بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الوسائل الدعوية من الأحوال التي لا يمكن الاستغناء عنها البتة إذ لا يتصور عند العقلاء الوصول إلى هدف دون استخدام الوسائل الموصلة إليه، وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائل متاحة في وقته: فصدع بالحق على الصفا، وصرخ بقريش: [ يَا صَبَاحَاهْ] رواه البخاري ومسلم. وكان يعرض دعوته في ملتقيات الناس وأسواقهم، كما كان يطوف بمشاعر الحج ويلقى القبائل، ويبلغ الرسالة، ويستنصر للدين . وإن من اللوازم المتعينة على الداعية تحديد ما يدعو إليه وكذا استخدامه الوسيلة التي يوصل من خلالها إلى المدعو دعوته؛ إذ لا يتصور البتة الدعوة بدون وسيلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:' إن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر، لابد فيما يدعو إليه من أمرين:أحدهما: المقصود والمراد والثاني:الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله، وتارة إلى سبيله، فإنه سبحانه هو المعبود المراد المقصود بالدعوة '[ الفتاوى 15/162]. والداعية إلى الله مطالب عقلاً وشرعاً باستخدام الوسيلة الشرعية المناسبة التي يوصل دعوته إلى المدعوين عن طريقها؛ وبخاصة إذا علم الداعية أن الدين قسمان: 1-عبادات يصلح بها أمر الآخرة: والأصل فيها التوقيف: في جنسها، وصفتها، وعددها وسببها ووقتها ... ودليلها قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكاَءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[21]}[سورة الشورى]. 2-عادات، أو معاملات يصلح بها أمر الدنيا: والأصل فيها الحل والإذن مثل العقود، والشروط، والوسائل.. ودليلها قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ لَكُم مِّن ْرِزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاما ًوَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ [59]}[سورة يونس]. وبناء على هذا فمن ادعى عبادة فعليه الدليل، ومن منع عادة أو معاملة فعليه الدليل أيضاً. ' والخلاصة أن مقصود الدعوة الإسلامية هداية الناس، وتحقيق المصالح لهم، فكل وسيلة عادية تؤدي إلى هذا المقصود، وتحققه دون أن يعارضها نهي شرعي؛ فإنها تكون في دائرة المشروعية والاعتبار...'[ قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية للدكتور مصطفى بن كرامة الله مخدوم . ص 343]. المعنى العام والخاص للوسائل: فإذا كان المعنى العام للوسائل هو ما يتحصل به المقصود خيراً كان، أو شراً فإن، المعنى الخاص – وهو ما نعنيه في هذا المقام – هو: ما يتوصل به الداعية إلى الله إلى دعوة المدعوين، ومن هنا جاءت الأهمية إذ الوسائل ليست حكراً على أحد دون أحد فالأمر في هذا مشاع. اختيار الوسيلة المناسبة سبب في تحقيق المقصود: ولذلك يلحظ أن من الأفكار ما كتب لها الانتشار بسبب الوسائل المستخدمة لنشرها، ولو كانت في حقيقتها باطلة، وبينما نجد أن هناك دعاة في بعض الأماكن قد يصيب دعوتهم فتور، أو ضعف مع قابلية الإسلام للانتشار لموافقته للزمان، والمكان، والفطر التي فطر الله الناس عليها، إلا أن الانتشار في ذلك يكون قليلاً، ولو أرجعت السبب لوجدت أن سوء استخدام الوسائل له دور في ذلك. ضوابط الوسائل التي تصونها مع مستخدمها من