مبارك
...................... إصرار النظام المصري على تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010م مستخدماً في ذلك كل وسائل وأنواع البلطجة دون أدنى اعتبار لأية قوانين أو معايير أخلاقية... هذا الإصرار أصاب الغيورين على مستقبل هذه البلاد بخليط من الدهشة والذهول، وسرب إليهم شعوراً قوياً بالجزع على الحاضر والخوف من المستقبل... ولسان حالهم يقول: مصر إلى أين ؟ ولاستكشاف ذلك فإن الأمر يستلزم منا إلقاء نظرة سريعة على بعض التجارب المصرية في مقاومة الاستبداد والفساد وتحليلها... وهدفنا من تحليل الوقائع والأحداث جعلها أداة للفهم والتفسير والتنبؤ ومن ثم تصبح المعرفة أداة للاستطاعة والفعل ... فمن الثابت في تاريخنا الحديث أن الثورات المصرية سواءً كانت شعبية أو عسكرية كانت ضد استبداد الداخل وعدوان الخارج... فتمكنت بقيادة الشيخ عمر مكرم والعلماء وأرباب الطوائف والوجهاء من دحر الاحتلال الفرنسي1801م، وتمكنت من عزل أحمد خورشيد وتنصيب محمد علي1805م مكانه على غير رغبة الخليفة العثماني ثم أجبرت الحملة الانجليزية1807م على العودة من حيث أتت... وكانت مصر آنذاك ولاية تابعة للدولة العثمانية أي لم يكن لها ملك ولا جيش ولا برلمان!! ولكن كانت قوى الشعب حية ومتماسكة... غير أن نزعة محمد علي للاستبداد وانتهاجه لسياسة العصا والجزرة... أتت أكلها ففرقت وهمشت القوى الشعبية فذهبت ريحها... وانفرد محمد علي بحكم مصر وسار على نفس النهج أبناؤه وخلفاؤه من بعده بل زاد ظلمهم واستبدادهم مما دفع الجيش بقيادة الزعيم أحمد عرابي للثورة والوقوف في وجه الخديوي توفيق لعرض مطالب الأمة الإصلاحية.... ورغم استجابة الخديوي لمطالب الجيش إلا أن نزعته للاستبداد جعلته يتحالف مع الانجليز ويضع نفسه وسلطاته تحت إمرتهم الأمر الذي انتهي إلى نفي عرابي واحتلال الانجليز لمصر 1882م ... بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك في 1807م بفضل المقاومة الشعبية وتماسك القوى الوطنية. ثم كانت صحوة الشعب المصري وثورته في1919م ضد الانجليز منادية بالاستقلال التام أو الموت الزؤام... غير أن قناعة سعد زغلول ورفاقه بعدم جدوى المقاومة وأن المفاوضات هي الحل إضافة إلى تشجيعهم لأطروحات علمانية كالدعوة للسفور ونزع الحجاب ... أفقد الثورة التأييد الشعبي لها الأمر الذي أدى إلى نجاح الانجليز في احتوائها وتحويل مسارها بإعلان تصريح 28فبراير1922م الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة مع وجود تحفظات أربعة أنهت الاحتلال شكلاً وأبقته موضوعاً، وصدردستور جديد للبلاد في أبريل 1923الذي منح الملك سلطات استبدادية واسعة... وانشغلت الأحزاب لا بمقاومة الاحتلال والاستبداد بل بالصراع على الكراسي الوزارية... ولن نكون قد جاوزنا الحقيقة إذا قلنا أن أهم النتائج التي ترتبت على ثورة 1919م ليست استدامة الاحتلال والاستبداد فحسب، بل والأخطر في ظني هو تجسد الأفكار والرؤى العلمانية والتغريبية بدعم من الانجليز والقصر في أحزاب ومؤسسات استغلت ما يعانيه المجتمع المصري في معظمه من جهل مطبق وفقر منسي ومرض مقعد... فباضت وأفرخت... وهذا هو بيت الداء