خواطر من وحي غزة
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شبابيك
| المصدر :
www.shabayek.com
برسالة يقطر منها الأدب والذوق وحسن الخلق، طلب مني عبد الله من الأراضي المحتلة أن أكتب مقالة لنصرة غزة. منعني أدبه الشديد في رسالته من أن أرفض، لكني جلست أفكر، ما الذي يمكن لي أن أقوله أو أضيفه، وماذا يمكن لكلماتي أن تفعل في هذه الظلمة المستحكمة، والزلزلة الشديدة، والظلم الظلوم… صراحة لم أجد جديدا أضيفه، وكدت أن أعتذر له، لولا أن فكرت في ذكر بعض الأخطاء التي وقعنا فيها في معالجتنا لقضية غزة، وأحببت أن أوضحها هنا، عساني بهذا ألبي طلب أخي.
غزة ليست قضية عربية
أول وأكبر وأفدح خطأ نقع فيه، حين نقصر قضية غزة (وفلسطين والعراق) على العرب فقط، وهي ليست كذلك. غزة قضية كل مسلم، غزة مصيبة الإسلام لا العرب وحدهم، وحين نقصر ما يحدث في غزة علينا نحن العرب، فهذه زلة يجب أن نتداركها بسرعة، ولقد شاهدنا وقرأنا عن انتفاضة المسلمين في ماليزيا، وفي فرنسا، وفي النرويج، ورأينا دعم بوليفيا وفنزويلا لنا، وغيرها من دول العالم، ولذا أكرر أن احتلال أي أرض مسلمة هو قضية الإسلام وكل مسلم في كل مكان وزمان، لا العرب وحدهم.
سب الزعماء العرب خطأ تكتيكي
خرج الجميع وسب وشتم وقدح وخاض في أعراض الزعماء العرب، لكن، وبعد أن تضع الحرب أوزارها قريبا بمشيئة الله، ونبدأ نزيل آثار العدوان، ستحتاج غزة إلى أموال طائلة لتعود كما كانت، ولتدور عجلة الحياة فيها، فمن أين؟ إن هؤلاء الزعماء هم من بأيديهم الأموال التي ستساعد على إحياء مدينة غزة، وهم من بأمرهم تفتح المعابر وتغلق، رضينا أم غضبنا، ولهذا يجب أن ننظر إلى بعيد، ننظر إلى المستقبل ونخطط له، ماذا سنفعل بعد سنة من اليوم، من سيعيد تخطيط وبناء ما تهدم، من سيرفع الركام، من سيصلح محطة الكهرباء، من سيرصف الطريق، من سينفق على علاج الجرحى ويعالجهم عنده في مستشفياته… كذلك، من يضمن نفسه، أنه إن أصبح في موقف أي حاكم عربي يوما، وعلم ما يعلمه هذا الحاكم، فأنه لن يفعل مثله…
إسرائيل ليست العدو الوحيد
دعونا ننظر بعين الإستراتيجية الحربية والتاريخية، من زرع اليهود في أراضينا المسلمة؟ إنها
إنجلترا
، ومن نقل تقنية السلاح النووي إلى إسرائيل؟ إنها
فرنسا
، ومن أمد إسرائيل بالسلاح والمعرفة التقنية؟ إنها الولايات المتحدة
الأمريكية
، وهؤلاء هم
عدونا
الحقيقي، وإن تخفوا وراء الابتسامة وإدعاءات الحضارة. لو اجتمع المسلمون على الصهاينة في حرب، فأنا أكاد أرى تحرك كل قوات أوروبا وأمريكا ضدنا، وهذه الحرب القادمة لن تجدي فيها الكلمات والاندفاعات، بل العمل المنظم والمعرفة المتقدمة والتخطيط الطويــل.
القتال ليس هو الجهاد الوحيد
يجمع قطاع كبير من المسلمين اليوم، على أن الجهاد قتال ودماء – فقط، وهذا اعتقاد غير دقيق. إن الجهاد بالنفس لا يكون بسبب ملل وضجر من الدنيا ومشاكلها، وطمعا في جنة الرضوان، فقط، بل أرى وجوب كون المسلم المجاهد حريص على الدنيا ليزرع فيها الخير، ومستعد للتضحية بحياته في سبيل ربه، لا أن يحب الجهاد كوسيلة شرعية للانتحار، فجل ما أخشاه أن يذهب مسلم بهذا الظن للجهاد، فيموت، فلا يقبلها الله منه. إن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، أمر المسلمين بالجهاد في بدر وأحد، وأمرهم بالعودة في صلح الحديبية، ما يعني أن الأمر بين هذا وذلك، بين قتال وسياسة وحكمة. يقول الله عز وجل في محكم آياته أن من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، ومقابلها يقول الله ومن قتل نفسا (بغير حق) فكأنما قتل الناس جميعا، ما يعني أن الأمر على وجهين: حفاظ على الحياة، ما دامت بالعدل وبالحق وبالسلام، وإزهاق هذه الحياة، إذا خالفت العدل والحق والسلام. إن المسلم ليبلغ بحُسن الخلق مرتبة الصائم القائم، وإماطة الأذى عن الطريق أدنى شعب الإيمان، وبين هذه وتلك، أمامنا طرق عديدة وكثيرة للجهاد، فالجهاد يكون بالحياة، ويكون بالموت.
تدمير أمريكا خطأ تكتيكي آخر
يتفق معي البعض حين أقول أن إسرائيل زريعة أمريكية في المنطقة، لكنهم لا يتفقون في الشق الثاني مما أقوله، ألا وهو قولي أن علينا أن نغنم أمريكا سالمة، عن طريق دخول أهلها في الإسلام. في حين نحب أن نختلف، لكننا أجمعنا على حبنا في أن نرى أمريكا مدمرة، ولم أجد من يحب أن يراها غنيمة للإسلام. إن ديننا الحنيف لم يحاور عاقلا، يقدم العقل على هوى النفس والشهوات، إلا واكتسبه مسلما، ولهذا أرى – بل أؤمن – أننا إن ركزنا جهادنا على نشر الإسلام في أمريكا وأوروبا، فسنلتف على الصهاينة من حيث لم يحتسبوا، وسندخل عليهم من أضعف نقطة فيهم.
تخيل معي لو أسلم وزير الاستخبارات الأمريكية، وحسن إسلامه، ساعتها توجب على قومه فصله من عمله، فكسبه الإسلام وخسره قومه. إن بلال كان حبشيا، أهدى الإسلام صوته الجميل، وسلمان كان فارسيا (إيران الآن) فأهدى الإسلام فكرة الخندق، وصهيب كان روميا وصلح إسلامه وأفاد المسلمين. إن الإسلام نزل في بلاد العرب، وبلسانهم، لكنه أبدا لم يكن مقصورا عليهم. نهض الإسلام على أكتاف العديد من غير العرب، وفي هذا حكمة يجب أن ننتبه لها، الإسلام ليس حكرا علينا، ولا نصرته حكرا علينا، ولا مشاكله حكرا علينا، الإسلام رسالة عالمية، لكل الناس.
هذا، وإن وجدت في كلامي خيرا فهو من الله ذي الفضل العظيم، وإن وجدت غير هذا، فهو من نفسي الضعيفة والمقصرة، ويسعدني قراءة تصويبك لما أقوله، وأعتذر إليك أخي عبد الله إن كنت قد قصرت.
فاصل ونواصل كلامنا عن التسويق! ابقوا معي.