الخلل والاضطراب: وانطلاقاً من القاعدة الشرعية: الوسائل لها أحكام المقاصد ، فهاهنا ضابطان لا بد من مراعاتهما وهما: أولاً: الإذن: بمعنى أن تكون مأذوناً بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصاً عليها، أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح- وهو أحد الأحكام الخمسة التكليفية الشرعية-، ولا يكون المباح حراماً بمجرد أن ينوي به الإنسان النية الصالحة مع التفريق بين النية الصالحة العامة، ونية التقرب، والتعبد المحضة. ثانياً: المصلحة: ويشمل ذلك مناسبة المقام، واختيار الوسيلة، ورجحان المصلحة على المفسدة، مما يحتاج معه على إمعان نظر وسلامة قلب. من الوسائل الدعوية: هذه الوسائل منها ما يكون صالحاً في هذا العصر، وقد لا يكون صالحاً فيما يستقبل من الأيام، وقد يهم الإنسان أن يعرف قدرات نفسه، فلا بد للإنسان أن يعرف ما الشيء الذي يستطيع أن يقدم فيه خيراً لنفسه وللأمة، فلا يكن أحدنا كالمُنْبَتّ لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع؛ ولذا لا بد ونحن نتكلم عن الوسائل أن نشير إلى أنه يجب أن يتعامل معها الإنسان بحسب المؤهلات العلمية، ولا أقصد بذلك المؤهلات العليمة النظامية لكن قدراته العلمية، وما حصّل من علم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا بد من المؤهلات العلمية، وكذا القدرات الذهنية في هذا المقام، وأيضاً القدرات البدنية وهذا المطالب لا شك أن كل وسيلة تحتاج إليها بحسب الحال، والمقام . والوسائل الدعوية كثيرة، متنوعة، متجددة كما سبق، ومنها: أولاً : وسائل مقروءة والوسائل المقروءة متنوعة ومن ذلك: 1- التأليـف: ويجب أن لا يكون الهدف هو ذات التأليف، أو لمجرد المزاحمة، بل يجب أن تكون الحاجة للمؤلَّف هي الداعية للتأليف، والحاجة قال عنها حاجي خليفة:'ثم إن التأليف على سبعة أقسام لا يؤلِف عالم عاقل إلا فيها وهي: إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنف فيصلحه . وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد: استنباط شيء كان معضلًا، أو جمعه إن كان مفرقاً، أو شرحه إن كان غامضاً، أو حسن نظم وتأليف، أو إسقاط حشو وتطويل'[ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/36ن 35]. فالعمل الدعوي تجارة مع الله ليست تجارة مادية بالدرهم والدينار، فالتجارة المادية الحرة مبناها على المنافسة فالبقاء للأقوى . أما العمل الدعوي فإنه يختلف، فإذا رأى الداعية أن غيره قد قام بما يرى أنه يريد القيام به؛ فليحمد الله على أن قد قام بالمهمة عنه غيره، والمجال واسع فليبحث عن مجال آخر، بمعنى أنه ليس من أهداف الدعاة تحطيم الذوات والتقليل من الشأن بل يشد بعضهم بعضاً، فيؤيدون، ويناصرون، ويسددون، ويقاربون، ويوجهون، وينصحون، ولا يفضحون. 2-الرسائل:والرسائل فيما يظهر تنقسم إلى قسمين: النوع الأول: رسائل خاصة على غرار ما تقوم به بعض المؤسسات الدعوية، وقد يقوم به بعض الأفراد بمراسلة هواة المراسلة الذين يشيرون إلى هذه الهواية ببعض الصحف والمجلات، أو الرسالة إلى صديق داعيها المحبة والإخاء . النوع الثاني: الرسائل الخاصة في مسائل متفرقة في العقيدة، أو الفقه، أو الأخلاق والآداب، أو غير ذلك. وهذا الرسائل الخاصة هي الأكثر اليوم، وهي من جانب ظاهرة صحية، ومن جانب آخر قد يكون فيها على البعض ضرر، وبخاصة إذا كان القارئ أو المطلع من أهل القراءة فقد يقتصر على قراءة هذه الرسائل، ويترك الأمهات والكبار من المؤلفات التي أخذت منها هذه الرسائل إما نصاً، أو مقاربة. ومن الرسائل الطريفة الجديدة رسائل الجوال إن أحسن استخدامها واستغلالها؛ فإن لها أثراً عظيماً. 