ما هو الإيثار؟ الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. قال الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه]. وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا.
فضل الإيثار: أثنى الله على أهل الإيثار، وجعلهم من المفلحين، فقال تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9]. الأثرة: الأثرة هي حب النفس، وتفضيلها على الآخرين، فهي عكس الإيثار، وهي صفة ذميمة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فما أقبح أن يتصف الإنسان بالأنانية وحب النفس، وما أجمل أن يتصف بالإيثار وحب الآخرين.
ما أجمله من خلق يجعل الحياة سعيدة وطيبة رضية، ويقلب بيداء الحياة إلى واحة ندية، ويذلل صعبها ويهون مصابها، يشعر الإنسان من خلاله بأن حوله أصحاب أوفياء وأصدقاء أمناء يخلصون له في الحل والترحال، ويسارعون إلى معونته وإسعافه في الضيق والعسر، إنه خلق عظيم لأجله يتعب الواحد ليستريح إخوانه ويحتاج ليستغنوا ويشقى ليسعدوا، لذا كان أجره عند الله عظيم وثوابه جزيل، وإذا كان هذا الخلق لا يدرك إلا إذا رزق العبد قريحة وقادة ونفسا منقادة، وارتدى مع ذلك بعلم نافع وإيمان راسخ وصبر جميل، فإن مما يعين عليه ويدفع الهمم إليه أن يعلم الإنسان فضائله ومكانته، ليكون ذلك عونا له على التخلق به،
وهذه بعض فضائل هذا الخلق المبارك وكيفية اكتسابه:
1- الإيثار خلق الفضل في الإسلام :الإيثار أعلى درجات السخاء، أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على شهوات النفس ولذاتها. ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) ووقاية شح النفس يشمل وقايتها الشح في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعاً منقاداً منشرحاً بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوباً للنفس تدعو إليه وتتطلع إليه وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، وهذا الخلق صار علماً على الأنصار حيث أنهم فاقوا به غيرهم وتميزوا به عمن سواهم، ولأجل عظيم أثره، وشرف قدره أثنى الله على الأنصار فقال جل شأنه: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (سورة الحشر، آية 9)
2-الإيثار خلق الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام: فإيثار رضا الله عز وجل على غيره ولو أغضب الخلق هو درجة الأنبياء وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه وأعلاها لأولي العزم منهم، فإبراهيم عليه السلام سأل ربه الولد الصالح فوهب له إسماعيل عليه السلام فامتحنه الله بذبحه، فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا أن استسلم لأمر ربه فأقدم على ذبح ولده- الذي رزق به على كبر وهو وحيده حينذاك- إيثاراً لمحبة الله على محبة الولد، فكافأه الله بأن فداه بذبح عظيم قال تعالى: "وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى. قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء العظيم وفديناه بذبح عظيم" (سورة الصافات: الآيات: 99- 107) ويقول ابن القيم في كتابه: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (ص227): " لم يكن المقصود ذبح الولد، ولكن المقصود ذبحه من قلبه ليخلص القلب للرب، فلما بادر الخليل إلى الامتثال، وقدم محبة الله على محبة ولده، حصل المقصود فرفع الذبح وفدي الولد بذبح عظيم، فإن الرب تعالى ما أمر بشيء ثم أبطله رأساً، بل لابد أن يبقى بعضه أو بدله كما أبقى شريعة الفداء، وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة وكما أبقى الخمس صلوات بعد رفع الخمسين وأبقى ثوابها، وقال: "ما يبدل القول لدي وهي خمس في الفعل وهي خمسون في الأجر".
وقد حاز نبينا صلى الله عليه وسلم على أعلى هذه الدرجة؛ فإنه قاوم العالم كله وتجرد للدعوة واحتمل عداء القريب والبعيد في الله تعالى، بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصور على إيثار مرضاة الله حتى ظهر دين الله على كل دين وقامت حجته على العالمين، وتمت نعمته على المؤمنين وبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما ناله صلوات الله وسلامه عليه.
3- الإيثار يُكسب العبد رفعة في الدنيا والآخرة: يكتسب المتصف بهذا الخلق جميل الذكر في الدنيا- حيث إن القلوب جُبلت على تعظيم من يؤثرها- وجزيل الأجر في الآخرة مع ما يجلبه له الإيثار من البركة وفيضان الخير عليه، فيعود عليه إيثاره أفضل مما بذله. فهو يعلم عن يقين أن ما يقدمه اليوم يجده غداً هو خيراً وأعظم أجراً فهو دوماً يتدبر كتاب الله تعالى فتقع عينه ويتأثر قلبه.
بمثل آيات المزمل وفاطر قال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً" (سورة المزمل:20) وقال تعالى: "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور" (سورة فاطر، الآيات 29 –30) فيحتقر الدنيا ويزدريها، ويصطفي الآخرة ويختارها، ويقبل على الله عز وجل فيؤثر رضاه سبحانه وتعالى على رضا غيره، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى.
