النقود محرك جوهري في سلوك وأداء الموظف، وهي التي تحدد مكانته ومركزه الوظيفي، ورغم معرفة المؤسسات الاقتصادية بأن الأجور ليست مجرد تكلفة حتمية فحسب، ولكنها أيضاً استثمار مرتبط بنجاح المؤسسة نفسها في الأجل الطويل إلا أنها لا تزال تتجاهل أهمية فعالية الأجور في إحداث التغيير اللازم لرفع مستوى الكفاءة الإنتاجية فيها، ومع أن مقاييس مثل النتائج المالية والمبيعات والنمو والربحية من المقاييس التي تعتمد عليها معظم المؤسسات تقليدياً في تحديد أجر الموظف، إلا أنها مقاييس فقدت اليوم جزءاً من صلاحيتها نظراً لقدمها التقويمي، فبيئة العمل التنفاسية اليوم تدفع بالمؤسسات للبحث عن طرق تصلح للتنبؤ بقدرتها على النمو وزيادة قيمة أسهمها في الأجل الطويل بصورة أفضل، أي في شكل أشياء مادية ملموسة مثل أدائها المالي، وأشياء أخرى غير ملموسة مثل العلامة التجارية وصورتها لدى العملاء.
وعندما نتحدث عن الأجور، فإننا في الغالب نعني ما يحصل عليه الموظف في شكل نقود مقابل ما يقوم به من عمل، ونهمش ما تتحمله المؤسسات من أعباء أخرى هي أكبر من ذلك بكثير، فهناك مزايا غير نقدية تقدمها المؤسسات بهدف تحفيز الموظفين، وتوفير الاستقرار النفسي والمهني لهم، والتي تضاعفت في أهميتها النفعية الإضافية للموظف مثل تكاليف الرعاية الصحية وحقوق المعاشات بعد سن التقاعد، ويبدو أن الرسالة الحالية التي تريد أن تبلغها المؤسسات الاقتصادية إلى موظفيها هي أن هذه الفوائد الإضافية لا يمكن أن ينظر إليها، كما كان في السابق على أنها هبة أو منحة بسيطة، ولكن الآن تحسبها المؤسسات بأنها جزء أساسي من حزمة أجورهم ورواتبهم الشهرية، وأن هذه الإضافات العينية ترتبط بالأجر النقدي الأساسي، وأصبحت العلاقة بينهما علاقة متلازمة مرتبطة ببعضها، وأي نقص في الراتب يقابله نقص في المزايا والفوائد الأخرى له.
وفي نفس الوقت تناست بعض المؤسسات أن نظم الأجور فيها يعتمد على مرتب أساسي ثابت يحدد بناء على نوعية الوظيفة فيها يتم تحديد الأجر بناء على المستوى المعرفي والنهاري والقدرة على حل المشكلات ومستوى المسؤولية التي يتحملها شاغل الوظيفة.
وهذه اللوائح لا تشجع الموظف على اكتساب مهارات وقدرات جديدة، كما أنها لا تأخذ في الاعتبار قدرة الموظف على العمل مع الآخرين، ولا تعتد بإمكانية أن يؤدي عمله بطريقة متقنة، أو لا، كل ما في الأمر إن المرتب الأساسي يحدد حسب المستوى الوظيفي، وتتم زيادة المرتب إما نتيجة لترقية أو زيادة في التكاليف المعيشية والتضخم، وأصبح الموظفون ينتظرون إلى هذه الزيارة كلا عام بصرف النظر عن مستوى أدائهم أو أداء المؤسسة، ويرون أنها زيادة سنوية واجبة، وأصبحت حقاً مكتسباً لهم دون نقاش. الخلاصة هنا تدعو إلى إعادة نظر وتقييم في معظم المقاييس والكوادر والنظم واللوائح الوظيفية بما يتماشى مع الألفية الثالثة.
جريدة الجزيرة / الخميس 6 من جمادى الأولى 1425هـ العدد 11592
الدكتور / سامي الغمري