لا يمكن لمجتمعنا السعودي أن يستغني عن العمالة المنزلية الرخيصة (السائق والخادمة) أو يقلصها مادامت المرأة السعودية لا تستطيع أن تقود سيارتها بعد أن رفض مجلس الشورى حتى مناقشة تلك القضية، وفي ظل عدم وجود مراكز خدمات منزلية توفر العمالة لمن يحتاج إليها عند طلبها وعدم رغبة بعض النساء اللاتي لا يعملن في القيام بأعمال المنزل. إذاً هل نبقى مكتوفي الأيدي أمام تلك القضية ونستسلم للوضع القائم طبعاً لأن وزارة العمل تستطيع أن تعمل الكثير في ذلك المجال وبكل سهولة عندما تضع بديلاً حقيقياً لاستقدام العمالة المنزلية بإقامة مراكز خدمات منزلية. فإن من الخطأ أن يدعي شخص ما أن كل عائلة سعودية مرتاحة اقتصادياً أو نفسياً بوجود تلك العمالة في منزلها بل إنه يحملها أعباء اقتصادية كبيرة تحد من رفاهيتها في ظل عدم وجود حلول بديلة. فليس هناك خلاف بين أفراد المجتمع على أن العمالة المنزلية لها تكلفة اقتصادية واجتماعية وتعاني منها العائلات السعودية ذات الدخول المعتدلة. وهذا يؤكد أن العائلات السعودية مازالت مرغمة على استقدام العمالة المنزلية أو أنها في حاجة إليها رغم هذه التكاليف المتصاعدة مما يستدعي أن تحدد وزارة العمل موقفها من تلك العمالة بتمرير قرار يحث على ترشيد العمالة المنزلية ولكن كيف يتم ذلك؟ إن الحل لتلك القضية ليس بالمعجزة ولا يحتاج إلى الكثير من الدهاء والذكاء ولكن يحتاج إلى قرار حاسم وفاعل يقرر إنشاء مراكز خدمات منزلية في كل مدينة عند أجور معتدلة تتناسب مع تكلفة تلك العمالة بحيث يستطيع صاحب المنزل أن يطلب طباخاً أو عاملة منزل أو سائقاً كلما احتاج إليها مقابل أن يدفع لها أجراً لكل ساعة عمل على ألا يتجاوز مدة العمل لديه بعض الساعات في اليوم لإتاحة الفرصة لغيره من أصحاب المنازل الأخرى. إن هذا القرار سيخدم صاحب المنزل عندما يستطيع أن يحصل على الخدمة التي يحتاج إليها نفسها دون أن يتكفل بإسكان صاحب الخدمة أو يتحمل تكاليف الإجراءات وإصدار إقامة وغيرها ما يمكنه من إعادة حساباته المنزلية بما يتناسب مع مستوى حياته المعيشية عند أدنى حد من الإنفاق. فضلاً عن أن ذلك سيؤدي إلى تقليص حجم العمالة المنزلية الذي سيشجع بعض العائلات الاعتماد على نفسها في خدمة منازلها دون الاستنجاد بالخادمات. إن إقدام وزارة العمل على مثل ذلك القرار سيفضي إلى منافع اقتصادية واجتماعية متوقعة في وقت أصبح الاقتصاد والمجتمع في أمس الحاجة إليه لتحقيق مزيد من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لتلك العائلات التي عانت الكثير من استقدام تلك العمالة. إن ذلك القرار يمكن العائلة من ترشيد إنفاقها وموازنته مع الحاجات الضرورية والأجر الذي سيدفع إلى الخادمة مقابل خدماتها ما يوفر لتلك العائلة جزءاً من دخلها قد تستثمره فيما يطيب لها. كما أن تلك المراكز تعطي العائلة بعض الحرية أن يكون السائق خارج منزلها ولا يسكن معها تفادياً للمشاكل المرتبطة ببعض تلك العمالة المنزلية. أما على مستوى المجتمع فإن المنفعة أعظم عندما تتقلص التكاليف الاجتماعية التي تنتج عن زحمة تلك العمالة في منازلنا وشوارعنا وكأن عائلاتنا قد فقدت هويتها متشبثة بتلك العمالة ذات الثقافات المختلفة عن ثقافتنا وما لها من تداعيات سلبية لا تحمد عقباها. إنه من المتوقع بعد إنشاء تلك المراكز الخدمية أن تتقلص تلك العمالة المنزلية بخطى سريعة بعد أن يتغير سلوك العائلات السعودية الاستهلاكي لخدمات تلك العمالة وترشيده من خلال الاستفادة بطريقة غير مباشرة من خدمات تلك المراكز التي توفر لهم ما يحتاجون إليه من خدمات منزلية عند الحاجة لها فقط. وعلى كل حال ليس كل العائلات تحتاج إلى عمالة منزلية بصفة مستمرة وإنما فقط لساعات محددة من العمل ولكنها أرغمت استقدمها لعدم وجود بديل آخر يمكن أن يعوضها عن هذا الاستقدام المكلف. إن القرارات التي تضع بدائل أمام المواطن هي القرارات التي دائماً تكون موفقة ومحققة لأهدافها بدلاً من إغلاق الأبواب في وجه المواطن وإرغامه على الاستقدام أو ألا يستقدم وهما خياران الأول أمر من الثاني ولكن عندما يضاف اختيار مراكز الخدمات المنزلية فإنه سيكون متنفساً لتلك العائلات ما قد يكفي حاجاتهم من الخدمات المنزلية ويصب في مصلحته ومصلحة المجتمع ككل.
الاقتصادية / الخميس 23 جمادى الأولى 1426هـ العدد 4280
الدكتور / فهد محمد بن جمعة – كاتب اقتصادي