أنواع شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

[ وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات
أما الشفاعة الأولى ؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه .
وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة، فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.
ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواما، فيدخلهم الجنة] .


(الشرح)* قوله : (وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات:...):
ذكر المؤلف الشفاعات فقال: وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات ،، هذه هي الشفاعات المشهورة، وإلا فقد أوصلها بعضهم إلى أنها خمس شفاعات:
الشفاعة الأولى: شفاعته إلى الله تعالى لفصل القضاء.
الشفاعة الثانية: شفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها.
الشفاعة الثالثة: شفاعته لقوم دخلوها أن يزاد في ثوابهم.
الشفاعة الرابعة: شفاعته لبعض أهل النار أن يخرجوا منها.
والشفاعة الخامسة: شفاعته لبعض أهل النار أن يخفف عنهم من عذابها.
فالمشهور أن له خمس شفاعات ومنهم من أوصلها إلى ست أو سبع أو ثمان، ولكن الصحيح أنها متداخلة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يشفع حتى تفتح أبواب الجنة ويدخلها أهلها، فتكون الشفاعة في دخول الجنة خاصة به، ولهذا جعل هنا هاتين الشفاعتين من خصائصه وهما: الشفاعة لفصل القضاء والشفاعة في دخول الجنة، أي في فتح أبواب الجنة ليدخلها أهلها من هذه الأمة ومن غيرهم.
والشفاعة معناها: الوساطة، وهي في حق الرسل ونحوهم من الذين يشفعون عند الله، وهي بمعنى السؤال والطلب، أي أنهم يطلبون من الله كذا وكذا، فسؤالهم وطلبهم من الله يعتبر شفاعة لأممهم، وفيه نفع وخير لأتباعهم.
هذا معنى كونها شفاعة، وقد ذكر الله تعالى أن هذه الشفاعة لا تنفع عنده إلا إذا أذن للشافع أن يشفع، وللمشفوع فيه أن يشفع فيه.

أما الشفاعة الأولى التي هي الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة التي يترادّها ويتراجع عنها أولو العزم فهذه شفاعة لأجل فصل القضاء بين العباد عندما يطول الموقف، ويتضرر الناس بطول الموقف في يوم القيامة؛ يجول بعضهم في بعض ويقولون: ألا ترون إلى ما نحن فيه، ألا تطلبون من يشفع لكم؟
فيأتون آدم ويقولون: هو أحق من غيره فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، فاشفع لنا إلى ربنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه!! ألا ترى ما قد أصابنا!! فيعتذر آدم ويقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا ذنب أبيكم. فيقول لهم: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح
وهكذا إذا جاءوا نوحا ردهم إلى غيره وقال: اذهبوا إلى إبراهيم ثم بعد إبراهيم موسى ثم بعد موسى عيسى ثم بعده يأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول:

أنا لها

حتى يُرَاحوا من طول العناء ومن هول المطلع، ومن الغم الذي هم فيه في الموقف.
وهذه الشفاعة قيل: إنها هي المقام المحمود الذي قال الله فيه:

عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء: 79].

يعني يحمدك فيه الأولون والآخرون، وذلك عندما يكون سببًا في أن ينزل الله تعالى لفصل القضاء بين عباده، ويريحهم من ذلك الموقف الطويل، وهذه الشفاعة خاصة به.
أما الشفاعة الثانية: فتكون عندما يوقفون عند أبواب الجنان، ويتوقف دخولهم على أن يطلب من الله فتح أبواب الجنان فيفتح لهم، وهذه الشفاعة خاصة به أيضا، في أنه يشفع حتى تفتح أبواب الجنة، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، وهم أهل الجنة الذين يستحقونها بفضل الله ثم بأعمالهم، لا يدخلونها إلا بعدما يشفع لهم.
وهذه الشفاعة تعتبر من الله تكريمًا لنبيه وإظهارًا لشرفه عند الناس في ذلك الموطن، فيكرمه بها لينال في هذا الموقف المقام المحمود، فهو سبحانه وتعالى أذن له بهذه الشفاعة مع أنها ملكه، فالشفاعة ملك لله تعالى، قال الله تعالى:

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر: 43].
فلما كانت الشفاعة ملكا لله صارت لا تُطلب إلا منه، ولكنه تعالى يقبل شفاعة نبيه ليكرمه، ويظهر فضله، ويرفع شأنه ويعطيه المقام المحمود الذي وعده به في هذه الآية

عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وإلا فهو سبحانه قادر على أن يدخلهم الجنة بدون سؤال، وبدون شافع، وكذلك أن يفصل بينهم، ولكنه تعالى أذن لنبيه بهذه الشفاعة ليظهر بذلك فضله.
أما الشفاعة الثالثة : فذكر أنها ليست خاصة به، بل يشاركه فيها الأنبياء والأولياء والصالحون والملائكة والأطفال وغيرهم ، فإنهم يشفعون في يوم القيامة فيمن دخل النار من أهل التوحيد أن يخرج منها .
وذلك أنه يدخل النار قوم من أهل الإسلام ومن أهل التوحيد بسبب كبائر وذنوب اقترفوها ، وقد ماتوا مصرين على ترك شيء من العبادات ، أو ماتوا مصرين على اقتراف شيء من السيئات أو كبائر الذنوب ، فلم تنلهم رحمة الله ، ولم يحصلوا على مغفرته فدخلوا النار .
ودخولهم النار يكون تمحيصا لسيئاتهم ، ومحوا لذنوبهم ، وتطهيرا لهم مما اقترفوه في الدنيا ، ويبقى أصل العقيدة وأهل التوحيد والإسلام معهم ، ولكنهم لم يعطوه حقه ، ولم يطبقوه حق التطبيق ، فاستحقوا أن يعذبوا بقدر ذنوبهم وسيئاتهم .
ثم بعد ذلك يأذن الله في أن يشفع في إخراجهم ، فيشفع فيهم الأنبياء والأولياء والصالحون والملائكة وغيرهم ، فيقول الله تعالى : أخرجوا من عرفتم من أهل التوحيد والإسلام ، فيعرفونهم بأثر السجود في الصلاة ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

حرَّم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود

يعني أعضاء السجود السبعة التي يسجد عليها في الصلاة ، وهذا يدل على أن فضل الصلاة والتوحيد، حتى ولو دخل النار لبعض الذنوب ثم يقول الله:

أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، إلى أن قال: مثقال أدنى ذرة من إيمان

.
يعني أخرجوا كل من يشمله اسم الإيمان وكل من كان في قلبه إيمان وإن كان ضعيفا، وبسبب ضعف إيمانه تجرأ على الذنوب واستخف ببعض العبادات، فكان سببا في دخوله النار، فإذا هُذِّب ونُقِّي وصُفِّي وطُهِّر ومُحِّص؛ محصته النار وأكلت ما اقترفه، عند ذلك يأمر الله تعالى بالشفاعة فيشفع فيهم، فيخرجون من النار، وقد احترق كثير منهم، يقول في الحديث:

فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل

وفي بعض الروايات أن أهل الجنة يسمونهم: الجهنميين يعني أنهم قد دخلوا النار ثم أخرجوا منها.
هذه الشفاعة التي هي شفاعة عامة هي في حق العصاة الذين دخلوا النار بسبب بعض المعاصي، وهي كما عرفنا عامة، ولا تنفع إلا أهل التوحيد الذين رضي الله عنهم؛ لقوله تعالى:

وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء: 28 ] وكذلك أيضا لا تكون هذه الشفاعة إلا بعد إذن الله، فلهذه الشفاعة شرطان:
الشرط الأول: إذن الله للشافع.
والشرط الثاني: رضاه عن المشفوع.
جمع الله بينهما في قوله تعالى:

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم: 26] يأذن الله لمن يشاء من الشافعين ويرضى أن يشفع في ذلك المذنب ونحوه.
وأنت تعرف أن الله لا يرضى إلا عن أهل التوحيد وأهل الإسلام، فالذي يموت وهو كافر، أو يموت وهو مشرك، فهذا لا يرضى الله عنه؛ لقوله تعالى:

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] فإذًا لا حظَّ في هذه الشفاعة لكافر ولا لمشرك، إنما هي خاصة بأهل التوحيد المذنبين.
وقد ثبت أن أبا هريرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه

؛ يعني من كان محقا ومخلصا في توحيده وعقيدته، وكذلك ثبت أنه عليه السلام قال:

إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا.



وهذه الشفاعة التي تكون في إخراج من يخرج من النار ممن دخلها، تنفع أهل الإسلام والعقيدة وكذلك فإنها إنما تُطلب من الله، ولا تُطلب من الأنبياء ولا من الأولياء ولا من غيرهم، فإذا طلبتها فاطلبها من مالكها وهو الله فتقول: اللهم شفِّع فيَّ نبيك أو أنبياءك، أو تقول: اللهم اجعلني ممن تنفعه شفاعة الشافعين، أو اللهم ارزقني عملا أنال به شفاعتهم، أو نحو ذلك.
وقد أنكر هذه الشفاعة بعض المبتدعة: كالخوارج والمعتزلة بناء منهم على تكفير وتخليد أهل الكبائر في النار، وأن من دخل النار من أهل الكبائر لا يخرج منها، وذلك أصل أصَّلوه: أن الوعيد الذي رُتِّب على من قتل مسلما ؛ أو من أكل مال اليتيم أو أكل ربا أو نحو ذلك مما ورد فيه وعيد شديد، فيقولون: إنه لا بد من إنفاذ ذلك الوعيد، فأنكروا لأجل ذلك الشفاعة.
ومن جملة ما استدلوا به قول الله تعالى:

وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وقوله:

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وقوله:

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ولكن المراد بهذه الآيات الشفاعة الشركية وهي التي تطلب من غير الله.
فهذا ما يتعلق بهذه الشفاعة، وهي جزء مما يكون في يوم القيامة. وما تضمنته الآخرة من أمور، وما يكون في يوم القيامة من خطوب وأهوال شيء كثير.