التخصيص والحلول الممكنة
يمكن القول إن التخصيص أو "الخصخصة" لم يعد خياراً في وقتنا المعاصر، بل واقع يجب التعامل معه، وتهيئة السبل للانتقال من النظرية إلى التطبيق. وأظهرت تجارب البلدان المتقدمة التي سبقتنا إليه في التطبيق لِمَا للتخصيص من فوائد ومثالب.
أما الفوائد فتتمثل في تنشيط دور القطاع الخاص ومساهمته التنموية وخفض تكلفة التشغيل وتخفيف الأعباء عن الأجهزة الحكومية والضغوط والموازنات السنوية للدولة، ومردود ذلك على الإنفاق الحكومي للتفرغ للعملية التنموية بكفاءة عالية وفاعلية.
وأما المثالب فتتمثل في ارتفاع سعر البيع للخدمة أو المنتج بعد التخصيص، وإن كنا نرى أن ذلك يمكن أن يغطيه خفض تكلفة التشغيل وتحقيق هامش من الربح مجز لا يجب معه رفع القيمة المباعة بها الخدمة، خاصة في ظل اقتصاديات السوق والمنافسة والحد من الاحتكار. كذلك، سعت بعض الحكومات إلى مراقبة أسعار المنتجات المخصصة من خلال تملكها حق الفيتو على القرارات ذات البعد الاجتماعي للمنشآت المخصصة أو ما يسمى الأسهم الذهبية في ملكية هذه المنشآت.
والأمر الآخر هو ما يترتب على الانتقال إلى التخصيص من خفض قوة العمل وتسريح بعض العاملين لخفض تكلفة التشغيل نتيجة التنظيم والإدارة الجيدة التي تقوم على الفلسفة التجارية البحتة من حيث الربح والخسارة، إضافة إلى استقدام التكنولوجيا المتقدمة، وما يهمنا في هذا المقام هو الرقم الذي يمكن إضافته إلى البطالة جراء هذا التحول. فلقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بعض الشركات التي تم تخصيصها في البحرين – على سبيل المثال – عمدت إلى التخلص من جزء من العمالة لديها في بلد وصلت فيه معدلات البطالة إلى نحو 16 في المائة، ما أعطى انطباعاً سيئاً لبرامج التخصيص.
ولعل العديد من الحكومات الخليجية تنبهت لهذا الجانب، وانعكاساته السلبية اجتماعياً واقتصادياً، فلجأت إلى إقرار برامج للتقاعد المبكر مع بعض المزايا التقاعدية تتمثل في التعويضات المجزية نسبياً لعدد من فئات العاملين الذين سيسرحون بعد التحول إلى التخصيص. ففي البحرين أقرت الحكومة تعويضاً يتراوح مقداره من 20 إلى 40 راتباً مع إضافة عشر سنوات افتراضية على الخدمة قد يكون مناسباً ومجزياً لفئات عمرية معينة من العاملين، خاصة ممن اقتربت أعمارهم الزمنية من سن التقاعد ولهم من سنوات الخدمة مع الإضافة الافتراضية ما يؤهلهم للحصول على نسبة من المعاش التقاعدي قد تصل إلى 80 في المائة، إضافة إلى التعويض المالي لعدد من الرواتب قد يصل إلى 40 راتباً. أما من خدموا عشر سنوات – وهو أقل عدد من السنوات للاستحقاق – وأضيفت لـه عشر أخرى افتراضية فلن يتعدى المرتب التقاعدي 40 في المائة من الراتب المستحق حالياً، ومهما بلغت التعويضات المالية المباشرة فإن سنوات من التعطل عن العمل كفيلة بتآكل ونفاد تلك التعويضات التي سوف تغطي الفرق بين الراتب التقاعدي والراتب الذي كانوا يتقاضونه قبل التقاعد.
وفي تصورنا الخاص أن من الحلول الممكنة لمواجهة مثل هذا الاحتمال – أي احتمال تسريح العمالة – هو إعداد برامج تأهيل أو إعادة التأهيل والتدريب لأولئك العاملين الذين يمكنهم الانخراط في سوق العمل بشكل مباشر. ونحن نرى أن أسواق العمل الخليجية قادرة على استيعاب تلك العمالة نظراً للوجود المكثف من العمالة الأجنبية غير الماهرة أو المتخصصة تخصصاً عميقاً ونادراً في أسواق العمل. إلا أن برامج التدريب والتأهيل أو إعادة التأهيل يجب أن تكون انتقائية وبدقة بالغة لِمَا يمن أن تستوعبه أسواق العمل دون عناء وبرواتب مجزية وقريبة من الأجور السائدة أو التي كان يتقاضاها أولئك العاملون.
ومن الممكن كذلك أن يتم تمويل جزء من البرامج التدريبية والتأهيلية من التعويضات المستحقة، وتتحمل الحكومة أو صندوق التقاعد الجزء الآخر، على أن يكون ذلك اختيارياً لا إلزامياً لمن يرغب من العاملين في الانخراط في تلك البرامج، وحتى من يرغب منهم في إقامة مشروعه الخاص ويموله من التعويضات يجب أن يخضع لبرامج تدريب اختيارية في كيفية حسن إدارة مشروعه الخاص، بل يمكنه أن ينخرط في برامج تأمينية بضم خدمته السابقة وتسديد أقساط التأمين المستحقة من دخله الشهري أو السنوي لاستمرارية تمتعه بالغطاء التأميني إن رغب في ذلك.. نأمل ذلك.
الاقتصادية / الأحد 27 ربيع الأول 1425هـ / 16 مايو 2004 العدد 3870
الأستاذ / حسن العالي