قبل أن يخفق قلبك اسأل عن ديانة المحبوب

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : د. سعد الدين إبراهيم | المصدر : www.almasry-alyoum.com

  بقلم   د. سعد الدين إبراهيم    ١٤/ ٥/ ٢٠١١

كان أساتذتنا فى علم الاجتماع يقولون لنا «عليك أن تختار والديك بعناية فائقة، لأنهما سيحددان مصيرك طوال حياتك!!».
وكان السذج منا يتساءلون: كيف لأى شخص أن يختار والديه قبل أو حتى بعد أن يولد؟ من هذه المقولة، طبعاً، كان القصد هو أن الوالدين يحددان جنسية الأبناء وديانتهم، ولغتهم، والطبقة التى ينتمون إليها، وأسلوب حياتهم، وفرصهم فى التعليم والصحة والعمل وما إلى ذلك.
أستعيد هذه البدهيات، كلما قرأت أو سمعت عن التوترات الطائفية فى مصر المحروسة وكانت هذه التوترات قد تناقصت، ثم اختفت تقريباً خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام ٢٠١١، مع الفرحة بالثورة التى بدأت يوم الأربعاء ٢٥ يناير، والتى شارك فيها كل أبناء مصر، بداية بالشباب، أقباطاً ومسلمين، ومن الجنسين، ومن كل الطبقات. نعم، كان هدفاً مشتركاً أجمع عليه أبناء الوطن، والذى ترجمته عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام».
وقيل فى تفسير عودة التوترات الطائفية - التى كان أكثرها دموية وقبحاً، هو ما وقع فى حى إمبابة، بمحافظة الجيزة، فى أوائل شهر مايو ٢٠١١ - إن السبب المباشر لانفجار هذا العنف فى إمبابة، هو إشاعة أو خبر، مؤداه أن شاباً مسيحياً وفتاة مسلمة يتطارحان الغرام، فثارت ثائرة بعض المتشددين المسلمين وهم أنفسهم، أو أمثالهم عادة ما يبتهجون، إذا حدث العكس.. أى إذا غيرت فتاة أو سيدة مسيحية دينها إلى الإسلام، إما لأنها تحب رجلاً مسلماً، أو تريد الطلاق من زوجها المسيحى!
والذى كانت نموذجاً فيه سيدة تدعى «كاميليا»، وواقع الأمر أن العالم كله فى مطلع القرن الحادى والعشرين، قد أصبح «قرية كونية»، أى تشابكت وتعمقت فيها علاقات الشعوب والجماعات والأفراد، عبر الحدود القومية وعبر الأديان والطبقات.. ومن هنا تعددت قصص الحب والزيجات بين أفراد من أصول قومية دينية وطبقية ولغوية مختلفة.
وينطبق ذلك على عدد كبير من المسؤولين الحاليين والسابقين، وكذلك ينطبق على كاتب هذه السطور.. ففى خلال سنوات الدراسة العليا للدكتوراه فى الخارج، قابلت وصادقت فتيات من مختلف الجنسيات والديانات ووقعت فى حب إحداهن، وهى من أصول أمريكية مسيحية، بروتستانتية وتطورت قصة الحب هذه إلى أن كُللت بالزواج والإنجاب.
وحينما خفق قلبانا لأول مرة، لم تسألنى، ولم أسألها عن ديانتنا، وإن كنت قد افترضت أنها غير مسلمة، وأظن أنها بدورها افترضت أنى غير مسيحى وغير أمريكى، فالجاذبية وخفقان القلب هما أمران تلقائيان، طبيعيان، فى أى مجتمع مفتوح، وحينما ينطلق ما كان يصفه قدماء الإغريق «سهم كيوبيد» فإن هذا الأخير يظهر فى تماثيلهم معصوب العينين، ولكن يبدو أن مصر، رغم ثورتها الباهرة فى مطلع عام ٢٠١١، تعود القهقرى، وتفقد كثيراً من سماحتها وانفتاحها، وأعجب المتشددين يعتقدون أن الإسلام فى خطر لأن شاباً - أو فتاة من المسلمين - صادق أو أحب أو تزوج من مسيحية أو مسيحى؟
