استطاعة سوق الأوراق المالية السعودية – المتمثلة في ورقة واحدة حتى الآن وهي الأسهم – أن تستقطب رأس المال، واستطاعت بما تملكه من مرونة، كطبيعة لازمة لها، وبما تمنحه من حرية لرأس الماس أن تشجع وتحفز الاستثمار. وأصبح لدى الناس في المملكة قناعات جديدة حول أهمية العملية الاستثمارية والدور الذي يلعبه الادخار، والتي كانت إلى وقت قريب أمراً مستعصياً على الفهم للرجل العادي. كل هذا أنجزته السوق السعودية للأسهم في وقت قصير دعمته الثقة المتزايدة مع تشكيل هيئة سوق المال، وما تمثله من عنصر مهم وصمام أمان بالقرارات الجريئة والمسار الموفق الذي اتبعته الهيئة حتى الآن. ومع كل هذا لا تزال السوق السعدية تتضمن عنصر المغامرة بأكثر مما يجب، ولا يزال عامل عدم التأكد قوياً جداً وقدرة المحللين على تحديد حجم المخاطر وبناء معادلات السوق تتضاءل أمام نمو السيولة وتضخم الأسعار، وهكذا يبرز التناقض بين الإنجاز والفشل، بين نجاح السوق والهيئة مع تزايد المخاطر وعوامل عدم التأكد وقرارات اللحظة.
ولدعم النجاحات وتلافي الأخطاء وردت عدة حلول، منها تجزئة الأسهم إلى عدة أجزاء قد تصل إلى عشرة أو تزيد، ومنها فرض رقابة وتحكم أكثر صرامة في عمليات التداول، خاصة يف تلك الشركات التي يصل التداول إلى كامل رأسمالها. قد تكون مثل هذه الحلول ضرورية ولكنها في مجملها حلول مؤقتة، حيث إن قضية سوق الأسهم السعودية ليست في وجود السيولة الضخمة التي تصل إلى المليارات في بلد يعد نامياً مثل المملكة، بل إن القضية الأساسية، في نظري، هي وجود عوائق أمام الاستثمارات القادرة على امتصاص مثل هذه السيولة وبسهولة. إن هنالك فشلاً واضحاً من قبل الغرف التجارية في إقناع العديد من الشركات العائلية أو ذات المسؤولية المحدودة التي تضاهي في حجمها معظم الشركات المساهمة، بل وتحقق أرباحاً وإيرادات تشغيلية ضخمة، تفشل الغرف التجارية في إقناعها بالتحول إلى شركات مساهمة. وتبقى أدراج وزارة التجارة وملفاتها تحتوي العديد من الشركات المساهمة المغلقة، والتي لم يتم إدراج أسهمها للتداول، ولك أن تعرف أن عدد الشركات المساهمة في ملفات وزارة التجارة تجاوز المائة، بينما المدرج منها سبعة وسبعون شركة فقط. كما تعجز البنوك السعودية هي الأخرى عن استيعاب النقلة المعرفية التي حدثت للإنسان السعودي ونظرته إلى الاستثمار. فبدلاً من أن تمارس دورها الاقتصادي كشركات ومؤسسات تمويلية ووسيط ناقل للسيولة من المدخر والمستثمر إلى رجل الأعمال، تصبح هذه البنوك من تجار الجملة والتجزئة وتنافس في سوق السيارات والحديد وغيرها وتحقق أرباحاً بالمليارات تصبها يف سوق الأسهم على شكل قروض. وبذلك تهرب البنوك السعودية عن ممارسة دورها الأساسي في مد رجال الأعمال بالسيولة اللازمة من خلال إجراءات أكثر سهولة ومشاركة بقدر محسوب في مخاطر الأعمال. إن الإحجام عن دخول سوق الأسهم من خلال صناعة وإنتاج شركات مساهمة قوية على الرغم من وجود السيولة العالية أدى إلى انخفاض، أو قل انعدام، تكلفة رأس المال في السوق السعودية. ففي الوقت الذي كان يجب على أي شركة تعاني من تعثر أو عدم القدرة على توزيع أرباح نقدية أن تعاقب من قبل السوق بارتفاع تكلفة الحصول على رأس المال، بزيادة الفوائد أو أن تضطر إلى منح خصم إصدار على أسهم زيادة رأس المال، نجد أن الحال مختلفة لدينا. فمثل هذه الشركات تكافأ على الأداء السيئ بمنحها حق إصدار أسهم جديدة لتعوض النقص الحاصل لديها في السيولة بالمتاح منها في السوق، وقد تكافأ بأكثر من ذلك بأن تحصل على علاوات إصدار (مع منع النظام لحالة الإصدار بخصم)، وبذلك تتخلص الشركات من أعباء اللجوء إلى الاقتراض وفوائده المرتفعة. وليعود الحال إلى مرحلة التوازن لابد من فتح وتسهيل الطريق أمام رجال الأعمال الجادين والمشاريع الرأسمالية القوية والاستثمارات التي تساعد في نقل التكنولوجيا بأن تظهر في سوق الأسهم. وبالتالي تتنافس الشركات في سوق رأس الملا، مما يرفع تكلفة الحصول عليه أمام الشركات ذات المديونية العالية أو تلك التي تعاني من سوء إدارتها أو تعثرها المالي أو عدم قدرتها على توزيع الأرباح النقدية. وستستطيع الشركات القوية إخراج الشركات الرديئة من السوق. كما أن ذلك سيدعم قدرات هيئة سوق المال لفرض عقوبات أشد صرامة على تلك الشركات التي لم تقم بتوزيع أرباح، على الرغم من مرور عدة سنوات على إنشائها. ففي هذه الحالة تستطيع هيئة سوق المال، وكما هو مطبق في سوق المال، وكما هو مطبق في أسواق المال المتقدمة، إخراج مثل هذه الشركات من قائمة التداول أو ما يسمى بـ Enlist and Delist، فلا معنى لتداول أسهم شركة في أسواق المال تحقق أرباحاً ولا توزعها.
أما إذا استمر الحال على ما هو عليه فستستطيع الشركات المتعثرة إخراج الشركات الجديدة من التداول – حسب قانون جريشام النقدي – وذلك بأن يحتفظ الناس بالأسهم الجيدة ويتداولوا الأسهم الرديئة، وتستمر الشركات المتعثرة تحصل على رأسمال جيد من خلال إصدار أسهم أو – عندما تفقد السيولة – تقوم بتحويل الاحتياطيات أو الديون إلى أسهم، وتستطيع أن تجد التمويل ومكافأة على الإصدار وتستمر السوق تكافئها على مثل هذه التصرفات.
الاقتصادية / السبت 26 رمضان 1426هـ/ 29 أكتوبر 2005م العدد 4401
الدكتور / محمد آل عباس – أستاذ المراجعة المساعد – جامعة الملك خالد - أبها