د.فاروق الباز: مستوى البحث العلمى المصرى واطى جداً ونعيش مرحلة حرجة من الارتباك السياسى

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : رانيا بدوى | المصدر : www.almasry-alyoum.com


تصوير - حسام فضل
الباز يتحدث إلى «المصرى اليوم»
 
 
لا شك أن حواراً مع رجل بقامة الدكتور فاروق الباز، يغرى بالإبحار فى عالم متدفق بالرؤى والأفكار.. كان لابد أن نسأله عما يجرى فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير، والمستقبل العلمى لمصر.. وفى خضم الاهتمام بالسياسة قررنا أن نراجع مع الدكتور الباز ما طرحه فى سنوات سابقة حول قضايا كثيرة، وفى مقدمتها مشروعه حول ممر التنمية وركزنا فى الحوار معه حول العلم ونظرياته والمستقبل البيئى لهذا البلد. وكان لافتاً أن «الباز»- عبر الحوار- نسف كل الأفكار العلمية القائلة بالجفاف والمجاعة المائية، وزف لنا خبراً سعيداً رغم تأكيده على غرق الدلتا هو أن السبع سنوات المقبلة ستشهد هطولاً للأمطار وغزارة فى مياه النيل تكفى لزراعة متوسعة وإنتاج وفير، إذا أردنا ذلك، لكن فاجأنا بالقول بأنه يؤيد فكرة تأجيل المشروع النووى، الذى طالما حلمنا به لعدم قدرتنا على التعامل مع المشروع من ناحية ومع نفاياته من ناحية أخرى والتى قد يؤدى دفنها إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومن ثم تعرضنا للزلازل.. وإلى نص الحوار:
 
■ اسمح لنا بأن نبدأ بسؤال الحاضر، ما رأيك فى كيفية إدارة المرحلة الانتقالية الحالية؟
- المرحلة الانتقالية لجميع الثورات هى مرحلة حرجة، يترتب عليها نجاح الثورة فى تحقيق آمالها، بشرط أن نفكر بتأن، ونستعد للبدائل على الدوام، أعنى بذلك أن يكون هناك مخطط علمى واقتصادى وسياسى للوصول إلى الغرض المنشود فى وقت محدد، مع إعداد خطط بديلة معدة مسبقاً لتغيير المسار، هذا ما تعلمناه من أعظم وأنجح برامج «ناسا» على الإطلاق، وهو مشروع «أبوللو» لنزول الإنسان على سطح القمر، فكل خطوة فى البرنامج كان لها بديل إذا لم تنجح، وفى معظم الأحيان كان هناك بديل للبديل!.. هكذا نستطيع تغيير المسار ولو قليلاً حتى نصل إلى بر الأمان لمصر وشعبها.
■ كيف تقرأ المشهد السياسى العام والخلافات حول الإعلان الدستورى والمظاهرات المليونية وغيرها؟
- إن لم تكن التعديلات الدستورية والإعلان الدستورى، تكفى شباب الثورة فعليهم أن يخرجوا بالبديل، أى أن يخططوا لما يلزم من عمل، لكى يصلوا إلى الغرض المنشود مستقبلاً- إذا لم يكن هذا العام، فماذا يلزم للعمل فى المستقبل، وهكذا- أى التخطيط للبدائل.
ولا شك أننا نمر بحالة من الارتباك السياسى، لأنه لم تكن هناك قوى سياسية فى مصر منذ بزوغ ثورة ١٩٥٢، فقط حزب أوحد لم يسمح للغير بممارسة السياسة، لذلك فنحن نفتقر للفكر السياسى على وجه العموم.
■ يكثر الحديث بعد الثورة عن الإصلاح السياسى.. بينما لم توضع بعد أى خارطة طريق لشكل مصر فى العلوم والتكنولوجيا والأبحاث.. ما تعليقك؟
- نعم.. يشغل الإصلاح السياسى معظم الفكر المصرى اليوم، وفى حقيقة الأمر فإن الإصلاح لن يتم فى عام أو عامين، وربما يتطلب الأمر جيلاً كاملاً، ولكن لابد من البدء الآن، فى نفس الوقت يجب أن نعلم أن العمل السياسى لا ينضج إلا إذا ازداد علم الناس ومعرفتهم.. لذلك يجب أن نبدأ بإصلاح التعليم ومحو الأمية، مع دعم البحث العلمى فى إطار خطة محكمة طويلة المدى لكى يخدم العلم والبحث العلمى متطلبات مجتمع المعرفة.