كيف لهم أن ينزعجوا أو يغضبوا أو يعتدوا على آخرين من أبناء نفس الوطن أو نفس الحى أو المدينة أو القرية، مع أن الإسلام ظهر وعاش وازدهر طيلة أربعة عشر قرناً؟
وكيف لمسيحى أو مسيحية أن يغضبا، أو يتورطا لمجرد أن مسيحياً أو مسيحية أحب مسلمة أو مسلماً، أو حتى ترك المسيحية، واعتنق ديناً آخر، وكأن المسيحية لم تعش فى مصر والعالم لأكثر من ألفى سنة، وكأنه لا يوجد فى العالم أكثر من مليارى مسيحى؟
لقد آن الأوان «لمصر الثورة» أن تستحدث قانوناً يحمى «الحب»، حق المواطن فى أن يحب، وأن يتزوج من يريد، حتى لو كان من ديانة أو جنسية أو خلفية عرقية أخرى. إن ذلك هو أحد الحقوق التى وردت ضمن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والذى أقرته الأمم المتحدة فى ١٠/١٢/١٩٤٨، ووقعت عليه مصر فى حينه.
وربما لا تعرف الأجيال الجديدة من أبناء الوطن المصرى أن دبلوماسياً مصرياً نابهاً، وقانونياً ضليعاً، هو المرحوم د. محمود عزمى، كان ضمن اللجنة السباعية، التى صاغت تلك الوثيقة العظيمة، التى وصفها الرئيس الأمريكى الأسبق، جيمى كارتر، بأنها رابع أهم وثيقة بعد التوراة والإنجيل والقرآن.
فهل بعد ذلك كله، ينتكس بنا بعض المتشددين، ويعودين بنا إلى الانغلاق والتعصب، أى إلى الجاهلية الأولى؟ لقد كانت مصر فى النصف الأول من القرن الماضى أكثر انفتاحاً وتحرراً مما هى عليه فى مطلع القرن الحادى والعشرين.
ففى أوائل القرن الماضى كان هامش الحرية من الاتساع، بحيث يجرؤ مثقف مصرى مسلم على أن يؤلف كتاباً وينشره بعنوان «لماذا أنا ملحد؟».. وكانت نفس أجواء الحرية هذه، هى التى جعلت مثقفاً آخر يرد عليه بكتاب عنوانه «لماذا أنا ملحد؟».
كذلك كانت نفس أجواء الحرية هذه، هى التى مكنت السينما المصرية أن تنتج وتعرض فيلماً بعنوان «فاطمة ومريكا وراشيل»، عن قصة حب لمصرى مسلم مع فتاة مصرية يهودية «راشيل» ثم مع فتاة ثانية وهى مصرية مسيحية، «مريكا»، وأخيراً مع فتاة مصرية مسلمة «فاطمة»، وفضلاً عن جوانب الرومانسية، فإن الفيلم كان يصور مصر الليبرالية، كمجتمع تعددى لكل أبنائه وبناته.
وكان كثير من أبناء الصفوة من الباشوات والبكوات يختلطون ويحبون ويتزاوجون، دون ضجة أو ضجيج، ودون تدمير لدور العبادة أو سفك للدماء.
أما لماذا حدث ذلك التوتر والعنف الدموى فى «إمبابة»، ولم يحدث فى «الزمالك»، اللتين لا يفصلهما إلا الفرع الأصغر للنيل؟ هذا رغم أن نسبة ومعدلات الاختلاط بين مصريين مسلمين ومسيحيين، وقصص الغرام والتزاوج هى عشرة أمثالها فى إمبابة؟
إن الإجابة تكمن فى عوامل عديدة ويكفى أن نذكر من هذه العوامل أن الزمالك هى أغنى أحياء القاهرة، وسكانها الأكثر تعليماً والأرفع ثقافة، والأكثر تريضاً واستمتاعاً بالمساحات الخضراء وعكس ذلك تماماً حى إمبابة فهو الأكثر فقراً فى القاهرة الكبرى، وهو الأكثر كثافة سكانية، والأكثر حرماناً من المساحات الخضراء فلا عجب والحال كذلك أن يؤدى الحرمان النسبى إلى التهيؤ الدائم للسلوك العدوانى العنيف، ويمكن والحال كذلك أن يؤدى إشعال عود ثقاب إلى انفجار هائل، وهو ما حدث مراراً فى المناطق العشوائية المزدحمة من الخانكة (١٩٧١) إلى إمبابة (٢٠١١).