مضت ثمانية لقاءات من الحوار الوطني التي أقامها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ إنشائه، وقد كان الكثير من المواطنين حريصين على متابعة ورصد ما يدور في تلك الحوارات؛ خاصة في بداية انطلاقها وما تحمله أجندة لقاءاتها من مواضيع وحوارات نجحت بامتياز في إشاعة ثقافة الحوار، والوسطية، والاعتدال، وتعزيز الوعي نحو الارتقاء بفكر وعطاء كل فرد في المجتمع.
ولكن الواقع اليوم أنّ «الحوار الوطني» بحاجة إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع القضايا والمشكلات؛ بما يتناسب مع المتغيرات المتسارعة، إلى جانب إيجاد آلية جديدة تضمن تطبيق توصياته؛ حتى يكون لها أثر ملموس على الواقع.
قضايا مهمة تم نقاشها عبر طاولة الحوار الوطني خلال لقاءاته الماضية لعل من أهمها: المناطقية والقبلية، والبطالة ومجالات العمل والتوظيف، والأخطاء الطبية، والتعليم بين الواقع وسبل التطوير، والتطرف والغلو وغيرها من الموضوعات الكبيرة والهامة، حيث تم خلال جميع الدورات الماضية إصدار العديد من التوصيات حول تلك المواضيع ولكن السؤال: أين تطبيق توصيات تلك اللقاءات؟.
ماهي النتائج؟
وأكد "نايف الشريف" -أستاذ القانون بجامعة الملك عبد العزيز- أنّ الحوار ممتاز جداً وفكرة إنشاء وتأسيس المركز جداً رائعة؛ لأننا كنا بحاجة للحوار والرأي وتقبل الرأي الآخر، ومناقشة الأفكار كأفكار دون التطرق للأشخاص، مشيراً إلى أن ما طرح خلال لقاءات الحوار الوطني السابقة هي موضوعات مهمة، ولكن ماهي النتائج؟، وما مدى تفعيلها وجعلها قرارات ملزمة؟، داعياً إلى إيجاد قوانين وأنظمة تلزم الجهات المعنية بالتطبيق؛ لأنّ ذلك هو الذي يجعل لها الدور الملموس في المجتمع.
توصيات غير ملموسة
وذهبت "د.سهيلة زين العابدين"- إلى القول بأهمية الحوار ودوره في إصلاح الكثير من الأخطاء في المجتمع، قائلةً: "وأنا شخصيا متحمسة للحوار، ولكن المؤسف أنّ جميع التوصيات التي صدرت عن الحوار غير ملموسة، ولم تحدث أي تغيير جوهري، فحتى الآن لم ننجح في تأهيل المواطن للرأي وتقبل الرأي الآخر، ونحن النساء عندما نطالب بأشياء من صلب الإسلام نوصف بأننا ليبراليات وعلمانيات، والكثير من القضايا ناقشها الحوار الوطني؛ لكننا لم نلمس فيها أي تغيير"، مشيرةً إلى أنّ قضية الغلو والتطرف مازال هناك من يكرسه ويدعو له ولعل من الشواهد على ذلك ما حدث في معرض الكتاب مؤخراً؛ لذا نحن ننشد حواراً يؤدي إلى نتائج ملموسة ترتقي بالمواطن والوطن إلى الأفضل وتحقق التقارب بين أفراد المجتمع.
د.سهيلة: لم نحارب التشدد والدليل ما حدث في «معرض الكتاب» واتهام من يدافع عن المرأة ب «العلمنة»
الرتابة والروتين
وأكد "حسين القحطاني" -إعلامي- على أنّ الحوار الوطني أصبح رتيباً وروتينياً ولم يعد له ذلك الصخب الكبير عند أفراد المجتمع كما كان في السابق؛ لأنّ مخرجاته وتوصياته غير ملموسة للمواطن والمردود العام من التوصيات غير واضح، رغم أنها توصيات مهمة وجيدة، ولكنها لا تكون ملزمة للجهات المعنية، وهذا مايفقدها التأثير.
غياب الشباب
والكثير من المواضيع والقضايا التي طرحت على طاولة الحوار الوطني تعنى بالشباب من الجنسين والذين يشكلون النسبة الأكبر من عدد السكان، وهذا يتطلب أن يكون لهم حضور مؤثر ووجود فاعل في إدارة مركز الحوار الوطني، حيث طالب "د.الشريف" بشدة بضرورة أن يكون للشباب وجود في إدارة الحوار الوطني؛ فالمسؤولون القائمون على مركز الحوار الوطني لم ينتبهوا إلى هذه النقطة المهمة والجوهرية، متمنياً أن تكون نسبة كبيرة من المسؤولين في المركز من فئة الشباب المشهود لهم بالصلاح وحب الوطن، وأن نضع فئة شباب يتولون المسؤولية في المركز؛ لأنّهم أكثر قرباً وفهماً لمشاكل الشباب وأكثر قدرة على طرحها ومناقشتها بكل شفافية.
تواجد المرأة
ودعت "د.زين العابدين" إلى ضرورة وجود مكان للمرأة على طاولة الحوار الوطني، وأن يكون لها موقع في إدارته؛ لأنّ ذلك يتيح لها أن تطرح قضاياها وتناقشها بكل شفافية وعمق، وأن تخرج من تحت عباءة الوصاية على قضاياها، وأن لا تكون مغيبة عن التواجد على طاولة الحوار الوطني، وأن يكون للشباب حضور أكبر في إدارة المركز؛ لأنّ معظم القضايا التي تطرح للحوار متعلقة بالشباب ذكوراً وإناثاً.