■ إلى من ستعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
- لن أعطى صوتى إلى شخص ما، وإنما سأعطى صوتى لأحسن البرامج الرئاسية المعلن عنها على الملأ بواسطة من يرشحون أنفسهم.
■ مليونية الجمعة الماضى اتهمت المسؤولين بالتباطؤ فى محاسبة رموز النظام السابق.. هل توافقهم الرأى.. وما المطلوب لتطهير البلاد؟
- علينا أن نثق بأهل القانون فى مصر، ونعطيهم مسؤولية محاسبة من يثبت عليه الإجرام فى حق الشعب من رموز النظام البائد، وإذا لم يقوموا بذلك بكل أمانة، علينا أن نحاسبهم آنذاك على عدم القيام بدورهم المهنى.
■ وزارة الكهرباء تبحث تأجيل التعاقد على أول محطة للإنتاج النووى السلمى بسبب الوضع السياسى والاقتصادى الراهن فى مصر.. وتخوفاً مما حدث فى اليابان.. ما تعليقك؟
- هذا فى نظرى أمر طيب جداً، ليس هناك أى سبب للإسراع فى «شراء» محطة للطاقة النووية، إلا إذا كنا وصلنا إلى مرحلة متقدمة فى الأبحاث النووية مثل الهند.. لكن التعاقد على محطة لا دخل لنا فى تصميمها ولا نعلم ماذا يحدث بداخلها لا لزوم له.
ومن الناحية الجيولوجية الطاقة النووية ينتج عنها مواد مشعة بعد الاستخدام، ولا نعلم بعد كيف نخزن هذه المواد فى باطن الأرض لأنها تزيد درجة حرارة الصخور، وربما يترتب عليها زلازل، هذه المواد تعيش آلاف السنين ولا نعلم بعد كيف نحفظها أو نتعامل معها.
■ لكن هذا قد يؤخرنا كثيراً فى طرق باب العلم الحديث والاستخدام السلمى للطاقة النووية وما قد يترتب عنه من نقلة نوعية لمصر؟
- لقد تأخرنا بالفعل بمقدار نصف قرن، ومن الأفضل أن نكون معرفيين ونبنى قدراتنا الفنية كما فعلت الهند وباكستان وإيران أولاً قبل أن نطرق هذا الباب.
■ كيف نتمكن من مواجهة الاستهلاك المتزايد للطاقة؟
- يمكننا تطوير الطاقة الشمسية فى الصحراء الغربية لتحقيق جميع احتياجاتنا فى وادى النيل، كما أنه يمكن الاعتماد فى منطقة البحر الأحمر على طاقة الرياح.
■ فى رأيك ما مستقبل مشروع ممر التنمية بعد الثورة.. وهل حدث أى اتصال بينك وبين حكومة «شرف» أو المجلس العسكرى بهذا الشأن؟
- يسعدنى أن الغالبية العظمى من شعب مصر، مقتنعة تماماً بأهمية ممر التنمية، لفتح آفاق جديدة للعيش الكريم، بتوسيع المساحة المستخدمة من مصر، ودعم آمال الجيل الصاعد فى بناء مصر القوية المنتجة التى تؤهل الحياة السعيدة، والدكتور عصام شرف وكل الوزراء والمسؤولين مقتنعون بأهمية المشروع ولزوم بدء العمل فيه الآن، حيث إنه ربما يحتاج عقداً كاملاً من الزمان لإكماله فى صورة متميزة، وفى حقيقة الأمر أنا لم أتطوع للحديث عن المشروع إلا مع عامة الناس فى مصر، لأنه مشروع العامة وهم من سينفذونه، ورؤساء الوزراء أو الوزراء هم من يسألوننى أن أوضح لهم أبعاد المشروع.
