التأكيد على خلق الحياء في تربية الطفل جاءت السنة المطهرة بمدح الحياء، والتأكيد عليه، والثناء على أهله، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه أن رسول الله r مر على رجل يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله r: ((دعه فإن الحياء من الإيمان)) ، وفي حديث آخر امتدحه عليه الصلاة والسلام، فقال: ((لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء))، وهذا المدح دليل على أن الاتصاف بهذا الخلق أمر محبوب، ومندوب إليه، كما أن من تجرد من هذا الخلق ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه "ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يُقر الضيف، ولم يُوف بالوعد، ولم تؤد أمانة.. ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة"، فالاتصاف بخلق الحياء يدعو صاحبه إلى التحلي بالفضائل، وترك الرذائل والقبائح، وذلك لما يشعر به الإنسان في نفسه من الاستحياء من الله، أو من الناس، وكراهة أن يشاهد في حال غير لائقة به. ويعرف الإمام الجنيد الحياء فيقول: "الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق"، فالذي يرى تقصيره في جنب الله عز وجل ويرى ويشاهد نعمه التي لا تحصى مع وجود هذا التقصير فإن الحياء يحصل هنا بسبب هذا النظر والتفكير، فيمنع صاحبه من مواقعة القبائح والرذائل استحياء من الله المنعم المتفضل. لهذا يستدل مسكويه على نجابة الصبي بكثرة حيائه وأدبه مع الكبار، وعدم التحديق في وجوههم بطرفه؛ بل تراه مطرقاً نظره إلى الأرض وينصح ابن الحاج الفاسي الأب أن يستغل هذه الفرصة الجيدة في طبع الولد، فيؤدبه مستعيناً على ذلك بكمال حيائه وتمييزه، وفي هذا يقول بعض الحكماء "الحياء في الصبي يدل على العقل"، وهذا الصنف من الصبيان ينفع معهم الكلام والذم عند الإساءة، فسرعان ما يخجلون ويقلعون عن الأمر القبيح، ويندمون على فعله. أما الصنف الآخر من الصبيان الذين جبلوا على الاستخفاف بالكرامة، وقلة الحياء والأدب، فإن تربيتهم تكون صعبة يحتاج معها المربي إلى التخويف والعقاب بالضرب وغيره عند الإساءة إذا تطلب الأمر. وينبغي أن يفرق بين الخجل المذموم الذي يحجب صاحبه عن ملاقاة الناس والاختلاط بهم ومعاملتهم والمهابة منهم لغير سبب، وبين هذا الحياء المحمود الذي ذكر آنفاً، والذي كان من خلق المصطفى عليه الصلاة والسلام ومن طبعه وسجيته حيث كان "أشد حياء من العذراء في خدرها". ويمكن للأب أن يبدأ في تنمية جانب الحياء في ولده منذ الطفولة، حيث تظهر على الولد علامات الحياء منذ الشهر الرابع تقريباً، ويكون واضحاً في طبعه عند اكتمال السنة فإن أظهر الولد أدباً أمام الكبار، وحياء من التحدث بحضرتهم لغير حاجة أقره الوالد على ذلك وحثه عليه وكافأه أما إذا ظهر على الولد إحجام عن مجالسة الناس، وخوف منهم لغير سبب، وتهرب من مخالطتهم، فإن هذا السلوك يحتاج إلى علاج، وليس هو من الحياء المحمود؛ بل هو من الخجل المذموم، ويكون دور الأب في معالجة ذلك من خلال تدريبه على مخالطة الناس شيئاً فشيئاً دون جبر، وأن يتجنب في أول الأمر أن يكون الولد هو محور الحديث في المجلس فيزيد في خجله؛ بل ينبغي التغافل عنه بعض الشيء حتى يشعر بالأمان والاطمئنان، ويتعود وجود الناس، ويحاول الأب أن ينبه زواره وجلساءه أن لا يكثروا مع الولد الحديث فيسوقوه إلى مزيد من الخجل، ولا بأس أن يعطوه بعض الحلوى أو الهدايا البسيطة ليشعر بالأنس. ولو أحضر بعضهم ولده ليجالسه ويصادقه لكان ذلك حسناً. وينبغي للأب أن يحاول عدم تدليل الولد أمام الناس، خاصة في طفولته المتأخرة، كأن يعانقه أمامهم، أو يناديه بأسماء الدلع المرخمة، فإن الولد يكره ذلك ولا يقبله، أما إن فعل ذلك في خلوة مع الولد، أو بحضور من لا يخجل منهم فلا بأس إن شاء الله. والوالد يوطن ولده على التزام الأدب والحياء دائماً حتى عند الإساءة، فإن سابه أحد أقرانه، أو شتمه لم يرد عليه بالمثل؛ بل يشعره بأنه ولد مؤدب لا يمكن أن يتلفظ بمثل هذا، ويعمل الأب قدر الإمكان أن يجنب ولده مخالطة الصبيان غير المؤدبين، والذين يمكن أن تصدر منهم أعمال تدل على سوء الأدب، وقلة الحياء، فإن أهمل ذلك تأثر الولد بهم.