وسر البلاء الذي نصطلي بناره حتى الآن!!! لأنه أدى إلى انقسام الأمة المصرية إلى تيارين متصارعين... تيار وطني إسلامي أصيل، وتيار علماني تابع مدعوم من الخارج سيطر على البلاد والعباد... فاستبدل الاستعمار المباشر باستعمار هيكلي خبيث... ومما زاد الأمر سوءاً أن هذا التيار كان"كوكتيل" متعدد المشارب والأهواء والمرجعيات ومن ثم غابت عنه الرؤية فاختلفت الوسائل والأهداف.. فأصبح حاضر البلاد ومستقبلها مرهون بهوى الزعيم وقناعاته ومغامراته... هذا "الكوكتيل" تجسد بوضوح في حركة الضباط الأحرار التي جمعت بين هذا وذاك ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم... فمغامرات عبد الناصر الخارجية ومشاريعه الوحدوية انتهت كلها بالفشل وتوجت بهزيمة 1967م والقبول بمبادرة روجرز 1969م، أما إسهاماته الاشتراكية، وما تبقى من أفكاره الناصرية والوحدوية فهدمها السادات بثورته التصحيحية والتوجه نحو الغرب واقتصاد "السوء" والصلح مع الصهاينة... وما بقي من ميراث استعصى على الاحتلال والملك وعبد الناصر والسادات أتى عليه النظام الحالي من القواعد... فلا "أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا" ... - مصر الأزهر... من المحرم على أبنائها ممارسة أية نشاط فكري أو سياسي منظم له مرجعية إسلامية ... لأن ذلك نشر للإرهاب، وخطر على الدولة المدنية وتعدي على حقوق الأقباط. - مصر دولة العدالة وسيادة القانون فضرب فيها القبطي ابن عمرو بن العاص بأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلاً له "اضرب ابن الأكرمين"... يُعتدى فيها على رجال القانون والقضاء ويغيب القانون وتصبح البلطجة هي الحل، بل أصبح من حق أي مصري طلب اللجوء السياسي لأي دولة في العالم لأنه أصبح غير آمن على نفسه وماله وعرضه في وطنه وبين أهله في ظل قانون الطواريء.. - مصر هبة النيل والحضارة الزراعية تستورد (50%) من احتياجاتها الغذائية بعد أن دمرالتعاون مع الصهاينة ثروتها الزراعية!! بفضل البذور الفاسدة والمبيدات المسرطنه الصهيونية .. وهاهو "زيناوي" بدعم الصهاينة يهدد منابع النيل و يطالب ببيع مياه النيل كما يٌباع البترول ... - مصر رائدة الصناعة في العالم العربي تبيع مدخرات الأجيال القادمة من مصانع وأراضي وما في بطنها من غاز بثمن بخس للتحالف الصهيو أمريكي وكانوا فيها من الزاهدين..!! - مصر كنانة الله في أرضه وقلب العروبة النابض، مصر صلاح الدين، والعاشر من رمضان أصبحت قائدة التدجين في المنطقة... تشارك الحلف الصهيو أمريكي في حصار الشعب الفلسطيني، وتدعمه في احتلال العراق وتفكيكه، وتغض الطرف عن تقسيم السودان!!!... - والأخطر من ذلك كله ياسادة أن مصر الدولة منذ سبعة آلاف سنة - يوم أن كان الناس من حولها شعوباً وقبائل – أصابها فيروس التفكيك بسبب فرض حزمة من القوانين سيئة السمعة بحجة التطوير الإداري وإعادة هيكلة المؤسسات أثبت التطبيق العملي لها بشهادة أهلها أنها أصابت في مقتل كل ما تبقى لدينا من تماسك اجتماعي وديني وسياسي وتراث حضاري تراكم عبر السنين فأصبحنا في ذيل الأمم وحصلنا على مرتبة متقدمة جدا في قائمة الدول الأكثر فسادا.. وحين تنهار المجتمعات