■ هل مصر عرضة للمجاعة المائية، كما تشير كل النظريات العلمية؟
- كل النظريات القائلة بذلك غير مثبتة علمياً.. وأنا لدى نظرية مختلفة تماماً عما قيل، هى أيضاً غير مثبتة، لكنه اجتهاد أظنه صحيحاً، فالنظرية القديمة تقول إن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ سيؤدى إلى التصحر لقلة المياه وبالتالى قلة الأراضى الزراعية، أما نظريتى فبنيتها على سؤال بسيط هو: من أين تأتينا المياه العذبة؟ الإجابة: من البحر حيث يحدث تبخر عن طريق أشعة الشمس، يتصاعد البخار إلى أعلى ويتكثف فى الطبقات العليا، ويكون السحب بكثرة، والتى تتساقط على هيئة أمطار، والمطر الغزير يكون من نصيب شمال وجنوب خط الاستواء، وهذا يعنى أنه بارتفاع درجات الحرارة يزداد البخر فيزداد المطر فتنكمش الصحراء، وإذا قلت درجة الحرارة قل البخر، وانكمش المطر واتسعت الصحراء، فقصة سيدنا يوسف التى تقول إن هناك سبع سنوات عجاف هى حقيقة علمية، لأنه منذ أن بدأت أعمل فى أبحاث الصحراء، وجدت أنه فعلاً كل حوالى ٧ سنوات يحدث هطول للمطر بعد التصحر، والعلم أثبت بعد ذلك أن هذا الأمر له علاقة بالتفجيرات على سطح الشمس ولا علاقة للأرض بذلك، لكن نظريتى هذه أخص بها الحزام المتاخم لخط الاستواء شمالاً وجنوباً ومنها منطقتنا، لكن من الممكن أن تنقص المياه فى مناطق أخرى مثل أمريكا والصين.
■ ننتقل إلى أزمة غرق الدلتا المصرية.. هل الغرق محتمل أم حتمى؟
- الدلتا ستنزل تدريجياً ناحية الشرق، أى ناحية بحيرة البرلس والمنزلة، وسيكون النزول بالمليمترات، سيصل بعد مائة عام إلى نصف متر والبعض يقول متر وهى حقيقة علمية لا خلاف حولها.
■ لكن هناك خلافاً حول كيفية التصدى لهذه الظاهرة.. ما وجهة نظرك فى الحل.. وإلى أى مدى ستكون فكرة الحوائط والمصدات عملية.. وهل أنت مع فكرة سحب المياه الزائدة إلى منخفض القطارة؟
- أتمنى ألا نشغل أنفسنا بحوائط للصد هنا وهناك، أو أى فكرة أخرى، لأن الواقع يقول إن الدلتا «هتنزل هتنزل» لذا يجب أن ندرس حجم نزول الدلتا والمساحات التى ستغطيها المياه، والبشر الذين يسكنون هذه المناطق الآن وعلى مدار مائة عام، ونخرج خارج حزام البحر المتوسط تماماً، ونبنى مدناً ومساحات تستوعب حجم المناطق المنكوبة فى الصحراء، ويتم ترحيل الناس إليها شيئاً فشيئاً، وأمامنا مائة عام، وهى مدة كافية للغاية لو بدأنا من اليوم، وأنا أرى فى ممر التنمية الحل المؤكد للأزمة، لأنه يبعد عن البحر المتوسط، وينشئ مصر الموازية فى الصحراء ويحل أزمات التكدس فى الوادى والدلتا، ولنستغل المليارات التى ستنفق فى المصدات والحوائط وغيرها فى البداية فى مشروع ممر التنمية، وهنا أكون ضربت عشرة عصافير بحجر واحد.
■ لكن هناك خلافاً حول ممر التنمية بين العلماء؟
- نحن العلماء نقترح ونقدم أفكاراً، وننتظر لنراها جيدة وقابلة للتنفيذ أم لا؟ ولا يحزننى على الإطلاق خلاف العلماء حول مشروعى فهذا حقهم.
■ البعض قال إن ما تقدمت به من أبحاث وصور لمشروع «ممر التنمية» ليس وافياً.. وقالوا إن المشروع «مرتبك»؟
- كل من قال هذا لم يقرأ كتابى ولا مقالاتى، والتى قدمت نسخاً منها للحكومة المصرية السابقة، لأن كل ما يخطر على بال إنسان من صور بالأقمار الصناعية وخرائط جغرافية تم تضمينها المشروع، وكل شبر أحكى عنه فى المشروع له إثباتات على أسباب اختياره.
