رؤية دبي – الجزء الثاني
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شبابيك
| المصدر :
www.shabayek.com
كتاب “رؤيتي” للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي
لعل أهم ما نخرج به من قراءة هذا الكتاب هو نتيجة مفادها أن
النجاح العربي ممكن
. بلا شك، السنوات الخمسون الماضية عقمت أن تلد أملاً حقيقيًا يجمع حوله جميع العرب والمسلمين، فمن نكبة لنكسة لاحتلال لانتفاضة لغزو لاجتياح، ومن سيء لأسوأ لأقبح، ما جعل في الفم مرارة وفي النفس سقم. في خضم كل هذا، نجد دبي يبزغ نجمها شيئًا فشيئًا، ومن نجاح لفلاح لتقدم لازدهار. دبي تثبت لنا حقيقة هامة مفادها التالي:
تخلفنا مرده غياب القائد والقدوة والرؤية
!
نكمل مع الشيخ الذي يلفت نظرنا إلى أن تقدم العرب والمسلمين إنما كان لأنهم كانوا يخترعون،
فحين اخترع العرب الشراع المثلث
، مكنهم ذلك من الإبحار حتى ولم تهب الريح القوية، ما أعطاهم ميزة تنافسية عن غيرهم، فتمكنوا من الإبحار والاتجار حين رست سفن غيرهم ذات الأشرعة المستطيلة. تقدم علم الفلك العربي مكن البحارة العرب من الإبحار في الليل معتمدين على النجوم مقارنة بغيرهم الذين كانوا ينتظرون ضوء الفجر. اختراع البوصلة مكن العرب من الإبحار في الغيوم والعواصف والتوغل في قلب البحر بدلاً من الاستدلال بالشواطئ، ما جعل التجارة العربية نشيطة وسريعة.
شيئاً فشيئاً
سيطر العرب على خطوط التجارة البحرية الدولية،
ما ساعد حضارتهم على الانتشار والازدهار والاستمرار، مما مكنها من البقاء على قيد الحياة بعد سقوط الأندلس، بفضل سيطرتهم على الخطوط البحرية الشرقية. الطريف أن البرتغاليين – بعدما أبادوا مسلمي الأندلس- استخدموا سفن المسلمين وعلوم الفلك الإسلامية والبوصلة والاسطرلاب، بل حتى استعانوا بملاحين عرب دلوهم على الطريق إلى الخليج العربي وإلى الهند. هذه المعرفة الموروثة ساعدتهم على اكتشاف الأمريكتين وما وراء البحار. لكن الشراع كان حاسمًا في وقته وحسب ، فاختراع المحركات جعله شيئاً من الماضي.
خسارة الريادة جعلت العرب يتخلفون، وإن هم أرادوا استعادة الأمجاد فعليهم بتحري الريادة مرة أخرى
.
لكن ما الفرق بين كلمتي
رؤيا ورؤية
؟ الأولى منامية، في حين الثانية واعية نتاج الإدراك الكامل، والخيال المدروس. الرؤية تحتاج للتنفيذ لا فقط قابلية التنفيذ. محمد الفاتح حلم منذ صغره بفتح القسطنطينية، لكنه نفذ هذه الرؤية بيديه. ميناء جبل علي كان رؤية الشيخ راشد – والد الشيخ محمد، تحقق في سنتين، ورغم كونه مستحيلاً بالمعايير السائدة وقت البدء فيه، لكنه اليوم حقيقة راسخة تدل على حكمة بانيه وبعد نظره، ورؤيته الثاقبة وفراءته الصحيحة للمستقبل.
تنفيذ الرؤية له متطلبات كثيرة وعديدة، يعددها ويشرحها الكتاب، في الجزء الثاني، عبر شرح فكرة القيادة والتميز وخصائصها، ثم يدلف إلى صفات القائد المطلوبة فيه، وحاجته إلى فريق عمل يساعده على تنفيذ رؤيته، ثم عمل هذا القائد على إعداد الكوادر الفنية التي تتولى المسؤولية مشكلة بذلك الخط الثاني، فأي قائد مهما طال عمره سيمضي في يوم ما.
يرى الشيخ أن الإدارة هي أبرز أسباب وضعنا العربي الحالي، لكنه يؤمن كذلك بيوم سيأتي وقد حل العرب مشاكلهم واستردوا حقوقهم وأرضهم وسابق عزهم. صلاح الإدارة يعني صلاح ما بعدها من اقتصاد وتعليم وصحة وثقافة وفنون ومل شيء.
يعج العالم العربي بسياسيين كثرة وإداريين قلة،
إداريين لديهم رؤية قادرة على إخراجنا من المستنقع الذي غرزنا فيه بملكنا.
يضرب الشيخ المثل ما بين مصر وكوريا الجنوبية وتايوان، ففي فترة الستينات، كان الثلاثة في الحضيض، لكن الأخيرتان وقفا على قدميهما، بينما مصر زادت مدعاة للحزن عليها. الفرق بين حكومة ناجحة وأخرى فاشلة هو عدد العراقيل التي تضعها أو تزيلها أمام مواطنيها، والفساد الحكومي هو سبب فقر تلك الحكومات ومن ثم شعوبها.
يحكي الشيخ كيف رفضت شركات التأمين تغطية مخاطر ملاحة الطائرات والسفن في الخليج العربي إبان حرب الخليج الثانية عام 1991 (غزو الكويت). قرار مثل هذه معناه أن لا طائرة ولا سفينة ستقترب من الخليج العربي. على الفور وفي التو، تم اتخاذ قرار سريع مفاده قيام دبي بالتأمين بذاتها على الملاحة البحرية والجوية، فاستمرت حركة الملاحة بنوعيها مع دبي، في حين لم يوفر غير دبي مثل هذا الغطاء فتوقفت تجارته، في حين وصلت البضائع إلى دبي، ومنها إلى سائر دول الخليج في دلالة على أهيمة القرار الصائب في الوقت الصائب. أمثلة القرارات الأخرى كانت شراء 58 طائرة لتنضم إلى أسطول طيران الإمارات، ثم مشروع النخلة الذي يتيح لك اقتناء منزل في وعلى البحر!
فاصل قصير ونواصل – فابقوا معنا!