ورغم كل المزايا التي يتمتع بها الزواج بكونه الرباط المقدس الذي يربط بين طرفين اختار لهم القدر الحياة معا ، إلا أن هناك بعض الشوائب التي تحوم حول هذه العلاقة النبيلة ، ولكي نكون أكثر دقة ، هي ليست شوائب بالمعني المتعارف عليه ، بل أفكار خاطئة يجب علينا تصحيحها من آن لأخر ، ولعل من أهم هذه الأفكار ، ما يتعلق بالزواج المبكر .
حيث يعتبر الزواج المبكر من الاتجاهات المميزة في مجتمعنا الشرقي.
1 – الإنجاب هو من الأمور المميزة جدا في الشرق . وقد تنشأ بيوت وتستمر عامرة بهذا الفعل، وتهدم أخرى نتيجة عدم الإنجاب، لذلك كانت هناك ولا تزال دعوات للإنجاب في سن مبكرة .
2 – الجنس، خارج نظام الزواج، مرفوض اجتماعيا ودينيا وتقليديا، لذا فإن الزواج يعتبر الضوء الأخضر الوحيد للممارسة الجنسية .
3 – الزواج المبكر حل أساسي لمشكلة اقتصادية، خاصة إذا كان رب المنزل يعاني العوز والفاقة والحرمان وله بنات كثيرات .
4 - البلوغ المبكر في المجتمع الشرقي والتركيز على الشهوة الجنسية عند الشرقيين يعد دافعا من دوافع الزواج المبكر .
إن قاعدة الزواج المبكر في مجتمعنا الشرقي، تترك أثرها السلبي على البنت بشكل خاص، وذلك لأن المرأة هي التي تكون عادة الأصغر سنا في الزواج، فكثيرات منهن يدخلن عالم الزواج وهن ما زلن غارقات بأحلام الطفولة ودون سن البلوغ الكامل، لذلك نجد البنت تحمل كثيرا من تفكير الأطفال وإحساسهم وهي على فراش الزوجية .
كما أن كثيرات منهن يفتحن عيونهن على الممارسة الجنسية وهن مشبعات بأفكار ومفاهيم خاطئة عن الجنس .
هنا يجب أن نذكر بأن تأهيل البنت وتثقيفها وتدريبها المبكر لمهمتها في الزواج ودورها في العائلة، قد يجعل حدث الزواج المبكر أخف حدة على البنت، وهذا لا يجب أن يكون ضمن العائلة فقط بل ضمن جدران المدرسة أيضا .
إن الزواج المبكر هو جزء بارز من الزواج عموماً والذي حث عليه الإسلام ليعيش الإنسان سعيداً، وليكون الزواج وسيلة تعين الإنسان على بلوغ الهدف الأسمى وهو مرضاة الله، عبر التكامل النفسي والخلقي.
كما أنه قد يكون التجربة الأولى للإنسان ـ وللمراهق خصوصاً ـ التي يخوضها في تحمل المسؤولية الخاصة والعامة. فبالزواج يصبح مسؤولاً عن أسرة تحضنه، ويعطيها من طاقاته وقدراته فيستقر وتطمئن نفسه.
أن الزواج دافع لبناء حياة اجتماعية وعلاقات إنسانية متبلورة. إذ أن في الأسرة نوعاً من إنشاء العلاقات الاجتماعية بين أفرادها.. فالزوج مثلا، من بيئة وتربية تختلف عادة من بيئة أو تربية الزوجة، ولكي يضمنا زواجاً سعيداً، فلابد أن يلجأ إلى التعاون والتفاهم فيما بينهما، وهذا بحد ذاته أسلوب اجتماعي يلازم رحابة الصدر وحسن الخلق أو التخلّق، خاصة مع الاختلاف الطبيعي في طريقة التفكير، وفي وجهات النظر. ولتخطّي ذلك، وعدم التأثر به، فلابد من محاولات التقارب، والاتفاق على نقاط مشتركة ، ثم أن في مسألة تربية الأطفال، وتنويع أسلوب التعامل حسب مزاج وطبع وميل كل واحد منهم، وكذلك مسألة التزاور مع الأهل والأقارب: أهل وأقارب الزوج وأهل وأقارب الزوجة من قبل الزوجين والأطفال، أن في ذلك تحملاً مشتركاً للمسؤولية فيحتاج إلى جهود ورعاية وأصول وأساليب مشتركة .
