125)، كتاب التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عوده (1/705)، والتعزير في الشريعة الإسلامية للدكتور عبدالعزيز عامر ص (394-409)، الحدود و التعزيرات عند ابن القيم للشيخ بكر أبو زيد ص (496-498)، التعزير بالمال لماجد أبو رخية ص255-270. (14) سورة البقرة، جزء من الآية (275). (15) سورة البقرة، جزء من الآية (275). (16) سورة البقرة الآيتين (278)و(279). (17) أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الوصايا باب قول الله _تعالى_: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً".[سورة النساء، جزء من الآية (10)] (5/462) برقم (2766)، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (1/92). (18) أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا (11/26). (19) أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الحج، باب حجة النبي _صلى الله عليه وسلم_ (8/182). (20) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب وضع الربا (9/131)، ورقم الحديث (3332)، وابن ماجه في السنن، كتاب المناسك، باب الخطبة في يوم النحر (2/1015)، ورقم الحديث (3055). (21) الإجماع (136)، أحكام القرآن (1/638)، المغني (6/52)، المجموع (9/391)، ينظر: القوانين الفقهية ص (165)، بداية المجتهد (2/128)، إعلام الموقعين (2/103). (22) وممن اختاره من المعاصرين وكتب لنصرته: الأستاذ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة في مجلة الأزهر ص (754)، ج(7)، السنة (63) رجب 1411هـ والدكتور نزيه كمال حماد في المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء ص (295). والدكتور علي السالوس كما في مجلة المجمع، العدد السادس (1/ 264). والدكتور تقي العثماني في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص (40). والدكتور محمد شبير كما في الندوة الرابعة لبيت التمويل الكويتي ص (281). والدكتور حسن الأمين كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (41) في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية (م:3،ع:2). والدكتور رفيق المصري كما في مجلة المجمع، العدد السادس (1/334). والشيخ عبدالله بن بيه كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (54) في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية (م:3-ع:2). والدكتور زكي الدِّين شعبان كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (99)، في مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:1) عام 1409هـ. والدكتور محمد زكي عبد البر كما في تعليقه على رأي الضرير ص (61)، في مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:3) عام1411هـ. والدكتور محمد القري كما في مجلة المجمع، العدد الثامن (3/679). (23) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (268). (24) مجلة المجمع العدد (6) (1 / 447-448). (25) المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص(34). (26) الإجراءات المقترحة لمواجهة المماطلة، د. أحمد بن علي عبد الله ص(6). (27) وممن اختاره من المعاصرين وكتب لنصرته: الشيخ مصطفى بن أحمد الزرقاء رحمه الله في مقاله: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، نشر في مجلة دراسات اقتصادية فقهية، ص (11-20)، مجلد (3 – ع:2) سنة 1417هـ. والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع في بحثه: مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، نشر في مجموع فتاوى وبحوث الشيخ (3/191-266). والدكتور محمد الزحيلي في بحث غير منشور بعنوان: التعويض عن الضرر من المدين المماطل، ص81- 82، مقدم لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين1421هـ. والدكتور عبد الحميد البعلي في كتابه: أساسيات العمل المصرفي الإسلامي ص(57-59). والشيخ محمد خاطر كما في ورقة: الإجراءات المقترحة لمواجهة المماطلة ص (5). والدكتور عبد العزيز القصار في كتابه: مطل الغني ظلم ص (76). (28) جواز إلزام المدين المماطل ص (20). (29) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/193). (30) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/240). (31) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/252). (32) مطل الغني ظلم للمنيع (3/264). (33) حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن ص (20)، وقد أكد الشيخ أن الاتفاق المسبق على تقدير ضرر الدائن له محذور كبير، وهو أن يصبح التعويض ذريعة لربا مستور بتواطؤ بين الدائن والمدين، كأن يتفقا على القرض على فوائد زمنية ربوية، ثم يعقد القرض لمدة قصيرة، وهما متفاهمان على أن لا يسدد المدين القرض في ميعاده، لكي يستحق الدائن عليه تعويض تأخير متفق عليه مسبقاً يعادل سعر الفائدة. ولذا قال: " لذلك لا يجوز في نظري إذا أقرت فكرة التعويض عن ضرر التأخير، أن يحدد هذا التعويض باتفاق مسبق، بل يجب أن يناط تقدير التعويض بالقضاء ". ينظر: حول جواز إلزام المدين ص (18-19). (34) الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل (112)، علماً أن الشيخ ليس ممن يقول بتعويض الضرر بفوات الربح المفترض كما سيأتي في المبحث القادم. (35) المنهج المحاسبي لعمليات المرابحة ص (120)، الخدمات المصرفية للشبيلي (2/608). (36) سورة البقرة، جزء من الآية (275). (37) سورة البقرة، جزء من الآيتين (279)و(280). (38) ينظر: تعليق ابن بيه على بحث الزرقاء ص (49). (39) ينظر: تعليق ابن بيه على بحث الزرقاء ص (48). (40) ينظر: المؤيدات الشرعية لحمل المدين على الوفاء ص (292). (41) ينظر: بحث في مطل الغني للمنيع (3/249). (42) ينظر: تعليق د.