ثمة أمور في عالم كرة القدم لا يسأل عنها أحد لانها تعتبر من المسلمات في مختلف أنحاء العالم. والان قال العلماء كلمتهم في هذا الاعتقاد الذي كان سائدا حتى الان وبدأوا في تحليل كل شيء. والنتيجة أن هذه المعتقدات المسلم بها التي تكررت وترددت عبر عقود بين الجماهير واللاعبين والمدربين والمعلقين قد نسفت. كل من لعب كرة القدم في الشارع وهو طفل يدرك أن حارس المرمى هو أقل من في المجموعة من حيث اللياقة والخفة حتى لن نقول عنه أنه سمينا لانه غير مطالب بالركض لكن أحد النشرات الصادرة مؤخرا عن مجلة بيلد دير فيسينشافت أكدت عدم صحة هذه المعلومة خطأ. فحارس المرمى يركض اليوم بمعدل خمسة كيلومترات في المباراة الواحدة. بالطبع لا يمكن مقارنة هذه المسافة بما يركضه لاعب خط الوسط والتي تبلغ نحو 14 كيلومترا ولكن يبقى الامر جدير بالاهتمام. وحتى الان كان من بين المعلومات الاولية أن قلب الدفاع كلاعب محوري يدافع ويهاجم وبالتالي يكون الاكثر استحواذا على الكرة. لكن الدراسة أثبتت خطأ هذه النظرية لان الكرة تكون في حوزته بنسبة 2 في المئة فقط من المسافة التي يركضها في كل مباراة. واستخدم رولاند لوي الطرق العلمية ليدرس نحو 300 مباراة في الدوري الالماني لكرة القدم. ويشير التقرير الذي نشرته المجلة العلمية أن المحصلة النهائية أكدت أن شن الهجمات عن طريق الاجناب أو استخدام التمرير البيني الوسطي يؤديان الغرض ذاته لان عدد الاهداف التي سجلت عبر هاتين الطريقتين متساوية تماما. وماذا عما يقال أن تسجيل ركلات الجزاء يكون أسهل أثناء اللعب على أرضك عن اللعب خارجها؟ هذا سؤال جدلي آخر أخذ حقه في هذه الدراسة التي أثبتت أن اللاعب يتعرض لضغط أكبر عندما يسدد ركلات الجزاء في ملعب فريقه وأنه يخفق بنسبة تصل على 35 في المئة أكثر مما يحدث خارج ملعبه. وهذه ظاهرة نفسية وفسيولوجية من السهل شرحها على الاقل بالنسبة للمحلل النفسي الرياضي يورجن بيكمان الذي يعمل في جامعة بوستدام. ويقول: "هؤلاء الذين يسددون ركلات الجزاء لديهم الفرصة لتسجيلها بنسبة 80 في المئة". ويقول بيكمان: "على أي حال يتعرض بعض اللاعبين في مثل هذا الموقف كأي شخص آخر يواجه موقف قاس للغاية لضغط ذهني. بعضهم يقطع الاتصال تماما بعقله أو بجزء منه على الاقل في حين يعاني الاخرون من نشاط مفرط في نصف المخ في وقت يتوقف فيه النصف الثاني عن العمل تماما". وتابع بيكمان الذي أجرى أبحاثه مع شخصيات رياضية: "لقد أكدت التحليلات البيولوجية المتعلقة بهذا الشأن ما سبق أن لاحظناه بالفعل لفترة من الوقت". وأضاف بيكمان لمجلة بيلد دير فيسينشافت: "الجزء الايسر من المخ يعمل بنشاط أكبر وأسرع من الجانب الايمن وهذا دليل واضح على أن اللاعب يدرس الموقف. وتتجه التحليلات الناتجة عن المخ إلى السيطرة على الحركة التالية مباشرة. ومن الطبيعي أن يقع المرء الذي يرغب في تقديم أداء جيد في لحظة ما تحت ضغط هائل وهنا يبدأ اللاعب في التفكير حول الفنيات التي سيستخدمها وعندها يعجز عن القيام بما هو