4-الإيثار هو النهاية في الأخوة: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن الربيع رضي الله عنهما فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت، نزلت لك عنها، فإذا حلت، تزوجتها. قال: فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بإقط (وهو اللبن محمض يجمد حتى يستحجر ويُطبخ، أو يطبخ به. المعجم الوسيط1/22) وسمن. قال ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة (المراد بالصفرة صفرة الخلوق، والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره قاله الحافظ ابن حجر في الفتح كتاب النكاح 9/142) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت؟ قال: نعم. قال: ومن؟ قال: امرأة من الأنصار. قال: كم سقت؟. قال: زنة نواة من ذهب (وزن نواة بنصب النون على تقدير فعل أي أصدقتها، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقتها هو. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح كتاب النكاح 9/142.) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أولم ولو بشاة" [رواه البخاري 4/377/حديث 2048 كتاب البيوع) إنها الأخوة في الله. إن التمسك بحبل الله تعالى ينقي القلوب، ويجعلها تتطلع إلى السماء، يجعلها تنظر للآخرة، يجعلها تسير في درب الإيثار وطريق التضحية وسبيل الوفاء والبذل والعطاء دونما كلل أو تعب. إنهم مع حبهم ووفائهم لزوجاتهم يقدمون حب الله على حب نسائهم، إنهم مع هذا الحب الجم يؤثرون رضوان الله على هذا الود.
إنهم مع رقة مشاعرهم وصدق أحاسيسهم ووفائهم لنسائهم يؤثرون إخوانهم وأحبابهم طمعاً فيما عند الله تبارك وتعالى. نفوس عفيفة نقية طاهرة لا تحمل في قلبها حقداً ولا حسداً. لقد سجل هذان الصحابيان الجليلان مواقف مضيئة في صفحات التاريخ ستظل مشرقة في النفوس فتحفزها على الإيثار والوفاء والعمل الطيب والتوكل على الله تعالى، فبأي منهما تشبهت أفلحت بإذن الله تعالى.
كيف يكتسب الإيثار:- (وهذا مستفاد من رسالة "الحياء خلق الإسلام" لأخينا الفاضل الشيخ محمد إسماعيل ص66،68، وكتاب "طريق الهجرتين "للإمام ابن القيم رحمه الله ص284، 285 بتصرف) لو كانت الأخلاق صفات لازمة تخلق في الإنسان ويطبع عليها، فلا يمكنه تغييرها ولا تبديلها ولا تعديلها كسائر صفاته الجسدية من طول وقصر ولون لما أمر الشرع بالتخلق بالأخلاق الحسنة، والتخلي عن القبيحة، فلو لم يكن ذلك ممكناً مقدوراً للإنسان لما ورد به الشرع؛ لأنه لا تكليف إلا بمقدور ولا تكليف بمستحيل، ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير- كما يرى البعض- فقد قالوا إن حسن الخلق غريزة وتمسكوا بحديث ابن مسعود "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم" وهو عند البخاري في الأدب المفرد تحت رقم 275 وهو جزء من حديث طويل قال عنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد تحت رقم 209: صحيح موقوف في حكم المرفوع. والحقيقة أن الأخلاق فيها ما هو جبلي وما هو مكتسب ولذا قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/474): "وقع في حديث الأشج العصري عند أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة" قال يا رسول الله: قديماً كانا فيّ أو حديثاً؟ قال: "قديماً. قال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما" فترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بان في الخلق ما هو جبلي وما هو مكتسب" أهـ. إذن لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي، وتغيير خلق البهيمة ممكن، قال تعالى: "قد فلح من زكاها. وقد خاب من دساها" (سورة الشمس: آية 9،10) وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه" (الصحيحة رقم243 للشيخ الألباني وحسنه) وهذا يدلنا على أن تزكية الأفعال تكون بمباشرة الأعمال المحققة لزكاة النفس وتطهيرها، وليس بمجرد العلم النظري، ولكن الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لاكتساب الأخلاق أو تعديلها، فمن جُبل على خلق معين يسهل عليه ترسيخ هذا لخلق في نفسه، لأن فطرته تعينه عليه،
وفيما يتعلق بخلق الإيثار فإليك بعض الوسائل التي تعين على اكتساب الإيثار وترسيخه.
أولاً: رغبة العبد في مكارم الأخلاق ومعاليها، فإن من أفضل أخلاق الرجل وأشرفها وأعلاها الإيثار، وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره.
ثانياً: مقت الشح، فإن العبد إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار فإنه يرى أنه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلا بالإيثار.
ثالثاً: تعظيم الحقوق التي جعلها الله سبحانه وتعالى للمسلمين بعضهم على بعض، فإن عظمت الحقوق عنده قام بواجبها ورعاها حق رعايتها واستعظم إضاعتها، وعلم أنه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطاً لأدائها.