■ لكن الدكتور رشدى وهو عالم كبير انتقد هو الآخر المشروع؟
- أنا أقدر الدكتور «رشدى» جداً وأحترم رأيه، وقد بلغنى بالفعل أنه قال: «إيه اللى فاروق عايز يعمله ده؟! عايز يعمل طريق فى الصحراء الغربية، ما إحنا عندنا طرق كتير» وعلى ما يبدو أن الدكتور «رشدى» لم يقرأ المشروع، بل سمع عنه فقال ما قال، وردى عليه أنه: يا دكتور رشدى أنا لم أقل أننى أريد عمل طريق فى الصحراء ولا أن يمر بجانب الواحات، أنا قلت ممر للتنمية أى قطار سكة حديد، وخط مياه، وخط كهرباء و١٥ طريقاً عرضياً من الوادى والدلتا إلى طريق مواز لها فى الصحراء الغربية، على أن نبدأ بتنفيذ الطرق العرضية أولاً، واعتمدت فى مشروعى على صور التقطت بالأقمار الصناعية لهذه المناطق، والخرائط الجيولوجية والطبوغرافية جزء بجزءاً، وما أريده هو عمل مكان ينفع لإقامة ٢٠ مدينة متكاملة و٤٠ ألف قرية ليتم توسيع حزام المعيشة.
■ هل خط مياه من النيل يكفى مشروعاً بهذه الضخامة؟
- معظم الأماكن التى اخترتها بها مياه جوفية حلوة متسربة من النيل وليست أمطاراً، وهى مياه متوافرة بكثرة بل وعلى الدوام، واخترتها لهذا السبب، ومعظم الطرق التى رسمتها تمر بمصادر طبيعية من المياه والمعادن وغيرها، كما سيتم مد خط مياه عرضى لها من النيل، كما سنمد خطوطاً من الكهرباء إضافة إلى استخدام السخانات الشمسية، وكله مكتوب فى الدراسة المقدمة.
■ البعض قال إن تنمية سيناء أهم من تنفيذ «ممر التنمية»؟
- وارد طبعاً.. وكل الأفكار مطروحة، أنا عندى نظرية وهناك نسخة منها فى رئاسة الوزراء، والمشروع متاح للجميع للاطلاع عليه على النت، لكن أنا رأيى أن الإنسان المصرى بحكم تركيبته لا يستطيع الابتعاد عن النيل كثيراً لذا فكرة ممر التنمية هى الأقرب لتركيبته.. لكن فى المقابل الحكومات القادمة هى التى ستحدد الأولويات.
■ ما آخر موقف للنظام السابق من المشروع قبل قيام الثورة؟
- آخر خطوة كانت قيام الدكتور عثمان محمد عثمان، بتشكيل لجنة لدراسة المشروع، والتى أثبتت أنه مخرج لمصر من العديد من الأزمات، وأعلنت هذه النتائج، لكن الموضوع يتوقف على التمويل، وكان هناك تفكير فى طرحه للاكتتاب العام وللاستثمار للشركات الخاصة، أو أن تساهم الحكومة بجزء والقطاع الخاص بجزء.
■ والآن؟
- أفكر فى إنشاء مؤسسة باسم «ممر التنمية» لها مجلس إدارة ويطرح المشروع للاكتتاب العام على أن نبدأ بجنيه قيمة السهم لنشجع جميع المصريين على شراء أسهم فى المشروع ليشعروا بالانتماء لبلدهم، وأن المشروع ملكهم.
■ المهندس حسب الله الكفراوى قال لى فى حوار معه إن ممر التنمية ليس فكرتك.. بل فكرة الرئيس الراحل أنور السادات؟
- ابتسم قائلاً: لا يهم المشروع فكرة مَنْ، فكرتى أم فكرة «السادات».. المهم أن ينفذ المشروع.