3- المقدمات لمؤلفات الآخرين وهي تطلب عادة من إنسان له مكانة علمية أو اجتماعية على حسب المؤلّف، فيجمل بمن يُقدِّم لكتاب خاصة إذا كان كتاباً في علم الشريعة بصفة عامة أن يضمنه دعوة إلى الله مع البعد عن الثناء على المؤلّف إلا بمقدار يسير يحفظ الحق والود بينهما. 4-الصحف والمجلات وهذه تنقسم إلى قسمين: 1- صحف ومجلات متخصصة بالعلوم الشرعية: وهذه قد تكون المشاركة فيها مما لا إشكال فيه. 2- وأخرى عامة، مواضيعها متنوعة . والمشاركة فيها أمر يُستحسن ومطلوب، إلا أنه ينبغي أن يكون للمشارك – سيماً إذا كان مؤثراً مشهوراً – دور في تحديد أمور منها: - تحديد مكان نشر المشاركة: فكما هو معلوم الصحف المتنوعة متنوعة صفحاتها، فما دام أنه يريد أن يشارك فيها فلا بد أن يضع شروطاً يشترطها لتحدد مكان نشر المشاركة الذي يبعدها عما لا يناسبها من وجوه متعددة. - اشتراط عدم التدخل الذي يغير المعنى، وبالتالي يتغير الموضوع الذي يكتب فيه. وعلى الكاتب الذي يدعو إلى الله من خلال مشاركته أن تكون كتابته حيَّة، فإن الملاحظ أن كتابة بعضهم فيها شيء من الضعف مع أنها قد تكون مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة، لكن قوة النص من الكتاب والسنة يحتاج لأن يكون الاستدلال بهما قوياً بحيث يكون وجه الاستدلال بيناً واضحاً؛ إذ الفرق كبير بين الدليل والمدلول، فالقراء يعرفون الكتاب ويعرفون السنة غالباً فبين أيدهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن كيف يُفتّح الكاتب أذهانهم على النصوص. - أن لا ينشر ما يكتب في وقت ميت إما لكون القراء عامة يعيشون انشغالاً عاماً ، أو أحداثاً مستجدة تنصب اهتماماتهم على قراءة أخبارها، أو أسبابها، وتداعياتها، وغير ذلك. 5- الإنترنت وإن من الوسائل العصرية وهي مع كونها مسموعة إلا أن القراءة فيها أكثر من السماع، وسيلة الإنترنت فـ 'لم يعد من الممكن تجاوز[إنترنت] وتجاهلها أو اعتبارها شيئاً شريراً اخترعه الغرب لإفساد المسلمين وإغوائهم..لماذا؟!لسبب بسيط هو أن التجارب العملية أثبتت أن [إنترنت] كائن يمكن السيطرة عليه وتطويعه حسب ما نشاء'[ الإنترنت في خدمة الإسلام لعبد المنعم حسن النهدي ص 10]. فعلى هذا يكون العزوف عنه في هذا الوقت تضييع لأفضل الفرص في مجال الدعوة إلى الله سبحانه، والمشارك فيها يجمل به أن يكون على قدر من العلم الشرعي، وكذا عنده قدرة على الحوار والإقناع، ومجالاته واسعة من كتابات مطولة، وحوارات جادة، وأحاديث خفيفة، أو ما يسمى [ بالدردشة] وما على الداعية إلا أن يستعين بالله، ويساهم بهذه الوسيلة بما يحقق الاستغلال الأمثل، والمساهمة الفاعلة. ثانياً:وسائل مسموعة وهذه منها المشاهد ومنها غير المشاهد، وكلٌ منهما له تأثير على المستمع، بحسب قوة المادة، وجودة الإلقاء والعرض زماناً ومناسبة، والوسائل المسموعة أنواع منها: 1- التعليم بأنواعه: سواء في