رابعاً: المواظبة على تكلف الإيثار مرة بعد مرة حتى تألفه النفس وتعتاده ويصير لها طبعاً وسجية، وهذا يستلزم التجمل بالصبر كالمريض الذي يصبر على تعاطي الدواء المر.
خامساً: إدمان مطالعة فضائل الإيثار، وترديدها على القلب، وجمع الهمة على تحصيل الإيثار، والسعي الحثيث في التحلي به.
سادساً: المواظبة على العبادات والطاعات المفروضة والمندوبة كالصلاة التي قال الله تعالى في شأنها: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" (سورة العنكبوت، آية 45) وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فلاناً يصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق! فقال صلى الله عليه وسلم: "سينهاه ما يقول" أو قال: "ستمنعه صلاته" (رواه الإمام أحمد في مسنده 2/447 وصححه ابن حبان 639 الموارد وقال الهيثمي في المجمع: رواه احمد والبزار ورجاله رجال الصحيح 2/258) وكالزكاة التي قال سبحانه فيها: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (سورة التوبة، الآية 103)
سابعاً: لزوم الصدق وتحريه، وتجنب الكذب؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة" (رواه البخاري في الأدب رقم6094 ومسلم رقم 2606 وغيرهما) والإيثار من جملة البر.
ثامناً: استحضار إيثار المثل الأعلى للبشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطالعة سيرته العطرة وشمائله الكريمة، ثم استحضار إيثار الصحابة رضوان الله عليهم ثم استحضار إيثار من تبعهم من أهل العلم والإيمان.
تاسعاً: تقوية رابطة الأخوة في الله التي تولد في نفس المسلم أصدق العواطف النبيلة في اتخاذ مواقف إيجابية من التعاون والإيثار والرحمة والعفو عند المقدرة.
عاشراً: النفرة من أخلاق اللئام والتحول إلى الصحبة الصالحة؛ لأن الطباع سراقة وفي حديث قاتل المائة نفس أن العالم قال له"… ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى ارض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء…" الحديث (جزء من حديث رواه البخاري في الأنبياء 3470 ومسلم في التوبة 2766 وغيرهما) أمره باعتزال بيئته الفاسدة التي تصد عن الخلق الحسن والتحول إلى الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير.
* صور فى الإيثار .
انطلق حذيفة العدوي في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له، ومعه شربة ماء. وبعد أن وجده جريحًا قال له: أسقيك؟ فأشار إليه بالموافقة. وقبل أن يسقيه سمعا رجلا يقول: آه، فأشار ابن عم حذيفة إليه؛ ليذهب بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم، فذهب إليه حذيفة، فوجده هشام بن العاص. ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلا آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء، فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات. فقد فضَّل كلُّ واحد منهم أخاه على نفسه، وآثره بشربة ماء. *** وجاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطته بردة هدية، فلبسها صلى الله عليه وسلم، وكان محتاجًا إليها، ورآه أحد أصحابه، فطلبها منه، وقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه.. اكْسُنِيها. فخلعها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها إياه. فقال الصحابة للرجل: ما أحسنتَ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألتَه وعلمتَ أنه لا يرد أحدًا. فقال الرجل: إني والله ما سألتُه لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني. [البخاري]. واحتفظ الرجل بثوب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان كفنه. جاء رجل جائع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وطلب منه طعامًا، فأرسل صلى الله عليه وسلم ليبحث عن طعام في بيته، فلم يجد إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُضيِّف هذا الليلة رحمه الله)، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. وأخذ الضيفَ إلى بيته، ثم قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني، فلم يكن عندها إلا طعام قليل يكفي أولادها الصغار، فأمرها أن تشغل أولادها عن الطعام وتنومهم، وعندما يدخل الضيف تطفئ السراج(المصباح)، وتقدم كل ما عندها من طعام للضيف، ووضع الأنصاري الطعام للضيف، وجلس معه في الظلام حتى يشعره أنه يأكل معه، وأكل الضيف حتى شبع، وبات الرجل وزوجته وأولادهما جائعين. وفي الصباح، ذهب الرجلُ وضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للرجل: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة) [مسلم]. ونزل فيه قول الله -تعالى-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]. والخصاصة: شدة الحاجة. *** اجتمع عند أبي الحسن الأنطاكي أكثر من ثلاثين رجلا، ومعهم أرغفة قليلة لا تكفيهم، فقطعوا الأرغفة قطعًا صغيرة وأطفئوا المصباح، وجلسوا للأكل، فلما رفعت السفرة، فإذا الأرغفة كما هي لم ينقص منها شيء؛ لأن كل واحد منهم آثر أخاه بالطعام وفضله على نفسه، فلم يأكلوا جميعًا. ***