لطائف من قصة عبد المحسن الراشد

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com


كما وعدت بعودتي إلى قصة عبد المحسن الراشد والحديث عن بعض النقاط اللطيفة فيها، وسأبدأ بالرد على أهم ما اشتركت فيه التعليقات من ملاحظات، ولعل أول هذه هو:

1-    لماذا التقسيم على حلقات لا السرد مرة واحدة؟

نزل كتاب الله القرآن الكريم على عبده ورسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) منجما، في السفر وفي الحضر، وفي الليل وفي النهار، على مر 23 سنة، وكذلك نزل كتاب الله الإنجيل على نبي الله عيسى على دفعات ومرات، وكذلك نزل كتاب الله التوراة على نبي الله موسى على دفعات ومرات، وقبل أن تسألني هل تقارن كلامك بكلام الله، أقول لك بل انظر للجهة الأخرى، الجهة التي تلقت كلام الله، وهي البشر.

إننا معاشر البشر نملك قدرة قليلة على التركيز والانتباه، كما أننا نقلل من قيمة أي شيء نحصل عليه بسهولة، وهذه طبيعة بشرية يجب أن نقبلها ونتعامل معها، وعليه فلو عرضت القصة مرة واحدة، لكانت النتيجة سلبية على كافة الأصعدة، ولكان من اشتكوا من التقسيم، أول من ملوا من كثرة النص ولم يكملوا القراءة للنهاية، وأما من تحملوا طول القصة، فأغلب ظني أن سيفوتهم إدراك الكثير مما حفلت به القصة من لطائف وومضات.
2-    كل هذه الضجة، وهو لم يحصد سوى 300 ألف ريال؟
لم يكن مقياس النجاح أبدا بمقدار ما يملكه المرء من مال، فالنجاح هو أن تحول التراب ذهبا، وأن تفكر فيما توفره لك بيئتك من موارد قليلة لكي تستغله وتحسن مستواك وتسير نحو القمة. النجاح هو أن ترى نور الفجر وتتخيله، وتوقن أنه قادم لا محالة، رغم أنك في خضم بحر هائج تتقاذفك أمواجه في ليل بهيم لا تدري أين سينتهي بك. النجاح هو يقين لا يتزعزع أبدا بأن شمس نجاحك ستشرق يوما ما، ولو جاء هذا اليوم بعدما ترحل عن هذه الدنيا. النجاح هو أن تمضي في طريقك، رغم أنك تسير عليه وحدك، وأنك لا ترى نهايته، لكنك اجتهدت بما يكفي لتعرف أن في نهايته النجاح والفلاح.
3-    مع احترامي، أين النجاح في القصة؟
من منظوري الشخصي، ذروة سنام نجاح عبد المحسن أنه لا يعمل موظفا اليوم. عبد المحسن تحول من متلقي مصروفه من والده، إلى صاحب نشاط تجاري ناجح. اليوم تجد نخبة كبار المحللين والمفكرين الاقتصاديين تقول بحتمية تشجيع المشاريع والصناعات الصغيرة، أي لا بد من توليد أمثال عبد المحسن بمعدلات كبيرة، وحين أركز الضوء على قصة عبد المحسن، فكل أملي أن أجد كثير القراء يفعلون مثله. نجح عبد المحسن في مضاعفة 300 من الريالات عشر مرات، ثم مائة مرة، وحتما هناك غيره من فعل ما هو أكثر، لكن غيره لا يعرفونني، أو يعرفونني ولا يريدوني أن أكتب عن قصتهم، وهذا يقودني للنقطة الرابعة.
4-    لن تجد عندي قصة الراجحي أو الوليد
مثلما تشتهر قطارات انجلترا أنها أكثر انتظاما من عقارب الساعة، ستجد ضمن التعليقات على قصص النجاح العربية التي أنشرها من يسألني / يأمرني بسرد قصص
الراجحي أو الوليد ابن طلال، وأنا أقولها مرة أخرى، أنا لن أحكي عن قصص هؤلاء، والسبب بسيط: لكي تؤرخ وتسجل ما مر به شخص ما من عثرات ومحاولات، فأنت تعتمد عليه في سرد الأحداث، أو بالأدق تعتمد على ذاكرته، وعلى تفسيره هو لتتابع الأحداث، وهذه أم المشاكل، فالذاكرة تضعف وتذكر وتنسى مع مرور الوقت، وتفسير الذات لمجريات الأمور قد لا يكون صحيحا أو دقيقا، ولذا الأصح هو أن تسأله، وتسأل من معه ومن حوله، وتسأل معارضيه، وتخرج بفكرتك أنت عنه، كذلك من الأفضل أن تسأل شخصا عهده قريب بالنجاح، لا ناجح مر عليه عشرات السنين، فذاكرته وحدها لن تفيدك.
كذلك، لكي أكتب قصة ناجح ما، لابد لي من أن أتركه يتحدث، ثم أعرض ما ذكره على عقلي، ثم أوجه له باقة من الأسئلة، ثم باقة أخرى، وهكذا، أي أن قصة النجاح القصيرة تحتاج من 10 إلى 20 ساعة من الحديث والجدل والنقاش. تعال الآن معي إلى السفارة السعودية، وأنا أطلب تأشيرة دخول تحت مسمى مناقشة الشيخ الراجحي أو الوليد في قصة نجاحه، وهب أني حصلت عليها، تخيل معي وأنا أدخل مكتب مدير مكتب الراجحي أو الوليد، واطلب منه أن يخصص لي الشيخ من وقته قرابة الأسبوع في حوار من سؤال وجواب، حتى أكتب قصته، ثم انشرها في المدونة بدون مقابل… وهذا أمر لن يحدث.
سيقول قائل، لا داعي لكل هذا، لقد نشرت مجلة كذا أو موقع كذا قصة الشيخ كذا، انسخها وانشرها عندك، وهذه الاقتراحات – رغم سلامة نية قائليها لكنها في قمة السخافة، إذ لو كان الأمر كذلك، فلماذا لا أنقل كل محتويات هذا المصدر، ولماذا أملأ الدنيا بضجيج كتاباتي من الأساس، لماذا لا أغلق هذه المدونة وأحول رابطها إلى هذا المصدر… وإذا كان هذا المصدر نشرها، فما فائدة التكرار؟
الآن عزيزي القارئ، ما رأيك في هذه النقاط الأربعة؟