■ مؤخراً تم افتتاح العمل فى منجم جبل السكرى، الذى قيل إن كميات الذهب به ستنعكس على الاقتصاد المصرى.. ما تقييمك لهذا المنجم؟
- الفراعنة هم من اكتشفوا منجم جبل السكرى، وليس الحكومات المصرية الأخيرة، وجميع مناجم الذهب التى نعمل فيها هى من نفايات المصريين القدماء، وما تبقى منهم، وكلها اكتشافهم، لكن أيام الفراعنة كانت الوسائل فى استخراج الذهب محدودة، لذا كانوا يأخذون عروق الذهب السميكة من المناجم، أما الأجزاء البسيطة فلا يلتفتون إليها، لأنهم لم يعرفوا كيف يكسرون صخرة لتصبح بودرة، ثم يتم تسخينها فى درجة حرارة معينة ليفصل الذهب ليخرج أوقية أو اثنتين من الذهب، ونحن كجيولوجيين نعرف أن هذا الموقع ومواقع أخرى بها ذهب، ولم يتم استخراجه لضعف الإمكانيات، لكن عندما تم استجلاب شركات أجنبية، وتوافرت إمكانيات تم استخراجه، فلم تكن لدينا تكنولوجيا تركيز الخام واستخراجه، ومخطئ من يقول إنه اكتشاف جديد.
■ هل الكمية بالفعل كبيرة لدرجة أنها ستنعكس على الاقتصاد المصرى إيجابياً؟
- نعم لكن هذا يتوقف على طريقة استخداماتها والمجالات التى سينفق عائدها عليها، وسبق أن قلت عندما أعلن فى السابق عن ذلك: لو أخذوها واستمروا فى بناء العقارات يبقى «بيلبخوا» لكن لو أنفقت على التنمية الصناعية أو الزراعية، وفتح مجالات للعمل أو تحسين التعليم، نكون استفدنا من هذا الكنز.
■ هل توجد مناجم أخرى لدينا غنية بالذهب؟
- نعم فى أقصى جنوب غرب مصر فى هضبة الجلف الكبير، هناك قنوات بها نسب من الذهب، لكن لا نعرف كيف نستخرجها لأنه لا توجد طرق ولا مياه ولا أى شىء، لكن كجيولوجيين نعرف الصخور التى تحتوى عليها.
■ هل لدينا عناصر أخرى مهمة فى الصحراء ذات قيمة اقتصادية؟
- لدينا عدد من العناصر الثقيلة، وعناصر قليلة التواجد مثل الليثيوم والتيتانيوم، لكن أيضاً ليس لدينا تكنولوجيا للحصول عليها، فكل العالم تطور فى مجال المناجم إلا نحن، عموماً نحن نحتاج إلى تطوير الصناعة بكل أشكالها من أعمال المناجم، وحتى تصنيع المواد الخام، لا أن نستجلب شركات أجنبية أو أن نشترى مصنعاً جاهزاً، علينا تصنيع كل شىء حتى نستطيع التحكم فى الأسعار.
■ ذكر أحد قادة الجيش الإسرائيلى أنهم وجدوا فى سيناء خام اليورانيوم بما يكفى مفاعلهم النووى، وأن ذلك عرف عن طريق تنكر بعض المهندسين ودخولهم سيناء.. ما تعليقك.. وهل يوجد فى سيناء اليورانيوم بكثرة؟
- عندما كان الإسرائيليون فى سيناء أجروا مسحاً شاملاً لأرضها بالكامل، ويعلمون تماماً ماذا يحوى كل شبر أرض فيها، والمدة من عام ٦٧ حتى ١٩٧٣ كانت كافية للغاية لهم، فقد أخذوا عينات من كل المناطق، ولم يكونوا فى حاجة للتخفى، لكن هذه إحدى ألاعيبهم ليتم تضخيم الدور الذى يلعبونه واستعراض قدراتهم الاستخباراتية، لينفخوا فى أساطيرهم وقدراتهم، وهم نشروا التحليلات والخرائط التى توصلوا إليها، ونحن نعرف أيضاً هذه النتائج، وبالفعل لدينا صخور رسوبية بها خام اليورانيوم فى سيناء والصحراء الشرقية ومناطق فى جنوب الصحراء الغربية.
■ هل تكفينا كميات «اليورانيوم» لو قررنا قرع باب الإنتاج النووى؟
- لو طورنا التكنولوجيا الخاصة بتركيز الخام وكيفية استخراجه نستطيع توفير الخام الذى نريده.
■ ماذا عن اليوم؟
- «مانقدرش».