عقديا وخلقياً تصبح الملايين فيها غثاء كغثاء السيل. نخلص من ذلك كله إلى ما يلي : أولاً : أن النظم المستبدة المتعاقبة على حكم مصر سواءً كانت في العهد الملكي أو العهد الجمهوري لم تكن صاحبة رؤية ذات مرجعية واضحة للإصلاح وصناعة المستقبل بل كانت عبارة عن تحالف مصالح جمع بين نخبة سيطرت على السلطة والثروة، ونخبه علمانية مدعومة خارجياً - وإن اختلفت صورتيهما من عصر إلى عصر- نمت وترعرعت في العهد الملكي برعاية الوفد والقصر والانجليز وأحكمت سيطرتها على الدولة ومؤسساتها في العهد الجمهوري تدور مع مصالحها حيث دارت الأمر الذي نتج عنه ما نعانيه اليوم من تفكك وانهيارعلى كل المستويات. ثانياً : أثبتت الوقائع والأحداث أن سياسة القهر والإقصاء والتهميش للقوى الإسلامية والوطنية وتحليل وتقزيم مؤسسات المجتمع المدني من قبل النظم الحاكمة منذ عصر محمد علي وحتى الآن... إضافة إلى عدم تسلح هذه القوى بالوعي السياسي اللازم لطبيعة الصراع وأبعاده الداخلية والخارجية.. سببان رئيسيان لاستدامة تحالف الاستبداد والفساد والدوران في فلك الأعداء... ولا أمل في قيام هذه القوى بإحداث التغيير المنشود أو قيادته إلا إذا نظرت فيما بين يديها من معطيات واقعية و تجارب تاريخية، ونزلت من أبراجها العاجية إلى أرض الواقع ودعمت وتحالفت مع الحركات والفعاليات الشبابية كحركة كفاية وشباب 6 أبريل والتجمعات العمالية والعلمية واحتضنت الفعاليات الإلكترونية على الشبكة العنكوبتية وغيرها ... والتي خرجت على المألوف فكسرت حاجز الصمت والخوف في الشارع المصري... للخروج برؤية واضحة المعالم محددة الخطوات والأولويات وما يتطلبه ذلك من مناهج وخطط ووسائل وطرق للعمل وما يلزم ذلك من سعة للفكر وقدرة على الابتكار وخروجاً عن المألوف يقيها التسخير أوالاحتواء، أو يعيق حركتها فتعيش أسيرة الفعل ورد الفعل والدوران في حلقة مفرغة. وتأسيساً على ما تقدم وإلى أن تسترد القوى الوطنية عافيتها ووحدتها فتأخذ بزمام المبادرة... وأمام إصرار النظام الحاكم وحواريه على الاستمرار في سياساتهم المدمرة بعد أن أغلقوا على أنفسهم الجهات الأربع فـ "جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً"... أظن إن استمر الحال على ما هو عليه... فإن اختطاف مصر سيتم لا محالة لصالح تحالف الاستبداد والفساد في الداخل والخارج... يُعد التوريث أحد صوره الأوفر حظاً!! لعدم وجود بديل آخر يدلس على الشعب وفي الوقت نفسه ينفذ سياسات هذا التحالف... وذلك لا يعني بالضرورة أنه قدر مقطوع بوقوعه وقضاء لا سبيل إلى رده... فقد يكون ما حدث في انتخابات مجلس الشعب2010م... ما هو إلا المشهد الأخير لانتفاضاتِ الاستبداد والفساد والاعوجاج... فمن سار على درب فرعون هلك .. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ... فيرزق الله مصر منقذاً من حيث لا نحتسب !! يعيد للشعب المصري كرامته ووحدته ولُحمته فيكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وحريته في الاختيار فلا يستبد به طاغية، ومع هذا كله وبعده يعيد لمصر ريادتها للعالم العربي والإسلامي... هذا ما نحلم به ونتمناه لمصرنا وما ذلك على الله بعزيز .