خطاب الرئيس الملهم ومحاكمته التاريخية
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
بيشوى رمزى رياض
| المصدر :
www.youm7.com
الرئيس مبارك
كثيراً ما تسابقت وسائل الإعلام والصحافة بوضع ما تضمنته خطابات الرئيس مبارك من عبارات فى صدور نشراتهم وصفحاتهم، بل وكانت جميع تصريحاته وأقواله حاسمة، وتهدف إلى إنهاء الجدل حول قضية معينة أثارها الرأى العام ومفكريه. وفى هذا الإطار كان كبار الكتاب ينشرون مقالاتهم الشعرية فى مديح كلمات الرئيس الملهم، ولعل المثال الأقرب هو خطاب الرئيس الأخير أمام مجلسى الشعب والشورى، والذى اعتبره الكثيرون حاسماً للجدل الذى ثار بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى وصفها البعض بأنها أسوأ انتخابات شهدتها المحروسة فى تاريخها.
لقد افتقدت كلمة الرئيس السابق، والتى ألقاها من خلال قناة العربية، هذه المسحة التاريخية التى كان دائما ما يروج لها الإعلام المصرى، ربما لأنه أصبح رئيساً سابقاً، وبالتالى لا يمتلك الآن السلطة التى تمتع بها إبان حكمه، وقد يكون السبب أن الرئيس السابق أصبح مكروهاً لدى ثوار التحرير، الذين امتلكوا السلطة الكاملة، وأصبحوا يتحكمون فى مصير البلاد، وبالتالى فينبغى علينا أن نسعى لإرضائهم وإلا ستكون العاقبة هى وقف حال البلاد اقتصادياً، أو ربما عقد المحاكمات الهزلية التى لا تهدف سوى إلى التشفى وإثارة المشاعر، وكذلك تعطيل مصالح المصريين وأعمالهم وأقواتهم.
وقد انعكس هذا السعى الإعلامى من أجل إرضاء ميدان التحرير والقائمين عليه، على معظم العناوين الصحفية التى تناولت كافة تفاصيل محاكمة "صورة" الرئيس السابق، وتداعياتها، دون الالتفات إلى حجم المعاناة التى يعانيها المطحونون من أبناء هذا الوطن فى ظل ارتفاع نسبة البطالة وغلاء أسعار السلع الأساسية بشكل ملحوظ، وهو ما يعنى زيادة أعداد الجائعين فى مصر.
كانت الصحف القومية وقنوات الإعلام الحكومى أول من تناول تلك المحاكمة التى أطلقوا عليها هى الأخرى وصف "المحاكمة التاريخية"وقراءة تداعياتها، بنفس الطريقة التى كان يقرأ بها الإعلام كافة خطابات وتصريحات بل وزيارات الرئيس السابق التاريخية الحاسمة.
لقد كانت كلمة الرئيس السابق بمثابة اعترافاً ضمنياً بالخطأ الأكبر الذى وقع فيه نظامه خلال الثلاثين عاما الماضية، والمتمثل من وجهة نظرى فى سوء اختيار رجاله وسياساته الإعلامية والصحفية، خاصة عندما تحدث عمن يستهدفون تاريخه العسكرى والسياسى، فلم يقتصر قصده على المحتجين بميدان التحرير فقط، لكنه قصد فى الأساس، تلك المنابر الإعلامية والصحفية التى سعت خلال الأسابيع الأخيرة إلى تأجيج المشاعر وشحنها بهدف كسب رضا المحتجين.
ولعل الدليل على ذلك هو أن أكثر المنابر الإعلامية والأقلام الصحفية التى أساءت للرئيس ورموز نظامه، هى تلك المنابر والأقلام التى تبناها النظام السابق، ربما على حساب آخرين كانوا أكثر كفاءة، ممن اعتبرهم النظام "ليسوا من أهل الثقة". فى حين أن هناك آخرين ممن ظلمهم النظام وأطاح بهم، رفضوا أن يركبوا الموجة، بل وكانوا أكثر إنصافاً لشخص الرئيس السابق وتاريخه وأسرته.
من هنا نجد أن الإعلام المصرى سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، قد عانى خلال السنوات الماضية من التطرف الشديد تجاه النظام الحاكم وحزبه ورموزه، دون حيادية، فساهم بقوة فى خلق ديكتاتورية النظام، وهو ما جنينا ثماره لعقود طويلة، إلا أن الإعلام المصرى لم يتعلم حتى الآن، من دروس الماضى القريب، وظل على تطرفه وإن كان هذا التطرف قد غير وجهته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فصار ميدان التحرير محلاً للنفاق الإعلامى، حتى وإن شهد بعض التجاوزات غير المقبولة، وبالتالى فإننا قد نسير على نفس الخطى نحو بناء ديكتاتورية جديدة، يتحول رموزها إلى ملهمين تاريخيين جدد.
لابد أن يسير الإعلام المصرى على نهج معتدل ومحايد حتى يستعيد ثقة الجماهير المصرية، التى عانت لعقود طويلة من إعلام متطرف، وحتى يشارك جدياً فى بناء مصرنا الجديدة، والتى نتطلع جميعا إليها خلال المرحلة المقبلة.