الدراسة النظامية، أو حلقات القرآن، أو الدروس العلمية الأخرى في المساجد. والمعلم أياً كان طلابه، فإنه إن راعى الحال والمقام وخاطبهم بما يعرفون؛ كان لخطابه الدعوي أثر عليهم تربية واجتهاداً حتى ولو كانوا طلاب صفوف أولية، قال عمرو بن العاص لحلقة قد جلسوا إلى جانب الكعبة، بعد أن قضى طوافه وجلس إليهم وقد نحّوا الفتيان عن مجلسهم:' لا تفعلوا ! أوسعوا لهم، وأدنوهم وألهموهم، فإنهم اليوم صغار قوم يوشك أن يكونوا كبار قوم آخرين، قد كنا صغار قومٍ أصبحنا كبارَ آخرين '. وقد علق ابن مُفلح رحمه الله على هذه العبارة قائلاً:'وهذا صحيح لا شك فيه، والعلم في الصغر أثبت، فينبغي الاعتناء بصغار الطلبة لاسيما الأذكياء المتيقظين الحريصين على أخذ العلم، فلا ينبغي أن يجعل على ذلك صغرهم، أو فقرهم وضعفهم مانعاً من مراعاتهم والاعتناء بهم'[ الآداب الشرعية والمنح المرعية 1/ 244]. والمعلم الناجح هو الذي يسعى لفتح أذهان الطلاب وربطهم بخالقهم عن طريق أي مناسبة تعرضُ له في شرحه وتقريره أيا كانت مادته، وهذا من أساسيات التعليم وأهدافه كما أن هذا من بركة الرجل- إن وفق إليه- قال ابن القيم رحمه الله:'... فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل، ونصحه لكل من اجتمع به، قال تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام:{وَجَعَلَنِي مُباَرَكاً أَيْنَ ماَ كُنتُ...[31]}[سورة مريم]. أي معلماً للخير، داعياً إلى الله، مذكراً به، مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل، ومن خلا من هذا؛ فقد خلا من البركة، وسحقت بركة لقائه، والاجتماع به ...]. 2- الخطبــة الخطب قديمة قدم الزمان، وجاء الإسلام فزاد الخطب قوة وأهمية، فأما القوة: فجمال الأسلوب، وانتقاء العبارات، وتحليتها بالآيات والأحاديث، وشيء من أخبار العرب وأشعارهم، فتأثر الخطباء بالقرآن وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأهمية: فلجعلها عبادة، أداء واستماعاً، كما في الحديث: [...وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا]رواه مسلم. ولهذا فإن من حق المستمعين على الخطيب أن يراعي حقهم، وقد ألزموا بالاستماع إليه فلا بد من الاعتناء بالموضوع، والتوقيت، والطول، والقصر، ومراعاة الحال، ومواكبة الظروف والأحوال بياناً وتوجيهاً. الموعظــة وهذه وسيلة كلامية يسعى الواعظ من خلالها إلى التأثير في المدعوين بالأسلوب المناسب للحال والمقام، وكم وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بمواعظ متناسبة مع الحال والزمان ومنها ما رواه الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ قَالَ:'وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا...'الحديث.رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد. والموعظة عادة ما يكون الناس على غير استعداد لها سواء كانت بعد صلاة مفروضة، أو في مناسبة اجتماعية، فلا بد من مراعاة أحوال الناس، وعدم إملالهم. 3- المحاضرة وهذه تختلف عن الموعظة، لأن الناس جاءوا مستعدين، وكذلك تبنى على حقائق علمية مع طول وقتها، وإشباع موضوعها، وما قد يصاحبها من مداخلات وأسئلة تطرح في آخرها مما يتطلب من المحاضر استعداداً علمياً، وذهنياً، ونفسياً، يجعله يجيب بما يحضره ويعتذر عما غاب عن ذهنه، أو يجهله. 