حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
من عبد العزيز بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين ، وفقني الله وإياهم لمعرفة الحق واتباعه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . . أما بعد .
فالداعي لهذا هو الإجابة عن أمور سأل عنها بعض الإخوة الناصحين في المملكة حيث ذكر أنه يوجد في قبيلته ، وفي قبائل أخرى عادات قبلية سيئة ما أنزل الله بها من سلطان منها : ترك التحاكم إلى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إلى عادات قبلية وأعراف جاهلية .
ومنها كتمان الشهادة ، وعدم أدائها حمية وتعصبا ، أو الشهادة زورا وبهتانا حمية وعصبية أيضا . إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تدعو بعض الناس إلى مخالفة الشرع المطهر . ولوجوب النصيحة لله ولعباده أقول وبالله التوفيق :
يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية . قال الله تعالى :
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا
[1]
وقال تعالى :
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
[2]
فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان ، فكما أن العبادة لله وحده ، فكذلك الحكم له وحده ، كما قال سبحانه :
إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ
[3]
فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات وأقبح السيئات ، وفي كفر صاحبه تفصيل ، قال تعالى :
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[4]
فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه ، وفي كل الحقوق ، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله ، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين ، وما أنزل الله بها من سلطان . . بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية ، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر بشرط الرضا وعدم الإجبار . . لقوله صلى الله عليه وسلم :
((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما))
كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله . أما الشهادة فيحرم على من علمها أن يكتمها لقوله تعالى :
وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا
[5]
وقوله تعالى :
وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ
[6]
فأداء الشهادة على وجهها إذا احتيج إلى ذلك واجب؛ لأنها وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق ، وكتمها ذنب عظيم ، وإثم كبير لما فيه من ضياع الحقوق وإلحاق الضرر بالآخرين ، ولما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان . وكما أن كتمان الشهادة حرام ، فكذلك الإتيان بها على غير وجهها الصحيح أو التزوير فيها لأي سبب من الأسباب فهو حرام أيضا ، بل ومن الكبائر للذنوب ، قال تعالى :
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
[7]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر))
؟ قلنا بلى يا رسول الله قال
((الإشراك بالله وعقوق الوالدين))
وكان متكئا فجلس فقال
((ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور))
متفق على صحته .
وبهذا يعلم أن كتمان الشهادة حرام ، وشهادة الزور حرام أيضا ، بل ومن الكبائر ، كما دلت على ذلك الآيات القرآنية ، والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتق الله أولئك الذين تجري بينهم تلك العادات السيئة ، ويعتبرونها من العادات الحسنة ، وعليهم أن يلتزموا بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يحذروا ما خالف ذلك ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ، مما سلف منهم من المخالفة لشرع الله ، وأن يرفعوا ما تنازعوا فيه إلى المحاكم الشرعية والقضاة في بلدهم ، ليحكموا فيهم بحكم الله ، ويلزموهم بما تقتضيه شريعة الإسلام ، ولا يعدلوا عنه إلى غيره.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ، وأعاذنا جميعا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، إنه سميع قريب . .
وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
[1]
- سورة النساء الآية 60.
[2]
- سورة المائدة الآية 50.
[3]
- سورة يوسف الآية 40.
[4]
- سورة النساء الآية 65.
[5]
- سورة البقرة الآية 282.
[6]
- سورة البقرة الآية 283.
[7]
- سورة الحج الآية 30.