رفيق المصري ص (63)، تعليق زكي الدين شعبان ص (200). (43) ينظر: بحث في مطل الغني ظلم (3/250)، ينظر: مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (19). (44) بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42). (45) المؤيدات الشرعية ص (209). (46) بحث في مطل الغني (3/251)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (39). (47) تعليق: ابن بيه في تعليقه على الزرقا ص (49). (48) ينظر: تعليق محمد زكي عبد البر على بحث الضرر ص (62) مجلة الملك عبد العزيز (م:3) 1400هـ. (49) ينظر: مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص(19)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (39). (50) ينظر:بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (43). (51) سبق تخريجه ص (43). (52) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (40). (53) ينظر: بحث في مطل الغني للمنيع (3/251). (54) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42). (55) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص (40)، مجلة الأزهر سنة 63 (جزء7) ص (754)، المؤيدات الشرعية ص (291)، تعليق ابن بيه على بحث الزرقا ص (51)، تعليق حسن الأمين على بحث الزرقا ص(43). (56) مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (12). (57) ينظر: تعليق ابن بيه على مقال الزرقا ص (48). (58) الإشراف (1/145-146). (59) أحكام القرآن للجصاص (1/648). (60)السياسة الشرعية ص (64). (61) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص (202). (62) مقال للدكتور أحمد فهمي أبو سنه، مجلة الأزهر ص( 754)، ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني(42). (63) مجلة الأزهر ص (754) جزء (7) عام (63). (64) الهداية مع فتح القدير (9/318). (65) (2/1214). (66) روضة الطالبين (5/18). (67) المغني (7/362). (68) الإجماع ص (160). (69) للقدوري ص (194)، وقال شارحه في اللباب (3/210): "باتفاق". (70) (3/1428). (71) (8/371). (72) (12/454). (73) شرح منتهى الإرادات (3/873). ولم أجد أحداً قال بتضمين الغاصب لربح المال المفترض إلا قولاً مرجوحاً لبعض المالكية، بل حكى بعضهم اتفاق المالكية على خلافه، وأن ربح الدراهم المغصوبة للغاصب. قال القرافي في الذخيرة (8/317): " إذا غصب دراهم ودنانير فربح فيها -أي تحقق الربح- فثلاثة أقوال: قال مالك وابن القاسم: لا شيء لك إلا رأس المال....وعن ابن حبيب: إن تجر فيها موسراً فله-أي الغاصب- الربح لقبول ذمته الضمان أو معسراً فلك –أي للمغصوب منه-...وعن ابن سحنون: لك ما كنت تتجر فيها لو كانت في يديك ولم يتجر فيها الغاصب بل قضاها في دين أو أنفقها ". وحكى ابن رشد الاتفاق على أنـها للغاصب، قال في المقدمات الممهدات (2/497):" ما اغتل منها بتصريفها وتفويتها وتحويل عينها كالدنانير يغتصبها فيغتلها بالتجارة فيها...فالغلة له –أي الغاصب- قولاً واحداً في المذهب"، قال العدوي في حاشيته على الخرشي(6/143) بعد ذكر الأقوال السابقة:" الراجح أن الربح للغاصب مطلقاً، كما أفاده بعض الشيوخ خصوصاً وقد علمت أنه كلام مالك وابن القاسم، وحكى الاتفاق عليه ابن رشد ". (74) وهو مذهب الحنفية، والراجح عند المالكية، وأظهر الوجهين عند الشافعية، واحتمال عند الحنابلة، ينظر: المبسوط (11/78)، مجمع الضمانات ص (130)، الرسالة ص (233)، الخرشي على خليل مع العدوي(6/143)، المهذب (14/248)، روضة الطالبين (5/59)، المغني (7/399)، الفروع(4/494)، الإنصاف (15/277). (75) ينظر: منح الجليل (4/532-533). (76) ينظر: الخرشي مع حاشية العدوي (5/55)، والغلة عند المالكية تشمل المنافع والزوائد، ينظر: نظرية الضمان للخفيف ص (51). (77) ينظر: تحرير الكلام على مسائل الالتزام ص (176). (78) ينظر: الفروق للقرافي (2/32)، موسوعة القواعد الفقهية (6/30). (79)ينظر: متأخرات البنوك الإسلامية ص (46)، عقد القرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لعلاء خروفة ص(201)، وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي في مكة رقم(5) في الدورة العاشرة، وهو بشأن الرد على من أباح الفائدة الربوية ما نصه: " المجمع يستنكر بشدة هذا البحث....