4- النـــدوة وهذه تمتاز بأن المشارك فهي أكثر من واحد، مع ما فيها من إبعادٍ للسآمة والملل بسبب نقل الحديث من مشارك لآخر مع تنوع محاوروها التي يتناولوها. 5- الإذاعــة وهذه يقال فيها ما يقال في الصحف والمجلات من جهة التقسيم فمتى ما رأى الداعية أهمية المشاركة في البرنامج العام للإذاعة، فإن عليه أن يلتمس الإصلاح والمحقق للتأثير الأكبر على المستمعين، وكل داعية بحسبه والأمور نسبية. 6- التلفزيون والقنوات الفضائية لم تعد المشاركة الدعوية في هذه الوسيلة المسموعة المرئية شراً محضاً، فوصول صوت الداعية إلى ملايين البشر يتطلب من الدعاة القادرين دراسة جادة تصل إلى الكيفية المناسبة لاستخدام هذه الوسيلة بما يحقق الخير، أو بعضه، ويدفع الشر، أو بعضه. 7- الشريط الإسلامي مع تنوع مادته ما بين مادة عملية، وكلمات وعظية، وإنشاد حسن، وأخبار ماضية تربط الجيل الحضر بماضيه، كل هذه الأشياء تجعل من الشريط وسيلةً دعوية يسهل الاستماع إليها وتداولها، فما على المهتمين بذلك من أصحاب المؤسسات إلا الحرص الجاد بالمتابعة للجديد الحسن، وتيسير نشره واقتنائه. ثالثاً : وسيلة المؤسسات العلمية والدعوية يمتاز العمل المؤسسي بجماعيته، حيث العدد الأكبر المساهم في ذلك العمل، فتكثر الآراء والأفكار الخادمة، مع توظيف طاقة كل عضو فيما يناسبها من أجل النهوض بالعمل واستمراره حيث الاستثمار الأفضل لعقول الرجال، ويضاف إلى هذا عدم ارتباط هذا العمل بشخص واحد ينتهي بتغير رغبته، أو موته. كما أن مثل هذا العمل يمتاز بالتنظيم والدقة والبعد به عن الارتجالية، حيث النظم المتفق عليها، والتي يسير العمل من خلالها، ومعرفة كل عضو ماله وما عليه داخل هذا الصرح، وكذا وجود مجلس تصدر القرارات من خلاله لا تسمح لكل أحد بأن يصدر القرار لوحده، كل هذا وغيره يجعل أعمال هذه المؤسسات أقل خطأً، وأكثر صواباً ونفعاً . ومما يلحق بهذه ؛ المراكز الصيفية، والأنشطة المدرسية التي تحفظ على الشاب وقته مع ما فيه من تدريب على الإلقاء والمخاطبة، وما يستفيده من خبرات علمية، وعملية تساعده على بناء شخصيته ومستقبله، وتنير له طريقه للمشاركة المثلى في خدمة مجتمعه وأمته. رابعـاً: وسـائل أخـرى وهذه في عمومها طابعها الاتصال المباشر بالمدعو ومن ذلك: 1 -الذهاب إلى أماكن المدعوين فالداعية الحريص على إيصال الحق إلى الخلق مطالب باستخدام هذه الوسيلة، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عكاظ، وذي المجاز، وغيرهما، وغشى أندية قريش واجتماعاتهم، ولكن لا بد للذاهب أن يكون متسلحاً بالعلم، وقوة الإيمان، والأسلوب الأمثل للمدعوين زماناً، ومكاناً، وتأهيلاً. 2-إجابة الدعوة إجابة الدعوة من حق المسلم على أخيه، وبخاصة مع خلوها من المنكرات التي لا يمكنه تغييرها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ] رواه البخاري ومسلم-واللفظ له-. ولكن على الداعية عدم الاستئثار بالحديث، وقطع الناس بعدم التحدث مع بعضهم البعض، فإن الأصل في إقامة المناسبات الاجتماعية التلاقي بعد طول فراق والمؤانسة بين الأقارب والأصحاب، والاستئثار من الداعية يوجد عند بعض المدعوين عدم رغبة بتحدثه للسبب المذكور. وحتى يكون للداعية ذلك الأثر الفاعل بالمدعوين: فلا