انتقائية الأشخاص
وقال "د.الشريف"" "إنّ من إشكاليات الحوار الوطني الانتقائية للضيوف والمتحدثين بعناية، وهذا يفترض أن لا يكون موجوداً، وأن يفتح المركز للجميع، وأن يكون ملكاً للمجتمع، وليس ملكاً لفئة معينة، وهذه الانتقائية واضحة من خلال لقاءات الحوار الوطني السابقة، و"قوائم المركز" شاهدة على ذلك!.
وأشارت "د.زين العابدين" إلى أنّ الانتقائية موجودة وهي من الأمور التي يجب أن لا تكون موجودة، والدليل على هذه الانتقائية أنّ المرأة مستبعدة من التواجد على المنصة، وكأنّ الحوار الوطني فقط قصراً على الرجال وليس للمرأة الحق في أن تكون موجودة على منصته، أو أن يكون لها دور في إدارة دفة الحوار.
نتائج ملموسة
وقال "حسين بافقيه" -الأديب والناقد-: "فكرة الحوار فكرة ممتازة للغاية، والجميع يرحب بها، بل يدعمها، ولكن بعد مرور ثمانية لقاءات حوارية يجب أن نتوقف ملياً لنتأمل في آليات الحوار والنتائج، حيث شاركتُ في الحوار الوطني عن الخطاب الثقافي ولاحظتُ مسألة، وهي كأننا نحاور أنفسنا أو كأنه تجربة أو برنامج تربوي تطبقه إدارات التعليم للتدرب على الحوار، وهذا يجعله أقرب مايكون للفضفضة، وحينما نتلمس أثر الحوار على مجتمعنا لا نجد له أثر ملموس".
خدمة الوحدة الوطنية
ودعا "بافقيه" إلى تحديد الأطر التي تهم الوطن بشكل كبير، حيث ينبغي الاشتغال على القضايا الكبرى التي تخدم الوحدة الوطنية وتؤسس على التسامح في مجتمعنا، وتعزيز احترام الآخر، من خلال إصدار توصيات الحوار الوطني قوانين من الدولة تحفظ لكل مواطن حقه، والخروج بإضاءات حول المرأة ودورها في المجتمع وكرامتها، وتحويل توصيات الحوارات الوطنية إلى قوانين ملزمة للجميع تساهم في تطوير الوطن وإعطاء المواطن حقوقه التي يأمر بها ولاة الأمر -حفظهم الله-، متمنياً تحويل مركز الحوار الوطني إلى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، وأن يكون له مردود حقيقي في مجتمعنا يحمي لحمته، وتحويل توصياته إلى واقع ملموس حتى لا يكون مجرد يوتيبيا لا نلمس لها أثراً.
التفكير والتعليق
وأضاف "بافقيه": ومن الملاحظات الزيادة الكبيرة للمشاركين التي لا تعطي فرصة لأن يأخذ كل شخص فرصته للتعبير عن فكرته والتعليق على مايطرح من آراء وأفكار؛ فالوقت المخصص لكل متحدث لا يزيد عن خمس دقائق، وهذا يجعل المتحدث لا يكاد يقول جملة مفيدة حتى يجد أنّ الوقت المحدد له قد انتهى، داعياً إلى قصر كل لقاء من لقاءات الحوار الوطني على عدد محدد من المدعوين ليكون الحوار أكثر عمقاً وتعطى لكل متحدث فرصة أكبر في تقديم فكرته وطرحه.
ودعا "د.الشريف" إلى وجوب القيام بوقفة يتم من خلالها دراسة الإيجابيات والسلبيات، حيث أنّ الإيجابيات كبيرة ومركز الحوار الوطني هو المنبر المفترض طرح كل الآراء والمقترحات والتطلعات للمواطن، كما أكد وتحدث بهذا صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية خلال لقائه الماضي مع الإعلام.
مواكبة المرحلة
وناشد "د.الشريف" الحوار الوطني إلى أخذ دور آخر وأكثر عمقاً بما يتوافق مع المرحلة؛ فهناك الكثير من الموضوعات التي تحتاج الكثير من الشفافية عند طرحها؛ من أجل تحصين الوطن والمواطن من كل الأفكار والسموم التي يبثها أعداء الوطن لتقويض لحمته وزعزعة أمنه واستقراره، مشيراً إلى أنّ المركز اليوم بحاجة إلى نقلة نوعية تجعل له أثراً ملموساً وفاعلاً، وإيجاد مراكز أخرى للحوار الوطني في مختلف مناطق المملكة لها استقلالية وترتبط بالمركز الرئيس في الرياض؛ لأنّ ذلك سيساهم في أن تكون هذه الفروع أكثر قدرة على مناقشة هموم كل منطقة، ولكن الأهم أن تكون التوصيات التي تصدر عن الحوار الوطني ملزمة وملموسة.
تحقيق الإنسجام
وقالت "د.زين العابدين": "على مركز الحوار الوطني أن يكون منبراً لمناقشة كل قضايانا وتطلعاتنا بأسلوب حضاري يئد كل محاولات الفتنه والدسيسة التي تحاك ببلادنا، وتهدف لإثارة الفتن فيها وزعزعة أمنها"، داعياً الحوار الوطني في المرحلة الحالية إلى أن يكون حواراً يؤدي نتائج إيجابية وملموسة تحقق الانسجام والتوافق بين جميع أطياف المجتمع، وتلبي كل تطلعات واحتياجات المواطن وتعالج الأخطاء، وأن يكون منبراً لكل مواطن ومواطنة ويحدث تغييراً حقيقيا في تقبلنا للرأي الآخر وتحقيق المواطنة الحقيقية لدى الجميع بالصورة التي تحمي الوطن من كل نداءات الشر التي تحاك به وتحاول جاهدة للنيل من لحمته وزعزعة استقراره، وهو الذي يجب أن نتكاتف جميعاً للتصدي له.