لمخالفته النصوص الواضحة والإجماعات القاطعة، وترويجه للشبه والحجج الزائفة، بنقله عن الجهلة لمقاصد الشريعة: أن الربا تعويض عن حرمان المقرض بماله مدة القرض، وهي من شبه اليهود في إحلالهم الربا " [قرارات المجمع ص(224-225)]. (80) وهو توما الإكويني، ينظر: تعليق المصري على بحث الزرقا جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض ص (62). (81) وهو الشيخ الضرير، مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:5)، 1413 هـ ص (70)، الإجراءات المفترضة لمواجهة المماطلة ص (5). (82) ينظر: الخدمات المصرفية (2/ 628). (84) بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42). (85) المنهج المحاسبي لعمليات المرابحة ص (115)، الخدمات المصرفية (2/626). (86) سورة المائدة، جزء من الآية (1). (87) سورة النساء، جزء من الآية (58). (88) سورة النساء، جزء من آية (29). (89) مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن (13-14). (90) ينظر: المؤيدات الشرعية (290). (91) ينظر: المؤيدات الشرعية (290). (92) رواه ابن ماجة في سننه واللفظ له في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2/784) حديث رقم (2340)، ورواه أحمد في المسند (5/327) عن عبادة _رضي الله عنه_. ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع (2/57-58)، والدارقطني في السنن، كتاب الأقضية والأحكام (4/228) ورقم الحديث(85)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلح، باب لا ضرر ولا ضرار (6/69) عن أبي سعيد _رضي الله عنه_. ورواه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرفوعاً في كتاب الأقضية، باب القضاء في المرافق (2/745) وهو مرسل قال النووي: " له طرق يقوي بعضها بعضاً "، وقال ابن رجب: " قال ابن الصلاح هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه وقد تقبله أهل العلم واحتجوا به " [جامع العلوم والحكم ص (329-330)]، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/408) حديث رقم (896)، وينظر: نصب الراية للزيلعي (4/384)، فيض القدير(6/432). (93) ينظر: مقال حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (15). (94) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(40). (95) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(40). (96) ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(176)، موسوعة القواعد الفقهية (6/257)، المؤيدات الشرعية ص(291-292). (97) المؤيدات الشرعية ص (292) ويؤيد هذا المعنى: أن الزواجر لا تقبل الجبر، فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ حينما رد على الأعرابي - والد العسيف الذي زنى بامرأة مؤجِّره - التعويض المالي الذي بذله لزوج المرأة، وهو مئة شاة ووليدة، وأمر بإقامة الحد الشرعي تحصيلاً لزجر الناس، وحتى لا يتواطأ الناس على الجرائم والذنوب، ويتراضوا بالمعاوضة عنها مالياً، قال _صلى الله عليه وسلم_ : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". [الحديث أخرج البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور فالصلح مردود (5/355) وقم الحديث(2695-2696)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الزنا (11/205) من حديث زيد بن خالد، وأبي هريرة ]. وأطال القرافي النَّفس في التفريق بين قاعدة الزواجر والجوابر في الذخيرة (8/289)، والفروق (1/213). (98) ينظر: الحسبة ص (93)، ومجموع الفتاوى (28/109-119). (99) ينظر: بحث في مطل الغني (3/200-206). (100) ينظر: بحث في مطل الغني (3/200)، الحسبة ص (107). (101) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42). (102) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42). (103) أخرجه أبو داود في سننه واللفظ له، كتاب الحدود باب ما لا قطع فيه (12/37) رقم الحديث (4380)، والنسائي في سننه، كتاب قطع السارق، باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين (8/85) رقم الحديث(4958)، وابن ماجه في السنن كتاب الحدود باب من سرق من حرز (2/865) رقم الحديث(2596)، وابن الجارود في المنتقى (1/210) رقم الحديث(827)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/153)، والحاكم في المستدرك في كتاب الحدود (4/381)، و حسنه الألباني كما في إرواء الغليل (8/69). (104) الحريسة: هي التي تؤخذ من المرعى، وليس فيه قطع لعدم الحرز، ينظر:: شرح السنة للبغوي(8/319). (105) رواه الإمام أحمد في المسند واللفظ له (2/180)، والبغوي في شرح السنة في كتاب العطايا باب اللقطة (8/318) وقد حسن إسناده شعيب الأرنؤوط وأصحابه في تخريج المسند(11/274). وقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: " لا تضعف الغرامة على أحد في شيء، إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال، وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل، فهو ضامن على أهلها: قال: فإنما يضمنونه بالقيمة لا بقيمتين " [ ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (8/279)]، والقول بالتضعيف هو مذهب الإمام أحمد وهو من مفرداته، ينظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص (280)، شرح الزركشي (6/336). (106) رواه البخاري في صحيحه عن أبي بردة _رضي الله عنه_، كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب (12/183) رقم الحديث (8648)و(8649). (107) ينظر: موقف الشريعة من الدَّين للدكتور سامي السويلم ص (40). (108) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42)، المؤيدات الشرعية (292-295). (109) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني(42). (110) ينظر: مجلة الأزهر (ج:7)، عام:63 ص (754). (111) ينظر: جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض للزرقا، بتصرف ص (16). (112) ينظر: المؤيدات الشرعية ص(293). المصدر : موقع المسلم