بد أن يكون الاتصال بينهم وبينه ميسوراً. كما أن المدعو يعرض له مشكلات يحتاج معها إلى قادر يساعده على تجاوزها، وهل أولى من الدعاة القيام بهذه المهمة، فهم أطباء القلوب، ولكن يبقى دور الداعية في تربية المدعوين على احترام المواعيد والاعتناء بها، مع عذره لجاهل، أو غريب جاء لساعات يلقى فيها الداعية، ثم يعود إلى بلده. 3- السعي في مصالحهم والإصلاح بينهم السعي في مصالح المدعوين خلق نبيل، ودلالة أكيدة على البعد عن الأثرة وحب الذات مع ما فيه أيضاً من حب الخير للآخرين. واتجاه الناس إلى الداعية تلمساً منهم بقضاء حوائجهم وسيلة يمتلك بها الداعية قلوبهم؛ إذ الإحسان يؤثر في الإنسان، فيزيد القلوب له محبة، وقد يقلبها من البغض إلى المحبة، وهذا أمر من وفق إياه؛ فقد أوتي خيراً كثيراً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...]رواه مسلم. والمدعو لو لم يجد عند الداعية إلاّ طلاقة الوجه؛ لتأثر بذلك أثراً إيجابياً، فكيف إذا رأى منه تفاعلاً وحرصاً على القيام بخدمته، فلا بد من بذل النفس، وإشعار الآخر أن الداعية يحمل همّه، عنده مشكلة في البيت يتفاعل معه، مشكلة في الدراسة، وغير ذلك، فلا يقنطه، ولا يجعله مطلق التفاؤل في حل الأمور. وكما هي الحال في السعي في مصالحهم؛ يحسن بالداعية أن يسعى في الإصلاح بين إخوانه المسلمين، وهو من الخير الذي قال الله عنه:{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفِ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضاَتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[114]}[سورة النساء]. فبعض الأسر تعاني من مشكلات وتنافر بين بعض أفرادها، وكذا بعض الأقران، وأصحاب المهن والاهتمامات المتقاربة، هؤلاء قد يوجد بين بعضهم ما يتطلب من الداعية أن ينزل إليهم، ويصلح بينهم، وبخاصة إذا طُلب منه ذلك فالحذر من التهرب مع القدرة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ:' هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ قَالَتْ:' نَعَمْ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ'رواه مسلم . قال النووي رحمه الله ' قَوْلهَا:'قَعَدَ بَعْد مَا حَطَمَهُ النَّاس' قَالَ الرَّاوِي : فِي تَفْسِيره يُقَال: حَطَمَ فُلَانًا أَهْله إِذَا كَبُرَ فِيهِمْ , كَأَنَّهُ لِمَا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورهمْ وَأَثْقَالهمْ وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا , وَالْحَطْم الشَّيْء الْيَابِس.'. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة، وصاحب الكمال المطلق من الخلق عليه الصلاة والسلام، وللجميع فيه أسوة. 4- الراحلـة الداعية إلى الله وهو راكب راحلته مع إخوانه أفراداً أو مجموعات- سواء كانت الراحلة دابة أو من المخترعات العصرية – عليه أن يستثمر هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله سبحانه حيث استغلال اللحظة بما يفيد وقد كان هذا من سيرة رسول الله مع أصحابه فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ...' رواه البخاري ومسلم. فهذا المنهج من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الطريق على المتعذرين بضيق الوقت وقصره، وأنه لا يتمكن من تقديم شيء للمدعو.