مطلوب منه ويتولد الاخفاق". وتوصل المهاجم الالماني الاسبق جيرد موللر المعروف باسم "هداف الامة" على اعتبار أنه كان أبرز هدافي الكرة الالمانية ونهائيات كأس العالم التي أقيمت في المكسيك عام 1970 إلى النتيجة ذاتها بدون أن يجري أي أبحاث علمية. وقال: "إذا توقفت لتفكر قبل لحظة التسديد ستفشل حتما لانك ستصل إلى نقطة التسديد متأخرا". ويعشق العلماء دراسة الاحتمالات المتوقعة مثل عدد المرات الذي نصح فيها حارس المرمى باختيار جانب معين ليتوجه إليه قبل تسديد ركلة الجزاء. يقول أولر آزار و مايكل بار إيلي من جامعة بن جوريون: "لا شك في أن هذه الطريقة تساهم في تسجيل الهدف". ولذا فهما ينصحان الحارس بأن يظل ثابتا في موقعه بعد أن درسا تصرف حراس المرمى في 286 ركلة جزاء سددت في بطولات محلية مختلفة في كل أرجاء العالم حيث اكتشفا حقيقة غير قابلة للخطأ وهي أن الحراس الذين لا يتحركون قبل تسديد الكرة يتصدون بنجاح لركلات الجزاء أكثر من هؤلاء الذي يلقون بأنفسهم نحو أحد جانبي المرمى قبل تسديد الكرة. وأضافا: "هؤلاء الحراس الذين يتوجهون إلى جانب معين يتصدون بنجاح لتسديدة واحدة من بين كل أربع تسديدات. في المقابل فإن الحراس الذين يبقون ثابتين في أماكنهم يتصدون لست ركلات من بين كل 10 تسديدات". قد تكون الدراسات العلمية صحيحة ويمكن من خلالها شرح الكثير من الظواهر لكن هل يمكن لها أن تساعد حارس المرمى في إنقاذ مرماه من ركلة جزاء؟ تقول ساندرا يوهاني المتخصصة في علم الرياضيات في جامعة إيرلانجين في نورنبرج: "لا.. لان التصدي لركلة جزاء ضد كل القواعد الطبيعية لعلم الفيزياء". وتضمن تفسيرها للامر أن اتساع المرمى هو سبعة أمتار و32 سنتيمترا وارتفاعه يصل إلى مترين و44 سنتيمترا.. والمسافة بين المرمى ونقطة الجزاء هي 12 ياردة أو 11 مترا.. وأن قطر الكرة هو 22 سنتيمترا.. وأن غالبية الكرات التي تسدد من نقطة الجزاء تتراوح سرعتها ما بين 72 و90 كيلومترا في الساعة أي بمتوسط سرعة يبلغ 83 كيلومتر في الساعة أي ما يعادل 23 مترا في الثانية الواحدة وهذا يعني أن الكرة تصل إلى خط المرمى في نصف ثانية. ويحتاج رد فعل أي حارس في براعة أوليفر كان أو ديدا أو إيكر كاسياس إلى ربع ثانية على الاقل فيتبقى له ربع ثانية أخرى ليقفز من منتصف المرمى للوصول إلى الكرة وإبعادها عنه.. وهذا مستحيل وفقا لما تقوله يوهاني. وتضيف أنه في هذه الحالة سيكون الحارس في حاجة إلى أن تبلغ سرعته 35 كيلومترا في الساعة ليصل إلى القائم أو 1ر36 كيلومتر في الساعة إذا توجهت الكرة إلى زاوية المرمى العليا.. وأن عداء سباقات ال100 متر وحده يمكنه أن يصل إلى هذه السرعات. لكن حارس المرمى ليس بعداء أولمبي كما أنه من المفترض أن يتحرك نحو الكرة من وضع الثبات والمحصلة النهائية وباختصار أن التصدي لركلة الجزاء هو أمر مستحيل حسابيا وفيزيائيا. لكن الحقيقة مختلفة تماما ويمكن أن يرويها هؤلاء النجوم الذين تعرضوا للاخفاق في تسجيل ركلات الجزاء لانهم يعرفون الحقيقة كاملة.