■ أعلن الرئيس الأمريكى أوباما فور توليه رئاسة أمريكا اهتمامه بالتعاون فى مجال العلوم مع مصر ورغبته فى عمل برامج حكومية لدعم البحث العلمى.. كيف تقرأ ذلك؟
- «أوباما» مهتم جداً بهذا الجانب، وعرض على الجانب المصرى آنذاك أن يحدد المجالات، التى يريدون دعماً أمريكياً لها، سواء مالياً أو بالخبرات والتكنولوجيا، وطلبت مصر بالفعل جزءاً من الدعم لأبحاث الطاقة البديلة، الرياح والشمس والنووى، وخصص «أوباما» لهذا الشأن مبالغ ضخمة، وعلى المؤسسة التى تريد إجراء البحث العلمى فى مصر التقدم للحكومة الأمريكية وأخذ المخصصات اللازمة.
■ كيف تقيم مستوى البحث العلمى المصرى؟
- مستواه «واطى جداً»، مصر لا تستحق أن تكون فى هذا المستوى، مقارنة بالعقول المصرية والعلماء المحترمين، الذين أفرزتهم على مدى السنين، فكيف لماليزيا وكوريا الجنوبية، وكل من كنا نفوقهم فى مستوى العلم والتقدم أن يصبحوا أفضل منا؟!.. كيف ينتجون ونحن لا ننتج؟! عموماً عندما تريدين معرفة مستوى بلد فى الاقتصاد أرصدى ماذا يستورد وماذا يصدر.
■ بمعنى؟
- عندما تجدى أن مصر لا تزال تستورد طعامها من الخارج، فهذا يعنى أننا لا نزرع بشكل صحيح، ولا نستخدم المحاصيل الصحيحة، وليس لدينا فكر زراعى صحيح، وهذا يعنى إما أنك لا تجرى بحثاً علمياً جيداً أو أن بحثك العلمى لا تستخدمه الحكومة.
■ أيهما كان متبعاً فى مصر؟
- الاثنان.
■ منذ أشهر واجهت مصر أزمة طماطم.. كيف قرأت حينها تلك الأزمة؟
- الأزمات الكبرى من هذا النوع فى مصر تدل، من وجهة نظرى، على أن الناس أصبحت تفكر فى «تفاهات»، فلابد ألا يكون ارتفاع سعر الطماطم أزمة على الإطلاق، وطوال عمرنا كنا نقول إنه لا يوجد فى الأسواق كذا ثم نسكت، وتخلص الحكاية، عندما تكون هذه السلعة متاحة فى الأسواق نشتريها، وإذا كانت متاحة لكن غالية الثمن نبتعد عنها لحين هبوط سعرها أو نجد لها البدائل وانتهينا. «مفيش طماطم أو غالية خلاص نطبخ بغيرها».. هكذا كنا نتقبل تلك الأوضاع، أما الآن فلا أحد يريد أن يتقبل أى شىء.
■ هل المواطن يتحمل اللوم وحده؟
- لا أعفى الحكومات عندما لا توفر المنتج بسعر مناسب، لكن اللوم الأكبر يقع على الناس التى ينصب تفكيرها فقط حول أسعار الطعام.
■ لكن أزمة الطماطم لم تكن تعكس أزمة فى الغذاء فقط بل أيضاً أزمة فى البحث العلمى، لأن الخبراء كانوا يعلمون بارتفاع درجات الحرارة، ولم تتم زراعة أصناف خالية من الأمراض.. ولم تتم زراعة سلالات تحقق وفرة؟
- ربما كان خبراء الزراعة يعلمون بكل ما تقولين، ولم يبلغوا المسؤولين، وربما علم المسؤولون بذلك آنذاك، لكن لم يعملوا على حل الأزمة قبل وقوعها، لأن الأمور فى مصر «كانت سايحة»، ولم يوجد مخطط يسير خلفه الناس، وأرجع للقول بأن سبب كل هذه الأزمات هو أننا متكدسون بشكل خيالى، أكبر من أى دولة فى العالم، فالقاهرة بها أكثر من ٢٠ مليون نسمة يعيشون فى مكان واحد، لا يزرعون طعامهم، بل ينتظرون أن يأتيهم تحت عماراتهم، وهذا يعنى أن أزرع طماطم لعشرين مليون شخص، وأنقلها بما فى العملية من تكاليف ومخاطر النقل، نحن فى حاجة إلى مشروع حضارى ينقذ مصر مما هى فيه.