لا شك أن هذا الادعاء كُفر بالله تعالى وخروج عن الملة، ومن صرَّح بهذا الادعاء وجب أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل؛ وذلك أن التمسك بالدين هو السبب في النصر والظهور على الأعداء والتمكن من افتتاح البلاد واسترقاق العبيد والاستيلاء على بلاد الكُفَّار والتغلب عليهم كما حصل ذلك للصحابة ومن بعدهم حيث تغلبوا على دولة الروم وطردوهم وتملكوا بلادهم، وعلى دولة الفُرس كالعراق وإيران والهند والسند وفتحوا أكثر البلاد، وإنما قوَّتهم وصلابتهم بسبب تمسكهم بالإسلام، فهم يصومون النهار ويُصلون في الليل كما قال فيهم الشاعر:
فـي الليـل رهبان وعند جهــادهم
لعدوهـم من أشجـع الأبطـــال
ولما تخلى المسلمون عن دينهم وضعف تمسكهم به تسلط عليهم الأعداء، وقد جاء في الأثر أن الله يقول: إذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني، وإذا كان كذلك فنقول: إن هؤلاء الكُفَّار إنما قويت معنوياتهم لما ضعف المسلمون وتخاذلوا وتسلط عليهم الأعداء وطردوهم من كثير من البلاد، وأما تقدمهم الحضاري فليس هو بسبب ترك الدين، ولكن هو من باب تعجيل حظهم في الدنيا لقول الله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فإن الكافر إذا عمل عملا صالحًا عجَّل الله له أجره في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار.
وأيضًا فإن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما جاء ذلك في حديث، وقد قال الله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ فأخبر بأنه لولا أن يكفر الناس ويتركوا الأعمال الصالحة لأعطى الكُفار من زهرة الدنيا وزينتها بحيث تكون سقوف بيوتهم وأبوابها من الفضة وهكذا درجها وسررهم التي يتَّكئون عليها، وزينتها من الزخرف الذي هو من الذهب وذلك متاع الحياة الدنيا، ثم إن الغرب جعلوا دنياهم أكبر همهم فأخذوا يفكرون وينظرون إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه من هذا الابتكار ومن هذه الصناعات والمركوبات والمُخترعات.
ولا شك أن الله تعالى هو الذي دلَّهم عليها وليست خاصة بالكُفَّار؛ فإن من تعلمها من المسلمين قادر على تلك الصناعات وما أشبهها، وأما ما مُتِّعوا به من كثرة المياه وتوفر المطر وكثرة النباتات وما أشبهها فهذه متاع الحياة الدنيا وإنما طويت عن هذه البلاد بسبب الذنوب التي صدرت من المسلمين مع علمهم ومعرفتهم بآثارها؛ فعوقبوا بالقحط والجفاف، ولقد أدركنا قبل ستين سنة أن المطر لا يتأخَّر عن إبانه، وحدَّثنا آباؤنا وأجدادنا أن هذه الجزيرة في أول القرن الماضي وما قبله كانت رياضًا زاهرة وكانت الأودية لا تخلوا من المياه، وكانت الآبار لا تزيد عن خمسة أذرع أو عشرة أذرع، وتكاد في بعض الأماكن أن تنبع المياه على وجه الأرض وذلك ببركة الطاعة والعبادة وترك الفواحش والمُحرمات.
فلما فشت المعاصي وظهرت الفواحش ووجد التبرج والدوافع إلى الزنا وأُعلنت الصور الفاتنة وأكبَّ الناس على سماع الغناء وشُربت الخُمور وتعاطى الناس ـ أو كثير منهم ـ المخدرات والدخان، وتعامل كثير بالربا وأخذ الرشا والغش في المعاملات وكثرت الحيل وأكل أموال الناس بالباطل وعدم القناعة بالأحكام الشرعية وموالاة الكُفَّار واحتقار المسلمين والتهاون بالصلوات والبُخل بالزكاة وبالنفقات والاستهانة بفرائض الإسلام وبشعائر الدين ونحو ذلك كان ذلك سببًا لنزول هذه العقوبات ومن جملتها تأخر المطر ويبس الأشجار وغور الآبار وقلة البركات وكثرة العقوبات ووقوع النكبات وتسليط الأعداء على البلاد الإسلامية التي تُحكِّم القوانين وتُبيح الفواحش وما أشبه ذلك، فلعل المسلمين أن يعودوا إلى رُشدهم وأن يتمسكوا بدينهم وأن يتركوا جميع ما حرَّم الله وأن يُظهروا الولاء والمودة لأهل الخير ولأهل الإسلام ويُشجِّعوهم على الأعمال الصالحة ويقطعوا صلتهم بالكفار والمشركين والقبوريين والرافضة والمُعتزلة والمُتصوفة ونحوهم حتى يرحمهم الله وهو أرحم الراحمين.