بالزواج المبكر تزداد أواصر الروابط والتضامن والمودة والعاطفة أكثر من الزوجين، وبمعزل عن الناس، وبه أيضاً يتحقق رضا الله سبحانه وتعالى ، كما أن مسؤولية الإنفاق التي يتولاها الزوج، تدفعه إلى مضاعفة الجهود، والسعي اكثر لتحقيق الرزق والعيش الرغيد والرفاهية لعائلته و"مجتمعه المصغّر" الجديد. ولا يخفي ما لهذا الأمر من إلغاء لكل مظاهر البطالة والخمول والكسل في المجتمع، وما فيه من دفع للحركة الاقتصادية، وملء الفراغ الناشئ مع المراهقة، ومنع اللهوث وراء الأحلام الزائفة، والضياع العاطفي والنفسي ، كما أن الزوجين الجديدين (والصغيرين خاصة) تنمو لديهما الموهبة، والقدرة على تحمّل المسؤوليات الاجتماعية الكبيرة، بعد مرحلة الاستقرار والركون النفسي، وبعد التجربة التي خاضاها، مما يدفع صاحب الكفاءة للبروز تلقائياً في المجتمع أو في الحياة العامة بعيداً عن المتاهات والتسكع وصغائر الأمور.
فبالزواج المبكر أيضاً يستطيع الأبوان القيام بأعباء المسؤولية أحسن قيام، إذ أن السن المبكر يخفف من متاعب ومشقات الحياة الأسرية، وذلك بسبب من روح الشباب، والقوة الجسدية والعقلية المتوفرة والنامية، والتي تتفتح أكثر فاكثر بأساليب جديدة وأوضاع مستجدة. وبذلك تنشأ الأسرة في أجواء "الشباب"، وتنمو ويكبر الأبناء، والأبوان لمّا يبلغا سن الكهولة بعد.. ولا يخفي ما في ذلك من فوائد على الصعيد النفسي، وعلى صعيد التعاون بين الآباء والأبناء، وعلى صعيد دفع الحياة الاقتصادية والاجتماعية شوطاً كبيراً إلى الأمام، وذلك عندما يصبح اكثر أفراد الشعب المتحرك من عنصر الشباب أو ما يقرب منهم .
وتؤكد أيضاً ما ذكرناه آنفا من تخفيف النسبة الكبيرة جداً من الانحراف والفساد والانحلال الخلقي في المجتمع، لأن العنصر الأساسي المساعد على ذلك قد خفف الزواج من وطأة تأثيره وتأثره، ويبقى الدور الآخر للتقوى والتربية الصالحة في البيوت، والتوجيهات العامة لأولياء الأمور في المجتمع للقضاء نهائياً على المعاصي. وهذا الأخير يتحقق عبر قيادة الأمة من علماء وفضلاء ودعاة وعدول المؤمنين، ومن خلال مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ثم بعملية الزواج ـ والتزويج ـ المبكر للذكور والإناث، تخف المسؤولية عن كاهل الأبوين اللذين قد بلغا مرحلة من النضج والرشد والوعي تدفعهما إلى التفرّغ للعبادة والعمل الاجتماعي. وفي ذلك أيضاً عون على تحقيق الهدف من الوجود الإنساني وهو التكامل ليكون أهلاً للخلافة في الأرض.
لقد شجع الإسلام على الزواج ـ والمبكّر بالخصوص ـ وجعله أمراً مستحباً، وسهل طرقه وسبله، من استحباب تخفيف المهر، إلى التشجيع على العمل والكّد، إلى صرف الحقوق الشرعية لتسهيله، إلى تخفيض واجبات النفقة إلى الحد الأدنى اللازم .