كيف يمكن علاج السحر
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
هل يستطيع الساحر الاتصال بالشياطين -كما يزعم فعلاً-، وبالتالي يستطيع أن يغير ما يريده الشخص المسلم الواعي، والذي يحفظ قدراً كبيراً من القرآن، وذلك بواسطة هؤلاء الشياطين، وإن كان ذلك ممكن فماذا يترتب على الشخص أن يفعل إذا ابتلي بالسحر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فالسحر بين الله-جل وعلا-في كتابه العظيم، وهكذا رسوله- صلى الله عليه وسلم-أنه موجود، وأن السحرة موجودون, وأن الشياطين هم الأساتذة، هم الذين يعلمونهم السحر، الشياطين شياطين الجن هم الذين يعلمون شياطين الإنس السحر، والسحر يكون بالرقى الشيطانية, والتعوذات الشيطانية، والعقد والنفث، كما قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (الفلق:4), يعني السواحر اللاتي ينفثن في العقد، بكلامات ضالة خاطئة، يردن بها إيذاء المسحور، ويقع بالتخييل، كما قال-تعالى-: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(طـه: من الآية66)، فيخيل للإنسان أن الحبل حية، والعصا حية، والكلب نوع آخر، والقط نوع آخر إلى غير ذلك، يسميه العامة التثنيث يعني يجمل على العيون، كما قال-جل وعلا-: قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (لأعراف:116)، وسحروا أعين الناس، أي لبسوا عليهم حتى صار الإنسان ينظر شيء على غيره وجهه، ويظنه غير النوع المعروف، بسبب ما وقع من التلبيس الذي يشوش على العين، حتى ظن الناس أن الحبال, والعصي بسبب سحرة فرعون ظنوا أنها حيات واعتقدوا أنها حيات، والساحر يتلقى من الشياطين قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ(البقرة: من الآية102)، هكذا بين-سبحانه وتعالى- ثم قال: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ(البقرة: من الآية102)، يعني ويعلمونهم ما أنزل على الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ (البقرة: من الآية102)، يعني الملكين، هاروت وماروت، حتى يقولا للمتعلم: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ(البقرة: من الآية102)، يعني أن الملكين فتن بهما الناس، فلا تكفر بتعاطي السحر، فدل ذلك على أن تعاطي السحر كفر بعد الإيمان، وردة بعد الإسلام إذا كان مسلماً؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين والتقرب إليهم بالذبح, والنذر, والاستغاثة والسجود لهم ونحو ذلك، فيكون الساحر بهذا كافراً، مرتداً، لكونه يتعاطى مع الشياطين ما هو من حق الله من العبادة، ولهذا قال-جل وعلا-: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا(البقرة: من الآية102)، يعني ينصحاه إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا (البقرة: من الآية102)، يعني من هاروت وماروت، مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (البقرة: من الآية102)، يعني يتعلمون من الملكين أشياء من السحر، تلبس على الزوج والزوجة، حتى يعتقد الزوج أن المرأة غير امرأته، كانت حالها تغيرت حالها، حتى يبغضها ويطلقها، وهكذا المرأة يلبس عليها ويجمل عليها، ويسحر عينها بالنسبة إلى زوجها حتى تتخيل أنه غير زوجها، وأن صورته تغيرت, وأنه حاله تغيرت فتنكره وتطلب الفراق، قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (البقرة: من الآية102)، يعني لا يقع السحر إلا بإذن الله، يعني بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي؛ لأن الله-سبحانه-ما أذن فيه شرعاً بل حرمه وحذر منه ولكن يقع بقدر كوني، كل شيء بقدره الكفر, والإيمان, والسحر, و القتل, والأكل، والشرب, والموت والحياة، كلها بقدر كلها بإذن الله القدري، ولهذا قال-سبحانه-: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ثم قال-سبحانه-: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ(البقرة: من الآية102)، دل على أن السحر يضر ولا ينفع، وأنه مضرة على الساحر وعلى المسحور جميعاً، وأن شره عظيم، وقدره الله لحكمة بالغة وابتلاء وامتحان, ثم قال-سبحانه-: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ-يعني اعتاظه-مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ(البقرة: من الآية102)، من حظ ولا نصيب، وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ(البقرة: من الآية102)، يعني باعوا، معنى شرى يعني باع، ولبئس ما شروا به أنفسهم يعني باعوا أنفسهم على الشيطان لو كانوا يعلمون، ثم قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(البقرة:103)، فدل على أن السحر ضد الإيمان والتقوى, وضد الآخرة، فوجب على كل إنسان أن يحذره، على كل مسلم أن يحذر السحر، ويتباعد عنه وعن أسبابه, وعن أهله، وفي إمكان المؤمن أن يتعوذ بالله من شر السحرة, ويبتعد عنهم بالاعتصام بحبل الله, والاستقامة على دين الله, وعدم الركون لهم, وعدم التعلم منهم ويتحرر من ذلك بالأشياء المشروعة، مثل آية الكرسي عند النوم, وبعد كل صلاة، ومثل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص:1)، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(الفلق:1)، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (الناس:1)، بعد كل صلاة، وبعد المغرب والفجر ثلاث مرات، وعند النوم ثلاث مرات، كل هذا من أسباب السلامة من السحر، وهذا كونه يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هذا أيضاً من الأسباب من أسباب العافية، فالمؤمن يتحرز من كل شر بما شرعه الله ومن ذلك السحر؛ لأنه شر عظيم وخطره كبير، فالواجب على المؤمن أن يحذر كل شر، وأن يتعاطى الأسباب التي جعلها الله أسباباً للسلامة, ويعلم أن الأمر بيد الله-سبحانه وتعالى- فلا يضرك الساحر ولا غيره إلا بإذن الله، فالجأ إلى الله, واستقم على دينه, والتزم التعوذات الشرعية, والأسباب الشرعية، وبذلك تسلم بإذن الله ولا يضرك السحرة ولا الشياطين، ومن أسباب السلامة: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات، صباحاً ومساءً، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحاً ومساءً فهي من أسباب السلامة من كل سوء، أعيدها: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات، صباح ومساء، فهي من أسباب العافية من كل سو، جاء رجل إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- وقال: لدغتني عقرب، البارحة, فقال: أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لا تضرك، فقال-صلى الله عليه وسلم-: من نزل منـزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل إلى من منـزله ذلك، وقال-صلى الله عليه وسلم-: (من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحاً لا يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساءً لا يضره شيء حتى يصبح)، هذه نعمة من الله-عز وجل-، فعليك يا عبد الله أن تجتهد في التعوذات الشرعية, والأسباب المرعية, وبذلك تسلم من شر أعدائك ومكائد أعدائك, من الشياطين, ومن السحرة ومن غيرهم، والله يقول- سبحانه-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (النساء:71) ، فأنت مأمور بأخذ الحذر من كل سوء، مما يضرك في الدنيا ومما يضرك في الآخرة، بالتحرزات الشرعية والأسباب المرعية في جميع الأحوال.