ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه ثقافته

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

 

بالزر الأيمن ثم حفظ باسم

بودي أن تتكرموا سماحة الشيخ في هذه الحلقة بعرض ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه ثقافته، مما يستمد ثقافته حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة بإذن الله؟


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن الدعوة إلى الله - عز وجل- من أهم المهمات ، ومن أفضل الفرائض ، والناس في أشد الحاجة إليها، كل مجتمع في أشد الحاجة إليها، سواء كانت مجتمعاً مسلماً أو مجتمعاً كافراً ، فالمجتمع المسلم بحاجة إلى تنبيهه على ما قد يقع من أغلاط ومنكرات حتى يتدارك ما وقع منه من الخطأ ، وحتى يستقيم على طاعة الله ورسوله ، وحتى ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله ، والكافر يدعى إلى الله، ويبين له أن الله خلقه لعبادته ، وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام ، والالتزام بما جاء به نبي الهدى محمد - عليه الصلاة والسلام -، ولكن الداعي إلى يلزمه أمور لابد من مراعاتها حتى تكون دعوته ناجحة ، وحتى تكون لها العاقبة الحميدة، أعظمها وأهمها : العلم، فلابد أن يكون عنده علم، والعلم إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الأمين - عليه الصلاة والسلام-؛ كما قال الله- عز وجل -: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [(108) سورة يوسف]. قال أهل العلم: معناه على علم، لأن العالم بالنسبة إلى المعلومات كالبصير بالنسبة إلى المرئيات، فهو يعلم كيف يأمر ، وكيف ينهى، وكيف يدعو إلى الله، كما أن الرائي المبصر يرى ما أمامه حتى يتجنب ما يضره من حفر وأشواك ، ونحو ذلك. فالحاصل أن الداعي إلى الله يلزمه أن يعتني بالعلم ، وأن تكون ثقافته ثقافة إسلامية، مستخرجة ومستنبطة من كتاب الله ، ومن سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، ويستعين بكتب أهل العلم، المعروفين بالاستقامة والعلم والفضل ، وحسن العقيدة ، حتى يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وعلى بصيرة فيما ينهى عنه، هذا هو الواجب على جميع الدعاة ، ثم أمر آخر هو أن يتحرى في دعوته وأن لا يعجل ، وأن يرفق في دعوته، لابد من كونه يتحرى في دعوته حتى يضع الأمور في مواضعها، فإن كان المدعو ممن يفهم العلم أو ممن يمكن أن يستجيب من دون حاجة إلى موعظة ، ولا جدال ، وضح له الحق ، ودله عليه بالأدلة الشرعية ، وبالكلام الطيب والرفق ، والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع ، وحصل المطلوب ، فإن كان ممن لديه جفاء ، وإعراض وغفلة ، وعدم مبالاة نصحه ، ووعظه بالتي هي أحسن، وذكره بالله، لعله يستجيب ، لعله ينقاد للحق، فإن كان ذا شبه ، وذا مجادلة ، رفق به وجادله بالتي هي أحسن، حتى يزيل شبهته ، وحتى يوضح الحق الذي أشكل عليه، وحتى لا تبقى له شبهة يتشبث بها في ترك الحق، أو في الاستمرار على الباطل ، وهذه المعاني كلها قد تضمنها قوله سبحانه: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. ومما يلزمه الإخلاص لله ، وأن يحذر الرياء، وأن يكون في دعوته يقصد وجه الله والدار الآخرة، لا رياء الناس ولا حمد الناس، ولا قصد مدحهم له، أو قصد عرض من الدنيا، فالمؤمن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة، ولهذا قال سبحانه : أَدْعُو إِلَى اللّهِ [(108) سورة يوسف]. .... وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [(33) سورة فصلت]. وهناك أمر آخر ، وهو أيضاً تحري الألفاظ المناسبة ، والرفق في الكلام، وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها؛ كما قال تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. وقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ – وهم كفار يهود ونصارى - إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [(46) سورة العنكبوت]. فلابد من عناية ... بالتي هي أحسن عند الحاجة والرفق كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينـزع من شيء إلا شانه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله). فعلى المؤمن في دعوته بالرفق والأسلوب الحسن حتى يستجاب له ، وحتى لا يقابل بالرد، أو بالأسلوب الذي لا يناسب إلى الداعي إلى الله – عز وجل-، فإن بعض الناس الذي عنده شدة قد يقابل بالسب والشتم والكلام الرديء الذي يزيد الطين بلة، ولكن متى كان الداعية إلى الله رفيقاً حكيماً ، ذا أسلوب صالح ، فإنه لن يعدم إن شاء الله قبول دعوته، أو على الأقل المقابلة الحسنة ، والكلام الطيب من المدعو الذي يرجى من ورائه أن يتأثر بالدعوة، - والله المستعان -.